1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف النون : سورة النمل :

تفسير الآية (27-35) من سورة النمل

المؤلف:  إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  .....

18-8-2020

5577

قال تعالى : {قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُوقُوَّةٍ وَأُولُوبَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} [النمل : 27 - 35]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

لما سمع سليمان ما اعتذر به الهدهد في تأخره {قال} عند ذلك {سننظر أ صدقت} في قولك الذي أخبرتنا به {أم كنت من الكاذبين} وهذا ألطف وألين في الخطاب من أن يقول أم كذبت لأنه قد يكون من الكاذبين بالميل إليهم وقد يكون منهم بالقرابة تكون بينه وبينهم وقد يكون منهم بأن يكذب كما كذبوا ثم كتب سليمان كتابا وختمه بخاتمه ودفعه إليه فذلك قوله {اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم} يعني إلى أهل سبإ {ثم تول عنهم} أي استتر منهم قريبا بعد إلقاء الكتاب إليهم فانظر ما ذا يرجعون عن وهب بن منبه وغيره وقيل إنه على التقديم والتأخير {فانظر ما ذا يرجعون} أي ما ذا يردون من الجواب ثم تول عنهم لأن التولي عنهم بعد الجواب عن مقاتل وابن زيد والجبائي وأبي مسلم والأول أوجه لأن الكلام إذا صح من غير تقديم وتأخير كان أولى وفي الكلام حذف تقديره فمضى الهدهد بالكتاب وألقاه إليهم .

فلما رأته بلقيس {قالت} لقومها {يا أيها الملأ} أي الأشراف {إني ألقي إلي كتاب كريم} قال قتادة أتاها الهدهد وهي نائمة مستلقية على قفاها فألقى الكتاب على نحرها فقرأت الكتاب وقيل كانت لها كوة مستقبلة للشمس تقع الشمس عند ما تطلع فيها فإذا نظرت إليها سجدت فجاء الهدهد إلى الكوة فسدها بجناحه فارتفعت الشمس ولم تعلم فقامت تنظر فرمى الكتاب إليها عن وهب وابن زيد .

فلما أخذت الكتاب جمعت الأشراف وهم يومئذ ثلاثمائة واثنا عشر قيلا ثم قالت لهم {إني ألقي إلي كتاب كريم} سمته كريما لأنه كان مختوما عن ابن عباس ويؤيده الحديث إكرام الكتاب ختمه وقيل وصفته بالكريم لأنه صدره ببسم الله الرحمن الرحيم وقيل لحسن خطه وجودة لفظه وبيانه وقيل لأنه كان ممن يملك الإنس والجن والطير وقد كانت سمعت بخبر سليمان فسمته كريما لأنه من كريم رفيع الملك عظيم الجاه .

{إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} معناه أن الكتاب من سليمان وأن المكتوب فيه بسم الله الرحمن الرحيم سليمان (عليه السلام) ولم تعرفه هي ولا قومها وقيل إن هذا حكاية ما قالته على المعنى باللغة العربية وإن لم تقل هي بهذا اللفظ والحكاية على ثلاثة أوجه حكاية على المعنى فقط وحكاية على اللفظ فقط ممن حكاه من غير أن يعلم معناه وحكاية على اللفظ والمعنى وهو الأصل في الحكاية التي لا يجوز العدول عنها إلا بقرينة وموضع .

{ألا تعلوا} يجوز أن يكون رفعا بالبدل من {كتاب} ويجوز أن يكون نصبا على معنى بأن لا تعلوا والصحيح أن {أن} في مثل هذا الموضع بمعنى أي على ما قاله سيبويه في نحو قوله {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} أي امشوا ومعناه لا تترفعوا ولا تتكبروا {علي وأتوني مسلمين} أي منقادين طائعين لأمري فيما أدعوكم وقيل مسلمين مؤمنين بالله تعالى ورسوله مخلصين في التوحيد قال قتادة وكذا كانت الأنبياء تكتب كتبها موجزة مقصورة على الدعاء إلى الطاعة من غير بسط .

ولما وقفت بلقيس على كتاب سليمان {قالت} لأشراف قومها {يا أيها الملأ أفتوني في أمري} أي أشيروا علي بالصواب والفتيا والفتوى الحكم بما فيه صواب بدلا من الخطإ وهو الحكم بما يعمل عليه فجعلت المشورة هنا فتيا {ما كنت قاطعة أمرا} أي ما كنت ممضية أمرا {حتى تشهدون} أي تحضروني تريد إلا بحضرتكم ومشورتكم وهذا ملاطفة منها لقومها في الاستشارة منهم لما تعمل عليه {قالوا} لها في الجواب عن ذلك {نحن أولوا قوة} أي أصحاب قوة وقدرة وأهل عدد {وأولوا بأس شديد} أي وأصحاب شجاعة شديدة {والأمر إليك} أي أن الأمر مفوض إليك في القتال وتركه .

{فانظري ما ذا تأمرين} أي ما الذي تأمريننا به لنمتثله فإن أمرت بالصلح صالحنا وإن أمرت بالقتال قاتلنا {قالت} مجيبة لهم عن التعريض بالقتال {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها} أي إذا دخلوها عنوة عن قتال وغلبة أهلكوها وخربوها {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} أي أهانوا أشرافها وكبراءها كي يستقيم لهم الأمر والمعنى أنها حذرتهم مسير سليمان إليهم ودخوله بلادهم وانتهى الخبر عنها وصدقها الله فيما قالت فقال {وكذلك} أي وكما قالت هي {يفعلون} وقيل إن الكلام متصل بعضه ببعض وكذلك يفعلون من قولها {وإني مرسلة إليهم} أي إلى سليمان وقومه {بهدية} أصانعه بذلك عن ملكي {فناظرة} أي فمنتظرة {بم يرجع المرسلون} بقبول أم رد وإنما فعلت ذلك لأنها عرفت عادة الملوك في حسن موقع الهدايا عندهم وكان غرضها أن يتبين لها بذلك أنه ملك أونبي فإن قبل الهدية تبين أنه ملك وعندها ما يرضيه وإن ردها تبين أنه نبي واختلف في الهدية فقيل أهدت إليه وصفاء ووصايف ألبستهم لباسا واحدا حتى لا يعرف ذكر من أنثى عن ابن عباس وقيل أهدت مائتي غلام ومائتي جارية ألبست الغلمان لباس الجواري وألبست الجواري ألبسة الغلمان عن مجاهد وقيل أهدت له صفائح الذهب في أوعية من الديباج .

فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق فلما جاءوا رأوه ملقى في الطريق في كل مكان فلما رأوا ذلك صغر في أعينهم ما جاءوا به عن ثابت اليماني وقيل إنها عمدت إلى خمسمائة غلام وخمسمائة جارية فألبست الجواري الأقبية والمناطق وألبست الغلمان في سواعدهم أساور من ذهب وفي أعناقهم أطواقا من ذهب وفي آذانهم أقراطا وشنوفا مرصعات بأنواع الجواهر وحملت الجواري على خمسمائة رمكة والغلمان على خمسمائة برذون على كل فرس لجام من ذهب مرصع بالجواهر وبعثت إليه خمسمائة لبنة من ذهب وخمسمائة لبنة من فضة وتاجا مكللا بالدر والياقوت المرتفع وعمدت إلى حقة فجعلت فيها درة يتيمة غير مثقوبة وخرزة جزعية مثقوبة معوجة الثقب ودعت رجلا من أشراف قومها اسمه المنذر بن عمرو وضمت إليه رجالا من قومها أصحاب رأي وعقل وكتبت إليه كتابا بنسخة الهدية قالت فيها :

أن كنت نبيا فميز بين الوصفاء والوصائف وأخبر بما في الحقة قبل أن تفتحها واثقب الدرة ثقبا مستويا وأدخل الخرزة خيطا من غير علاج إنس ولا جن وقالت للرسول أنظر إليه إن دخلت عليه فإن نظر إليك نظرة غضب فاعلم أنه ملك فلا يهولنك أمره فأنا أعز منه وإن نظر إليك نظر لطف فاعلم أنه نبي مرسل .

فانطلق الرسول بالهدايا وأقبل الهدهد مسرعا إلى سليمان فأخبره الخبر فأمر سليمان الجن أن يضربوا لبنات الذهب ولبنات الفضة ففعلوا ثم أمرهم أن يبسطوا من موضعه الذي هو فيه إلى بضع فراسخ ميدانا واحدا بلبنات الذهب والفضة وأن يجعلوا حول الميدان حائطا شرفه من الذهب والفضة ففعلوا ثم قال للجن علي بأولادكم فاجتمع خلق كثير فأقامهم على يمين الميدان ويساره ثم قعد سليمان في مجلسه على سريره ووضع له أربعة آلاف كرسي عن يمينه ومثلها عن يساره وأمر الشياطين أن يصطفوا صفوفا فراسخ وأمر الإنس فاصطفوا فراسخ وأمر الوحش والسباع والهوام والطير فاصطفوا فراسخ عن يمينه ويساره .

فلما دنا القوم من الميدان ونظروا إلى ملك سليمان تقاصرت إليهم أنفسهم ورموا بما معهم من الهدايا فلما وقفوا بين يدي سليمان نظر إليهم نظرا حسنا بوجه طلق وقال ما وراءكم فأخبره رئيس القوم بما جاءوا له وأعطاه كتاب الملكة فنظر فيه وقال : أين الحقة فأتي بها وحركها وجاءه جبرائيل (عليه السلام) فأخبره بما في الحقة فقال إن فيها درة يتيمة غير مثقوبة وخرزة مثقوبة معوجة الثقب فقال الرسول صدقت فاثقب الدرة وأدخل الخيط في الخرزة فأرسل سليمان إلى الأرضة فجاءت فأخذت شعرة في فيها فدخلت فيها حتى خرجت من الجانب الآخر ثم قال من لهذه الخرزة يسلكها الخيط فقالت دودة بيضاء أنا لها يا رسول الله فأخذت الدودة الخيط في فيها ودخلت الثقب حتى خرجت من الجانب الآخر ثم ميز بين الجواري والغلمان بأن أمرهم أن يغسلوا وجوههم وأيديهم فكانت الجارية تأخذ الماء من الآنية بإحدى يديها ثم تجعله على اليد الأخرى ثم تضرب به الوجه والغلام كان يأخذ من الآنية يضرب به وجهه وكانت الجارية تصب على باطن ساعدها والغلام على ظهر الساعد وكانت الجارية تصب الماء صبا والغلام يحدر الماء على يده حدرا فميز بينهما بذلك هذا كله مروي عن وهب وغيره .

وقيل إنها أنفذت مع هداياها عصا كان يتوارثها ملوك حمير وقالت أريد أن تعرفني رأسها من أسفلها وبقدح ماء وقالت تملؤها ماء رواء ليس من الأرض ولا من السماء فأرسل سليمان العصا إلى الهواء وقال أي الرأسين سبق إلى الأرض فهو أسفلها وأمر الخيل فأجريت حتى عرقت وملأ القدح من عرقها وقال ليس هذا من ماء الأرض ولا من ماء السماء .

________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج7 ، ص378-382 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ} . أخبر الهدهد سليمان عن قوم سبأ ، فقال له : سنختبر مقالتك لنعرف مكانها من الصدق {اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ما ذا يَرْجِعُونَ} . كتب سليمان إلى القوم يدعوهم إلى طاعته ، وأعطى الكتاب للهدهد ، وقال له : أوصله إليهم بطريق من الطرق ، وتنح عنهم إلى مكان تراقبهم منه ، وتسمع ما يقولون وما يتفقون عليه ، وترجع إليّ بخبرهم .

{قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وأْتُونِي مُسْلِمِينَ} . حمل الهدهد الكتاب إلى القوم ، وألقاه في مكان من قصر الملكة ، بحيث ترى الكتاب ، ولا تعلم من جاء به ، كما تشعر كلمة ألقي بصيغة المجهول ، ثم تنحى الهدهد إلى مكان قريب يسجل حركات القوم وأقوالهم ، تماما كالموظف في الاستخبارات ، ولما رأت الملكة الكتاب وعلمت ما فيه جمعت الوزراء والمستشارين ، وعرضته عليهم ، ووصفته بالكريم لأن صاحبه عظيم الجاه والسلطان . . والبسملة جزء من كتاب سليمان الذي اقتصر فيه على الدعوة إلى الطاعة من غير مقدمات وزيادة كلام . . وهذا هو شأن الأنبياء في رسائلهم ، يقتصرون فيها على الهدف المطلوب ، وكان الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) يقتصر في رسائله إلى الملوك على قوله : {اسلم تسلم} بعد البسملة والحمد .

{قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي ما كُنْتُ قاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ} .

أشيروا عليّ ، فلا أبتّ بشيء حتى استظهر برأيكم ، وفيه إيماء إلى أن ديمقراطية الحكم لها جذور في التاريخ البعيد ، ثم تطورت بمرور الزمن إلى ما هي عليه الآن . {قالُوا نَحْنُ أُولُوا قُوَّةٍ وأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ والأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي ما ذا تَأْمُرِينَ} .

قالوا هذا على طريقة الساسة في الإعلان عن قوتهم وحزمهم وصلابتهم ، وفي الاحتفاظ أيضا نحط الرجعة حيث ألقوا بالمسؤولية كلها على عاتق الملكة حتى إذا ساءت العاقبة كانوا منها في حل .

 

هل الفساد طبيعة في الملوك ؟

{قالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوها وجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً وكَذلِكَ يَفْعَلُونَ} . تطلق القرية على المدينة وعلى بلدة ريفية ، وشرح بعض المفسرين الجدد هذه الآية بقوله : فهي تعرف ان من طبيعة الملوك إذا دخلوا قرية أشاعوا فيها الفساد ، وحطموا الرؤساء وجعلوهم أذلة ، وهذا هو دأبهم الذي يفعلونه .

والحق ان الفساد ينتشر في الأرض بمقدار ما للمجرمين من قوة ، ويتضاعف كلما تضاعفت مقدرتهم عليه ملوكا كانوا أو غير ملوك ، وإنما خصت الآية الملوك بالذكر لأنهم أقوى وأقدر من غيرهم . . إن شخصية المجرم تختفي وراء ضعفه ، وتظهر مع قوته . . فمن الخطأ أن نحدد شخصية الضعيف من خلال تصرفاته . . فقد اشتهر البعض في زماننا بالتقى والصلاح قبل أن يتولى الرئاسة ، ولما أخذ نصيبه منها التصقت به تهم لا تمحوها الأيام . . نسأل اللَّه الهداية لنا وله .

وبهذا يتبين معنا ان صفة الفساد لا تختص بالملوك ، ولا هي من طبيعتهم ، وإلا استحال وجود العدل والصلاح فيهم ، وانما هي من طبيعة القوي المجرم ، سواء أجاءت قوته من المال أو الجسم أو العقل أو من منصب زمني أو ديني :

ولا رادع للمجرم القوي إلا الدين . قال الإمام علي (عليه السلام) : قد يرى الحوّل القلَّب وجه الحيلة ، ودونه مانع من أمر اللَّه ونهيه ، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها ، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين . الحوّل القلَّب هو البصير بتحويل الأمور وتقلَّبها ، والحريجة التحرز من الإثم .

{وإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ} . أرجع الوزراء والمستشارون إلى الملكة أمر السلم والحرب ، وقبل أن تبت بشيء رأت أن ترسل إلى سليمان هدية ، فيها كل غال وثمين ، ثم تنظر هل يقبلها أو يرفضها ؟ فإن قبلها فهو طالب دنيا ، لا طالب دين ، يمكن مصانعته بالمال ، وان رفض الهدية وأصر على أن نأتيه مسلمين فهو من أصحاب المبادئ والرسالات الذين لا يساومون على عقيدتهم ، ويضحّون من أجلها بكل عزيز ، ومثلهم لا تجوز محاربتهم ، وتصعب مقاومتهم .

_______________

1- تفسير الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص ١٨-20 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : {قال سننظر أ صدقت أم كنت من الكاذبين} الضمير لسليمان (عليه السلام) .

أحال القضاء في أمر الهدهد إلى المستقبل فلم يصدقه في قوله لعدم بينة عليه بعد ولم يكذبه لعدم الدليل على كذبه بل وعده أن يجرب ويتأمل .

قوله تعالى : {اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ما ذا يرجعون} حكاية قول سليمان خطابا للهدهد كأنه قيل : فكتب سليمان كتابا ثم قال للهدهد : اذهب بكتابي هذا إليهم أي إلى ملكة سبإ وملئها فألقه إليهم ثم تول عنهم أي تنح عنهم وقع في مكان تراهم فانظر ما ذا يرجعون أي ما ذا يرد بعضهم من الجواب على بعض إذا تكلموا فيه .

وقوله : {فألقه} بسكون الهاء وصلا ووقفا في جميع القراءات وهي هاء السكت ، ومما قيل في الآية : إن قوله {ثم تول عنهم فانظر} إلخ ، من قبيل التقديم والتأخير والأصل فانظر ما ذا يرجعون ثم تول عنهم : وهوكما ترى .

قوله تعالى : {قالت يا أيها الملؤا إني ألقي إلي كتاب كريم إنه من سليمان وإنه

بسم الله الرحمن الرحيم} في الكلام حذف وإيجاز والتقدير فأخذ الهدهد الكتاب وحمله إلى ملكة سبإ حتى إذا أتاها ألقاه إليها فأخذته ولما قرأته قالت لملئها وأشراف قومها يا أيها الملؤا (إلخ) .

فقوله : {قالت يا أيها الملؤا إني ألقي إلي كتاب كريم} حكاية ذكرها لملئها أمر الكتاب وكيفية وصوله إليها ومضمونه ، وقد عظمته إذ وصفته بالكرم .

وقوله : {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} ظاهره أنه تعليل لكون الكتاب كريما أي والسبب فيه أنه من سليمان ولم يكد يخفى عليها جبروت سليمان وما أوتيه من الملك العظيم والشوكة العجيبة كما اعترفت بذلك في قولها على ما حكاه الله بعد : {وأوتينا العلم من قبلها وكنا مسلمين} .

{وإنه بسم الله الرحمن الرحيم : أي الكتاب باسمه تعالى فهو كريم لذلك والوثنيون جميعا قائلون بالله سبحانه يرونه رب الأرباب وإن لم يعبدوه ، وعبدة الشمس منهم وهم من شعب الصابئين يعظمونه ويعظمون صفاته وإن كانوا يفسرون الصفات بنفي النقائص والأعدام فيفسرون العلم والقدرة والحياة والرحمة مثلا بانتفاء الجهل والعجز والموت والقسوة فكون الكتاب باسم الله الرحمن الرحيم يستدعي كونه كريما ، كما أن كونه من سليمان العظيم يستدعي كونه كريما ، وعلى هذا فالكتاب أي مضمونه هو قوله : {ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين} وأن مفسرة .

ومن العجيب ما عن جمع من المفسرين أن قوله : {إنه من سليمان} استئناف وقع جوابا لسؤال مقدر كأنه قيل : ممن الكتاب وما ذا فيه فقالت : إنه من سليمان إلخ ، وعلى هذا يكون قوله : وإنه بسم الله بيانا للكتاب أي لمتنه وأن الكتاب هو{بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين} .

ويتوجه عليهم أولا : وقوع لفظة أن زائدة لا فائدة لها ولذا قال بعضهم : إنها مصدرية و{لا} نافية لا ناهية وهو وجه سخيف كما سيأتي .

وثانيا : بيان الوجه في كون الكتاب كريما فقيل : وجه كرامته أنه كان مختوما ففي الحديث : إكرام الكتاب ختمه حتى ادعى بعضهم أن معنى كرامة الكتاب ختمه ، يقال : أكرمت الكتاب فهو كريم إذا ختمته ، وقيل : إنها سمته كريما لجودة

خطه وحسن بيانه ، وقيل : لوصوله إليها على منهاج غير عادي ، وقيل : لظنها بسبب إلقاء الطير أنه كتاب سماوي إلى غير ذلك من الوجوه .

وأنت خبير بأنها تحكمات غير مقنعة ، والظاهر أن الذي أوقعهم فيما وقعوا حملهم قوله : {وإنه بسم الله - إلى قوله - مسلمين} على حكاية متن الكتاب وذلك ينافي حمل قوله : {إنه من سليمان وإنه بسم الله} إلخ ، على تعليل كرامة الكتاب ويدفعه أن ظاهر أن المفسرة في قوله : {ألا تعلوا علي} إلخ ، أنه نقل لمعنى الكتاب ومضمونه لا حكاية متنه فمحصل الآيتين أن الكتاب كان مبدوا ببسم الله الرحمن الرحيم وأن مضمونه النهي عن العلو عليه والأمر بأن يأتوه مسلمين فلا محذور أصلا .

قوله تعالى : {ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين} أن مفسرة تفسر مضمون كتاب سليمان كما تقدمت الإشارة إليه .

وقول بعضهم : إنها مصدرية و{لا} نافية أي عدم علوكم علي ، سخيف لاستلزامه أولا : تقدير مبتدأ أو خبر محذوف من غير موجب ، وثانيا : عطف الإنشاء وهو قوله : {وأتوني} على الإخبار .

والمراد بعلوهم عليه ، استكبارهم عليه ، وبقوله : {وأتوني مسلمين} إسلامهم بمعنى الانقياد على ما يؤيده قوله : {ألا تعلوا علي} دون الإسلام بالمعنى المصطلح وهو الإيمان بالله سبحانه وإن كان إتيانهم منقادين له يستلزم إيمانهم بالله على ما يستفاد من سياق قول الهدهد وسياق الآيات الآتية ، ولوكان المراد بالإيمان المعنى المصطلح كان المناسب له أن يقال : أن لا تعلوا على الله .

وكون سليمان (عليه السلام) نبيا شأنه الدعوة إلى الإسلام لا ينافي ذلك فإنه كان ملكا رسولا وكانت دعوته إلى الانقياد المطلق تستلزم ذلك كما تقدم وقد انتهت إلى إسلامها لله كما حكى الله تعالى عنها {وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} .

قوله تعالى : {قالت يا أيها الملؤا أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون} الإفتاء إظهار الفتوى وهي الرأي ، وقطع الأمر القضاء به والعزم عليه والشهادة الحضور وهذا استشارة منها لهم تقول : أشيروا علي في هذا الأمر الذي واجهته وهو الذي يشير إليه كتاب سليمان - وإنما أستشيركم فيه لأني لم أكن حتى اليوم

أستبد برأيي في الأمور بل أقضي وأعزم عن إشارة وحضور منكم .

فالآية تشير إلى فصل ثان من كلامها مع ملئها بعد الفصل الأول الذي أخبرتهم فيه بكتاب سليمان (عليه السلام) وكيفية وصوله وما فيه .

قوله تعالى : {قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ما ذا تأمرين} القوة ما يتقوى به على المطلوب وهي هاهنا الجند الذي يتقوى به على دفع العدو وقتاله ، والبأس الشدة في العمل والمراد به النجدة والشجاعة .

والآية تتضمن جواب الملإ لها يسمعونها أولا ما يطيب له نفسها ويسكن به قلقها ثم يرجعون إليها الأمر يقولون طيبي نفسا ولا تحزني فإن لنا من القوة والشدة ما لا نهاب به عدوا وإن كان هو سليمان ثم الأمر إليك مري بما شئت فنحن مطيعوك .

قوله تعالى : {قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة وكذلك يفعلون} إفساد القرى تخريبها وإحراقها وهدم أبنيتها ، وإذلال أعزة أهلها هو بالقتل والأسر والسبي والإجلاء والتحكم .

كان رأيها على ما يستفاد من هاتين الآيتين - - - زيادة التبصر في أمر سليمان (عليه السلام) بأن ترسل إليه من يختبر حاله ويشاهد مظاهر نبوته وملكه فيخبر الملكة بما رأى حتى تصمم هي العزم على أحد الأمرين : الحرب أو السلم وكان الظاهر من كلام الملإ {حيث بدءوا في الكلام معها بقولهم نحن أولو قوة وأولو بأس شديد ، أنهم يميلون إلى القتال لذلك أخذت أولا تذم الحرب ثم نصت على ما هو رأيها فقالت : {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها} إلخ ، أي إن الحرب لا تنتهي إلا إلى غلبة أحد المتحاربين وفيها فساد القرى وذلة أعزتها فليس من الحزم الإقدام عليها مع قوة العدو وشوكته مهما كانت إلى السلم والصلح سبيل إلا لضرورة ورأيي الذي أراه أن أرسل إليهم بهدية ثم أنظر بما ذا يرجع المرسلون من الخبر وعند ذلك أقطع بأحد الأمرين الحرب أو السلم .

فقوله : {إن الملوك إذا دخلوا} إلخ ، توطئة لقوله بعد : {وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة} إلخ .

وقوله : {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} أبلغ وآكد من قولنا مثلا : استذلوا أعزتها لأنه مع الدلالة على تحقق الذلة يدل على تلبسهم بصفة الذلة .

وقوله : {وكذلك يفعلون} مسوق للدلالة على الاستمرار بعد دلالة قوله : {أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة} على أصل الوقوع ، وقيل : إن الجملة من كلام الله سبحانه لا من تمام كلام ملكة سبإ وليس بسديد إذ لا اقتضاء في المقام لمثل هذا التصديق .

قوله تعالى : {وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون} أي مرسلة إلى سليمان وهذا نوع من التجبر والاعتزاز الملوكي تصون لسانها عن اسمه وتنسب الأمر إليه وإلى من معه جميعا وأيضا تشير به إلى أنه يفعل ما يفعل بأيدي أعضاده وجنوده وإمداد رعيته .

وقوله : {فناظرة بم يرجع المرسلون} أي حتى أعمل عند ذلك بما تقتضيه الحال وهذا - كما تقدم – هو رأي ملكة سبإ ويعلم من قوله : {المرسلون} أن الحامل للهدية كان جمعا من قومها كما يستفاد من قول سليمان بعد : {ارجع إليهم} أنه كان للقوم المرسلين رئيس يرأسهم .

 _____________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج15 ، ص286-289 .

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

الملوكُ مفسدون مخرّبون :

 

لقد أصغى سليمان(عليه السلام) إلى كلام الهُدهد بكل اهتمام . . وفكّر مليّاً ، ولعل سليمان كان يظنُّ أن كلام الهدهد صحيح ، ولا دليل على كذب بهذا الحجم . . لكن حيث أن هذه المسألة لم تكن مسألة «ساذجةً» بسيطة ، ولها أثر كبير في مصير بلد كامل وأمّة كبيرة! . . فينبغي أن لا يكتفي بمخبر واحد ، بل ينبغي التحقيق أكثر في هذا المجال : {قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين} .

وهذا الكلام يثبت بصورة جيدة أنّه يجب الاهتمام في المسائل المصيرية المهمّة ، حتى لو أخبر بها «فردٌ» صغير ، وأن يُعجّل في التحقيقات اللازمة «كما تقتضيه السين» في جملة «سننظر» !

سليمان(عليه السلام) لم يتهم الهدهد فيحكم عليه بالكذب . . ولم يُصدّق كلامه دون أىّ دليل . . . بل جعله أساساً للتحقيق!

وعلى كل حال ، فقد كتب كتاباً وجيزاً ذا مغزى عميق ، وسلّمه إلى الهدهد وقال له : {اذهب بكتابي فألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون} (2) .

يستفاد من التعبير {ألقه إليهم} أن يلقي الكتاب عندما تكون ملكة سبأ حاضرة بين قومها ، لئلا تعبث به يد النسيان أو الكتمان . ، ومن هنا يتّضح أن ما ذهب إليه بعض المفسّرين بأن الهدهد ذهب إلى قصر ملكة سبأ ودخل مخدعها وألقى الكتاب على صدرها أو حنجرتها ـ لا يقوم عليه دليل ـ وإن كان متناسباً مع الجملة التي وردت في الآية التالية {إنّي أُلقي إليّ كتاب كريم} .

ففتحت ملكة سبأ كتاب سليمان ، واطّلعت على مضمونه ، وحيث أنّها كانت من قبل قد سمعت بأخبار سليمان واسمه ، ومحتوى الكتاب يدلّ على إقدامه وعزمه الشديد في شأن بلدة «سبأ» ، لذلك فكّرت مليّاً ، ولما كانت في مثل هذه المسائل المهمّة تستشير من حولها ، لذلك فقد دعتهم وتوجهت إليهم و{قالت يا أيّها الملأ إنّي أُلقي إليّ كتاب كريم} .

ترى ، حقّاً أن ملكة سبأ لم تكن رأت «حامل الكتاب» ، إلاّ أنّها أحست بأصالة الكتاب من القرائن الموجودة فيه؟ ولم تحتمل أن يكون الكتاب مفتعلا ومفترى أبداً . . ؟!

أم أنّها رأت الرّسول بأُم عينيها ، ورأت كيفية وصول الكتاب المدهشة التي هي بنفسها دليل على أن المسألة واقعية ومهمّة ، ومهما كان الأمر فإنّها عوّلت على الكتاب بكل اطمئنان ؟ .

وقول الملكة : {إنّي ألقي إلي كتاب كريم} «أي قيم» لعله لمحتواه العميق ، أو لأنّه بُدىء باسم الله أو لأنّه ختم بإمضاء صحيح (3) . أو لأنّ مرسله رجل عظيم ، وقد احتمل كل مفسّر وجهاً منها ـ أو جميعها ـ لأنّه لا منافاة بينها جميعاً . وقد تجتمع جميعها في هذا المفهوم الجامع ! .

صحيح أنّهم (قوم سبأ) كانوا يعبدون الشمس ، إلاّ أننا نعرف أن كثيراً من عبدة الأصنام كانوا يعتقدون بالله ـ أيضاً ـ ويسمونه رب الأرباب ويعظمونه ويحترمونه .

ثمّ إن «ملكة سبأ» تحدثت عن مضمون الكتاب فقالت : {إنّه من سليمان وإنّه بسم الله الرحمن الرحيم ألاّ تعلوا علي وأتوني مسلمين} (4) .

ومن البعيد ـ كما يبدوـ أن يكون سليمان كتب كتابه إلى ملكة سبأ بهذه العبارات «وهذه الألفاظ العربيّة» . إذاً فالجمل الآنفة يمكن أن تكون منقولة بالمعنى ، أو أنّها خلاصة ما كان كتبه سليمان ، وقد أدّتها ملكة سبأ بهذه الوجازة والاقتضاب إلى قومها .

الطريف أن مضمون هذا الكتاب لم يتجاوَز في الواقع ثلاث جمل :

الأولى : ذكر «اسم الله» وبيان رحمانيّته ورحمته .

الثّانية : الأمر بترك الإستعلاء والغرور . . لأنّ الإستعلاء مصدر المفاسد الفرديّة والإجتماعيّة .

والثّالثة : التسليم والإذعان للحق .

وإذا أمعنا النظر لم نجد شيئاً آخر لابدّ من ذكره .

وبعد أن ذكرت ملكة سبأ محتوى كتاب سليمان لقومها . . . التفتت إليهم و{قالت يا أيّها الملأ افتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون} .

لقد أرادت الملكة بهذه الإستشارة تقوية مركزها في قومها ، وأن تلفت أنظارهم إليها ، كما أرادت ضمناً أن تعرف مدى انسجامهم وميزان استجابتهم لما تُقدم عليه من تصميم .

كلمة «أفتوني» مشتقّة من (الفتوى) معناها في الأصل الحكم الدقيق والصحيح في المسائل الغامضة والصعبة . . . فملكة سبأ أرادت بهذا التعبير أن تشعرهم بصعوبة المسألة أوّلا ، وأن يدققوا النظر ويجمعوا الرأي فيها ليتجنبوا الخطأ ثانياً .

«تشهدون» مأخوذ من مادة «الشهود» ، ومعناه الحضور . . . الحضور المقرون بالتعاون والمشورة! .

فالتفت إليها أشراف قومها وأجابوها على استشارتها فـ {قالوا نحن أُولوا قوّة وأولوا بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} .

وهكذا فقد أظهروا لها تسليمهم وإذعانهم لأوامرها . . . كما أبدوا رغبتهم في الإعتماد على القوّة والحضور في ميدان الحرب .

ولمّا رأت الملكة رغبتهم في الحرب خلافاً لميلها الباطني ، ومن أجل إطفاء هذا الظمأ وأن تكون هذه القضية مدروسة ، لذلك {قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلةً} .

فيقتلون جماعةً منهم ويأسرون آخرين ويطردون طائفة ثالثة ويخرجونهم من ديارهم ويخربون حيّهم وينهبون ثرواتهم وأموالهم . .

ولمزيد التأكيد أردفت قائلةً : {وكذلك يفعلون} .

وفي الحقيقة . . إن ملكة سبأ التي كانت بنفسها ملكةً ، كانت تعرف نفسية الملوك بصورة جيدة ، وأن سيرتهم تتلخص في شيئين :

1 ـ الإفساد والتخريب .

2 ـ وإذلال الأعزة . . .

لأنّهم يفكرون في مصالحهم الشخصية ، ولا يكترثون بمصالح الأُمّة وعزتها . . . وهما على طرفي نقيض دائماً .

ثمّ أضافت الملكة قائلةً : علينا أن نختبر سليمان وأصحابه ، لنعرف من هم وما يريدون؟ وهل سليمان نبيّ حقاً أو ملك؟ وهل هو مصلح أو مفسد ؟ وهل يذلّ الناس أم يحترمهم ويعزّهم ؟

فينبغي أن نرسل شيئاً إليه {وإنّي مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون} .

فالملوك لهم علاقة شديدة بالهدايا ، ونقطة الضعف كامنة في هذا الأمر ، فيمكن أن يذعنوا للهدايا الغالية . . . فإذا أذعن سليمان بهذه الهدية فهو ملك ، وينبغي أن نواجهه بالقوّة فنحن أقوياء . . . وإذا ألح على كلامه ولم يكترث بنا فهو نبيّ ، وفي هذه الصورة ينبغي التعامل معه بالحكمة والتعقل !

ولم يذكر القرآن أية هدية أرسلتها الملكة إلى سليمان ، لكنّه بتنكيرها بيّن عظمتها ، إلاّ أن المفسّرين ذكروا مسائل كثيرة لا يخلو بعضها من الإغراق :

قال بعضهم : أرسلت إليه خمسمائة غلام وخمسمائة جارية ممتازة ، وقد ألبست الرجال ثياب النساء والنساء ثياب الرجال ، وجعلت الأقراط في آذان الرجال والاسورة في أيديهم ، وألبست الجواري تيجاناً . . . وكتبت في رسالتها إلى سليمان : لوكنت نبيّاً فميّز الرجال من النساء! ،

وبعثت أُولئك على مراكب ثمينة ، ومعهم جواهر وأحجار كريمة ، وأوصت رسولها ـ في الضمن ـ أن أنظر كيف يواجهك سليمان عند وردك عليه ، فإن واجهك بالغضب فاعلم بأنه سيرة الملوك ، وإن واجهك بالمحبة واللطف فاعلم أنّه نبيّ .

__________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج9 ، ص434-438 .

2 ـ قال بعض المفسّرين : إن جملة «ثمّ تول عنهم» مؤخرة معنىً ، وإن تقدمت في العبارة ، وأصلها هكذا : فانظر ماذا يرجعون ثمّ تولّ عنهم . . . وإنّما قدروا ذلك لأنّ تولّ عنهم معناه العودة والرجوع ، مع أن ظاهر الآية أنّه ألق الكتاب واعرض عنهم وانتظر في مكان مشرف لترى رد فعلهم ! . .

3 ـ ورد في الحديث أن كون الكتاب كريماً هو بخاتمه «تفسير مجمع البيان والميزان والقرطبي» . وجاء في حديث آخر أن الرّسول (صلى الله عليه وآله) أراد أن يكتب رسالة للعجم ، فقيل له : إنّهم لا يقبلونها إلاّ بالخاتم ، فأمر النّبي أن يصنع له خاتم ونقشه «لا اله إلاّ الله محمّد رسول الله» وختم الرسالة أو الكتاب بذلك الخاتم «القرطبي ذيل الآيات محل البحث» .

4 ـ جملة «ألاّ تعلوا علي» يمكن أن تكون بمجموعها بدلا من (كتاب) وبيان لمحتواه . كما يمكن أن تكون (أن) تفسيرية فهي هنا بمعنى (أي) ـ كما يحتمل أن (أن) تكون متعلقة بمحذوف وتقديره : أوصيكم ألا تعلوا الخ . .

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي