x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : الحياة الاسرية : الآباء والأمهات :

دور الأم في التربية

المؤلف:  السيد محمد تقي المدرسي

المصدر:  المرأة بين مهام الحياة ومسؤوليات الرسالة

الجزء والصفحة:  ص69ــ77

11-7-2022

1816

لقد استطاعت عواصف التضليل الثقافي - مع شديد الأسف - اجتياح معتقدات شعوبنا وتقاليدها. ففي كل يوم تواجهنا تقليعة جديدة واسلوب جديد ووسيلة حديدة. فإن كانت محطات التلفزة الموجهة إلينا مائة محطة في السنة الماضية، فهي اليوم قد تضاعفت. وإذا كان انتشار الانترنت في الأمس بسيطاً، فهو اليوم هائل.

إن اسراتيجية تحويل العالم برمته الى عالم صغير، أو ما يسمى بين المثقفين بسياسة العولمة، حيث تحذف الحواجز والفوارق، هذه الاسراتيجية لا يكمن وراءها سوى إخضاع الشعوب، او تحطيم الخصوصيات التي تمتاز بها الأم المستضعفة، وتهميش دينها وثقافتها الأصلية. وبالفعل فقد نجحت هذه الاستراتيجية الى حد كبير في الزحف والسيطرة واستقلاب ما تبقى لدينا من قيم روحية واهتمامات معنوية.

أقول - وبكل تألّم-: إن الانباء التي تواجهني فيما يخص هذا البلد المسلم او ذاك مزعجة للغاية، حيث أرى وأسمع كيف تمكنت شبكات الأقمار الصناعية الغربية من جذب المشاهدين - وهم عدد كبير جداً - وهي تغروهم في عقر دارهم بأفلام الرذيلة والانحطاط الفكري والخلقي، وليس من سر اكشفه إذا ما قلت بأن تلك الأفلام والبرامج تعم الصفير قبل الكبير، والشاب قبل الكهل، حتى أصبح أطفالنا مدمني غناء وموسيقى، فاستعاضوا بهما عن قراءة القرآن ومطالعة سنة أهل البيت عليهم السلام...

والآن حيث تلمسنا شيعاً من واقعنا المرير، فعلى عاتق من مسؤولية هذه الهزيمة الاخلاقية والروحية النكراء؟

والجواب لا يعدو عن القول، بأن الجميع ولكن بدرجات متفاوتة. فحكام الشعوب المسلمة مسؤولون، والشعوب برجالها ونسائها مسؤولة هي الأخرى، والوالدان مسؤولان عن اولادهما، والأخ مسؤول، والاخت مسؤولة، والأولاد بدورهم مسؤولون.

ولكن لما كان إطار بحثنا يختص بالتربية، ولما كان البيت ونطاق الاسرة ومستوى تأثير الأم المتوقع على اطفالها، آخر ما تبقى من وسائل في التربية - وإن كان أهمها - فإنني احمل الام المسؤولة أولاً.

فإن نظرت الأمهات الى اطفالهن وقد كبروا وأصبحوا رجالاً بعد عشرين عاماً مثلا، وهم على ما هم عليه من تأثر بليغ بثقافة الانحطاط المحيطة بهم، فماذا سيكون جوابهن أمام محكمة التأريخ؟ بل الأحرى التساؤل عن طبيعة موقفهن أمام محكمة العدالة الإلهية يوم القيامة، حيث يواجههن جيلهن بتهمة التفريط والتقصير في فريضة التربية السليمة، وهن على الأقل كنّ قادرات على منع اجهزة الانحراف والثقافة المائعة دون الدخول الى بيوتهن.

الواقع المشهود أن اهتمام الأمهات - بصورة عامة - منصب على توفير أفضل ما يمكن من طعام للأطفال، وأنهن يعانين ما يعانيين إذا ما أصيب احدهم بعلة او وجع خفيف في جسمه.. في حين ان هذا الأمر إذا كان ملحاً، فإن الأمر الأكثر الحاحاً هو الاهتمام والعناية بروح الطفل وعقله، إذ من الخطأ الفادح تصور الأطفال دون عاطفة او عقل. فالطفل يؤهله استعداده الى تلقي التربية واستيعاب التعليم منذ احتضان المهد إياه، كما اكدت ذلك روايات أهل البيت عليهم السلام الخاصة بالتربية وطلب العلم، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اطلب العلم من المهد الى اللحد". وهذا القول الشريف ليس إلا دعوة صريحة للآباء والأمهات لطلب العلم والتربية للأولاد منذ وقت مبكر للغاية.

إن الخيار الوحيد المتاح لمواجهة تيارات الانحراف هو خيار التربية الأسرية، فمراكز التوجيه الاستراتيجي في الغرب قد سلبتنا كل شيء، بدءً بالمدرسة والصحيفة والمحطات المرئية والمسموعة، وانتهاء بأجهزة التوجيه الحديثة حيث الحاسوب وآليات الاستفادة منه.. كلها اخذوها منا ولم يتبق لدينا سوى التربية البيئية، وقد يأتي يوم من الأيام فيسلبونا حتى هذا المتبقى كما هو حادث في بلدانهم هم، حيث تتدخل تلكم المراكز في كل صغيرة وكبيرة في حياة العائلة الغربية لتوجه أطفالها كما يحلو لها، ساعية الى تعميق الهوة ما أمكن بين الطفل ووالديه.

ولكن ماهي الخطوط العريضة التي ينبغي لأم المسلمة الالتزام بها مبدئياً على صعيد التربية؟

الخطر الأول: أن تنهض الأم بمستواها الثقافي هي قبل كل شيء. فمادامت جاهلة بالتعاليم والقيم الدينية ستبقى عاجزة عن التربية والعطاء، إذ أن فاقد الشيء لا يعطيه. ومن الممكن التأكيد على أن ايجاد مراكز علمية متخصصة بهذا الشأن. سيكون له الدور الكبير في انجاز هذه المهمة، واما الأمهات اللاتي لا يستطعن الحضور في مثل هذه المراكز، فبإمكانهن الاطلاع ودراسة العلوم الدينية والتربوية عبر أشرطة الكاسيت دراسة منزلية.

ثم إن إشراك الاطفال في الحضور مع أمهاتهم وآبائهم في مجالس الوعظ الديني والعلمي، هو الآخر له أثر كبير في صياغة شخصية الطفل وترسيخ قول الخير في ذاكرته، حتى تكون رصيداً غنياً ينعكس على سلوكياته ومعتقداته في المستقبل.

ولقد اتذكر جيداً أن جدي المرحوم آية الله العظمى السيد مهدي الشيرازي، وكان احد مراجع الدين الكبار في زمانه، نقل لي ان والدته كانت تنهض لأداء صلاة الليل فتحله على محادة الصلاة معها لمجرد ان ينظر اليها تصلي، حتى أنه تعود على هذا المنظر المقدس. فكان مواظباً على أداء صلاة الليل الى آخر يوم من عمره الشريف، بل لم تكن لديه القدرة على تركها.

وهذا يعني - فيما يعني - أن التربية والتوجيه لا يشرط فيها ألا تكون إلا بالقول، فممارسات الأبوين لها الأثر الأكبر في تكريس قناعات الإنسان واعتقاداته وسلوكياته. وهذا بدوره يمثل خطاً ثانياً من خطوط التربية.

والخط الثالث: تطهير الجو المنزلي واضفاء القدسية عليه، وتجنيب الأطفال كل ما من شأنه تدنيس أرواحهم وعواطفهم الشفافة. فالبيت يجب ان يتحول الى محط للملائكة، بدلا ان يكون وكراً للشياطين.

ان الأجدر بمكان أن يكوّن محور العائلة وكبيرها، جلسات العلم وقراءة القرآن، لا الانسياق مع التلفزيون وبرامجه التي تعود بالضرر - في أغلب الأحيان-. وما أروع ان يخصص الآباء والأمهات من اوقاتهم قسماً كبيراً لنقل قصص الأنبياء وأهل البيت والصالحين من اولياء الله على مسامع الأطفال. وذلك ضمن برنامج توجيهي متقن يتفاعل مع قابلية واستعداد الأطفال الذهني والروحي. وما أروع ان نستعيض عن صور الممثلين والممثلات السينمائيين وصور لاعبي كرة القدم بصور العلماء الأفاضل. بل ماذا يربط الطفل المسلم بلاعب لكرة القدم يربح الملايين ويتنعم في حياته بمختلف الأشكال، وهذا الطفل يأن فقراً روحياً ومادياً ومستقبلياً؟ وماذا يربط أطفالنا بممثلة او مغنية لا تجد حرجاً بعرض مالديها من شرف وحشمة أمام انظار الملاين من المشاهدين لكسب شيء من المال والشهرة؟

ومما يمكن ان أرويه لك في هذا المجال، أن السيد حسن الشهرستاني صاحب كتاب المنتخب الحسيني استطاع الى حد كبير في الابداع والنجاح في هذا المجال، حيث حول هذا الرجل بيته الى بيت الملائكة، إذ كان بيته يحوي عدة طوابق يقطن فيها اولاده المتزوجين وبناته المتزوجات وكان قد وزع مكبرات وناقلات الصوت على زوايا البيت، فكان يبداً بقراءة القرآن الكريم في وقت السحر، ليستيقظ الكبار والصغار على صوت كبير عائلتهم ليؤمّهم في صلاة الصبح. وعود ابناءه على اداء النوافل من الصلوات، ومداومة قراءة الادعية والزيارات..

إن الرحمة والبركة إنما تتنزل على بيت مفعم بروح الايمان والقرآن والمحبة والعواطف النبيلة، لا على بيت يضج بأصوات الفسق والانشغال بتوافه الأمور الدنيوية، ولقد صدق الله العلي العظيم حيث قال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} [طه: 124].

ويغفل كثير من الناس عن السبب الحقيقي وراء قلقهم النفسي الدائم وتعب أجسادهم، إذ ما ان تسأل الواحد منهم عن علة عدم اهتمامه بأولاده، حتى يجيبك بأنه لا مجال لديه، أو أنه تعب روحياً وجسدياً، ولكن الحقيقة تؤكد بأن انشراح نفسية الانسان المسلم لا تكون إلا بالاتصال مع القرآن الكريم والالتزام بتعاليم الدين والايمان.

أما الخط الرابع؛ فهو تربية الأطفال على حب الآخرين والرغبة في فعل الخير لهم. فالطفل حيث يكون كائناً انانياً او يكره الآخرين، لن يكون إلا نموذجاً للطغاة الذين تربوا في احضان التكبر والبغض والظلم. فالأخلاق تنمو في ذات الإنسان، حتى تصبح جزءاً لا يتجزأ منه.

وأنا شخصياً حينما يخبرني الأصدقاء عن نجاحهم في انجاز مشروع خيري، أؤكد عليهم بضرورة الدعاء لآبائهم وامهاتهم ومن علمهم حب الخير، فروح التضحية والعطاء والجهاد، إنما كانت تراثاً انتقل إليهم ممن علمهم.

فيا ايتها الأم؛ يا من وصلتي الى هذا المقام المقدس الرفيع، أطالبك بما طالبك به الدين، أن تعملي عملاً يكون لك ذخراً صالحاً يوم المعاد، فاجعلي كل اهتمامك على غرس حب الآخرين في أطفالك، ليكون كل واحد منهم نموذجاً اجتماعياً صالحاً يسعى الى بناء مجتمعه المؤمن السليم. فعلمي أطفالك على حب زملائه في المدرسة، وعلميهم على حب أقاربهم..

إن تكريس حب الآخرين وإسداء الخير لهم يعتبر الخطوة الأساسية الأولى لاستراتيجية بعيدة المدى، تنتهي الى القضاء نهائياً على الأزمات الانسانية والاقتصادية والسياسية التي يعاني منها المجتمع المسلم بصورة عامة. فلو كان التعاطف والراحم متكرساً بين المسلمين كما هو المطلوب، هل حدث ما حدث من نكسات وهزائم وفجائع انسانية في العراق او افغانستان.. حيث الجوع والتشرد وتدمير الشخصية مثلا؟

ولقد جاء في قصص الأنبياء أن نبياً - ولعله النبي يونس عليم السلام - أوحى الله له بأنه سيعذب قومه بسبب كفرهم في الوقت الفلاني. فانتظر هذا النبي العظيم حتى حل الوقت، فلم ير أية العذاب، فنادى ربه متسائلاً عن السبب في عدم نزول العذاب، فأوحى الله له بأنه ضيق عليهم ومنع عنهم المطر واجدب ارضهم فقلت ارزاقهم، ولكنهم اخذوا يتراحمون ويتعاونون فيما بينهم، ولما كنت أنا – الله - أرحم الراحمين فقد "بدا" لي عدم تعذيبهم وتدميرهم فرحمتهم...

ولتعلمي أطفالك، بالقول وبالفعل، بأن الايثار وحب الآخرين ليس شرطه أن يكون ذا كم كبير، بل الأهم هو تكريس روح الإيثار والانفاق والعطاء والاحسان والاهتمام بالآخرين. وقد ورد عن المعصوم قوله الشريف: "انفقوا ولو نصف تمرة..." فصفة الانفاق والايثار ليست خاصة بالأغنياء، بل العكس هو الصحيح، إذ كلما ازداد الانسان غنى كلما ازداد شحاً إلا من عصمه الله.

ثم إن المرأة كزوجة مطالبة أيضا بالوقوف وراء زوجها ودفعه بأداء واجباته المطلوبة تجاه ابناءه، حتى تتكامل عوامل تربية الطفل ولا يحس بنقص ما في شخصيته، إذا ما تنبه الى تغافل ابيه عنه.

وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: الجنة تحت أقدام الأمهات".

وأصاب من قال: وراء كل رجل عظيم امرأة.