الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الحسود يحترق بنار الخيبة والحرمان
المؤلف: مجتبى اللّاري
المصدر: المشاكل النفسية والأخلاقية في المجتمع المعاصر
الجزء والصفحة: ص85 ـ 86
3-7-2022
1922
إن من أهم عوامل التقدم والانتصار في ساحة الحياة لهو النفوذ إلى قلوب الآخرين والتأثير فيهم، فإن من استطاع أن يحكم على القلوب بلياقته وصفاته العالية استفاد في سلوك سبيل التقدم من مساعدة أفراد المجتمع، وملك بذلك مفاتيح الموفقية والنجاح. إن أصحاب الخير كالمصابيح في المجتمع يتقدمون بين أيدي الناس فيقودون أفكارهم ويؤثرون في أخلاقهم تأثيراً عميقاً.
ولكنّ الحسد يعلن بوجهه الكريه فناء الصفات الخيرة والملكات الفاضلة، ويحول بين أفراد المجتمع فلا يدع أن يجد الشخص في قلوب معاشريه موقعاً ذا اهمية، ولا ان يرى بعينه كوكب المحبة يسطع في سماء حياته، وبالتالي يحرمه الحسد عن التنعم بنعمة التعاون ومزايا المساعدة ولكن الحسود أيضاً بإظهاره الحسد باللسان أو اليد يعري رجسه ويعلنه للملأ، فيجر بذلك على نفسه أمواج السخط والكراهية العامة. وأن الإضطراب المحسوس والحزن العميق الذي يجره بالحسد على نفسه يضغط روحه، وهو بذلك يوقد ناراً تتأجج لإحراق روحه الحبيبة.
وأن السبب في احتراق روح الحسود بالقلق والاضطراب النفسي شيء واضح، إذ أن النعم الإلهية تتسع على خلاف ما يتوقع، فهولا يزال لذلك في حزن وألم مخيم على فؤاده. إن الحسد كالعاصفة الشديدة تهب فتقلع شجرة الفضائل من الجذور والأعراق، بحيث لا يجد الحسود في نفسه أي وازع وجداني عن ارتكاب أية جريمة مهما كانت.
حينما رأى قابيل أن قربان (هابيل)، قد قبل بينما لم يتقبل قربانه حسده حتى صمم على قتله وقتله خيانة، أنشب الحسد مخالبه على قلبه فسلبه عاطفة الأخوة والإنسانية، فحطم بالصخرة رأس أخيه وخضّب جسده المقدس بدمائه لا لشيء إلا لأنه أخلص في نيته وكان طاهراً في عمله، لقد شهد العالم الهادئ في ذلك العهد أولى ضحايا الحسد على أثر جناية عظيمة مهولة وقعت على يد ولد آدم (عليه السلام). ولما فعل الحسد ما فعل ندم من عمله الشنيع ولكن لم ينفعه الندم بل لا زال يتألم من وخز ضميره ما بقي على قيد الحياة. ولو كان قد تطرق الفكر الصحيح الواقعي إلى خاطره لكان يفتش عن سبب حرمانه عن الفيوضات الإلهية في نفسه: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}[المائدة: 27].
يقول العالم الالماني شوبنهاور: (إن الحسد من أخطر عواطف الإنسان، وعلى هذا فيجب على الإنسان أن يحسبه ألد أعدائه في سبيل سعادته ويسعى في دحضه ودفعه).
إنه إذا فشا الحسد بين أفراد المجتمع شاعت فيهم مظاهر كثيرة من المشاجرات المختلفة، وفي مجتمع كهذا مليء بالآلام والمحن يصبح كل واحد منهم - بدل أن يكون مكملاً لنقائص الآخرين ومساهماً في تحسين أوضاعهم - سداً أمام سعادتهم وتقدمهم في الحياة، وأن حسد هؤلاء سيمنع من أي إصلاح بينهم، وبالتالي ينفرط روح النظام والراحة والطمأنينة وينتهي الأمر بهم إلى الفناء والدمار على ما هم فيه من الحضارة والعمران. كما قال الدكتور كارل: (إن المسؤول عن بخلنا وعقمنا هو الحسد فينا، فإنه هو الذي يمنع من وصول آثار تقدم الأمم المتقدمة إلى دول العالم الثالث، وبه ايضاً يمنع من وصول كثير من ذوي القابليات إلى قيادة أممهم).
إن أكثر الجرائم التي تقع اليوم في زوايا هذا المجتمع مصحوبة بأنواع من الشدة والقسوة إنما ينبع من الحسد، ويظهر ذلك بالتعمق في الحوادث.