الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الكبر يولد التذمر لدى الناس
المؤلف: مجتبى اللّاري
المصدر: المشاكل النفسية والأخلاقية في المجتمع المعاصر
الجزء والصفحة: ص93 ـ 95
10-8-2022
1379
إن غريزة (حب الذات) من الغرائز الأساسية في طبيعة الإنسان، وهي غريزة ضرورية له لاستمرار حياته، فإن علاقته بالوجود وسيعة في حياته وبقائه إنما ينبع من هذه الغريزة وهذا المنبع الطبيعي وإن كان قوة مثمرة يمكن أن ينمى بها كثير من الصفات الحميدة في وجود الإنسان، لكنها إن أفرط فيها أصبحت منشأ لكثير من السيئات والانحرافات الأخلاقية المختلفة.
إن أول الأخطار على الأخلاق هو الإفراط في حب الذات، فإنه قد يصل بصاحبه إلى أن لا يدع له في قلبه مجالاً لحب الآخرين، وأن هذا الإفراط هو الذي يمنع صاحبه عن الإعتراف بأخطائه، أو عن قبول الحقائق التي تتنافى مع غروره العاطفي. يقول البروفيسور روبينسون: (أننا كثيراً ما يتفق لنا أن نبدل كثيراً من أفكارنا أو أعمالنا من دون أي قلق أو اضطراب، ولكننا إذا أطلعنا أحد على خطأ أو زلة وجدنا في أنفسنا ثورة توقفنا أمام هذه النسبة موقف الدفاع أننا نتقبل العقائد بكل سهولة ولكننا إذا أراد أحد أن يسلبنا عقيدتنا وقفنا أمامه موقف المدافع المتهور، بينما لا نجد علاقتنا بأصل عقائدنا بهذه المتانة والقوة ولكننا نرى عواطفنا وأحاسيسنا إذ ذاك في خطر عظيم لو قيل لنا أن ساعتك تتأخر، أو أن سيارتك قديمة الطراز، نتألم تألماً لا نتألم بمثله فيما لو قيل لنا ان معلوماتك عن جداول المريخ، أو نوعية حضارة الفراعنة في مصر خاطئة).
إن أكبر آفات السعادة وأشقى أعداء البشر هو الكبر ورضا الإنسان عن نفسه. ولا تصل كراهية الناس من سائر الرذائل الخلقية إلى ما تصل إليه كراهيتهم من التكبر. إن الكبر من الصفات التي تقطع حبائل الالفة والأنس بين الإنسان وأخيه الإنسان، بل يبدلهما إلى العداء، ويفتح على صاحبه باباً من الانزجار العام. كما يتوقع الإنسان من الآخرين المحبة والإكرام كذلك وعلى نفس المستوى والمدى يجب أن يكون هو ساعياً في حفظ شؤون الآخرين وكراماتهم ومحترزاً عن كل ما يخالف حسن المعاشرة وقطع حبائل الوداد. إن إهمال عواطف الآخرين يولد عملا معاكسا منهم، فإنه هو يقع منهم موقع الإهانة والاستخفاف.
إن المجتمع هو الذي يحفظ لكل أحد حقوقه وحدوده، فكل أحد يرى منهم من الإكرام والمحبة بمقدار لياقته ومؤهلاته. أما الذي قصر نظره على حب نفسه فإنما ينظر إلى ما يريد ثم لا يبالي بحقوق الآخرين وشؤونهم وأحوالهم أبداً، فهو يحاول بعناد وإصرار شديدين ان يجعل نفسه في معرض الجلال والشهرة، وأن يحمل كبره الموهوم على رقاب الناس. وأن هذا الإصرار على توقع الإحترام له من الناس في غير محله يسبب ظهور مضادة شديدة بين ما يريد وبين ما يعامله به الناس خليطاً بالتنفر والانزجار العميقين. وإن رد الفعل هذا من المجتمع على المتكبر سيؤلمه، وسيتحمله هو بكل قلق واضطراب
وإن من آثار الكبر سوء الظن والتشاؤم، فإن المتكبر تستعر في نفسه شعل نيران التشاؤم وسوء الظن فيظن الجميع أعداء يريدون به السوء. ثم هو لا ينسى ما يتوالى عليه منهم من الإهمال والازدراء والتحقير، فهو يتأثر من كل ذلك من حيث يشعر أو لا يشعر، فيبعثه ذلك كل حين على الحقد والانتقام من مجتمعه في أي فرصة مؤاتية، ولا ترتاح روحه حتى ينتقم فيخمد بذلك ثورته النفسية.
وأن شيطان الكبر لا يتطرق إلى ضمير الإنسان إلا حينما يصاب الإنسان بمرض (الإحساس بالحقارة)، وهذا الإحساس هو الذي ينتهي إلى إيجاد (عقدة الحقارة) في المريض، وهي عقدة مؤلمة مدمرة من الممكن أن ينبع عنها أخطار كثيرة وجرائم مختلفة، وهي التي تجر المتكبر إلى المزيد من الشقاء. ويتضح لنا من مطالعة تاريخ العالم أن المتكبرين هم الذين كانوا يخالفون نهضة الأنبياء والرسل ويمتنعون ويمنعون عن قبول حقائقهم. وأن المجازر العامة والوحشية التي تحققت في الحروب الدموية العالمية والتي كادت أن تجر البشرية إلى جهنم الفناء والدمار إنما كانت نابعة من كبر وغرور عدد من القادة قساة القلوب.
وأن كثيراً من المتكبرين إنما هم أولئك الشذاذ الذين تربوا في عائلة متسافلة ثم تسللوا إلى مقام ما في المجتمع، وهم بذلك يريدون أن يجبروا ما هو فيهم من النقص العائلي، فهم يتصورون لأنفسهم شخصية أسمى من شخصيات سائر الناس، ويريدون أن يعلنوا عن شرفهم هذا الموهوم عن طريق الكبر والغرور. وأن باستطاعة القراء الكرام أن يروا هذا القبيل من الناس حولهم أينما كانوا. إن الرجل البارز ذا الحرمة الواقعية لا يحس في نفسه بالحاجة إلى أن يحمل كبره ونخوته على الآخرين، إذ هو يعلم أن الكبر ليس مما يعطي صاحبه جلالاً واقعياً، وأن الغرور والنخوة لن تولدا لأصحابهما شخصية حقيقية، ولن ترفعا أحداً إلى أي عظمة يرفع بها الرأس عند الناس باستحقاق.
يقول أحد علماء النفس: (أقصروا الآمال والأمنيات، وقللوا التوقعات والانتظارات، وتحرروا عن الميول والشهوات، وابتعدوا عن الكبر والغرور ودعوا التقيدات الخيالية. حتى تضمنوا بذلك لأنفسكم سلامة أكثر وصحة أبقى).