تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير آية (127-129) من سورة الأعراف
المؤلف: المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
19-6-2019
3066
قال تعالى : {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف : 127 - 129] .
قال تعالى : {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (127) قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف : 127] .
ثم أخبر سبحانه عن قوم فرعون ، فقال سبحانه {وقال الملأ من قوم فرعون} لما أسلم السحرة ، تحريضا له على موسى {أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض} أي : أتتركهم أحياء ليظهروا خلافك ، ويدعوا الناس إلى مخالفتك ، ليغلبوا عليك ، فيفسد به ملكك وأمرك . وقيل : ليفسدوا في الأرض بعبادة غيرك ، والدعاء إلى خلاف دينك . وقيل : ليفسدوا فيها بالغلبة عليها ، وأخذ موسى قومه منها ، وروي عن ابن عباس أنه لما آمن السحرة ، أسلم من بني إسرائيل ستمائة ألف نفس ، واتبعوه .
{ويذرك وآلهتك} قال الحسن ، كان فرعون يستعبد الناس ، ويعبد الأصنام بنفسه ، وكان الناس يعبدونها تقربا إليه . وقال السدي : كان يعبد ما يستحسن من البقر . وروي أنه كان يأمرهم أيضا بعبادة البقر ، ولذلك أخرج السامري لهم {عجلا جسدا له خوار} وقال : {هذا إلهكم وإله موسى} . وقال الزجاج : كانت له أصنام يعبدها قومه تقربا إليه . ومن قرأ {وآلهتك} قال : كان فرعون يستعبد الناس بنفسه ، ولا يعبد شيئا . وروي عن مجاهد أنه قال : كان فرعون يعبد ، ولا يعبد . {قال} فرعون {سنقتل أبناءهم} الذين يكون فيهم النجدة والقوة ، ويصلحون للقتال (ونستحيي نساءهم) أي : بناتهم نستبقيهن إذ لا يكون فيهن نجدة وقوة ، للمهنة والخدمة ، استذلالا لهن ، وإن كان فرعون قد انقطع طمعه عن قتل موسى وقومه ، فلم يقل سأقتل موسى وقومه ، لما رأى من علو أمره ، وعظم شأنه ، فانتقل إلى عذاب المستضعفين منهم ، وهم أبناء بني إسرائيل ، وبناتهم ، ليوهم أنه يتم له ذلك فيهم أيضا {وإنا فوقهم قاهرون} ظاهر المعنى .
- {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف : 129] .
قال ابن عباس : كان فرعون يقتل أبناء بني إسرائيل ، فلما كان من أمر موسى ما كان ، أمر بإعادة القتل عليهم ، فشكا ذلك بنو إسرائيل إلى موسى ، فعند ذلك {قال موسى لقومه استعينوا بالله} في دفع بلاء فرعون عنكم {واصبروا} على دينكم ، وعلى أذى فرعون ، {إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده} أي :
ينقلها إلى من يشاء نقل المواريث ، فيورثكم بعد إهلاك فرعون ، كما أورثها فرعون .
وهذا وعد لهم بحسن العاقبة ، ليكون داعيا لهم إلى الصبر {والعاقبة للمتقين} معناه : تمسكوا بالتقوى في الدنيا ، فإن حسن العاقبة في الدارين للمتقين ، والعاقبة :
ما يؤدي إليه البادئة ، إلا أنه إذا قيل العاقبة له ، فهو في الخير ، وإذا قيل العاقبة عليه : فهو في الشر ، كما يقال : الدائرة له وعليه ، والدبرة له وعليه .
{قالوا} أي : قال بنو إسرائيل لموسى {أوذينا من قبل أن تأتينا} أي : عذبنا فرعون بقتل الأبناء ، واستخدام النساء ، قبل أن تأتينا بالرسالة . وقيل : قبل أن جئتنا {ومن بعد ما جئتنا} أيضا ، ويتوعدنا ويأخذ أموالنا ، ويكلفنا الأعمال الشاقة ، فلم ننتفع بمجيئك . وهذا يدل على أنه جرى فيهم القتل والتعذيب مرتين .
قال الحسن : كان فرعون يأخذ الجزية قبل مجئ موسى وبعده ، من بني إسرائيل ، فلهذا {قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا} وهذا الذي قالوه ، إنما هو استبطاء منهم لما وعدهم موسى عليه السلام من النجاة من فرعون وقومه ، فجدد عليه السلام لهم الوعد عن الله تعالى ، ليتقوا ، به {قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم} قال الزجاج : عسى طمع وإشفاق ، إلا أن ما يطمع الله فيه ، فهو واجب ، وهو معنى قول المفسرين : عسى من الله واجب ، ومعناه : أوجب ربكم على نفسه أن يهلك عدوكم فرعون ، وقومه .
{ويستخلفكم في الأرض} أي : يملككم ما كانوا يملكونه في الأرض من بعدهم (فينظر كيف تعملون) أي : فيرى ذلك بوقوعه منكم ، لأن الله تعالى لا يجازي عباده على ما يعلمه منهم ، إنما يجازيهم على ما يقع منهم ، عن الزجاج .
وقيل : يعلم ذلك ، ومعناه : فيظهر معلومه أي : يبتليكم بالنعمة ليظهر شكركم ، كما ابتلاكم بالمحنة ليظهر صبركم ، ومثله : {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} . وموضع {كيف} نصب وتقديره أعملا حسنا تعملون ، أم قبيحا ، أي : شاكرين كنتم لنعمته أم كافرين . وقد حقق الله سبحانه هذا الوعد ، فأورث بني إسرائيل أرض مصر ونواحيها ، بعد أن أهلك عدوهم .
_______________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج4 ، ص 334-336 .
{وقالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} . بعد ان انفض ذلك المشهد الرهيب الذي انتصر فيه موسى ، وافتضح فرعون مضى موسى يدعو إلى عبادة اللَّه وحده ، ودليله ما حدث بالأمس بينه وبين السحرة ، فاجتمع حوله خلق كبير ، فخاف الأشراف من قوم فرعون أن تتغير الأوضاع ، وتدور الدائرة عليهم وعلى سيدهم فحرضوه على موسى ، وقالوا : إلى متى تسكت عن موسى ، وتدعه يفسد في الأرض ؟ . وهم يريدون بالإفساد في الأرض عبادة الناس للَّه وحده التي تؤدي بطغيانهم وطغيان فرعون .
{ويَذَرَكَ وآلِهَتَكَ} . ان هذا القول من الملأ لفرعون يدل على انه كان له آلهة يعبدها ، وهو يتنافى بظاهره مع قول فرعون : ما علمت لكم من إله غيري . .
أنا ربكم الأعلى ، وأجاب المفسرون بأجوبة أرجحها انه كان لفرعون آلهة يزعم انه الابن الحبيب لها ، وانه يستمد منها حكمه وسلطانه ، فقوله : ما علمت لكم إلها غيري يريد به انه لا حاكم للمصريين باسم الإله والرب إلا هو وحده لا شريك له ، ويؤيد هذا المعنى قوله : {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذِهِ الأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف - 51] .
{قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ ونَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ} . كان فرعون قبل ولادة موسى يقتل الذكور من نسل بني إسرائيل ، ويستبقي الإناث ، ولما حرضه الأشراف من قومه على موسى أجابهم بأنه سيعيد فيهم سيرته الأولى من قتل الأبناء واستبقاء النساء ، حتى ينقرضوا {وإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ} . أي انه قادر عليهم الآن كما كان قادرا عليهم من قبل موسى .
{قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ والْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} . لما سمع بنو إسرائيل تهديد فرعون ووعيده جزعوا فسكنهم موسى ( عليه السلام ) ، وأمرهم بالصبر والتوكل على اللَّه ، ومناهم بالنصر إذا هم صبروا واتقوا ، لأن الأرض والملك للَّه لا لفرعون ، واللَّه مع المتقين .
{قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا ومِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا} . كان فرعون يضطهد بني إسرائيل قبل مجيء موسى ، وأوغل في اضطهادهم بعد مجيئه ، ولما قالوا ذلك لموسى {قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ويَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} . ان موسى على علم اليقين انه سيهلك فرعون ، وانه سيمن على بني إسرائيل بالنجاة منه ، ويمكن لهم في الأرض ، وعبّر عن ذلك بالرجاء دون الجزم لئلا يتكلوا على وعده . . ثم أومأ موسى ( عليه السلام ) إلى قومه انه ليس المهم أن يهلك اللَّه عدوهم ويستخلفهم في الأرض ، وانما المهم أن يتقوا اللَّه ، ويحسنوا خلافته في أرضه ، فينظر أيصلحون أم يفسدون ؟ . . وقد عملوا الكثير في الأرض ، حيث قتلوا الأنبياء والمصلحين من قبل ، وأقاموا دولة من بعد لا شريعة لها إلا شهوة القتل والتشريد .
في هذه السنة 1968 صدر كتاب في إسرائيل ، اسمه سياخ لوخاميم أي أحاديث الجنود ، ترجمت جريدة الأهرام بعض ما جاء فيه في عدد 23 / 8 / 68 ، من ذلك :
من لا يستطيع أن لا يقتل أولا يدمر بيتا وينسفه على من فيه فالأفضل له أن يقعد في بيته ، ان الحركة الصهيونية تقوم على هذا الأساس ، عند ما جئنا إلى أرض فلسطين كان هناك شعب آخر يسكنها ويعيش فيها ، ولم يكن لنا أن نتوقع انه سوف يترك مزارعه وبيوته لنا بالرضى والقبول ، فكان لا بد أن نقتلهم لنأخذ البيت والمزرعة ، أو نخيفهم بالقتل لكي يهربوا ، ويتركوا لنا البيت والمزرعة .
هذه هي شريعة إسرائيل ، وهذا هو هدفها : القتل والتشريد . . انها ليست مجرد دولة كغيرها من الدول ، وانما هي عصابة مسلحة صهيونية استعمارية تهدف إلى قتل أو تشريد أصحاب البيوت والمزارع من النيل إلى الفرات لتحتل بيوتهم ومزارعهم . . فما ذا أعد لها العرب ؟ . لا وسيلة ولا حل إلا المبدأ الفيتنامي القائل : اما الموت ، واما الحياة ، اما لا إسرائيل تقتل وتشرد ، واما لا عرب إطلاقا على سبيل مانعة الجمع .
__________________________
1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 381-383 .
قوله تعالى : {وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ} [الأعراف : 127] إلى آخر الآية .
هذا إغراء منهم لفرعون وتحريض له أن يقتل موسى وقومه ، ولذلك رد فرعون قولهم بأنه لا يهمنا قتلهم فإنا فوقهم قاهرون على أي حال بل سنعيد عليهم سابق عذابنا فنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم ، ولو كان ما سألوا مطلق تعذيبهم غير القتل لم يقع قوله : {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف : 127] موقعه ذلك الوقوع .
وقولهم : {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} تأكيد لتحريضهم إياه على قتلهم ، والمعنى أن موسى يتركك وآلهتك فلا يعبدكم مع ما يفسد هو وقومه في الأرض ، وفيه دلالة على أن فرعون كما كان يدعي الألوهية ، ويستعبد الناس لنفسه كان يعبد آلهة أخرى ، وهو كذلك والتاريخ يثبت نظائر لذلك في الأمم السالفة ، وقد نقل : أن عظماء البيوت وسادات القوم في الروم وممالك أخرى غيرها كان يعبدهم مرؤوسوهم من بيتهم وعشائرهم وهم أنفسهم كانوا يعبدون آباءهم الأولين وأصناما أخرى غيرهم كما يعبدهم ضعفاؤهم ، وأيضا بين الأرباب التي تعبدها الوثنية ما هو رب لغيره من الأرباب أو رب لرب آخر كربوبية الأب والأم للابن وغير ذلك .
إلا أن قوله لقومه فيما حكاه الله سبحانه : {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات : 24] ، وقوله : {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص : 38] ، ظاهر في أنه كان لا يتخذ لنفسه ربا ، وكان يأمر قومه أن لا يعبدوا إلا إياه ، ولذلك قال بعضهم : إنه كان دهريا لا يعترف بصانع ، ويأمر قومه بترك عبادة الآلهة مطلقا ، وقصر العبادة فيه ، ولذلك قرأ بعضهم - على ما قيل - ﴿وإلهتك﴾ بكسر الهمزة وفتح اللام وإثبات الألف بعدها كالعبادة وزنا ومعنى .
لكن الأوجه أنه كان يريد بقوله : {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص : 38] نفي إله يخص قومه القبطيين يملكهم ويدبر أمورهم غير نفسه كما هو المعهود من عقائد الوثنيين أن لكل صنف من أصناف الخلائق كالسماء والأرض والبر والبحر وقوم كذا ، أو من أصناف الحوادث والأمور كالسلم والحرب والحب والجمال ربا على حدة ، وإنما كانوا يعبدون من بينها ما يهمهم عبادته كعبادته سكان سواحل البحار رب البحر والطوفان .
فمعنى كلامه أني أنا ربكم معاشر القبطيين لا ما اتخذه موسى وهو يدعي أنه ربكم أرسله إليكم ، ويؤيد ما ذكرناه ما احتف به من القرينة بقوله : {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} ، فإنه تعالى يقول : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [القصص : 38] ، فظاهرها أنه كان يشك في كونه إلها لموسى ، وأن معنى قوله : {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} نفي العلم بوجود إله غيره لا العلم بعدم وجود إله غيره ، وبالجملة فكلامه لا ينفي إلها غيره .
وأما احتمال كون فرعون دهريا غير قائل بوجود الصانع فالظاهر أنه الذي يوجد في كلام الرازي قال في التفسير الكبير ، ما لفظه : الذي يخطر ببالي أن فرعون إن قلنا : إنه ما كان كامل العقل لم يجز في حكمة الله تعالى إرسال الرسول إليه ، وإن كان عاقلا لم يجز أن يعتقد في نفسه كونه خالق السماوات والأرض ، ولم يجز في الجمع العظيم من العقلاء أن يعتقدوا فيه ذلك لأن فساده معلوم بضرورة العقل .
بل الأقرب أن يقال : إنه كان دهريا ينكر وجود الصانع ، وكان يقول : مدبر هذا العالم السفلى هو الكواكب ، وأما المجدي في هذا العالم للخلق ولتلك الطائفة والمربي لهم فهو نفسه فقوله : {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات : 24] أي مربيكم والمنعم عليكم والمطعم لكم ، وقوله : {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} أي لا أعلم لكم أحدا يجب عليكم عبادته إلا أنا .
وإذا كان مذهبه ذلك لم يبعد أن يقال : إنه كان قد اتخذ أصناما على صور الكواكب ويعبدها ويتقرب إليها على ما هو دين عبدة الكواكب ، وعلى هذا التقدير فلا امتناع في حمل قوله تعالى : {وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ} [الأعراف : 127] على ظاهره فهذا ما عندي في هذا الباب انتهى .
وقد أخطأ في ذلك فليس معنى الألوهية والربوبية عند الوثنيين وعبدة الكواكب خالقية السماوات والأرض بل تدبير شيء من أمور العالم كما احتمله أخيرا ، ولا في الدهريين من يعبد الكواكب ، ولا في الصابئين وعبدة الكواكب من ينكر وجود الصانع .
بل الحق أن فرعون - كما تقدم - كان يرى نفسه ربا لمصر وأهله ، وكان إنما ينكر كونهم مربوبي إله آخر على قاعدتهم لا أنهم أو غيرهم من العالم ليسوا مخلوقين لله سبحانه .
وقوله تعالى : {قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف : 127] وعد منه للملإ من قومه أن يعيد إلى بني إسرائيل تعذيبه السابق وهو قتل أبنائهم واستحياء نسائهم واستبقاؤهن للخدمة ، وعقبه بقوله : {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} وهو تطييب قلوبهم وإسكان ما في نفوسهم من الاضطراب والطيش .
قوله تعالى : {قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا} [الأعراف : 128] إلى آخر الآية .
وهذا من موسى (عليه السلام) بعث لبني إسرائيل واستنهاض لهم على الاستعانة بالله على مقصدهم وهو التخلص من إسارة آل فرعون واستعبادهم ثم بعث على الصبر على شدائد يهددهم بها فرعون من ألوان العذاب ، والصبر هو رائد الخير وفرط كل فرج ، ثم علل ذلك بقوله : {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ} [الأعراف : 128] .
ومحصله أن فرعون لا يملك الأرض حتى يمنحها من يشاء ، ويمنع من التمتع بها من يشاء بل هي لله يورثها من يشاء ، وقد جرت السنة الإلهية أن يخص بحسن العاقبة من يتقيه من عباده فإن استعنتم بالله وصبرتم في ذات الله على ما يهددكم من الشدائد - وهو التقوى - أورثكم الأرض التي ترونها في أيدي آل فرعون .
ولذلك عقب قوله : {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ} الآية بقوله : {وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف : 128] العاقبة ما يعقب الشيء كالبادئة لما يبدأ بالشيء ، وكون العاقبة مطلقا للمتقين من جهة أن السنة الإلهية تقضي بذلك وذلك أنه تعالى نظم الكون نظما يؤدي كل نوع إلى غاية وجوده وسعادته التي خلق لأجلها فإن جرى على صراطه الذي ركب عليه ، ولم يخرج عن خط مسيره الذي خط له بلغ غاية سعادته لا محالة ، والإنسان الذي هو أحد هذه الأنواع أيضا حاله هذا الحال إن جرى على صراطه الذي رسمته له الفطرة واتقى الخروج عنه والتعدي منه إلى غير سبيل الله بالكفر بآياته والإفساد في أرضه هداه الله إلى عاقبته الحسنة ، وأحياه الحياة الطيبة ، وأرشده إلى كل خير يبتغيه .
قوله تعالى : {قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} [الأعراف : 129] الإتيان والمجيء في الآية بمعنى واحد ، والاختلاف في التعبير للتفنن ، وما قيل إن المعنى من قبل أن تأتينا بالآيات ومن بعد ما جئتنا لا دليل على ما فيه من التقدير .
على أن غرضهم إظهار أن مجيء موسى وقد وعدوا أن الله ينجيهم بيده من مصيبة الإسارة وهاوية المذلة لم يؤثر أثره فإن الأذى الذي كانوا يحملونه ويؤذون به على حاله ، ولا تعلق لغرضهم بأنه أتاهم بالآيات البتة .
وهذا الكلام شكوى منهم يبثونها إلى موسى (عليه السلام) .
قوله تعالى : {قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف : 129] وهذا جواب من موسى عن قولهم : ﴿أوذينا﴾ إلخ ، يسليهم به ويعزيهم بالرجاء ، وهو في الحقيقة تكرار لقوله السابق : {اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ} [الأعراف : 128] الآية .
كأنه يقول : ما أمرتكم به أن اتقوا الله في سبيل مقصدكم كلمة حية ثابتة فإن عملتم بها كان من المرجو أن يهلك الله عدوكم ، ويستخلفكم في الأرض بإيراثكم إياها ولا يصطفيكم بالاستخلاف اصطفاء جزافا ، ولا يكرمكم إكراما مطلقا من غير شرط ولا قيد بل ليمتحنكم بهذا الملك ويبتليكم بهذا التسليط والاستخلاف فينظر كيف تعملون ، قال تعالى : {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران : 140] .
وهذا مما يخطىء به القرآن ما يعتقده اليهود من كرامتهم على الله كرامة لا تقبل عزلا ، ولا تحتمل شرطا ولا قيدا ، والتوراة تعد شعب إسرائيل شعب الله الذي لهم الأرض المقدسة كأنهم ملكوها من الله سبحانه ملكا لا يقبل نقلا ولا إقالة .
____________________________
1 . تفسير الميزان ، ج8 ، ص 227-231 .
في هذه الآيات يبيّن لنا القرآن الكريم مشهدا آخر من الحوار الذي دار بين فرعون وبين ملائه حول وضع موسى عليه السلام ، ويستفاد من القرائن الموجودة في نفس الآية أنّ محتوى هذه الآيات يرتبط بفترة ما بعد المواجهة بين موسى وبين السحرة.
تقول الآية في البداية : {وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ}.
يستفاد من هذا التعبير ـ جيدا ـ أنّ فرعون بعد هزيمته أمام موسى عليه السلام ترك موسى وبني إسرائيل أحرارا (طبعا الحرية النسبية) مدّة من الزمن ، ولم يترك بنو إسرائيل بدورهم هذه الفرصة من دون أن يشتغلوا بالدعوة والتبليغ لصالح دين موسى عليه السلام إلى درجة أن قوم فرعون قلقوا من انتشاره ونفوذ دعوتهم ، فحضروا عند فرعون وحرضوه على اتّخاذ موقف مشدد تجاه موسى وبني إسرائيل.
فهل فترة الحرية النسبية هذه كانت لأجل الخوف والرعب الذي أصاب فرعون بسبب ما رأى من معجزة موسى عليه السلام القوية ، أو للاختلاف الذي برز في شعب مصر (وحتى القبطيين منهم) حول موسى ودينه ، حيث أنّ جماعة رغبوا في دينه ، وكان فرعون شاهدا لهذه الحالة فلم يمكنه أن يتخذ في مثل هذه الأجواء والظروف موقفا متشددا من موسى ودينه.
كلا الاحتمالين قريبان إلى ذهن فرعون ، ويمكن أن يكون كلاهما معا قد تركا أثرا في نفسه وفكره.
وعلى كل حال فإنّ فرعون ـ بسبب تحذيرات أعوانه وحاشيته ـ صمم على اتّخاذ موقف متشدد من بني إسرائيل ، فقال لحاشيته في معرض الجواب على تحريضهم وتحذيرهم : سأقتل أبناءهم واستخدام نساءهم ونحن متفوقون عليهم على كل حال : {قالَ سَنُقَتِّلُ أَبْناءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ}.
وقد وقع كلام بين المفسّرين حول المراد من لفظة «آلهتك» والظاهر من الآية هو أنّ فرعون كانت له معبودات وأصنام ، وإن كان يفهم من الآية (4) من سورة النازعات {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} ومن الآية (38) من سورة القصص {ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي} إنّ فرعون كان أعظم إله لشعب مصر ، أو على الأقل كان فرعون يعتبر نفسه أعظم معبود لشعب مصر ولكن مع ذلك كان قد اختار آلهة لنفسه وكان يعبدها .
والنقطة الأخرى أن فرعون عمد هنا إلى مكافحة جذرية وعميقة ، وقرر تحطيم قوة بنى إسرائيل تحطيما كاملا ، وذلك بالقضاء على المقاتلين ورجال الحرب بقتل أبناء بني إسرائيل واستئصالهم ، ويستبقي نساءهم وبناتهم لاسترقاقهن واستخدامهن ، وهذا هو نهج كل مستعمر قديم وجديد ، فهو يقضي على الرجال العالمين والقوى المؤثرة في المواجهة ، أو يقتل فيهم روح الرجولة والشهامة والغيرة والحمية بالوسائل المختلفة ، ويستبقي غير المؤثرين في هذا المجال.
على أنّه يحتمل ـ أيضا ـ أن فرعون كان يريد أن يبلغ هذا الكلام إلى مسامع بني إسرائيل ، فتتحطم معنوياتهم من جهتين : أوّلاهما من جهة قتل أبنائهم ورجال مستقبلهم ، والأخرى : من جهة وقوع نسائهم وأعراضهم في أيدي العدو.
وعلى كل حال أراد بعبارة {إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ} أن يزيل الخوف والقلق من قلوب حاشيته وأعوانه ، ويخبرهم بأنّه مسيطر على الأوضاع سيطرة كاملة.
سؤال :
وهنا يطرح سؤال ، وهو : لماذا لم يقرر فرعون قتل موسى ، وإنّما قرر ـ فقط ـ القضاء على أبناء بني إسرائيل ؟
جواب :
يستفاد من آيات سورة المؤمن ـ جيدا ـ أنّ فرعون كان عازما في البداية على قتل موسى ، ولكن نصائح مؤمن آل فرعون المقترنة بالتهديد ، في أنّ قتل موسى يمكن أن يقترن بالخطر فيحتمل أن يكون مرسلا من الله حقيقة وواقعا ، وأن كل ما يقوله من العقوبات الإلهية يتحقق بمقتله ، أثرت في روح فرعون وفكره .
هذا مضافا إلى أنّ خبر انتصار موسى على السحرة انتشر في كل مكان ، ووقع بسببه خلاف بين شعب مصر في مخالفة أو تأييد موسى. ولعل فرعون خاف إن هو اتّخذ من موسى عليه السلام موقفا حادا واجه ردّ فعل قوي من جانب الناس الذين تأثروا بهذه المسألة ، ولهذا انصرف عن فكرة قتل موسى عليه السلام.
والآية اللاحقة بيّنت ـ في الحقيقة ـ خطّة موسى التي اقترحها على بني إسرائيل لمواجهة تهديدات فرعون ، وشرح فيها شروط الغلبة على العدو ، وذكرهم بأنّهم إذا عملوا بثلاث مبادئ انتصروا على العدو حتما :
أوّلها : الاتكال على الله فقط {قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ} .
والآخر : أن يثبتوا ولا يخافوا من تهديدات العدو : {وَاصْبِرُوا} .
وللتأكيد على هذا المطلب ، ومن باب ذكر الدليل ، ذكّرهم بأنّ الأرض كلّها ملك الله ، وهو الحاكم عليها والمالك المطلق لها ، فهو يعطيها لمن يشاء {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ} .
وآخر هذه المبادئ هو أن يعتمدوا التقوى لأنّ العاقبة لمن اتّقى {وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ}.
هذه المبادئ والشروط الثلاثة ـ أحدها في العقيدة (الاستعانة بالله) والثّاني في الأخلاق (الصبر والثبات) والأخير في العمل (التقوى) ـ ليست شرائط انتصار قوم بني إسرائيل وحدهم على العدو ، بل كل شعب أراد الغلبة على أعدائه لا بدّ له من تحقيق هذه البرامج الثلاثة فالأشخاص غير المؤمنين والجبناء الضعفاء الإرادة ، والشعوب الفاسقة الغارقة في الفساد ، إذا ما انتصرت فإنّ انتصارها يكون لا محالة مؤقتا غير باق .
والملفت للنظر أنّ هذه الشروط الثلاثة كل واحد منها متفرع على الآخر ، فالتقوى لا تتوفر من دون الثبات والصبر في مواجهة الشهوات ، وأمام بهارج العالم المادّي ، كما أنّ الصبر والثبات لا يكون لهما أي بقاء ودوام من دون الإيمان بالله .
وفي آخر آية من الآيات الحاضرة يعكس القرآن الكريم شكايات بني إسرائيل وعتابهم من المشكلات التي ابتلوا بها بعد قيام موسى عليه السلام فيقول : {قالُوا أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا} فإذا متى يحصل الفرج ؟!
وكأنّ بني إسرائيل مثل كثير منّا كانوا يتوقعون أن تصلح جميع الأمور بقيام موسى عليه السلام في ليلة واحدة ... أن يزول فرعون ويسقط ، ويهلك الجهاز الفرعوني برمته ، وتصبح مصر بجميع ثرواتها تحت تصرف بني إسرائيل ، ويتحقق كل ذلك عن طريق الإعجاز ، من دون أن يتحمل بنو إسرائيل أيّ عناء.
ولكن موسى عليهم السلام أفهمهم بأنّهم سينتصرون في المآل ، ولكن أمامهم طريقا طويلا ، وإنّ هذا الإنتصار ـ طبقا للسنة الإلهية ـ يتحقق في ظل الاستقامة والثبات والسعي والاجتهاد ، كما جاء ذلك في الآية الحاضرة {قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ}.
وذكر كلمة «عسى» مثل كلمة «لعلّ» التي وردت في كثير من الآيات القرآنية إشارة ـ في الحقيقة ـ إلى أنّ لهذا التوفيق والإنتصار شرائط ، من دونها لا يصلون إليه ، (للوقوف على المزيد في هذا المجال راجع ما كتبناه في تفسير الآية 84 من سورة النساء).
ثمّ يقول في ختام الآية : إنّ الله أعطاكم هذه النعمة ، وأعاد إليكم حريتكم المسلوبة كي ينظر كيف تتصرفون أنتم {فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} ؟
يعني ستبدأ ـ بعد الإنتصار ـ مرحلة امتحانكم واختباركم ، اختبار شعب كان فاقدا لكل شيء ثمّ حصل على كل شيء في ضوء الهداية الإلهية.
إنّ هذا التعبير ـ هو ضمنا ـ إشعار بأنّكم سوف لا تخرجون من هذا الاختبار ـ في المستقبل ـ بنجاح ، وستفسدون وتظلمون كما فعل من كان قبلكم .
ونقرأ في رواية وردت في كتاب الكافي مروية عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال : «وجدنا في كتاب علي صلوات الله عليه : إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، أنا وأهل بيتي الذين أورثنا الله الأرض ونحن المتقون» (2).
وهذه إشارة إلى أن الحكم المذكور في هذه الآية حكم شامل ، وقانون عام ، والأرض هي الآن ـ في الحقيقة ـ للمتقين.
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 466-469 .
2. التّفسير نور الثقلين ، المجلد الثاني ، الصفحة 56 .