الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الطمأنينة واستقرار الخاطر
المؤلف: مجتبى اللّاري
المصدر: المشاكل النفسية والأخلاقية في المجتمع المعاصر
الجزء والصفحة: ص29 ـ 31
27-8-2022
1629
إن الإنسان يحتاج في صعيد الحياة المليء بالضوضاء إلى اطمئنان الخاطر أكثر من اي شيء آخر، فمن يشتغل على صعيد الحياة بالكفاح فيها بدون هذا السلاح فسوف ينتهي كفاحه لا محالة إلى انهزام، وكل ما كان ثقل الحياة أثقل، كانت هذه الحاجة أشد وأكثر وأوغل. فعلينا أن نعرف الآن كيف نستطيع أن ننجو من أسر الإضطرابات الشعواء، وأن نأوي إلى جناح الطمأنينة والاستقرار.
إن السعي وراء الثروة، والقدرة، والشهرة، والمادة، لتحصيل الطمأنينة سعي باطل، وسوف تذهب جميع المساعي الشخصية في هذه الطرق سدى، إذ ان منبع السعادة ليس إلا في نفس الإنسان، كما أن منبع الشقاء ايضاً في نفس هذا العالم الباطني، كما ينسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، قوله:
أتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
دواؤك فيك وما تشعر وداؤك منك وما تبصر(١).
فالدواء - كما يقول أمير المؤمنين (عليه السلام)، في نفس الإنسان فلا يمكن أن نجد في المقتضيات الخارجية لهذا الهدف مثل ما نجده في الذخائر الثمينة من القوى الباطنية للإنسان، فإن جميع منابع الرفاهية الخارجية وجميع الوسائل والمتشبثات التي تتخذ في هذا السبيل مؤقتة زائلة، فمحال أن تبلغ بالإنسان إلى الطمأنينة الكاملة، إنما الفكر والخصائص الأخلاقية هي التي لا تزول، فهي التي تغني الإنسان عن الإلتماس والتوسل بالأمور الزائلة.
يقول (ابيكتتوس الفيلسوف اليوناني الشهير): (يجب أن نعلم الناس انهم لا يستطيعون ان يجدوا السعادة وحسن الحظ حيثما يفتشون فيه عنهما ويخبطون سعيا وراءهما خبط عشواء، إن السعادة الحقيقية ليست في القوة والقدرة، فإن (ميرد)، و (اقليوس)، لم يكونا من السعداء، مع ما كان لهما من القدرة الفائقة. إن السعادة ليست في الثروة والأموال الطائلة، فإن (كروسوس)، لم يكن سعيداً مع جميع ما كان له من الكنوز والخزائن العديدة، إن السعادة ليست في القدرة الحكومية والإختيارات السياسية، فإن قياصرة الروم البيزنطية لم يكونوا سعداء مع ما كان لهم من القدرات الوسيعة.
وليست السعادة في مجموع هذه العطايا والمزايا أيضاً، فإن (نرو) و (سساردنابال) و (أكَامنن)، كانوا يبكون دائماً ويئنون، إذ أنهم كانوا العوبة بيد الحوادث والمصادفات، مع أنهم كانوا يمتلكون جميع تلك العطايا في حيازتهم. إنه يجب أن يفتش كل إنسان عن سعادته الحقيقية في نفسه وضميره).
يجب أن نعترف أن حل الكثير من الألغاز المدهشة في الطبيعة، وأن تكثير وسائل الحياة في العصر الحاضر، لم يكف لإيجاد حياة لا قلق فيها ولا اضطراب، وليس أنها لم تستطع أن تقلل من آلام الحياة فحسب، بل أتحفت البشرية تشويشاً وقلقاً واضطراباً جديداً، وعلى هذا، فمن أجل الابتعاد عن الآلام المستمرة في الحياة، ولأجل الارتفاع عن سطح السحب السوداء التي سترت أرواحنا، نحتاج إلى الأفكار النيرة حاجة ماسة، إن الفكر الذي يعد بحق أكبر القوى الفعالة في حياتنا كما استطاع أن يسلط البشر على الحياة المادية، وأن يوجد تغييراً مذهلاً في جميع شؤون الحياة، يستطيع أن يؤمن الروعة فيها أيضاً ومن هنا يتجلى الدور الأساسي للفكر وأثره المدهش في حياة البشر.
إن الفكر النير منبع فياض، يقدم الإنسان إلى أعلى من حاجاته المادية ويعرفه على عالم آخر، إن الأفكار العالية تمنع الإنسان الواعي من أن يصبح ألعوبة بيد القلق، إن الذي ربيت قواه الفكرية نافذة قوية حتى أصبحت مركز الثقل في وجوده، يتمكن حين الوقوف على أعتاب الحوادث المرة أن يتخذ حالة فكرية إيجابية بناءة، ويكون (كالجبل الراسخ، لا تحركه العواصف، ولا تزيله القواصف).
ولأجل النجاة من سيطرة الحوادث، ومن أجل أن لا تقع سفينتنا في الحياة في خضم أمواج الإفراط أو التفريط، يجب علينا أن نوجد في أفكارنا ميزاناً نقيم به أنفسنا في تصرفاتها فتقودنا الأفكار الصحيحة، للتي هي أقوم وتتجهز جميع قوانا الروحية ضد العوامل التي تولد القلق فينا.
يقول أحد علماء الغرب: (لعلنا لا نستطيع أن ننتخب أولئك الأفراد القلائل الذين يشبهوننا من حيث الأخلاق أو النواحي الأخرى، ولكننا أحرار في اختيار أفكارنا، فإننا في عقولنا حكماء بما نشاء، وليست هذه المقتضيات والظروف والمؤثرات أو الأشياء الأخرى التي نشاهدها في خارج عقولنا داخلة في عقولنا حتى تؤثر فيها أو تتحكم وتضطرنا إلى أن نختار ما لا نريده من الأفكار، إذن فيجب علينا أن نتعرض للأفكار الصحيحة، وأن نطرد عن عقولنا الأفكار القاصرة، فإننا نتوجه دائماً إلى حيث تتوجه إليه أفكارنا، وبعبارة اخرى أن أفكارنا هي التي توجهنا أي جهة شاءت، فيجب علينا أن لا نبيح لأنفسنا أن نفكر تفكيراً شريراً، ولا أن نشغل عقولنا بما نحن منه براء، فإن هذه الأفكار هي التي تأسرنا فتسقطنا في أنواع البلاء، يجب علينا دائماً ان نكون في التفكير نحو التكامل لا الانتقاص، يجب علينا أن نشغل أنفسنا بأحر الآمال وأسمى الأهداف، فأن سر الموفقية والسعادة انما هو في التفكير السليم فحسب).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ الديوان المنسوب إلى امير المؤمنين (عليه السلام)، حرف الراء.