تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الآية (36-40) من سورة النمل
المؤلف: إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: .....
19-8-2020
6780
قال تعالى : {فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } [النمل : 36 - 40] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
{فلما جاء سليمان} أي فلما جاء الرسول سليمان {قال أ تمدونني بمال} أي تزيدونني مالا وهذا استفهام إنكار يعني أنه لا يحتاج إلى مالهم {فما آتاني الله خير مما آتاكم} أي ما أعطاني الله من الملك والنبوة والحكمة خير مما أعطاكم من الدنيا وأموالها {بل أنتم بهديتكم تفرحون} إذا هدى بعضكم إلى بعض وأما أنا فلا أفرح بها أشار إلى قلة اكتراثه بأموال الدنيا ثم قال (عليه السلام) للرسول {ارجع إليهم} بما جئت من الهدايا {فلناتينهم بجنود لا قبل لهم بها} أي لا طاقة لهم بها ولا قدرة لهم على دفعها {ولنخرجنهم منها أذلة} أي من تلك القرية ومن تلك المملكة وقيل من أرضها وملكها {وهم صاغرون} أي ذليلون صغير والقدر إن لم يأتوني مسلمين فلما رد سليمان الهدية وميز بين الغلمان والجواري إلى غير ذلك علموا أنه نبي مرسل وأنه ليس كالملوك الذين يغترون بالمال .
فلما رجع إليها الرسول وعرفت أنه نبي وأنها لا تقاومه فتجهزت للمسير إليه وأخبر جبرائيل سليمان (عليه السلام) إنها خرجت من اليمن مقبلة إليه ف {قال} سليمان لأماثل جنده وأشراف عسكره {يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين} واختلف في السبب الذي خص به العرش بالطلب على أقوال ( أحدها} أنه أعجبته صفته فأراد أن يراه وظهر له آثار إسلامها فأحب أن يملك عرشها قبل أن تسلم فيحرم عليه أخذ مالها عن قتادة ( وثانيها} أنه أراد أن يختبر بذلك عقلها وفطنتها ويختبر هل تعرفه أوتنكره عن ابن زيد وقيل أراد أن يجعل ذلك دليلا ومعجزة على صدقه ونبوته لأنها خلفته في دارها وأوثقته ووكلت به ثقات قومها يحرسونه ويحفظونه عن وهب وقال ابن عباس كان سليمان رجلا مهيبا لا يبتدىء بالكلام حتى يكون هو الذي يسأل عنه فخرج يوما فجلس على سريره فرأى رهجا (2) قريبا منه فقال ما هذا فقالوا بلقيس يا رسول الله وقد نزلت منا بهذا المكان وكان ما بين الكوفة والحيرة على قدر فرسخ فقال {أيكم يأتيني بعرشها} .
وقوله {مسلمين} فيه وجهان (أحدهما) أنه أراد مؤمنين موحدين (والآخر) مستسلمين منقادين على ما مر بيانه {قال عفريت من الجن} أي مارد قوي داهية عن ابن عباس {أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} أي من مجلسك الذي تقضي فيه عن قتادة {وإني عليه لقوي أمين} أي وإني على حمله لقوي وعلى الإتيان به في هذه المدة قادر وعلى ما فيه من الذهب والجواهر أمين وفي هذا دلالة على أن القدرة قبل الفعل لأنه أخبر بأنه قوي عليه قبل أن يجيء به وكان سليمان يجلس في مجلسه للقضاء غدوة إلى نصف النهار فقال سليمان أريد أسرع من ذلك .
فعند ذلك {قال الذي عنده علم من الكتاب} وهو آصف بن برخيا وكان وزير سليمان وابن أخته وكان صديقا يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب عن ابن عباس وقيل إن ذلك الاسم الله والذي يليه الرحمن وقيل هويا حي يا قيوم وبالعبرانية أهيا شراهيا وقيل هويا ذا الجلال والإكرام عن مجاهد وقيل أنه قال يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت عن الزهري وقيل إن الذي عنده علم من الكتاب كان رجلا من الإنس يعلم اسم الله الأعظم اسمه بلخيا عن مجاهد وقيل اسمه أسطوم عن قتادة وقيل الخضر (عليه السلام) عن أبي لهيعة وقيل إن الذي عنده علم من الكتاب هو جبرائيل (عليه السلام) أذن الله له في طاعة سليمان (عليه السلام) بأن يأتيه بالعرش الذي طلبه وقال الجبائي هو سليمان قال ذلك للعفريت ليريه نعمة الله عليه وهذا قول بعيد لم يؤثر عن أهل التفسير وأما الكتاب المعرف في الآية بالألف واللام فقيل إنه اللوح المحفوظ وقيل أراد به جنس كتب الله المنزلة على أنبيائه وليس المراد به كتابا بعينه والجنس قد يعرف بالألف واللام وقيل إن المراد به كتاب سليمان إلى بلقيس .
{إنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} اختلف في معناه فقيل يريد قبل أن يصل إليك من كان منك على قدر مد البصر عن قتادة وقيل معناه قبل أن يبلغ طرفك مداه وغايته ويرجع إليك قال سعيد بن جبير قال لسليمان أنظر إلى السماء فما طرف حتى جاء به فوضعه بين يديه والمعنى حتى يرتد إليك طرفك بعد مدة إلى السماء وقيل ارتداد الطرف إدامة النظر حتى يرتد طرفه خاسئا عن مجاهد فعلى هذا معناه أن سليمان مد بصره إلى أقصاه وهو يديم النظر فقبل أن ينقلب بصره إليه حسيرا يكون قد أتى بالعرش قال الكلبي خر آصف ساجدا ودعا باسم الله الأعظم فغار عرشها تحت الأرض حتى نبع عند كرسي سليمان .
وذكر العلماء في ذلك وجوها (أحدها) أن الملائكة حملته بأمر الله تعالى (والثاني) أن الريح حملته (والثالث) أن الله تعالى خلق فيه حركات متوالية (والرابع) أنه انخرق مكانه حيث هو هناك ثم نبع بين يدي سليمان (والخامس) إن الأرض طويت له وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) ( والسادس} أنه أعدمه الله في موضعه وأعاده في مجلس سليمان وهذا لا يصح على مذهب أبي هاشم ويصح على مذهب أبي علي الجبائي فإنه يجوز فناء بعض الأجسام دون بعض وفي الكلام حذف كثير لأن التقدير قال سليمان له افعل فسأل الله تعالى في ذلك فحضر العرش فرآه سليمان مستقرا عنده .
{فلما رآه مستقرا عنده} أي فلما رأى سليمان العرش محمولا إليه موضوعا بين يديه في مقدار رجع البصر {قال هذا من فضل ربي} أي من نعمته علي وإحسانه لدي لأن تيسير ذلك وتسخيره مع صعوبته وتعذره معجزة له ودلالة على علو قدره وجلالته وشرف منزلته عند الله تعالى {ليبلوني أ أشكر أم أكفر} أي ليختبرني هل أقوم بشكر هذه النعمة أم أكفر بها {ومن شكر فإنما يشكر لنفسه} لأن عائدة شكره ومنفعته ترجعان إليه وتخصانه دون غيره وهذا مثل قوله إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم {ومن كفر فإن ربي غني} عن شكر العباد غير محتاج إليه بل هم المحتاجون إليه لما لهم فيه من الثواب والأجر {كريم} أي متفضل على عباده شاكرهم وكافرهم عاصيهم ومطيعهم لا يمنعه كفرهم وعصيانهم من الإفضال عليهم والإحسان إليهم .
_______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص282-386 .
2- أي : غباراً .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{فَلَمَّا جاءَ} - الرسول - {سُلَيْمانَ قالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} . حمل وفد الملكة الهدية إلى سليمان ، وفيها كل نفيس وثمين ، ولما رآها قال للذين جاؤوا بها : دعوتكم إلى اللَّه ، فأتيتموني بالمال ، وعندي منه الشيء الكثير كما رأيتم ، بل أنعم اللَّه عليّ بما هو أعظم من المال ، أنعم علي بالنبوة والعلم ، وتسخير الرياح والجن والطير . . أتقيسونني بأنفسكم في عبادة المال وتعظيمه ؟
ويذكرنا هذا بقريش حين فاوضوا رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) ، وقالوا له : ان كنت تريد بهذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وان كنت تريد ملكا ملكناك علينا . ولما استيأسوا منه لجأوا إلى عمه أبي طالب ليقنع ابن أخيه بالملك والمال ، وإلا فالبطش والحرب . فقال رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) مقالته الشائعة الذائعة : واللَّه يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره اللَّه أو أهلك فيه ما تركته .
{ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها ولَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وهُمْ صاغِرُونَ} . الخطاب في ارجع لرئيس الوفد الذين جاؤوا بالهدية ، والمعنى ارجع أنت ومن معك بما جئتم به ، وبلَّغ قومك اني سأغزوهم بجيش من الإنس والجن والطير لا طاقة لهم ولا لغيرهم بمقاومته والصمود له . وكان الهدهد قد نقل لسليمان قول الملكة لقومها : إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً . فأكد سليمان ذلك بقوله للرسول : {ولَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها} - من بلادهم - {أَذِلَّةً وهُمْ صاغِرُونَ} .
{قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} . لما رجع الوفد من عند سليمان إلى الملكة ، وأخبرها بما سمع ورأى لم تر بدا من السمع والطاعة ، فتوجهت إليه مع حاشيتها ، وتركت عرشها العظيم يحفظه الجنود والحراس ، وحين علم سليمان بقدوم بلقيس أحب أن يريها آية تدل على نبوته وعظمته ، وأن تكون هذه الآية والمعجزة أخذ عرشها الذي هو مظهر عزها وملكها ، فسأل من كان بين يديه : أيكم يأتيني به ؟
{قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} . سخر اللَّه سبحانه لسليمان الريح تجري بأمره ، وهذه معجزة خارقة ما في ذلك ريب ، وسخر له الطير يأتمر بأمره ، وهذه أيضا معجزة ، وأيضا خصه اللَّه ببعض الجنود من الإنس والجن يأتون بعجائب الأعمال بالنسبة إلى عصرهم ، وكانوا يرافقون جند سليمان يستعين بهم للتغلب على العدو تماما كالفنيين وأهل الاختصاص الذين يحتاج إليهم الجيش المحارب في هذا العصر ، ويومئ إلى ذلك طلب سليمان منهم أن ينقلوا إليه عرش بلقيس في لحظات ، وهو يعلم ما بينه وبين مكان العرش من البعد ، فقال له بعض الجن : أنا آتيك به سالما كما هو ، وأنت في مجلسك هذا و{قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} فكان النصر لهذا حيث استطاع بسلطان ما عنده من العلم أن يأتي بالعرش المطلوب في لحظة لا في لحظات .
هذا ما دل عليه ظاهر الآية ، أما التساؤل : من هو هذا الذي عنده علم من الكتاب ؟ . هل هومن الملائكة أو الخضر أو عبد صالح من الإنس اسمه آصف ابن برخيا ، وانه كان يعلم اسم اللَّه الأعظم ؟ . وأي نوع من العلم استخدمه في نقل العرش هل هو اسم اللَّه الأعظم أو غيره ، أما هذا التساؤل وما إليه من التساؤلات الكثيرة فجوابها عند ربي ، لأن الآية لم تصرح ، والحديث الصحيح لم يثبت ، فمن أين يأتي العلم باسم من نقل هذا السرير ، وبنوع العلم الذي كان عنده ؟
وأقرب الاحتمالات انه لم يكن من الجن لأن النصر كان له على عفريت من الجن كما صرحت الآية السابقة ، وانه نقل العرش بمعجزة خارقة حيث أتى به قبل أن يرتد الطرف . . والمعجزة كما تظهر على أيدي الأنبياء فإنها تظهر أيضا على أيدي الذين يصطفيهم الأنبياء بأمر اللَّه تعالى .
ومحل العبرة والعظة في هذا الحادث ان بلقيس صاحبة الملك والنعيم قد خضعت صاغرة لسليمان ، واستلبها عرشها العظيم في طرفة عين ، وهو مظهر مجدها وعظمتها .
{فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} .
المراد بالكفر هنا كفران النعم ، لا الكفر باللَّه ، وسليمان لا يجحد نعمة ربه ، ومحال أن يجحدها لأنه نبي معصوم ، ولكن قال ذلك تمهيدا لقوله : {ومَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ومَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} . وفي معناه إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها} - 7 الإسراء .
------------------------------
1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص 21-23 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
قوله تعالى : {فلما جاء سليمان قال أ تمدونن بمال فما آتاني الله خير مما آتاكم بل أنتم بهديتكم تفرحون} ضمير جاء للمال الذي أهدي إليه أو للرسول الذي جاء بالهدية .
والاستفهام في قوله : {أ تمدونن بمال} للتوبيخ والخطاب للرسول والمرسل بتغليب الحاضر على الغائب ، وتوبيخ القوم من غير تعيين الملكة من بينهم نظير قولها فيما تقدم : {وإني مرسلة إليهم بهدية} كما أشرنا إليه .
وجوز أن يكون الخطاب للمرسلين وكانوا جماعة وهو خطأ فإن الإمداد لم يكن من المرسلين بل ممن أرسلهم فلا معنى لتوجيه التوبيخ إليهم خاصة ، وتنكير المال للتحقير ، والمراد بما آتاني الله الملك والنبوة .
والمعنى : أ تمدونني بمال حقير لا قدر له عندي في جنب ما آتاني الله فما آتاني الله من النبوة والملك والثروة خير مما آتاكم .
وقوله : {بل أنتم بهديتكم تفرحون} إضراب عن التوبيخ بإمداده بالمال إلى التوبيخ بفرحهم بهديتهم أي إن إمدادكم إياي بمال لا قدر له عندي في جنب ما آتاني الله قبيح وفرحكم بهديتكم لاستعظامكم لها وإعجابكم بها أقبح .
وقيل : المراد بهديتكم الهدية التي تهدى إليكم ، والمعنى : بل أنتم تفرحون بما
يهدى إليكم من الهدية لحبكم زيادة المال وأما أنا فلا أعتد بمال الدنيا هذا .
وبعده ظاهر .
قوله تعالى : {ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون} الخطاب لرئيس المرسلين ، وضمائر الجمع راجعة إلى ملكة سبإ وقومها ، والقبل الطاقة ، وضمير {بها} لسبإ ، وقوله : {وهم صاغرون} تأكيد لما قبله ، واللام في {فلنأتينهم} و{لنخرجنهم} للقسم .
لما كان ظاهر تبديلهم امتثال أمره – وهو قوله : {وأتوني مسلمين} من إرسال الهدية هو الاستنكاف عن الإسلام قدر بحسب المقام أنهم غير مسلمين له فهددهم بإرسال جنود لا قبل لهم بها ولذلك فرع إتيانهم بالجنود على رجوع الرسول من غير أن يشترطه بعدم إتيانهم مسلمين فقال : {ارجع إليهم فلنأتينهم} إلخ ، ولم يقل : ارجع فإن لم يأتوني مسلمين فلنأتينهم إلخ ، وإن كان مرجع المعنى إليه فإن إرسال الجنود وإخراجهم من سبإ على حال الذلة كان مشروطا به على أي حال .
والسياق يشهد أنه (عليه السلام) رد إليهم هديتهم ولم يقبلها منهم .
قوله تعالى : {قال يا أيها الملؤا أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين} كلام تكلم به بعد رد الهدية وإرجاع الرسل ، وفيه إخباره أنهم سيأتونه مسلمين وإنما أراد الإتيان بعرشها قبل حضورها وقومها عنده ليكون دلالة ظاهرة على بلوغ قدرته الموهوبة من ربه ومعجزة باهرة لنبوته حتى يسلموا لله كما يسلمون له ويستفاد ذلك من الآيات التالية .
قوله تعالى : {قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين} العفريت - على ما قيل - المارد الخبيث ، وقوله : {آتيك به} اسم فاعل أو فعل مضارع من الإتيان ، والأول أنسب للسياق لدلالته على التلبس بالفعل وكونه أنسب لعطف قوله : {وإني عليه} إلخ ، وهو جملة اسمية عليه .
كذا قيل .
وقوله : {وإني عليه لقوي أمين} الضمير للإتيان أي أنا للإتيان بعرشها لقوي لا يثقل علي حمله ولا يجهدني نقله أمين لا أخونك في هذا الأمر .
قوله تعالى : {قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك} مقابلته لمن قبله دليل
على أنه كان من الإنس ، وقد وردت الروايات عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنه كان آصف بن برخيا وزير سليمان ووصيه ، وقيل : هو الخضر ، وقيل : رجل كان عنده اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أجاب وقيل : جبرئيل ، وقيل : هو سليمان نفسه ، وهي وجوه لا دليل على شيء منها .
وأيا ما كان وأي من كان ففصل الكلام مما قبله من غير أن يعطف عليه للاعتناء بشأن هذا العالم الذي أتى بعرشها إليه في أقل من طرفة العين ، وقد اعتني بشأن علمه أيضا إذ نكر فقيل : علم من الكتاب أي علم لا يحتمل اللفظ وصفه .
والمراد بالكتاب الذي هو مبدأ هذا العلم العجيب إما جنس الكتب السماوية أو اللوح المحفوظ ، والعلم الذي أخذه هذا العالم منه كان علما يسهل له الوصول إلى هذه البغية وقد ذكر المفسرون أنه كان يعلم اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أجاب ، وربما ذكر بعضهم أن ذلك الاسم هو الحي القيوم ، وقيل : ذ والجلال والإكرام ، وقيل : الله الرحمن ، وقيل : هو بالعبرانية آهيا شراهيا ، وقيل : إنه دعا بقوله : يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت ائتني بعرشها .
إلى غير ذلك مما قيل .
وقد تقدم في البحث عن الأسماء الحسنى في الجزء الثامن من الكتاب أن من المحال أن يكون الاسم الأعظم الذي له التصرف في كل شيء من قبيل الألفاظ ولا المفاهيم التي تدل عليها وتكشف عنها الألفاظ بل إن كان هناك اسم له هذا الشأن أو بعض هذا الشأن فهو حقيقة الاسم الخارجية التي ينطبق عليها مفهوم اللفظ نوعا من الانطباق وهي الاسم حقيقة واللفظ الدال عليها اسم الاسم .
ولم يرد في لفظ الآية نبأ من هذا الاسم الذي ذكروه بل الذي تتضمنه الآية أنه كان عنده علم من الكتاب ، وأنه قال : أنا آتيك به ، ومن المعلوم مع ذلك أن الفعل فعل الله حقيقة ، وبذلك كله يتحصل أنه كان له من العلم بالله والارتباط به ما إذا سأل ربه شيئا بالتوجه إليه لم يتخلف عن الاستجابة وإن شئت فقل : إذا شاءه الله سبحانه .
ويتبين مما تقدم أيضا أن هذا العلم لم يكن من سنخ العلوم الفكرية التي تقبل الاكتساب والتعلم .
وقوله : {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} الطرف - على ما قيل - اللحظ والنظر وارتداد الطرف وصول المنظور إليه إلى النفس وعلم الإنسان به ، فالمراد أنا آتيك به في أقل من الفاصلة الزمانية بين النظر إلى الشيء والعلم به .
وقيل : الطرف تحريك الأجفان وفتحها للنظر ، وارتداده هو انضمامها ولكونه أمرا طبيعيا غير منوط بالقصد أوثر الارتداد على الرد فقيل : قبل أن يرتد إليك طرفك ولم يقل : قبل أن يرد .
هذا وقد أخطأ فالطرف كالتنفس من أفعال الإنسان الاختيارية غير أن الذي يبعث إليه هو الطبيعة كما في التنفس ولذلك لا يحتاج في صدوره إلى ترو سابق كما يحتاج إليه في أمثال الأكل والشرب ، فالفعل الاختياري ما يرتبط إلى إرادة الإنسان وهو أعم مما يسبقه التروي ، والذي أوقع هذا القائل فيما وقع ظنه التساوي بين الفعل الصادر عن اختيار والصادر عن ترو ، ولعل النكتة في إيثار الارتداد على الرد هي أن الفعل لعدم توقفه على التروي كأنه يقع بنفسه لا عن مشية من اللاحظ .
والخطاب في قوله : {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} لسليمان (عليه السلام) فهو الذي يريد الإتيان به إليه وهو الذي يراد الإتيان به إليه .
وقيل : الخطاب للعفريت القائل : أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك والمراد بالذي عنده علم من الكتاب عند هذا القائل هو سليمان ، وإنما قاله له إظهارا لفضل النبوة وأن الذي أقدره الله عليه بتعليمه علما من الكتاب أعظم مما يتبجح به العفريت من القدرة ، فالمعنى : قال سليمان للعفريت لما قال ما قال : أنا آتيك بالعرش قبل ارتداد طرفك .
وقد أصر في التفسير الكبير ، على هذا القول وأورد لتأييده وجوها وهي وجوه رديئة وأصل القول لا يلائم السياق كما أومأنا إليه .
قوله تعالى : {فلما رآه مستقرا عنده قال هذا من فضل ربي} إلى آخر الآية ، أي لما رأى سليمان العرش مستقرا عنده قال هذا ، أي حضور العرش واستقراره عندي في أقل من طرفة العين من فضل ربي من غير استحقاق مني ليبلوني أي يمتحنني أ أشكر نعمته أم أكفر ومن شكر فإنما يشكر لنفسه أي يعود نفعه إليه لا إلى ربي ومن كفر فلم يشكر فإن ربي غني كريم - وفي ذيل الكلام تأكيد لما في صدره من حديث الفضل - .
وقيل : المشار إليه بقوله {هذا} هو التمكن من إحضاره بالواسطة أو بالذات .
وفيه أن ظاهر قوله : {فلما رآه مستقرا عنده قال} إلخ ، إن هذا الثناء مرتبط بحال الرؤية والذي في حال الرؤية هو حضور العرش عنده دون التمكن من الإحضار الذي كان متحققا منذ زمان .
وفي الكلام حذف وإيجاز ، والتقدير فأذن له سليمان في الإتيان به كذلك فأتى به كما قال : {فلما رآه مستقرا عنده} وفي حذف ما حذف دلالة بالغة على سرعة العمل كأنه لم يكن بين دعواه الإتيان به كذلك وبين رؤيته مستقرا عنده فصل أصلا .
_________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص289-292 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
لا تخدعوني بالمال :
خرج رسل ملكة سبأ بقافلة الهدايا وتركوا اليمن وراءهم قاصدين مقر سليمان «في الشام» ظنّاً منهم أن سليمان سيكون مسروراً بمشاهدته هذه الهدايا ويرحب بهم .
لكن ما إن حضروا عند سليمان حتى رأوا ما يدهش الإنسان . . . فإنّ سليمان(عليه السلام) مضافاً الى عدم استقباله واكتراثه بتلك الهدايا {قال أتمدونن بمال فما آتاني الله خير ممّا آتاكم}
فما قيمة المال ، ازاء مقام النبوّة والعلم والهداية والتقوى {بل أنتم بهديتكم تفرحون} .
أجلْ ، أنتم الذين تفرحون بمثل هذه الزخارف ، فيهدي بعضكم لبعض فيشرق وجه تملع عيناه! إلاّ أن هذه الأُمور لا قيمة لها عندي ولا أكترث بها .
وهكذا فقد حقّر سليمان (عليه السلام) معيار القيم عندهم ، وأوضح لهم أن هناك معياراً آخر للقيمة تضمحلّ عنده معايير عبدة الدنيا ولا تساوي شيئاً .
ومن أجل أن يريهم سليمان موقفه الحاسم من الحق والباطل ، قال لرسول ملكة سبأ الخاص : {ارجع إليهم فلنأتينّهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنّهم منها أذلَّةً وهم صاغرون} .
و{أذلة} في الحقيقة حال أولى و{هم صاغرون} حال ثانية ، وهما إشارة إلى أن أُولئك لا يُخرجون من أرضهم فحسب ، بل بالإذلال والإحقار والصغار بشكل يتركون جميع ممتلكاتهم من قصور وأموال وجاه وجلال . . . لأنّهم لم يذعنوا ـ ويُسلموا ـ للحق . . . وإنّما قصدوا الخداع والمكر !
وطبيعي أن هذا التهديد كان تهديداً جديّاً جديراً بأن يؤخذ بنظر الإعتبار بالنسبة لرسل ملكة سبأ الذين كانوا عند سليمان! .
ومع ملاحظة ما قرأناه في الآيات السابقة من أنّ سليمان طلب من أُولئك شيئين : ترك الإستعلاء ، والتسليم للحق { ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين} وكان عدم إجابتهم لهذين وتوسلهم بالهديّة دليلا على امتناعهم من قبول الحقّ وترك الإستعلاء ، ولذلك هدّدهم باستخدام القوة العسكرية .
ولو أنّ ملكة سبأ وقومها طلبوا من سليمان الدليل والمعجزة (على أنّه نبيّ مطاع) لأعطاهم الحق أن يتحروا ويفحصوا أكثر . . . إلاّ أنّ إرسال الهدية ظاهره أنّهم في مقام الإنكار .
واتضح كذلك أنّ أهمّ خبر مزعج أخبر به الهدهد عن هذه الجماعة «ملكة سبأ وقومها» أنّهم كانوا يعبدون الشمس ويسجدون لها من دون الله الذي له ما في السماوات والأرض فكان سليمان(عليه السلام) قلقاً من هذا الأمر . . . ومن المعلوم أن عبادة الأصنام ليست أمراً هيّناً تسكت عنه الأديان السماوية ، أو أن تتحمل عبدة الأصنام على أنّهم أقليّة دينية . بل تستخدم القوّة إذا لزم الأمر وتحطم الأصنام ويطوى الشرك ومريدوه من الوجود ! .
وممّا بيّناه من توضيحات آنفاً يظهر أنّه لا تنافي بين تهديدات سليمان والأصل الاساس (لا إكراه في الدين} لأنّ عبادة الاصنام ليست ديناً ، بل هي خرافة وانحراف .
وقوله تعالى : {قَالَ يَأَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْرِيْتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَاْ ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِى عِنْدَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَبِ أَنَا ءَاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِي ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنَ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِىٌّ كَرِيمٌ}
حضور العرش في طرفة عين :
وأخيراً عاد رُسُل ملكة سبأ بعد أن جمعوا هداياهم وأمتعتهم إلى بلدهم ، وأخبروا ملكة سبأ بما شاهدوه من عظمة مُلك سليمان(عليه السلام) المعجز وجهازه الحكومي ، وكل واحد من هذه الاُمور دليل على أنّه لم يكن كسائر الأفراد ولا ملكاً كسائر الملوك ، بل هو مُرسل من قبل الله حقّاً ، وحكومته حكومة إلهية .
وهنا اتّضح لأُولئك جميعاً أنّهم غير قادرين على مواجهته عكسرياً ، بل إذا استطاعوا ـ فرضاً ـ فهم على احتمال قوي في مواجهة نبيّ عظيم ذي سلطة واسعة ! .
لذلك قررت الملكة أن تأتي بنفسها مع أشراف قومها إلى سليمان ، ويتفحصوا عن هذه المسألة ليتعرفوا على دين سليمان؟
فوصل هذا الخبر ـ عن أيّ طريق كان ـ إلى سمع سليمان(عليه السلام) ، فعزم على اظهار قدرته العجيبة ـ والملكة وأصحابها في الطريق إليه ـ ليعرفهم قبل كل شيء على إعجازه ، ليذعنوا له ويسلّموا لدعوته . . . لذلك التفت إلى من حوله و{قال يا أيّها الملأ أيّكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين} .
وبالرغم من أن المفسّرين أتعبوا أنفسهم للوقوف على علّة إحضار عرش الملكة ، وربّما ذكروا وجوهاً لا تنسجم مع مفاد الآيات ولا تتناسب وإيّاها! . إلاّ أن من الواضح أنّ هدف سليمان (عليه السلام) من هذه الخطة إنّه كان يريد أن يظهر أمراً مهماً للغاية خارقاً للعادة ليذعنوا له دون قيد ، ويؤمنوا بقُدرة الله من دون حاجة إلى سفك الدماء والمواجهة في ساحات القتال .
كان يريد أن ينفذ الإيمان إلى أعماق قلب ملكة سبأ وأشراف قومها ، ليستجيب الباقون لدعوته والتسليم لأمره ! .
وهنا أظهر شخصان استعدادهما لإمتثال طلب سليمان(عليه السلام) ، وكان أمر أحدهما عجيباً والآخر أعجب ! إذ {قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} (2) . فهذا الامر علي يسير ، ولا أجد فيه مشقة ، كما أنّي لا أخونك أبداً ، لأنّي قادر على ذلك {وإني عليه لقوىّ أمين} .
و«العفريت» . . . معناه المارد الخبيث .
وجملة {وإنّي عليه لقوي أمين} المشفوعة بالتأكيدات من عدّة جهات «إنّ والجملة الإسميّة ، ولام التوكيد» تشر الى احتمال خيانة هذا العفريت . . . لذلك فقد أظهر الدفاع عن نفسه بأنه أمين وفىّ .
وعلى كل حال فإنّ قصّة «سليمان» مملوءة بالعجائب الخارقة للعادات فلا عجب أن يُرى عفريت بهذه الحالة مُبدياً استعداده للقيام بهذه المهمّة خلال سويعات . . وسليمان يقضي بين الناس ، أو يتابع أُمور مملكته ، أو يقدم نصحه وإرشاده للآخرين .
أمّا الشخص الآخر فقد كان رجلا صالحاً له علم ببعض ما في الكتاب ، ويتحدث عنه القرآن فيقول : {قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} .
فلمّا وافق سليمان(عليه السلام) على هذا الأمر ، أحضر عرش بلقيس بطرفة عين بالإستعانة بقوته المعنوية {فلمّا رآه مستقراً عنده قال هذا من فضل ربّي ليبلوني أأشكر أم أكفر} .
ثمّ أضاف قائلا : {ومن شكر فإنّما يشكر لنفسه ومن كفر فإنّ ربّي غني كريم} .
وهناك اختلاف بين المفسّرين وكلام طويل في أن هذا الشخص الذي جاء بعرش الملكة ، من كان؟! ومن أين له هذه القدرة العجيبة؟! وما المراد {عنده علم من الكتاب} ؟
إلاّ أنّ الظاهر أنّ هذا الشخص هو أحد أقارب سليمان المؤمنين وأوليائه الخاصين ، وقد جاء اسمه في التواريخ بأنه (آصف بن برخيا) وزير سليمان وابن أخته (3) .
وأمّا «علم الكتاب» فالمراد منه معرفة ما في الكتب السماوية . . . المعرفة العميقة التي تمكّنه من القيام بهذا العمل الخارق للعادة !
وقال بعضهم : يُحتمل أن يكون المراد من (علم الكتاب) هو اللوح المحفوظ الذي علم الله بعضه ذلك الرجل «آصف» ولذلك استطاع أن يأتي بعرش ملكة سبأ بطرفة عين ، ويحضره عند سليمان ! .
وقال كثير من المفسّرين : إنّ هذا الرجل المؤمن كان عارفاً بالاسم الأعظم ، ذلك الاسم الذي يخضع له كل شيء ، ويمنح الإنسان قدرة خارقة للعادة ! .
وينبغي القول أن «الاسم الأعظم» ليس كما يتصوره الكثير بأنّ مفهومه أن يتلفظ الإنسان بكلمة فيكون وراءها الأثر العجيب ، بل المراد منه التخلق بذلك الاسم والوصف ، أي على الإنسان أن يستوعب «الاسم» في نفسه وروحه ، وأن يتكامل علمه وخلقه وتقواه وإيمانه إلى درجة يكون بها مظهراً من مظاهر ذلك الاسم الأعظم ، فهذا التكامل المعنوي والروحاني (بواسطة الاسم الأعظم) يوجد في الإنسان مثل هذه القدرة الخارقة للعادة (4) .
كما أنّ للمفسّرين في جملة (قبل أن يرتد إليك طرفك} لكن بملاحظة الآيات الاُخر من القرآن يمكن معرفة حقيقتها . . . ففي الآية (43) من سورة إبراهيم نقرأ : { لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ } [إبراهيم : 43] .
ونحن نعرف أن الإنسان عندما يستوحش ويذهل ، تبقى عيناه مفتوحتان على وتيرة واحدة كأنّهما عينا ميت لا تتحركان .
فبناءً على ذلك فالمراد منه أنّني سأحضر عرش ملكة بلقيس قبل أن يتحرك جفناك (5) .
_________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص442-447 .
2 ـ كلمة «آتيك» ربّما كانت اسم فاعل مضاف إلى (الكاف) ويمكن أن تكون فعل; مضارعاً من (أتى) إلاّ أن الأحتمال الأوّل يبدو أقرب للنظر !
3 ـ وما قاله بعضهم بأنه سليمان أو جبرئيل فلا دليل عليه . . . وكونه سليمان نفسه (فهو) مخالف لظاهر الآيات قطعاً!
4 ـ كان لنا في ذيل الآية (180) من سورة الأعراف بحث في شأن الاسم الأعظم ، فلا بأس بمراجعته .
5 ـ ما يقوله بعضهم : إن المراد من (يرتد إليك طرفك) هو إلقاء النظرة على شيء ما وعودة النظرة للإنسان لا دليل عليه ، كما أن هذا التعبير لا يكون شاهداً على النظرية القائلة بخروج الشعاع من العين الواردة في الفلسفة ـ القديمة .