تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (30-32) من سورة الروم
المؤلف: إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: .....
21-8-2020
7186
قال تعالى : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم : 30 - 32] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
خاطب سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد جميع المكلفين وقال {فأقم وجهك للدين} أي أقم قصدك للدين والمعنى كن معتقدا للدين وقيل معناه اثبت ودم على الاستقامة وقيل معناه أخلص دينك عن سعيد بن جبير وقيل معناه سدد عملك فإن الوجه ما يتوجه إليه وعمل الإنسان ودينه مما يتوجه الإنسان إليه لتشديده وإقامته {حنيفا} أي مائلا إليه ثابتا عليه مستقيما فيه لا يرجع عنه إلى غيره .
{فطرت الله التي فطر الناس عليها} فطرة الله الملة وهي الدين والإسلام والتوحيد التي خلق الناس عليها ولها وبها أي لأجلها والتمسك بها فيكون كقوله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وهوكما يقول القائل لرسوله بعثتك على هذا ولهذا وبهذا والمعنى واحد ومنه قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه وينصرانه ويمجسانه)) .
وقيل معناه اتبع من الدين ما دلك عليه فطرة الله وهو ابتداء خلقه للأشياء لأنه خلقهم وركبهم وصورهم على وجه يدل على أن لهم صانعا قادرا عالما حيا قديما واحدا لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء عن أبي مسلم {لا تبديل لخلق الله} أي لا تغيير لدين الله الذي أمر الناس بالثبات عليه في التوحيد والعدل وإخلاص العبادة لله عن الضحاك ومجاهد وقتادة وسعيد بن جبير وإبراهيم وابن زيد وقالوا أن لا هاهنا بمعنى النهي أي لا تبدلوا دين الله التي أمرتم بالثبات عليها وقيل المراد به النهي عن الخصاء عن ابن عباس وعكرمة وقيل معناه لا تبديل لخلق الله فيما دل عليه بمعنى أنه فطرة الله على وجه يدل على صانع حكيم فلا يمكن أن يجعله خلقا بغير الله حتى يبطل وجه الاستدلال عن أبي مسلم والمعنى إنما دلت عليه الفطرة لا يمكن فيه التبديل {ذلك الدين القيم} أي ذلك الدين المستقيم الذي يجب اتباعه {ولكن أكثر الناس لا يعلمون} صحة ذلك لعدولهم عن النظر فيه .
ثم قال سبحانه {منيبين إليه} قال الزجاج زعم جميع النحويين أن معناه فأقيموا وجوهكم منيبين إليه لأن مخاطبة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) تدخل معه فيها الأمة والدليل على ذلك قوله {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء} فقوله {فأقم وجهك} معناه فأقيموا وجوهكم منيبين إليه أي راجعين إلى كل ما أمر به مع التقوى وأداء الفرض وهو قوله {واتقوه وأقيموا الصلوة} ثم أخبر سبحانه أنه لا ينفع ذلك إلا بالإخلاص في التوحيد فقال {ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم} أي لا تكونوا من أهل الشرك من جملة الذين فرقوا دينهم عن الفراء ويجوز أن يكون قوله {من الذين فرقوا دينهم} .
{وكانوا شيعا} ابتداء كلام ومعناه الذين أوقعوا في دينهم الاختلاف وصاروا ذوي أديان مختلفة فصار بعضهم يعبدوننا وبعضهم يعبد نارا وبعضهم شمسا إلى غير ذلك وقد تقدم تفسيره في سورة الأنعام {كل حزب بما لديهم فرحون} أي كل أهل ملة بما عندهم من الدين راضون عن مقاتل وقيل كل فريق بدينهم معجبون مسرورون يظنون أنهم على حق .
_______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص58-60 .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
دين اللَّه والفطرة :
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} . هذه الآية تدور كثيرا على ألسنة الخطباء وأقلام الكاتبين ، ومنهم من يستشهد بها وكفى ، ومنهم من يطلق حولها كلمات رنانة عامة ويقول : هذا هو الدين الصحيح الضخم الهائل الخ .
وليس من شك ان هذه الآية تقرر أصلا هاما يرتكز عليه الإسلام عقيدة وشريعة ، وهو يدل دلالة واضحة ان تعاليم هذا الدين من ألفه إلى يائه تهدي إلى الرشد والوفاء بمطالب الحياة ونموها وتقدمها إذا فهم الإسلام على أساس فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها . ونبدأ أولا بتفسير المفردات الواردة في الآية ، ثم نذكر المعنى المراد من مجموعها .
وتعني كلمة الفطرة عند تعميمها وإطلاقها غريزة في داخل الإنسان تقبل الخير حين تعلم أنه خير وتلتزمه لا لشيء إلا لأن الخير يجب أن يقبل ويلتزم ، وترفض الشر حين تعلم أنه شر أيضا لا لشيء إلا لأن الشر يجب أن يرفض ويجتنب . .
هذا إذا خلي الإنسان وفطرته التي فطره اللَّه عليها ، ولم تدنسها العادات والتقاليد ، وتلوثها الأهواء والأغراض ، وقد ضرب العلامة الحليّ مثالا لهذه الغريزة بقوله : (لو خير العاقل بين ان يصدق ويعطى دينارا ، وبين ان يكذب ويعطى دينارا لتخير الصدق على الكذب) وهذه الغريزة التي تختار الصدق على الكذب هي التي خاطبها اللَّه أو خاطب أربابها بقوله : {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى} [الأعراف - 172] وعناها الحديث المشهور عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) : كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه هما اللذان يهودانه أو ينصّرانه . أما كلمة حنيف هنا فإنها تعني من استقام على فطرة اللَّه التي فطر الناس عليها مبتعدا عما يدنسها من الأهواء والأغراض . والمراد بقوله تعالى : لا تبديل لخلق اللَّه ، ان الدين عند اللَّه قائم وثابت على أساس هذه الفطرة لا يحول عنها ولا يزول . وذلك إشارة إلى ما أوجب اللَّه على العباد أن يلتزموه قولا وعملا لأنه هو الدين المستقيم الذي لا ترى فيه عوجا ولا أمتا .
أما الآية بمجموعها فإنها تدل على أن الدين يرتبط بالفطرة ، ولكن ليس معنى هذا ان الفطرة هي المشرع والآمر الناهي ، وان وظيفة الدين هي الكشف والتعبير عن أحكامها . . كلا ، فان اللَّه الذي خلق الدين والفطرة هو المشرع الأول ، وله وحده الأمر والنهي ، وانما القصد من الآية هو تحديد المقياس الذي نقيس به دين اللَّه ، وانه بما فيه من عقيدة وشريعة وأخلاق ينسجم مع فطرة الناس ومصالحهم ، وانه سبحانه لم يشرع حكما لعباده منافيا لمصلحة الفرد أو الجماعة . . هذا هو الضابط والفاصل بين أحكام اللَّه وأحكام غيره ، بين شريعة الحق وشريعة الباطل ، أما أقوال العلماء من الفقهاء والمفسرين والفلاسفة فما هي بأصل من أصول الإسلام ، ولا يصح الاعتماد عليها كدليل شرعي (2) لأنها تعكس اجتهادهم وفهمهم لدين اللَّه وأحكامه ، ولا تعكس الدين كما هو في حقيقته وواقعه .
ونخلص من هذا إلى أن الإسلام لا يرفض بقية الأديان والمذاهب بكل ما فيها ، بل ينظر إليها نظرة المدقق المنصف ، فيقر منها ما يتفق مع فطرة اللَّه ، ويرفض ما عدا ذلك .
{مُنِيبِينَ إِلَيْهِ واتَّقُوهُ} ارجعوا إلى هذا الدين ، وأطيعوا جميع أحكامه {وأَقِيمُوا الصَّلاةَ} فإنها تذكركم باللَّه {ولا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} أخلصوا له وحده في جميع أقوالكم وأفعالكم {مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} . تقدم مثله في الآية 159 من سورة الأنعام ج 3 ص 290 والآية 53 من سورة المؤمنون .
------------------------------
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص 141-143 .
2- لا يعتمد على الإجماع في العقائد ، ولا في المسائل الفقهية مع الاحتمال أنه لم يكشف عن رأي المعصوم .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الكلام متفرع على ما تحصل من الآيات السابقة المثبتة للمبدإ والمعاد أي إذا ثبت أن الخلق والتدبير لله وحده لا شريك له وهو سيبعث ويحاسب ولا نجاة لمن أعرض عنه وأقبل على غيره فأقم وجهك للدين والزمه فإنه الدين الذي تدعو إليه الخلقة الإلهية .
وقيل : الكلام متفرع على معنى التسلية المفهوم من سياق البيان السابق الدال على ما هو الحق وأن المشركين لظلمهم اتبعوا الأهواء وأعرضوا عن التعقل الصحيح فأضلهم الله ولم يأذن لناصر ينصرهم بالهداية ولا لمنقذ ينقذهم من الضلال لا أنت ولا غيرك فاستيئس منهم واهتم بخاصة نفسك ومن تبعك من المؤمنين وأقم وجهك ومن تبعك للدين .
فقوله : {فأقم وجهك للدين} المراد بإقامة الوجه للدين الإقبال عليه بالتوجه من غير غفلة منه كالمقبل على الشيء بقصر النظر فيه بحيث لا يلتفت عنه يمينا وشمالا والظاهر أن اللام في الدين للعهد والمراد به الإسلام .
وقوله : {حنيفا} حال من فاعل أقم وجوز أن يكون حالا من الدين أوحالا من الوجه والأول أظهر وأنسب للسياق ، والحنف ميل القدمين إلى الوسط والمراد به الاعتدال .
وقوله : {فطرة الله التي فطر الناس عليها} الفطرة بناء نوع من الفطر بمعنى الإيجاد والإبداع و{فطرة الله} منصوب على الإغراء أي الزم الفطرة ففيه إشارة إلى أن هذا الدين الذي يجب إقامة الوجه له هو الذي يهتف به الخلقة ويهدي إليه الفطرة الإلهية التي لا تبديل لها .
وذلك أنه ليس الدين إلا سنة الحياة والسبيل التي يجب على الإنسان أن يسلكها حتى يسعد في حياته فلا غاية للإنسان يتبعها إلا السعادة وقد هدي كل نوع من أنواع الخليقة إلى سعادته التي هي بغية حياته بفطرته ونوع خلقته وجهز في وجوده بما يناسب غايته من التجهيز ، قال تعالى : { رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه : 50] ، وقال : {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى : 2 ، 3] .
فالإنسان كسائر الأنواع المخلوقة مفطور بفطرة تهديه إلى تتميم نواقصه ورفع حوائجه وتهتف له بما ينفعه وما يضره في حياته ، قال تعالى : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } [الشمس : 7 ، 8] ، وهو مع ذلك مجهز بما يتم له به ما يجب له أن يقصده من العمل ، قال تعالى : {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس : 20] .
فللإنسان فطرة خاصة تهديه إلى سنة خاصة في الحياة وسبيل معينة ذات غاية مشخصة ليس له إلا أن يسلكها خاصة وهو قوله : {فطرة الله التي فطر الناس عليها} وليس الإنسان العائش في هذه النشأة إلا نوعا واحدا لا يختلف ما ينفعه وما يضره بالنظر إلى هذه البنية المؤلفة من روح وبدن فما للإنسان من جهة أنه إنسان إلا سعادة واحدة وشقاء واحد فمن الضروري حينئذ أن يكون تجاه عمله سنة واحدة ثابتة يهديه إليها هاد واحد ثابت .
وليكن ذاك الهادي هو الفطرة ونوع الخلقة ولذلك عقب قوله {فطرة الله التي فطر الناس عليها} بقوله : {لا تبديل لخلق الله} .
فلو اختلفت سعادة الإنسان باختلاف أفراده لم ينعقد مجتمع واحد صالح يضمن سعادة الأفراد المجتمعين ، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأقطار التي تعيش فيها الأمم المختلفة بمعنى أن يكون الأساس الوحيد للسنة الاجتماعية أعني الدين هوما يقتضيه حكم المنطقة كان الإنسان أنواعا مختلفة باختلاف الأقطار ، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأزمنة بمعنى أن تكون الأعصار والقرون هي الأساس الوحيد للسنة الدينية اختلفت نوعية كل قرن وجيل مع من ورثوا من آبائهم أو أخلفوا من أبنائهم ولم يسر الاجتماع الإنساني سير التكامل ولم تكن الإنسانية متوجهة من النقص إلى الكمال إذ لا يتحقق النقص والكمال إلا مع أمر مشترك ثابت محفوظ بينهما .
وليس المراد بهذا إنكار أن يكون لاختلاف الأفراد أو الأمكنة أو الأزمنة بعض التأثير في انتظام السنة الدينية في الجملة بل إثبات أن الأساس للسنة الدينية هو البنية الإنسانية التي هي حقيقة واحدة ثابتة مشتركة بين الأفراد ، فللإنسانية سنة واحدة ثابتة بثبات أساسها الذي هو الإنسان وهي التي تدير رحى الإنسانية مع ما يلحق بها من السنن الجزئية المختلفة باختلاف الأفراد أو الأمكنة أو الأزمنة .
وهذا هو الذي يشير إلى قوله بعد : {ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} وسنزيد المقام إيضاحا في بحث مستقل إن شاء الله تعالى .
وللقوم في مفردات الآية ومعناها أقوال أخر متفرقة : منها : أن المراد بإقامة الوجه تسديد العمل فإن الوجه هوما يتوجه إليه وهو العمل وإقامته تسديده .
وفيه : أن وجه العمل هو غايته المقصودة منه وهي غير العمل والذي في الآية هو{فأقم وجهك} ولم يقل فأقم وجه عملك .
ومنها : أن {فطرة الله} منصوب بتقدير أعني والفطرة هي الملة ، والمعنى : اثبت وأدم الاستقامة للدين أعني الملة التي خلق الله الناس عليها لا تبديل لخلق الله .
وفيه : أنه مبني على اختلاف المراد بالفطرة وهي الملة و{فطر الناس} وهو الخلقة والتفكيك خلاف ظاهر الآية ولو أخذ {فطر الناس} بمعنى الإدانة أي الحمل على الدين وهو التوحيد بقي قوله : {لا تبديل لخلق الله} لا يلائم ما قبله .
على أن فيه خلاف ظاهر آخر وهو حمل الدين على التوحيد ، ولو أخذ الدين بمعنى الإسلام أو مجموع الدين كله وأبقيت الفطرة على معناه المتبادر منها وهو الخلقة لم يستقم تقدير {أعني} فإن الدين بهذا المعنى غير الفطرة بمعنى الخلقة .
ومنها : أن {فطرة} بدل من {حنيفا} والفطرة بمعنى الملة ويرد عليه ما يرد على سابقه .
ومنها : أن {فطرة} مفعول مطلق لفعل محذوف مقدر ، والتقدير : فطر الله فطرة فطر الناس عليها وفساده غني عن البيان .
ومنها : أن معناه اتبع من الدين ما دلك عليه فطرة الله وهوما دلك عليه ابتداء خلقه للأشياء لأنه خلقهم وركبهم وصورهم على وجه يدل على أن لهم صانعا قادرا عالما حيا قديما واحدا لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء .
وفيه أنه مبني على كون {فطرة} منصوبا بتقدير اتبع وقد ذكره أبو السعود وقبله أبو مسلم المفسر فيكون المراد من اتباع الفطرة اتباع دلالة الفطرة بمعنى الخلقة والمراد بعدم تبديل الخلق عدم تغيره في الدلالة على الصانع بما له من الصفات الكريمة ، وهذا قريب من المعنى الذي قدمناه للآية بحمل {فطرة} على الإغراء لكن يبقى عليه أن الآية عامة لا دليل على تخصيصها بالتوحيد .
ومنها : أن لا في قوله : {لا تبديل لخلق الله} تفيد النهي أي لا تبدلوا خلق الله أي دينه الذي أمرتم بالتمسك به ، أولا تبدلوا خلق الله بإنكار دلالته على التوحيد ومنه ما نسب إلى ابن عباس أن المراد به النهي عن الخصاء .
وفيه أن لا دليل على أخذ الخلق بمعنى الدين ولا موجب لتسمية الإعراض عن دلالة الخلقة أو إنكارها تبديلا لخلق الله .
وأما ما نسب إلى ابن عباس ففساده ظاهر .
ومنها : ما ذكره الرازي في التفسير الكبير ، قال : ويحتمل أن يقال : خلق الله الخلق لعبادته وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله أي ليس كونهم عبيدا مثل كون المملوك عبدا للإنسان فإنه ينتقل عنه إلى غيره ويخرج عن ملكه بالعتق بل لا - خروج للخلق عن العبادة والعبودية .
وهذا لبيان فساد قول من يقول : العبادة لتحصيل الكمال والعبد يكمل بالعبادة فلا يبقى عليه تكليف ، وقول المشركين : إن الناقص لا يصلح لعبادة الله وإنما الإنسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله ، وقول النصارى إن عيسى كان يحل الله فيه وصار إلها فقال : لا تبديل لخلق الله بل كلهم عبيد لا خروج لهم عن ذلك . انتهى .
وفيه أنه مغالطة بين الملك والعبادة التكوينيين والملك والعبادة التشريعيين فإن ملكه تعالى الذي لا يقبل الانتقال والبطلان ملك تكويني بمعنى قيام وجود الأشياء به تعالى والعبادة التي بإزائه عبادة تكوينية وهو خضوع ذوات الأشياء له تعالى ولا تقبل التبديل والترك كما في قوله : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } [الإسراء : 44] ، وأما العبادة الدينية التي تقبل التبديل والترك فهي عبادة تشريعية بإزاء الملك التشريعي المعتبر له تعالى فافهمه .
ولو دل قوله : {لا تبديل لخلق الله} على عدم تبديل الملك والعبادة والعبودية لدل على التكويني منهما والذي يبدله القائلون بارتفاع التكليف عن الإنسان الكامل أو بعبادة الكواكب أو المسيح فإنما يعني به التشريعي منهما .
قوله تعالى : {منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين} تعميم للخطاب بعد تخصيصه بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نظير قوله : {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق : 1] ، وقوله : {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا } [هود : 112] ، فيئول المعنى إلى نحو من قولنا : فأقم وجهك للدين حنيفا أنت ومن معك منيبين إلى الله ، والإنابة الرجوع بالتوبة .
وقوله : {واتقوه وأقيموا الصلاة} التقوى بحسب دلالة المقام يشمل امتثال أوامره والانتهاء عن نواهيه تعالى فاختصاص إقامة الصلاة من بين سائر العبادات بالذكر للاعتناء بشأنها فهي عمود الدين .
وقوله : {ولا تكونوا من المشركين} القول في اختصاصه من بين المحرمات بالذكر نظير القول في الصلاة فالشرك بالله أكبر الكبائر الموبقة ، وقد قال تعالى : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء : 48] ، إلى غير ذلك من الآيات .
قوله تعالى : {من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون} {من} للتبيين و{من الذين فرقوا دينهم} إلخ ، بيان للمشركين وفيه تعريفهم بأخص صفاتهم في دينهم وهو تفرقهم في دينهم وعودهم شيعة شيعة وحزبا حزبا يفرح ويسر كل شيعة وحزب بما عندهم من الدين والسبب في ذلك ما ذكره قبيل هذا بقوله : {بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين} فبين أنهم بنوا دينهم على أساس الأهواء وأنه لا يهديهم ولا هادي غيره .
ومن المعلوم أن هوى النفس لا يتفق في النفوس بل ولا يثبت على حال واحدة دون أن يختلف باختلاف الأحوال وإذا كان هو الأساس للدين لم يلبث دون أن يسير بسير الأهواء وينزل بنزولها ، ولا فرق في ذلك بين الدين الباطل والدين الحق المبني على أساس الهوى .
ومن هنا يظهر أن النهي عن تفرق الكلمة في الدين نهي في الحقيقة عن بناء الدين على أساس الهوى دون العقل ، وربما احتمل كون الآية استئنافا من الكلام وهولا يلائم السياق .
وفي الآية ذم للمشركين بما عندهم من صفة التفرق في الكلمة والتحزب في الدين .
_____________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص144-149 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
كان لدينا حتى الآن أبحاث كثيرة حول التوحيد ومعرفة الله ، عن طريق مشاهدة نظام الخلق ، والإستفادة منه لإثبات مبدأ العلم والقدرة في ما وراء عالم الطبيعة ، بالاستفادة من آيات التوحيد في هذه السورة!
وتعقيباً على الآيات الآنفة الذكر ، فإن الآية الأُولى من هذه الآيات محل البحث ـ تتحدث عن التوحيد الفطري ، أي الإستدلال على التوحيد عن طريق المشاهدة الباطنية والدرك الضروري والوجداني ، إذ يقول القرآن في هذا الصدد : {فأقم وجهك للدين حنيفاً} لأنّها {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم ولكن أكثر الناس لا يعلمون} .
«الوجه» معناه معروف ، وهو مقدم الرأس . والمراد به هنا الوجه الباطني ، ووجه القلب والروح فعلى هذا ليس المراد هنا من الوجه أو المحيّا وحده ، بل التوجه بجميع الوجود ، لأنّ الوجه أهم أعضاء البدن !
وكلمة «أقم» مشتقة من الإقامة ، ومعناه الإستقامة والوقوف بثبات (على قدم راسخة) . . .
وكلمة «حنيف» مشتقة من «حَنَف» ، ومعناها الميل من الباطل نحو الحق ، ومن الإعوجاج نحو الإستواء والإستقامة ، على العكس من «جنف» على وزن «حنف» أيضاً ، ومعناها الميل من الإستواء إلى الضلالة والإعواجاج .
فمعنى الدين الحنيف هو الدين المائل نحو العدل والإستواء عن كل انحراف وباطل وخرافة وضلال .
فيكون معنى هذه الجملة بمجموعها ، أن وجّه نفسك دائماً نحو مبدأ ومذهب خال من أي أنواع الإعوجاج والإنحراف ، وذلك هو مبدأ الإسلام ودين الله الخالص والطاهر (2) .
إنّ الآية المتقدمة تؤكّد على أن الدين الحنيف الخالص الخالي من كل أنواع الشرك ، هو الدين الذي ألهمه الله سبحانه في كل فطرة ، الفطرة الخالدة التي لا تتغير ، وإن كان كثير من الناس غير ملتفت لهذه الحقيقة .
والآية المتقدمة تبين عدة حقائق :
1ـ إنّ معرفة الله ـ ليست وحدها ـ بل الدين والإعتقاد بشكل كلي وفي جميع أبعاده هو أمر فطري ، وينبغي أن يكون كذلك ، لأنّ الدراسات التوحيدية تؤكّد أن بين جهاز التكوين والتشريع انسجاماً لازماً ، فما ورد في الشرع لابدّ أن يكون له جذر في الفطرة ، وما هو في التكوين وفطرة الإنسان متناغم مع قوانين الشرع !
وبتعبير آخر : إنّ التكوين والتشريع عضدان قويان يعملان بانسجام في المجالات كافة ، فلا يمكن أن يدعو الشرع إلى شيء ليس له أساس ولا جذر في أعماق فطرة الإنسان ، ولا يمكن أن يكون شيء في أعماق وجود الإنسان مخالف للشرع!
وبدون شك فإنّ الشرع يعين حدوداً وقيوداً لقيادة الفطرة لئلا تقع في مسار منحرف ، إلاّ أنّه لا يعارض أصل مشيئة الفطرة ، بل يهديها من الطريق المشروع ، وإلاّ فسيقع التضاد بين التشريع والتكوين ، وهذا لا ينسجم مع أساس التوحيد .
وبعبارة أُخرى : إنّ الله لا يفعل أعمالا متناقضة أبداً ، بحيث يقول أمره التكويني : افعل ! ويقول أمره التشريعي : لا تفعل .
2ـ إنّ الدين له وجود نقي خالص من كل شائبة داخل نفس الإنسان ، أمّا الإنحرافات فأمر عارض ، ووظيفة الأنبياء إذن إزالة هذه الأُمور العارضة ، وفسح المجال لفطرة الإنسان في الأشراق .
3ـ إنّ جملة {لا تبديل لخلق الله} وبعدها جملة {ذلك الدين القيّم} تأكيدان آخران على مسألة كون الدين فطرياً ، وعدم إمكان تغيير هذه الفطرة! . . . وإن كان كثير من الناس لا يدركون هذه الحقيقة بسبب عدم رشدهم كما ينبغي !
وينبغي الإلتفات إلى هذه اللطيفة ، وهي أن الفطرة في الأصل من مادة «فطر» على زنة «بذر» ومعناها شق الشيء من الطول ، وهنا معناها الخلقة ، فكأن ستار العدم ينشق عند خلق الموجودات ويبرز كل شيء منها .
وعلى كل حال فمنذ أن وضع الإنسان قدمه في عالم الوجود ، كان هذا النور متوقداً في داخله ، من أوّل يوم ومن ذلك الحين !
والرّوايات المتعددة التي وردت في تفسير الآية تؤيد ما ذكرناه آنفاً ، وسنتحدث عن ذلك لاحقاً إن شاء الله ، بالإضافة إلى الأبحاث الأُخرى في مجال كون التوحيد فطرياً .
ويضيف القرآن في الآية التالية : ينبغي أن يكون التفاتكم للدين الحنيف والفطري حالة كونكم (منيبين إليه) فأصلكم وأساسكم على التوحيد ، وينبغي أن تعودوا إليه أيضاً .
وكلمة «منيبين» من مادة «إنابة» وهي في الأصل تعني الرجوع المكرر ، وتعني هنا الرجوع نحو الله والعودة نحو الفطرة (التوحيدية) ومعناها متى ما حصل عامل يحرف الإنسان عقيدته وعن أصل التوحيد فينبغي أن يعود إليه . . ومهما تكرر هذا الأمر فلا مانع من ذلك الى أن تغدو أسس الفطرة متينة وراسخة ، وتغدو الموانع والدوافع خاوية ويقف الانسان بصورة مستديمة في جبهة التوحيد ، ويكون مصداقاً للآية {وأقم وجهك للدين حنيفاً} .
وممّا ينبغي الإلتفات إليه أن {أقم وجهك} جاءت بصيغة الإفراد ، وكلمة «منيبين» جاءت بصيغة الجمع ، وهذا يدل على أنّه وإن كان الأمر الأوّل مخاطباً به النّبي (صلى الله عليه وآله) إلاّ أن الخطاب ـ في الحقيقة ـ لعموم المؤمنين وجميع المسلمين .
ويعقب على الأمر بالإنابة والعودة إليه ، بالأمر بالتقوى ، وهي كلمة تجمع معاني أوامر الله ونواهيه ، إذ يقول : (واتقوه ) أي اتقوا مخالفة أوامره ! .
ثمّ يؤكّد القرآن على موضوع الصلاة من بين جميع الأوامر فيقول : (وأقيموا الصلاة ) .
لأنّ الصلاة في جميع أبعادها ، هي أهم منهج لمواجهة الشرك ، وأشد الوسائل تأثيراً في تقوية أسس التوحيد والإيمان بالله سبحانه .
كما أنّه يؤكّد في نهيه عن «الشرك» من بين جميع النواهي فيقول : {ولا تكونوا من المشركين} .
لأنّ الشرك أعظم الذنوب وأكبر الكبائر ، إذ يمكن أن يغفر الله جميع الذنوب إلاّ الشرك بالله ، فإنّه لا يغفره . كما نقرأ في الآية (48) من سورة النساء {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء : 48] .
وواضح أن الأوامر الأربعة الواردة في هذه الآية ، هي تأكيد على مسألة التوحيد وآثاره العملية ، فالمسألة أعمّ من التوبة والعودة إليه تعالى وإلى تقواه وإقامة الصلوة وعدم الشرك به .
وفي آخر آية ـ من الآيات محل البحث ـ يبيّن القرآن واحداً من آثار الشرك وعلائمه في عبارة موجزة ذات معنى كبير ، فيقول : لا تكونوا من المشركين الذين انقسموا في دينهم على فرق واحزاب كثيرة : {من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً} .
والعجيب في الأمر أنّهم على تضادّهم واختلافهم فإنّ {كلّ حزب بما لديهم فرحون} .
أجل ، إن واحدة من علائم الشرك هي التفرقة ، لأنّ المعبودات المختلفة هي منشأ الأساليب المتفاوتة وهي أساس الإنفصال والتفرق ، خاصة وأنّ الشرك هو توأم عادة لهوى النفس والتعصّب والكبر والأنانية وعبادة الذات ، أو متولد عنها ، لذلك لا يمكن أن تتحقق الوحدة والإتحاد إلاّ في ظل عبادة الله ، والعقل والتواضع والإيثار ! .
فعلى هذا ، حيثما وجدنا تفرقة واختلافاً فينبغي أن نعرف أن نوعاً من الشرك حاكم هناك ، ويمكن أن نستنتج من هذا الموضوع أن نتيجة الشرك هي تفرق الصفوف ، والتضاد ، وهدر القوى ، وأخيراً الضعف وعدم القدرة .
وأمّا مسألة {كل حزب بما لديهم فرحون} فهي واضحة ودليلها بيّن ، حين يعتقدون أن ما لديهم حق ، لأنّ الهوى يزيّن للنفس عملها في نظر الإنسان وهذا التزيين نتيجته التعلق أكثر فأكثر ، والفرح بالطريق الذي اختارته النفس ، وإن كان هذا الطريق يؤدي إلى الضلال والإنحراف .
إنّ عبادة الهوى لا تسمح للإنسان أن يرى وجه الحقيقة كما هو ، ولا يمكنه أن يقضي قضاءً صحيحاً خالياً من الحبّ والحقد .
يقول القرآن المجيد في الآية (8) من سورة فاطر : {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا } [فاطر : 8] . . كالذي يمضي في طريق الحق ، ويرى الحقائق كما هي ، ويعرفها حق المعرفة ؟!
___________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص156-160 .
2 ـ الألف واللام في كلمة «الدين» هما للعهد ، وهما هنا إشارة إلى الدين الذي أمر النّبي(صلى الله عليه وآله) أن يبلغه ، أي دين «الإسلام» .