تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الأية (12-15) من سورة مريم
المؤلف: المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
1-9-2020
8389
قال تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا } [مريم: 12 - 15]
قال سبحانه { يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ } هاهنا اختصار عجيب تقديره فوهبنا له يحيى وأعطيناه الفهم والعقل وقلنا له يا يحيى خذ الكتاب يعني التوراة بما قواك الله عليه وأيدك به ومعناه وأنت قادر على أخذه قوي على العمل به وقيل معناه بجد وصحة عزيمة على القيام بما فيه { وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا } أي: آتيناه النبوة في حال صباه وهو ابن ثلاث سنين عن ابن عباس وروى العياشي بإسناده عن علي بن أسباط قال قدمت المدينة وأنا أريد مصر فدخلت على أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) وهو إذ ذاك خماسي فجعلت أتأمله لأصفه لأصحابنا بمصر فنظر إلي فقال لي يا علي إن الله قد أخذ في الإمامة كما أخذ في النبوة قال ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وقال { وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا } فقد يجوز أن يعطي الحكم ابن أربعين سنة ويجوز أن يعطاه الصبي وقيل إن الحكم الفهم وهو أنه أعطي فهم الكتاب حتى حصل له عظيم الفائدة عن مجاهد وعن معمر قال إن الصبيان قالوا ليحيى اذهب بنا لنلعب فقال ما للعب خلقنا فأنزل الله فيه { وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}.
وروي ذلك عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) { وحنانا من لدنا } والحنان العطف والرحمة أي: وآتيناه رحمة من عندنا عن ابن عباس وقتادة والحسن وقيل: معناه تحننا على العباد ورقة قلب عليهم ليدعوهم إلى طاعة الله تعالى عن الجبائي وقيل: معناه محبة منا عن عكرمة وأصله الشفقة والرقة ومنه حنين الناقة وهو صوتها إذا اشتاقت إلى ولدها وقيل: معناه تحنن الله عليه كان إذا قال يا رب قال الله لبيك يا يحيى وهو المروي عن الباقر (عليه السلام) وقيل معناه تعطفا منا عن مجاهد فهذه خمسة أقوال { وزكاة } أي: وعملا صالحا زاكيا عن قتادة والضحاك وابن جريج وقيل زكاة لمن قبل دينه حتى يكونوا أزكياء عن الحسن وقيل يعني بالزكاة طاعة الله والإخلاص عن ابن عباس وقيل: معناه وصدقة تصدق الله به على أبويه عن الكلبي وقيل معناه وزكيناه بحسن الثناء عليه كما يزكي الشهود الإنسان عن الجبائي فهذه خمسة أقوال { وكان تقيا } أي: مخلصا مطيعا متقيا لما نهى الله عنه قالوا وكان من تقواه أنه لم يعمل خطيئة ولم يهم بها سؤال يقال لم أضاف الله سبحانه كونه زكاة إلى نفسه وهو إنما كان مطيعا زكيا بفعله وجوابه إنه إنما صار كذلك بألطاف من الله لا سيما في تلك الحالة من الصغر ولأنه إنما اهتدى بهداية الله إياه { وبرا بوالديه } أي: بارا بوالديه محسنا إليهما مطيعا لهما لطيفا بهما طالبا مرضاتهما { ولم يكن جبارا } أي: متكبرا متطاولا على الخلق وقيل: الجبار الذي يقتل ويضرب على الغضب عن ابن عباس { عصيا } أي: عاصيا لربه فعيل بمعنى فاعل { وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا} أي: سلام عليه منا في هذه الأيام عن عطاء وقيل وسلامة وأمان له منا عن الكلبي ومعناه سلامة وأمن له يوم ولد من عبث الشيطان به وإغوائه إياه ويوم يموت من بلاء الدنيا ومن عذاب القبر ويوم يبعث حيا من هول المطلع وعذاب النار وإنما قال { حيا } تأكيدا لقوله { يبعث } وقيل: يعني أنه يبعث مع الشهداء لأنهم وصفوا بأنهم أحياء قال سفيان بن عيينة : أوحش ما يكون الإنسان في ثلاثة مواطن يوم ولد فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ويوم يموت فيرى قوما لم يكن عاينهم وأحكاما ليس له بها عهد ويوم يبعث فيرى نفسه في محشر عظيم فخص الله سبحانه يحيى بالكرامة والسلام والسلامة في المواطن الثلاثة وقيل إن السلام الأول يوم الولادة تفضل والثاني والثالث على وجه الثواب والجزاء .
____________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص407-409.
{ يا يَحْيى } اكتفى سبحانه بهذا النداء عن القول : ان يحيى قد ولد ، وانه أصبح يعقل ويفهم ما يقال له ، وقادرا على العمل بالتوراة ، وهي الكتاب الذي عناه اللَّه بقوله : { خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ } ومعنى أخذه بقوة التزام العمل به بجد واخلاص . ثم وصف سبحانه يحيى بالأوصاف التالية :
{ وآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وحَناناً مِنْ لَدُنَّا وزَكاةً وكانَ تَقِيًّا وبَرًّا بِوالِدَيْهِ ولَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا } . المراد بإيتاء الحكم صبيا التفقه بالدين في سن مبكرة ، وهذه نعمة من اللَّه خص بها يحيى ، كما خصه بالولادة من أبوين كبيرين ، واللَّه سبحانه يختص برحمته من يشاء ، وفي بعض الروايات ان الغلمان قالوا يوما ليحيى : هيا بنا نلعب . فقال : ما للعب خلقنا ، اذهبوا بنا للصلاة . والحنان الرحمة بالعباد ، والزكاة الطهارة والقداسة ، والتقوى طاعة اللَّه ، والبر بالوالدين ضد العقوق ، وقوله تعالى : { ولَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا } عطف تفسير ، لأن الزكي التقي غير الجبار العصي .
{ وسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ويَوْمَ يَمُوتُ ويَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا } . هذا كناية عن أن يحيى مرضي عند اللَّه دنيا وآخرة ، ومن الواضح ان رضاه تعالى نتيجة طبيعية للنعوت التي نعت اللَّه بها يحيى ( عليه السلام ) .
{ يا يَحْيى } اكتفى سبحانه بهذا النداء عن القول : ان يحيى قد ولد ، وانه أصبح يعقل ويفهم ما يقال له ، وقادرا على العمل بالتوراة ، وهي الكتاب الذي عناه اللَّه بقوله : { خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ } ومعنى أخذه بقوة التزام العمل به بجد واخلاص . ثم وصف سبحانه يحيى بالأوصاف التالية :
{ وآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وحَناناً مِنْ لَدُنَّا وزَكاةً وكانَ تَقِيًّا وبَرًّا بِوالِدَيْهِ ولَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا } . المراد بإيتاء الحكم صبيا التفقه بالدين في سن مبكرة ، وهذه نعمة من اللَّه خص بها يحيى ، كما خصه بالولادة من أبوين كبيرين ، واللَّه سبحانه يختص برحمته من يشاء ، وفي بعض الروايات ان الغلمان قالوا يوما ليحيى : هيا بنا نلعب . فقال : ما للعب خلقنا ، اذهبوا بنا للصلاة . والحنان الرحمة بالعباد ، والزكاة الطهارة والقداسة ، والتقوى طاعة اللَّه ، والبر بالوالدين ضد العقوق ، وقوله تعالى : { ولَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا } عطف تفسير ، لأن الزكي التقي غير الجبار العصي .
{ وسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ويَوْمَ يَمُوتُ ويَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا } . هذا كناية عن أن يحيى مرضي عند اللَّه دنيا وآخرة ، ومن الواضح ان رضاه تعالى نتيجة طبيعية للنعوت التي نعت اللَّه بها يحيى ( عليه السلام ) .
_____________
1- التفسير الكاشف، ج ٥، محمد جواد مغنية، ص 172-173.
قوله تعالى:{ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} قد تكرر في كلامه تعالى ذكر أخذ الكتاب بقوة والأمر به كقوله:{فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها}: الأعراف: 145، وقوله:{ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ}: البقرة - 63، وقوله:{ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا}: البقرة: 93 إلى غير ذلك من الآيات، والسابق إلى الذهن من سياقها أن المراد من أخذ الكتاب بقوة التحقق بما فيه من المعارف والعمل بما فيه من الأحكام بالعناية والاهتمام.
وفي الكلام حذف وإيجاز رعاية للاختصار، والتقدير: فلما وهبنا له يحيى قلنا له: يا يحيى خذ الكتاب بقوة في جانبي العلم والعمل، وبهذا المعنى يتأيد أن يكون المراد بالكتاب التوراة أوهي وسائر كتب الأنبياء فإن الكتاب الذي كان يشتمل على الشريعة يومئذ هو التوراة.(2)
قوله تعالى:{ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً} فسر الحكم بالفهم وبالعقل وبالحكمة وبمعرفة آداب الخدمة وبالفراسة الصادقة وبالنبوة، لكن المستفاد من مثل قوله تعالى:{ وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}: الجاثية: 16، وقوله:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}: الأنعام: 89، وغيرهما من الآيات أن الحكم غير النبوة، فتفسير الحكم بالنبوة ليس على ما ينبغي، وكذا تفسيره بمعرفة آداب الخدمة أوبالفراسة الصادقة أوبالعقل إذ لا دليل من جهة اللفظ ولا من جهة المعنى على شيء من ذلك.
نعم ربما يستأنس من مثل قوله:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ}: البقرة: 129، وقوله:{ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ}: الجمعة: 2 - والحكمة بناء نوع من الحكم - أن المراد بالحكم العلم بالمعارف الحقة الإلهية وانكشاف ما هو تحت أستار الغيب بالنسبة إلى الأنظار العادية ولعله إليه مرجع تفسير الحكم بالفهم.
وعلى هذا يكون المعنى إنا أعطيناه العلم بالمعارف الحقيقية وهو صبي لم يبلغ الحلم بعد.
وقوله:{وحنانا من لدنا} معطوف على الحكم أي وأعطيناه حنانا من لدنا والحنان: العطف والإشفاق، قال الراغب: ولكون الإشفاق لا ينفك من الرحمة عبر عن الرحمة بالحنان في قوله تعالى:{وحنانا من لدنا} ومنه قيل: الحنان المنان وحنانيك إشفاقا بعد إشفاق.
وفسر الحنان في الآية بالرحمة ولعل المراد بها النبوة أوالولاية كقول نوح (عليه السلام):{ وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ}: هود: 28، وقول صالح:{ وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً}: هود: 63.
وفسر بالمحبة ولعل المراد بها محبة الناس له على حد قوله:{ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي}: طه: 39، أي كان لا يراه أحد إلا أحبه.
وفسر بتعطفه على الناس ورحمته ورقته عليهم فكان رءوفا بهم ناصحا لهم يهديهم إلى الله ويأمرهم بالتوبة ولذا سمي في العهد الجديد بيوحنا المعمد.
وفسر بحنان الله عليه كان إذا نادى ربه لباه الله سبحانه على ما في الخبر فيدل على أنه كان لله سبحانه حنان خاص به على ما يفيده تنكير الكلمة.
والذي يعطيه السياق وخاصة بالنظر إلى تقييد الحنان بقوله:{من لدنا} - والكلمة إنما تستعمل فيما لا مجرى فيه للأسباب الطبيعية العادية أولا نظر فيه إليها - أن المراد به نوع عطف وانجذاب خاص إلهي بينه وبين ربه غير مألوف، وبذلك يسقط التفسير الثاني والثالث ثم تعقبه بقوله:{زكاة} والأصل في معناه النمو الصالح، وهو لا يلائم المعنى الأول كثير ملائمة فالمراد به إما حنان من الله سبحانه إليه بتولي أمره والعناية بشأنه وهو ينمو عليه، وإما حنان وانجذاب منه إلى ربه فكان ينموعليه، والنمو نمو الروح.
ومن هنا يظهر وهن ما قيل: إن المراد بالزكاة البركة ومعناها كونه مباركا نفاعا معلما للخير، وما قيل: إن المراد به الصدقة، والمعنى وآتيناه الحكم حال كونه صدقة نتصدق به على الناس أوالمعنى أنه صدقة من الله على أبويه أوالمعنى أن الحكم المؤتى صدقة من الله عليه وما قيل: إن المراد بالزكاة الطهارة من الذنوب.
قوله تعالى:{ وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا} التقي صفة مشبهة من التقوى مثال واوي وهو الورع عن محارم الله والتجنب عن اقتراف المناهي المؤدي إلى عذاب الله، والبر بفتح الباء صفة مشبهة من البر بكسر الباء وهو الإحسان، والجبار قال في المجمع،: الذي لا يرى لأحد عليه حقا وفيه جبرية وجبروت، والجبار من النخل ما فات اليد. انتهى.
فيئول معناه إلى أنه المستكبر المستعلي الذي يحمل الناس ما أراد ولا يتحمل عنهم، ويؤيده تعقيبه بالعصي فإنه صفة مشبهة من العصيان والأصل في معناه الامتناع.
ومن هنا يظهر أن الجمل الثلاث مسوقة لبيان جوامع أحواله بالنسبة إلى الخالق والمخلوق، فقوله:{وكان تقيا} حاله بالنسبة إلى ربه، وقوله:{وبرا بوالديه} حاله بالنسبة إلى والديه، وقوله:{ولم يكن جبارا عصيا} حاله بالنسبة إلى سائر الناس، فكان رءوفا رحيما بهم ناصحا متواضعا لهم يعين ضعفاءهم ويهدي المسترشدين منهم، وبه يظهر أيضا أن تفسير بعضهم لقوله:{عصيا} بقوله: أي عاصيا لربه ليس على ما ينبغي.
قوله تعالى:{ وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا } السلام قريب المعنى من الأمن، والذي يظهر من موارد استعمالها في الفرق بينهما أن الأمن خلوالمحل مما يكرهه الإنسان ويخاف منه والسلام كون المحل بحيث كل ما يلقاه الإنسان فيه فهو يلائمه من غير أن يكرهه ويخاف منه.
وتنكير السلام لإفادة التفخيم أي سلام فخيم عليه مما يكرهه في هذه الأيام الثلاثة التي كل واحد منها مفتتح عالم من العوالم التي يدخلها الإنسان ويعيش فيها فسلام عليه يوم ولد فلا يمسه مكروه في الدنيا يزاحم سعادته، وسلام عليه يوم يموت، فسيعيش في البرزخ عيشة نعيمة، وسلام عليه يوم يبعث حيا فيحيى فيها بحقيقة الحياة ولا نصب ولا تعب.
وقيل: إن تقييد البعث بقوله:{حيا} للدلالة على أنه سيقتل شهيدا لقوله تعالى في الشهداء:{ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}: آل عمران: 169.
واختلاف التعبير في قوله:{ولد}{يموت}{يبعث} لتمثيل أن التسليم في حال حياته (عليه السلام).
______________
1- تفسير الميزان،الطباطبائي،ج14،ص16-18.
2- وليس من البعيد أن يكون له عليه السلام كتاب يخصه.
صفات يحيى (عليه السلام) البارزة:
رأينا في الآيات السابقة كيف أنّ الله سبحانه منّ على زكريا عند كبره بيحيى، وبعد ذلك فإنّ أوّل ما نلاحظه في هذه الآيات هو الأمر الإِلهي المهم الذي يخاطب يحيى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}.
المشهور بين المفسّرين أنّ المراد من الكتاب هنا هو التوراة، حتى ادعوا الإِجماع على ذلك(2).
إِلاّ أنّ البعض احتمل أن يكون له كتاب خاص كزبور داود، وهو طبعاً ليسَ كتاباً متضمناً لدين جديد ومذهب مستحدث(3). غير أن الإِحتمال الأوّل هو الأقوى كما يبدو.
وعلى أي حال، فإِنّ المراد من أخذ الكتاب بقوة هو إِجراء وتنفيذ ما جاء في كتاب التوراة السماوي بكل حزم واقتدار وتصميم راسخ، وإِرادة حديدية، وأن يعمل بكل ما فيه، وأن يستعين بكل القوى المادية والمعنوية في سبيل نشره وتعميمه.
إِنّ من القواعد المسلّمة أنّه لا يمكن تطبيق أي كتاب ودين بدون قوة وقدرة وحزم أتباعه وأنصاره، وهذا درس لكل المؤمنين، وكل السالكين والسائرين في طريق الله.
يحيى وصفاته العشرة:
ثمّ أشار القرآن الكريم إِلى المواهب العشرة التي منحها الله ليحيى والتي اكتسبها بتوفيق الله:
1 ـ { وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}. وهو أمر النّبوة والعقل والذكاء والدراية.
2 ـ { وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا} والحنان في الأصل بمعنى الرحمة والشفقة والمحبّة وإِظهار العلاقة والمودّة للآخرين.
3 ـ {وزكاة} أي أعطيناه روحاً طاهرة وزكية، وبالرغم من أنّ المفسّرين فسروا الزكاة بمعان مختلفة، فبعضهم فسّرها بالعمل الصالح، وآخر بالطاعة والإِخلاص، وثالث ببر الوالدين والإِحسان إِليهما، ورابع بحسن السمعة والذكر، وخامس بطهارة الأنصار، إِلاّ أنّ الظاهر هو أنّ للزكاة معنى واسعاً وشاملا يتضمن كل هذه الأعمال والصفات الطاهرة الصالحة.
4 ـ {وكان تقياً} فكان يجتنب كل ما يخالف الأوامر الالهية.
5ـ {وبراً بوالديه}.
6 ـ { وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا} فلم يكن رجلا ظالماً ومتكبراً وانانيّاً.
7 ـ ولم يكن {عصياً} ولم يقترف ذنباً ومعصية.
8 ، 9 ، 10 ـ ولما كان جامعاً لكل هذه الصفات البارزة، والأوسمة الكبيرة، فإِن الله سبحانه قد سلّم عليه في ثلاثة مواطن: { وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا}.
______________
1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج8،ص20-21.
2- يراجع تفسير القرطبي والآلوسي في تفسير هذه الآية.
3- يراجع تفسير الميزان في ذيل الآية.