1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف الغين : سورة غافر :

تفسير الآية (69-78) من سورة غافر

المؤلف:  إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  .....

17-8-2020

3172

قال تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (69) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (70) إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (71) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (72) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (73) مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ (74) ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (75) ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (76) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَو نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ } [غافر : 69 - 78] .

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{أ لم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله} يعني المشركين الذين يخاصمون في إبطال حجج الله ودفعها {أنى يصرفون} أي كيف ومن أين يقلبون عن الطريق المستقيم إلى الضلال ولو كانوا يخاصمون في آيات الله بالنظر في صحتها والفكر فيها لما ذمهم الله تعالى ثم وصفهم سبحانه فقال {الذين كذبوا بالكتاب} أي بالقرآن وجحدوه {وبما أرسلنا به رسلنا} أي وكذبوا بما أرسلنا به من الكتب والشرائع رسلنا قبلك {فسوف يعلمون} عاقبة أمرهم إذ حل بهم وبال ما جحدوه ونزل بهم عقاب ما ارتكبوه فيعرفون إن ما دعوتهم إليه حق وما ارتكبوه ضلال وفساد .

ثم قال سبحانه {إذ الأغلال في أعناقهم} أي يعلمون وبال أمرهم في حال تكون الأغلال في أعناقهم {والسلاسل يسحبون في الحميم} أي يجرون في الماء الحار الذي قد انتهت حرارته {ثم في النار يسجرون} أي ثم يقذفون في النار ويلقون فيها وقيل معناه ثم يصيرون وقود النار عن مجاهد والمعنى توقد بهم النار {ثم قيل لهم} أي لهؤلاء الكفار إذا دخلوا النار على وجه التوبيخ {أين ما كنتم تشركون من دون الله} أي أين ما كنتم تزعمون أنها تنفع وتضر من أصنامكم التي عبدتموها {قالوا ضلوا عنا} أي ضاعوا عنا وهلكوا فلا نراهم ولا نقدر عليهم .

ثم يستدركون فيقولون {بل لم نكن ندعو من قبل شيئا} والمعنى لم نكن ندعو شيئا يستحق العبادة ولا ما ننتفع بعبادته عن الجبائي وقيل بل لم نكن ندعو شيئا ينفع ويضر ويسمع ويبصر قال أبو مسلم وهذا كما يقال لكل ما لا يغني شيئا هذا ليس بشيء لأن قولهم ضلوا عنا اعتراف بعبادتهم ولأن الآخرة دار إلجاء فهم ملجئون إلى ترك القبيح وقيل معناه ضاعت عباداتنا لهم فلم نكن نصنع شيئا إذ عبدناها كما يقول المتحسر ما فعلت شيئا .

{كذلك يضل الله الكافرين} معناه كما أضل الله أعمال هؤلاء وأبطل ما كانوا يؤملونه كذلك يفعل بجميع من يتدين بالكفر فلا ينتفعون بشيء من أعمالهم وقيل يضل الله أعمالهم أي يبطلها عن الحسن وقيل يضل الكافرين عن طريق الجنة والثواب كما أضلهم عما اتخذوه إلها بأن صرفهم عن الطمع في نيل منفعة من جهتها عن الجبائي {ذلكم} العذاب الذي نزل بكم {بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون} قيد الفرح وأطلق المرح لأن الفرح قد يكون بحق فيحمد عليه وقد يكون بالباطل فيذم عليه والمرح لا يكون إلا باطلا ومعناه أن ما فعل بكم جزاء بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق أي بما كان يصيب أنبياء الله تعالى وأولياءه من المكاره {وبما كنتم تمرحون} أي تأشرون وتبطرون .

ثم حكى سبحانه عن هؤلاء الكفار إنه يقال لهم {أدخلوا أبواب جهنم} وهي سبعة أبواب {خالدين فيها} أي مؤبدين فيها لا انقطاع لكربكم فيها ولا نهاية لعقابكم وقيل إنما جعل لجهنم أبواب كما جعل لها دركات تشبيها بما يتصور الإنسان في الدنيا من المطابق والسجون والمطامير (2) فإن ذلك أهول وأعظم في الزجر {فبئس مثوى المتكبرين} أي بئس مقام الذين تكبروا عن عبادة الله تعالى وتجبروا عن الانقياد له وإنما أطلق عليه اسم بئس وإن كان حسنا لأن الطبع ينفر عنه كما ينفر العقل عن القبيح فحسن لهذه العلة اسم بئس عليه .

ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) {فاصبر} يا محمد على أذى قومك لك وتكذيبهم إياك ومعناه اثبت على الحق فسماه صبرا للمشقة التي تلحق به كما تلحق بتجرع المر ولذلك لا يوصف أهل الجنة بالصبر وإن وصفوا بالثبات على الحق وإن كان في الوصف به في الدنيا فضل ولكنهم يوصفون بالحلم لأنه مدح ليس فيه صفة نقص {إن وعد الله حق} معناه أن ما وعد الله به المؤمنين على الصبر من الثواب في الجنة حق لا شك فيه بل هو كائن لا محالة وقيل إن وعد الله بالنصر لأنبيائه والانتقام من أعدائه حق وصدق لا خلف فيه {فإما نرينك بعض الذي نعدهم} من العذاب في حياتك وإنما قال بعض الذي نعدهم لأن المعجل من عذابهم في الدنيا هو بعض ما يستحقونه {أو نتوفينك} قبل أن يحل بهم ذلك {فإلينا يرجعون} يوم القيامة فتفعل بهم ما يستحقونه من العقاب ولا يفوتوننا .

ثم زاد سبحانه في تسلية النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) بقوله {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك} يا محمد {منهم من قصصنا عليك} قصصهم وأخبارهم {ومنهم من لم نقصص عليك} أخبارهم وقيل معناه منهم من تلونا عليك ذكره ومنهم من لم نتل عليك ذكره وروي عن علي (عليه السلام) أنه قال بعث الله نبيا أسود لم يقص علينا قصته واختلفت الأخبار في عدد الأنبياء فروي في بعضها أن عددهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا وفي بعضها أن عددهم ثمانية آلاف نبي أربعة آلاف من بني إسرائيل وأربعة آلاف من غيرهم .

{وما كان لرسول أن يأتي ب آية} أي بمعجزة ودلالة {إلا بإذن الله} وأمره والمعنى إن الإتيان بالمعجزات ليس إلى الرسول ولكنه إلى الله تعالى يأتي بها على وجه المصلحة {فإذا جاء أمر الله} وهو القيامة {قضي بالحق} بين المسلمين والكفار والأبرار والفجار {وخسر هنالك} عند ذلك {المبطلون} لأنهم يخسرون الجنة ويحصلون في النار بدلا منها وذلك هو الخسران المبين والمبطل صاحب الباطل .

______________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص455-459 .

2- المطابق جمع المطبق : السجن تحت الارض . والمطامير جمع المطمورة : الحفيرة تحت الارض .

 

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللَّهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ} ؟ يقول سبحانه لنبيه الكريم منكرا جدال المشركين بالباطل : أرأيت وشاهدت يا محمد إلى المشركين والمترفين كيف يعمون عن الحجج القاطعة والبينات الواضحة على عظمة اللَّه ونبوتك وينصرفون عن الحق ودلائله إلى الجهل والضلال وعبادة الأحجار ؟ وأوضح تفسير لهذه الآية وأخصره قول الإمام علي (عليه السلام) : من كثر نزاعه بالجهل دام عماه عن الحق .

{الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ} - أي القرآن - {وبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} .

وذلك يوم تسفر الحقيقة عن وجهها ، ويرى المجرمون ما يحل بهم من العذاب {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ والسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ} .

يجرّون بالسلاسل إلى حريق الجحيم وشراب الحميم ، والأيدي مغلولة إلى الأعناق ، والنواصي مقرونة بالأقدام : { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي والأَقْدامِ} [الرحمن - 41 ] .

{ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وتدخرونهم للشدائد ؟

فادعوهم فليستجيبوا لكم ان كنتم صادقين {قالُوا ضَلُّوا عَنَّا} غابوا عن أعيننا ولم نر لهم عينا ولا أثرا {بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً} يعتد به ، وتبين لنا الآن أنه كان سرابا {كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكافِرِينَ} لأنهم سلكوا طريق الضلال بسوء اختيارهم بعد أن نهوا عنه ، وماتوا على البغي والكفر ، وقد أمروا بالتوبة منه والإنابة إلى اللَّه الغفور الرحيم . . ومن دخل مداخل السوء فلا يلومن إلا نفسه .

نطلب الدنيا باسم الدين :

{ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} . يفرحون بالحقير الزائل يدركونه من الدنيا ، ولا يهتمون بالنعيم الدائم يفوتهم من الآخرة .

وهذا الوصف يشملنا نحن أيضا ، ولا يختص بالمشركين ، والفرق انهم يقبلون على الدنيا ، وهم كافرون باليوم الآخر ظاهرا وباطنا ، أما نحن فنقبل على الدنيا ونطلبها متكالبين ، ولكن باسم الايمان باللَّه واليوم الآخر . . فأي الفريقين أحق بغضب اللَّه وعذابه ؟ . {ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} .

يقال هذا غدا للمتكبرين ، ولكل من استغل الدين ، وتاجر بالوطنية ، وعبث بعقول البسطاء والأبرياء سواء أفعل ذلك عن عمد أم عن جهل بحقيقته وواقعه ، قال تعالى : {هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف - 104 ] . واتفقت كلمة العلماء على أن الجاهل المقصر لا عذر له عند اللَّه .

{فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} . تقدم بالحرف الواحد في الآية 55 من هذه السورة {فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَونَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ} . الخطاب في نرينك لمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) ، وضمير نعدهم للمشركين ، والمعنى قد نعاقب في الدنيا الذين كذبوك يا محمد وآذوك وعلى مرأى منك ، وقد نختارك إلينا قبل ذلك . .

وفي سائر الأحوال فإن الأمر والمرجع إلى اللَّه وحده ، وليس لك من الأمر شيء .

وتومئ الآية إلى أن المؤمن الحق ينبغي أن يفرح بمرضاة اللَّه ، وبأنه على يقين من دينه ، وأن يجاهد أهل الباطل والضلال بما استطاع من قوة ، ثم يدع الجزاء إلى اللَّه : {وما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} [الأنعام - 132 ] .

{ولَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ ومِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} . تقدم مثله في الآية 164 من سورة النساء ج 2 ص 492 . انظر أيضا فقرة هل الأنبياء كلهم شرقيون ؟

{وما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} . المراد بالآية هنا المعجزة ، والمعنى ان اللَّه سبحانه يظهر المعجزة على يد الرسول كما تقتضيه الحكمة والمصلحة لا كما يشاء المكابرون والمعاندون {فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ} . هنالك إشارة إلى يوم القيامة ، وهو أسوأ يوم على المبطلين وأسعده على المحقين .

________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص469-471 .

 

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

رجوع بعد رجوع إلى حديث المجادلين في آيات الله وقد تعرض لبيان مآل أمرهم بذكر ما آل إليه أمر أشباههم من الأمم الخالية ونصره تعالى لدينه في أول السورة إجمالا ثم بذكر الحال في دعوة موسى (عليه السلام) بالخصوص فيما قصه من قصته ونصره له بالخصوص ثم في ضمن أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر ووعده بالنصر .

وهذا آخر كرة عليهم يذكر فيها مآل أمرهم وما يصرفون إليه وهو العذاب المخلد ثم يأمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر وبعده بالنصر ويطيب نفسه بأن وعد الله حق .

قوله تعالى : {أ لم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون} {أ لم تر} مفيد للتعجيب و{أنى} بمعنى كيف ، والمعنى أ لا تعجب أوأ لم تعجب من أمر هؤلاء المجادلين في آيات الله كيف يصرفون عن الحق إلى الباطل وعن الهدى إلى الضلال .

والتعرض لحال المجادلين هاهنا من حيث الإشارة إلى كونهم مصروفين عن الحق والهدى ومآل ذلك ، وفيما تقدم من قوله : {إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه} من حيث إن الداعي لهم إلى ذلك الكبر وأنهم لا يبلغون ما يريدون فلا تكرار .

ومنه يظهر ما في قول بعضهم : إن تكرير ذكر المجادلة محمول على تعدد المجادل بأن يكون المجادلون المذكورون في الآية السابقة غير المذكورين في هذه الآية أو على اختلاف ما فيه المجادلة كأن يكون المجادلة هناك في أمر البعث وهاهنا في أمر التوحيد على أن فيه غفلة عن غرض السورة كما عرفت .

قوله تعالى : {الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون} الذي يعطيه سياق الآيات التالية أن المراد بهؤلاء المجادلين هم المجادلون من قوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعليه فالأنسب أن يكون المراد بالكتاب هو القرآن الكريم ، وبقوله : {بما أرسلنا به رسلنا} ما جاءت به الرسل (عليهم السلام) من عند الله من كتاب ودين فالوثنية منكرون للنبوة .

وقوله : {فسوف يعلمون} تفريع على مجادلتهم وتكذيبهم وتهديد لهم أي سوف يعلمون حقيقة مجادلتهم في آيات الله وتكذيبهم بالكتاب وبالرسل .

قوله تعالى : {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون} في المجمع ، : الأغلال جمع غل وهو طوق يدخل في العنق للذل والألم وأصله الدخول ، وقال : السلاسل جمع سلسلة وهي الحلق منتظمة في جهة الطول مستمرة وقال : السحب جر الشيء على الأرض .

هذا أصله ، وقال : السجر أصله إلقاء الحطب في معظم النار كالتنور الذي يسجر بالوقود .

انتهى .

وقوله : {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل} ظرف لقوله : {فسوف يعلمون} قيل : الإتيان بإذ – وهو للماضي - للدلالة على تحقق الوقوع وإن كان موقعه المستقبل فلا تنافي ، في الجمع بين سوف وإذ .

و{الأغلال في أعناقهم} مبتدأ وخبر ، و{السلاسل} معطوف على الأغلال ، و{يسحبون في الحميم} خبر بعد خبر ، و{في النار يسجرون} معطوف على {يسحبون} .

والمعنى : سوف يعلمون حقيقة عملهم حين تكون الأغلال والسلاسل في أعناقهم يجرون في الماء الحار الشديد الحرارة ثم يقذفون في النار .

وقيل : معنى قوله : {ثم في النار يسجرون} ثم يصيرون وقود النار ، ويؤيده قوله تعالى في صفة جهنم : {وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [البقرة : 24] ، وقوله : {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء : 98] .

قوله تعالى : {ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا} إلى آخر الآية .

أي قيل لهم وهم يتقلبون بين السحب والسجر : أين ما كنتم تشركون من شركائكم من دون الله حتى ينصروكم بالإنجاء من هذا العذاب أو يشفعوا لكم كما كنتم تزعمون أنهم سيشفعون لكم قبال عبادتكم لهم ؟ .

وقوله : {قالوا ضلوا عنا} أي غابوا عنا من قولهم : ضلت الدابة إذا غابت فلم يعرف مكانها ، وهذا جوابهم عما قيل لهم : أين ما كنتم تشركون من دون الله .

وقوله : {بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا} إضراب منهم عن الجواب الأول لما يظهر لهم أن الآلهة الذين كانوا يزعمونهم شركاء لم يكونوا إلا أسماء لا مسميات لها ومفاهيم لا يطابقها شيء ولم يكن عبادتهم لها إلا سدى ، ولذلك نفوا أن يكونوا يعبدون شيئا قال تعالى : {فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ } [يونس : 28] وقال : {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام : 94] .

وقيل : هذا من كذبهم يوم القيامة على حد قوله : {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام : 23] .

وقوله : {كذلك يضل الله الكافرين} أي إضلاله تعالى للكافرين وهم الساترون للحق يشبه هذا الضلال وهو أنهم يرون الباطل حقا فيقصدونه ثم يتبين لهم بعد ضلال سعيهم أنه لم يكن إلا باطلا في صورة حق وسرابا في سيماء الحقيقة .

والمعنى : على الوجه الثاني أعني كون قولهم : {بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا} كذبا منهم : كمثل هذا الإضلال يضل الله الكافرين فيئول أمرهم إلى الكذب حيث لا ينفع مع علمهم بأنه لا ينفع .

وقد فسرت الجملة بتفاسير أخرى متقاربة وقريبة مما ذكرناه .

قوله تعالى : {ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون} الفرح مطلق السرور ، والمرح الإفراط فيه وهو مذموم ، وقال الراغب : الفرح انشراح الصدر بلذة عاجلة وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية ، وقال : المرح شدة الفرح والتوسع فيه .

انتهى .

وقوله : {ذلكم بما كنتم} الإشارة إلى ما هم فيه من العذاب والباء في {بما كنتم} للسببية أو المقابلة .

والمعنى : ذلكم العذاب الذي أنتم فيه بسبب كونكم تفرحون في الأرض بغير الحق من اللذات العاجلة وبسبب كونكم تفرطون في الفرح وذلك لتعلق قلوبهم بعرض الدنيا وزينتها ومعاداتهم لكل حق يخالف باطلهم فيفرحون ويمرحون بإحياء باطلهم وإماتة الحق واضطهاده .

قال في المجمع : قيد الفرح وأطلق المرح لأن الفرح قد يكون بحق فيحمد عليه وقد يكون بالباطل فيذم عليه ، والمرح لا يكون إلا باطلا .

انتهى .

قوله تعالى : {ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين} أي ادخلوا أبوابها المقسومة لكم خالدين فيها فبئس مقام الذين يتكبرون عن الحق جهنم ، وقد تقدم أن أبواب جهنم دركاتها .

قوله تعالى : {فاصبر إن وعد الله حق} لما بين مآل أمر المجادلين في آيات الله وهي النار وأن الله يضلهم بكفرهم فرع عليه أمر نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصبر معللا ذلك بأن وعد الله حق .

وقوله : {فإما نرينك بعض الذي نعدهم} هو عذاب الدنيا {أو نتوفينك} بالموت فلم نرك ذلك {فإلينا يرجعون} ولا يفوتوننا فننجز فيهم ما وعدناه .

قوله تعالى : {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} إلخ بيان لكيفية النصر المذكور في الآية السابقة أن آية النصر - التي جرت سنة الله على إنزالها للقضاء بين كل رسول وأمته وإظهار الحق على الباطل كما يشير إليه قوله : {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [يونس : 47] - لم يفوض أمرها إلى رسول من الرسل من قبلك بل كان يأتي بها من يأتي منهم بإذن الله ، وحالك حالهم ، فمن الممكن أن نأذن لك في الإتيان بها فنريك بعض ما نعدهم ، ومن الممكن أن نتوفاك فلا نريك غير أن أمر الله إذا جاء قضي بينهم بالحق وخسر هنالك المبطلون .

هذا ما يفيده السياق .

فقوله : {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} مسوق للإشارة إلى كون ما سيذكره سنة جارية منه تعالى .

وقوله : {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله} الآية وإن كانت أعم من الآية المعجزة التي يؤتاها الرسول لتأييد رسالته ، والآية التي تنصر الحق وتقضي بين الرسول وبين أمته والكل بإذن الله لكن مورد الكلام كما استفدناه من السياق القسم الثاني وهي القاضية بين الرسول وأمته .

وقوله : {فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون} أي فإذا جاء أمر الله بالعذاب قضي بالحق فأظهر الحق وأزهق الباطل وخسر عند ذلك المتمسكون بالباطل في دنياهم بالهلاك وفي آخرتهم بالعذاب الدائم .

واستدل بالآية على أن من الرسل من لم تذكر قصته في القرآن ، وفيه أن الآية مكية لا تدل على أزيد من عدم ذكر قصة بعض الرسل إلى حين نزولها بمكة ، وقد ورد في سورة النساء : {وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ } [النساء : 164] ولم يذكر في السور النازلة بعد سورة النساء اسم أحد من الرسل المذكورين بأسمائهم في القرآن .

وفي المجمع ، وروي عن علي (عليه السلام) أنه قال : بعث الله نبيا أسود لم يقص علينا قصته ، وروي في الدر المنثور عن الطبراني في الأوسط وابن مردويه عنه ما في معناه .

___________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص284-287 .

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

عاقبة المعاندين المغرورين :

مرةً اُخرى تعود آيات الله البينات للحديث عن الذين يجادلون في آيات الله ولا يخضعون إلى منطق الحق ودلائل النبوّة ومضامين دعوات الأنبياء والرسل . هذه الآيات تتحدث عن مصير هؤلاء ، فتقول : {ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنّى يصرفون} .

إنّ هذه المجادلة بالباطل المقترنة مع التعصب الأعمى جعلتهم يحيدون عن الصراط المستقيم ، لأنّ الحقائق لا تظهر أو تبيّن إلاّ في الروح الباحثة عن الحقيقة ومن ثمّ الإذعان لمنطقها .

إنّ طرح هذه القضية من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بصيغة الإستفهام يؤكّد أنّ من يتمتع بذوق سليم ومنطق قويم يثيره العجب من إنكار هذه الفئة لكل هذه الآيات البينات والدلائل والمعجزات .

ثم تنتقل الآيات إلى بيان أمرهم عندما تقول : {الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا} .

من الضروري أن نشير أولا إلى أنّ السورة التي بين أيدينا تحدّثت أكثر من مرّة عن (الذين يجادلون في آيات الله) جاء ذلك في الآيتين (35) و(56) وهذه الآية . ونستفيد من القرائن أنّ المقصود بـ «آيات الله» هي دلائل النبوّة وعلائمها على الأكثر ، بالإضافة إلى ما تحويه الكتب السماوية . وطالما تتضمّن الكتب السماوية آيات التوحيد ، والمسائل الخاصة بالمبدأ والمعاد ، لذا فإنّ هذه القضايا مشمولة بجدال القوم وخصومتهم للحق .

وهل يستهدف التكرار تأكيد قضية هذا الموضوع ، أم أنّ كلّ آية تختص بطرح وموضوع يختلف عن أختها ؟

الأحتمال الثّاني أقرب الى المراد . إذ يلاحظ أنّ لكل آية موضوع خاص .

فالآية (56) تتحدث عن دواعي المجادلة وأهدافها أي الكبر والغرور في حين تتحدث الآية (35) عن عقابهم الدنيوي متمثلا بأن ختم الله على قلوبهم .

أمّا الآية التي نتحدث عنها الآن فهي تتحدث عن العقاب الأخروي ، وأوصافهم في النّار ذات السعير .

من الضروري أن نشير أيضاً إلى أنّ «يجادلون» فعل مضارع يدل على الإستمرار . وهذه إشارة إلى أنّ مثل هؤلاء الأفراد الذين يكذبون بآيات الله لتبرير عقائدهم وأعمالهم السيئة المشينة ، إنّما يقومون بالمجادلة بشكل مستمر من خلال الأقوال والذرائع الواهية .

وتنتهي الآية بتهديد من خلال قوله تعالى : {فسوف يعلمون} أي سوف يعلمون نتيجة أعمالهم وعاقبة أعمالهم السيئة وذلك في وقت {إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم} أيّ يلقي بهم في الماء المغلي ثمّ {في النّار يسجرون} (2) .

«يسجرون» من كلمة «سجر» على وزن «فجر» وتعني إشعال النّار وزيادة لهيبها ـ كما ذهب إليه الراغب في مفرداته ـ .

أمّا الآخرون من أرباب اللغة والتّفسير فيقولون : إنها تعني ملء التنور بالنار (3) .

لذلك يذهب بعض المفسّرين إلى أنّ هذه المجموعة من الكفّآر تصبح وقوداً للنار ، كما نقرأ ذلك في الآية (24) من سورة البقرة : {فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } [البقرة : 24] .

البعض الآخر يقول : إنّ معنى الآية هو أنّ هؤلاء ستملأ النّار كلّ وجودهم وتستوعب كامل كيانهم . (طبعاً ليس ثمّة تعارض بين المعنيين) .

هذا النوع من العقاب للمعاندين والمتكبرين والمجادلين يعتبر في الواقع انعكاس لأعمالهم في هذه الدنيا ، حيث كذّبوا بآيات الله بسبب كبريائهم وغرورهم ، وقيدوا أنفسهم بسلاسل التقليد الأعمى ، وفي يوم الجزاء والقيامة ستطوقهم السلاسل من الأعناق بمنتهى الذلّة ، وسيسحبون أذلاء إلى نار جهنم وبئس المصير .

إضافة إلى هذا العذاب الجسماني سيعاقبون بمجموعة من أنواع العذاب الروحي والنفسي كما تشير إليه الآية التالية ، حيث يقول تعالى : {ثم قيل لهم أينما كنتم تشركون من دون الله} ؟!

أي أين شركاؤكم من دون الله كي ينقذوكم من هذا العذاب الأليم وأمواج النّار المتلاطمة؟ ألم تقولوا : إنّكم تعبدونهم وتطيعونهم وتتخذونهم أرباباً ليشفعوا لكم ، إذاً أين شفاعتهم الآن ؟!

فيجيبون بخضوع يغشاهم وذل يعلوهم : {قالوا ضلوا عنّا} (4) أيّ اختفوا وهلكوا وأبيدوا بحيث لم يبق منهم أثر .

ولا ريب ، فإنّ من كانوا يدعونه من دون الله هم في نار جهنم ، وقد يكونون بجانبهم ، إلاّ أنّهم لا ينفعون ولا يؤثرون وكأنّهم قد اختلفوا !

وعندما يرى هؤلاء أنّ اعترافهم بعبادة الأصنام أصبح عاراً عليهم وعلامةً تميزهم ، فإنّهم يبدأون بالإنكار فيقولون : {بل لم نكن ندعوا من قبل شيئاً} .

لقد كانت الأصنام مجرّد أوهام ، لكنّا كنّا نظن أنّها تمثل حقائق ثابتة ، لكنّها أصبحت كالسراب الذي يتصوره العطشان ماء . أمّا اليوم فقد ثبت لنا أنّها لم تكن سوى أسماء من غير مسمى وألفاظ ليس لها معنى ، وأنّ عبادتها لم تنفعنا بشيء سوى الضلال . لذلك فهؤلاء اليوم بمواجهة الواقع الذي لا سبيل إلى إنكاره .

هناك احتمال آخر في تفسير الآية ، هو أنّهم سيكذبون لينقذوا أنفسهم من الفضيحة ، كما نقرأ ذلك في الآيتين (23) و(24) من سورة الأنعام :

{ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (23) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [الأنعام : 23 ، 24] .

وأخيراً يقول تعالى : {كذلك يضل الله الكافرين} .

إنّ كفرهم وعنادهم سيكون حجاباً على قلوبهم وعقولهم ، ولذلك سيتركون طريق الحق ويسلكون سبيل الباطل ، فيحرمون يوم القيامة من الجنّة وينتهي مصيرهم إلى النّار . وهكذا يضل الله الكافرين .

الآية التي بعدها تشير إلى علة مصائب هذه المجموعة ، حيث يقول تعالى : {ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون} .

كانوا يفرحون بمعارضة الأنبياء وقتل المؤمنين والتضييق على المحرومين ، وكانوا يشعرون بالعظمة عند ارتكاب الذنوب وركوب المعاصي . واليوم عليهم أن يتحملوا ضريبة كلّ ذلك الفرح والغفلة والغرور من خلال هذه النيران والسلاسل والسعير .

«تفرحون» من «فرح» وتعني السرور والإبتهاج . وقد يكون الفرح ممدوحاً ومطلوباً في بعض الأحيان ، كما تفيد الآيتان (4) و(5) من سورة «الروم» في قوله تعالى : {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ } [الروم : 4 ، 5] .

وفي بعض الأحيان يكون الفرح مذموماً وباطلا ، كما ورد في قصة قارون ، الآية (76) من سورة «القصص» حيث نقرأ قوله تعالى : {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص : 76] .

طبعاً ينبغي التفريق بين الموردين من خلال القرائن ، ولا ريب من أن «الفرح» في الآية التي نبحثها من النوع الثّاني .

«تمرحون» مشتقّة من «مرح» على وزن «فرح» وهي كما يقول اللغويون والمفسرون ، تأتي بمعنى شدة الفرح ، وقال آخرون : إنّها تعني الفرح بسبب بعض القضايا الباطلة .

في حين ذهبت جماعة ثالثة إلى اعتبارها حالة من الفرح المتزامن مع نوع من الطرب والإستفادة من النعم الإلهية في طريق الباطل .

والظاهر أنّ هذه المعاني جميعاً تعود إلى موضوع واحد ، ذلك أنّ شدّة الفرح والإفراط فيه يشمل جميع المواضيع والحالات السابقة . وفي نفس الوقت فهو يتزامن مع أنواع الذنوب والآثام والفساد والشهوة (5) .

إنّ هذه الأفراح المتزامنة مع الغرور والغفلة والشهوة ، تبعد الإنسان بسرعة عن الله تبارك وتعالى وتمنعه من إدراك الحقيقة ، فتكون الحقائق لديه غامضة والمقاييس معكوسة .

ولمثل هؤلاء يصدر الخطاب الإلهي : {ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين} .

هذه الآية تؤّكد مرّة اُخرى على أنّ التكبر هو أساس المصائب ، ذلك أنّ التكبر هو قاعدة الفساد ، ويحجب البصائر عن رؤية الحق ويجعل الإنسان يخالف دعوة الأنبياء (عليهم السلام) .

ثم تشير الآية إلى أبواب جهنّم بقوله تعالى : {أبواب جهنّم} .

ولكن هل الدخول من أبواب جهنّم يعني أن لكل مجموعة باب معين تدخل منه ، أو أنّ كلّ مجموعة منهم تدخل من أبواب متعدّدة ؟

أي أنّ جهنّم تشبه السجون المخيفة التي تتداخل فيها الأبواب والدهاليز والممرات والطبقات ، فبعض الضالين المعاندين يجب أن يسلكوا كلّ هذه الأبواب والممرات والطبقات قبل أن يستقروا في قعر جهنّم .

وممّا يؤيد هذا التّفسير ما يروى عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه أجاب عن سؤال في تفسير قوله تعالى :

{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ} [الحجر : 44] أنّه قال : إنّ جهنّم لها سبعة أبواب ، أطباق بعضها فوق بعض ، ووضع إحدى يديه على الأُخرى ، فقال هكذا» (6) .

وثمّة تفسير آخر نستطيع أن نقف على خلاصته بالشكل الآتي : إنّ أبواب جهنم ـ كأبواب الجنّة ـ إشارة إلى العوامل المختلفة التي تؤدي بالإنسان إلى دخولها ، فكل نوع من الذنوب أو نوع من أعمال الخير يعتبر باباً .

وثمّة ما يشير الى ذلك في الروايات الإسلامية ، ووفق هذا المعنى فإنّ العدد (7) هو كناية عن الكثرة ، وما ورد في القرآن الكريم من أنّ للجنّة ثمانية أبواب هو إشارة إلى ازدياد عوامل الرحمة على عوامل العذاب (راجع ذيل الآية 44 سورة الحجر) .

وهذان التّفسيران لا يتعارضان فيما بينهما .

 

وقوله تعالى : {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (77) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ }

 

فاصبر . . . حتى يأتيك وعد الله :

بعد سلسلة البحوث السابقة عن جدال الكافرين وغرورهم وتكذيبهم الآيات الإلهية والدلائل النبوية ، تأتي هاتان الآيتان لمواساة النّبي الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)وتأمرانه بالصبر والإستقامة في مواجهة المشاكل والصعاب .

يأتي الأمر أوّلا في قوله تعالى : {فاصبر إنّ وعد الله حق} .

إن وعده بالنصر حق ، ووعده بمعاقبة المستكبرين المغرورين حق ، وكلاهما سيتحققان ، على أعداء الحق أن لا يظنّوا بأنّهم يستطيعون الهروب من العذاب الإلهي بسبب تأخر عقابهم ، لذلك تضيف الآية : {فإمّا نُرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا يرجعون} (7) .

إنّ مسؤوليتك هي التبليغ البليغ وإتمام الحجة على الجميع ، حتى تتنور القلوب اليقظة ببلاغك ، ولا يبقى للمعاندين عذر!

عليك أن تهتم بإنجاز مهمتك ولا تنتظر أن تحقق الوعيد عاجلا بإنزال العقاب على هذه الفئة الضالة .

والكلام يتضمّن تهديداً إلى تلك الفئة لكي يعلموا أنّ العذاب لا بدّ مصيبهم ، ونازل بساحتهم ، فكما نال بعضهم العقاب الذي يستحقونه في هذه الدنيا في «بدر» وغيرها ، فهناك أيضاً يوم القيامة والعذاب المنتظر .

ثم تشير الآية الكريمة إلى الوضع المشابه الذي واجهه الرسل والأنبياء قبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كي تكون في هذه الذكرى مواساة أكثر للرسول الكريم ، حيث واجه الانبياء السابقين مثل هذه المشاكل ، إلاّ أنّهم استمروا في طريقهم واحتفظوا بمسارهم المستقيم .

يقول تعالى : {ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك} .

لقد واجه كلّ منهم ما تواجهه أنت اليوم ، فصبروا وكان حليفهم النصر والغلبة على الظالمين .

ومن جهة ثانية كان الجميع يطلبون من الرسل الإتيان بالمعجزة ، ومشركو مكّة لم يشذوا على غيرهم في طلب المعاجز من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لذلك يخاطب الله تعالى رسوله الكريم(صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله : {وما كان لرسول أن يأتي بآية إلاّ بإذن الله} .

إنّ جميع المعاجز هي من عند الله وبيده ، وبذلك فهي لا تخضع إلى أمزجة الكفار والمشركين ، بل إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لا ينبغي له الإستسلام أمام «معجزاتهم المقترحة» بل ما يكون من المعجزة ضرورياً لهداية الناس وإحقاق الحق يظهره الله على أيدي الأنبياء .

ثم تهدّد الآية من كان يقول : لماذا لا يشملنا العذاب الإلهي إذا كان هذا الرّسول صادقاً؟ فتقول الآية : {فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون} .

في ذلك اليوم المهول تغلق أبواب التوبة ، ولا تنفع الآهات والصرخات ، ويخسر أهل الباطل صفقتهم ، ويشملهم العذاب الإلهي الأليم ، إذاً فلماذا كلّ هذا الأصرار على مجيء ذلك اليوم ؟!

وفقاً لهذا التّفسير ينصرف معنى الآية والمقصود بالعذاب فيها إلى «عذاب الإستئصال» .

ولكن بعض المفسّرين اعتبر هذه الآية بمثابة بيان للعذاب في يوم القيامة . فهناك يكون القضاء الحق بين الجميع ، ويشاهد أنصار الباطل خسرانهم المريع .

إنّ فيما تضمّنته الآية (27) من سورة «الجاثية» يؤكّد هذا التّفسير ، إذ يقول تعالى : {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ} [الجاثية : 27] .

ولكن تمّ استخدام «أمر الله» وما شابهها في الآيات المتعدّدة التي تختص بعذاب الدنيا (8) .

ويحتمل أن يكون للآية معنى أوسع يشمل عذاب الدنيا والآخرة ، وفي المشهدين يتوضح خسران المبطلين .

ومن الضروري هنا الإشارة إلى الحديث الذي رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في أماليه بإسناده إلى أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : كان في المدينة رجل يضحك الناس ، فقال : قد أعياني هذا الرجل أن أضحكه ـ يعني علي بن الحسين(عليه السلام) ـ قال : فمرّ (عليه السلام) وخلفه موليان له ، فجاء الرجل حتى انتزع رداءه من رقبته ، ثمّ مضى فلم يلتفت إليه الإمام(عليه السلام) فاتبعوه وأخذوا الرداء منه ، فجاؤوا به فطرحوه عليه فقال لهم : من هذا؟ فقالوا : هذا رجل بطال يضحك أهل المدينة ، فقال : قولوا له إن لله يوماً يخسر فيه المبطلون» (9) .

________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12 ، ص119-127 .

2 ـ «الاغلال» جمع «غل» وتعني الطوق حول العنق أو الرجل . وهي في الأصل مأخوذة من كلمة «غلل» على وزن «أجل» بمعنى الماء الذي يجري بين الأشجار . ويطلق على «الخيانة» (غلول) وعلى الحرارة الناشئة من العطش «غليل» وذلك بسبب نفوذها تدريجياً إلى داخل أعماق الإنسان .

«السلاسل» فهي جمع «سلسلة ، و«يسحبون» من كلمة «سحب» على وزن (سهو) .

3 ـ يلاحظ ذلك في «تفسير الصافي» و«روح المعاني» و«الكشاف» في نهاية الآيات التي نبحثها . وفي لسان العرب : المعنى الأصلي لـ«سجر» هو الملء . فيقال «سجرت النهر» أي ملأته ماءً .

4 ـ لقد ذكر المفسّرون معنيين لكلمة «ضلّوا» فالبعض اعتبرها بمعنى ضاعوا وهلكوا ، بينما قال البعض الآخر : إنّها بمعنى «غابوا» كقولنا «ضلت الدابة» أيّ غابت فلم يعرف مكانها .

5 ـ يقول الراغب في المفردات : «الفرح : انشراح الصدر بلذة عاجلة ، وأكثر ما يكون ذلك في اللذات البدنية . والمرح شدّة الفرح والتوسع فيه» .

6 ـ مجمع البيان ، المجلد 5 ـ 6 ، صفحة 338 ، نهاية الآية 44 من سورة الحجر . هناك روايات اُخرى ذكرها العلاّمة المجلسي في المجلد 8 ، من بحار الأنوار ، صفحة 289 و301 و285 .

7 ـ يلاحظ مثلها في الآية (46) من سورة يونس .

8 ـ كما في «هود» الآيات : (43) ، (76) ، (101) .

9 ـ نور الثقلين ، ج4 ، ص527 ، حديث 118 .

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي