x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

النحو

اقسام الكلام

الكلام وما يتالف منه

الجمل وانواعها

اقسام الفعل وعلاماته

المعرب والمبني

أنواع الإعراب

علامات الاسم

الأسماء الستة

النكرة والمعرفة

الأفعال الخمسة

المثنى

جمع المذكر السالم

جمع المؤنث السالم

العلم

الضمائر

اسم الإشارة

الاسم الموصول

المعرف بـ (ال)

المبتدا والخبر

كان وأخواتها

المشبهات بـ(ليس)

كاد واخواتها (أفعال المقاربة)

إن وأخواتها

لا النافية للجنس

ظن وأخواتها

الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل

الأفعال الناصبة لمفعولين

الفاعل

نائب الفاعل

تعدي الفعل ولزومه

العامل والمعمول واشتغالهما

التنازع والاشتغال

المفعول المطلق

المفعول فيه

المفعول لأجله

المفعول به

المفعول معه

الاستثناء

الحال

التمييز

الحروف وأنواعها

الإضافة

المصدر وانواعه

اسم الفاعل

اسم المفعول

صيغة المبالغة

الصفة المشبهة بالفعل

اسم التفضيل

التعجب

أفعال المدح والذم

النعت (الصفة)

التوكيد

العطف

البدل

النداء

الاستفهام

الاستغاثة

الندبة

الترخيم

الاختصاص

الإغراء والتحذير

أسماء الأفعال وأسماء الأصوات

نون التوكيد

الممنوع من الصرف

الفعل المضارع وأحواله

القسم

أدوات الجزم

العدد

الحكاية

الشرط وجوابه

الصرف

موضوع علم الصرف وميدانه

تعريف علم الصرف

بين الصرف والنحو

فائدة علم الصرف

الميزان الصرفي

الفعل المجرد وأبوابه

الفعل المزيد وأبوابه

أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)

اسناد الفعل الى الضمائر

توكيد الفعل

تصريف الاسماء

الفعل المبني للمجهول

المقصور والممدود والمنقوص

جمع التكسير

المصادر وابنيتها

اسم الفاعل

صيغة المبالغة

اسم المفعول

الصفة المشبهة

اسم التفضيل

اسما الزمان والمكان

اسم المرة

اسم الآلة

اسم الهيئة

المصدر الميمي

النسب

التصغير

الابدال

الاعلال

الفعل الصحيح والمعتل

الفعل الجامد والمتصرف

الإمالة

الوقف

الادغام

القلب المكاني

الحذف

المدارس النحوية

النحو ونشأته

دوافع نشأة النحو العربي

اراء حول النحو العربي واصالته

النحو العربي و واضعه

أوائل النحويين

المدرسة البصرية

بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في البصرة وطابعه

أهم نحاة المدرسة البصرية

جهود علماء المدرسة البصرية

كتاب سيبويه

جهود الخليل بن احمد الفراهيدي

كتاب المقتضب - للمبرد

المدرسة الكوفية

بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الكوفة وطابعه

أهم نحاة المدرسة الكوفية

جهود علماء المدرسة الكوفية

جهود الكسائي

الفراء وكتاب (معاني القرآن)

الخلاف بين البصريين والكوفيين

الخلاف اسبابه ونتائجه

الخلاف في المصطلح

الخلاف في المنهج

الخلاف في المسائل النحوية

المدرسة البغدادية

بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في بغداد وطابعه

أهم نحاة المدرسة البغدادية

جهود علماء المدرسة البغدادية

المفصل للزمخشري

شرح الرضي على الكافية

جهود الزجاجي

جهود السيرافي

جهود ابن جني

جهود ابو البركات ابن الانباري

المدرسة المصرية

بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو المصري وطابعه

أهم نحاة المدرسة المصرية

جهود علماء المدرسة المصرية

كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك

جهود ابن هشام الانصاري

جهود السيوطي

شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك

المدرسة الاندلسية

بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها

نشأة النحو في الاندلس وطابعه

أهم نحاة المدرسة الاندلسية

جهود علماء المدرسة الاندلسية

كتاب الرد على النحاة

جهود ابن مالك

اللغة العربية

لمحة عامة عن اللغة العربية

العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)

العربية الجنوبية (العربية اليمنية)

اللغة المشتركة (الفصحى)

فقه اللغة

مصطلح فقه اللغة ومفهومه

اهداف فقه اللغة وموضوعاته

بين فقه اللغة وعلم اللغة

جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة

جهود القدامى

جهود المحدثين

اللغة ونظريات نشأتها

حول اللغة ونظريات نشأتها

نظرية التوقيف والإلهام

نظرية التواضع والاصطلاح

نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح

نظرية محاكات أصوات الطبيعة

نظرية الغريزة والانفعال

نظرية محاكات الاصوات معانيها

نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية

نظريات تقسيم اللغات

تقسيم ماكس مولر

تقسيم شليجل

فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)

لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية

موطن الساميين الاول

خصائص اللغات الجزرية المشتركة

اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية

تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)

اللغات الشرقية

اللغات الغربية

اللهجات العربية

معنى اللهجة

اهمية دراسة اللهجات العربية

أشهر اللهجات العربية وخصائصها

كيف تتكون اللهجات

اللهجات الشاذة والقابها

خصائص اللغة العربية

الترادف

الاشتراك اللفظي

التضاد

الاشتقاق

مقدمة حول الاشتقاق

الاشتقاق الصغير

الاشتقاق الكبير

الاشتقاق الاكبر

اشتقاق الكبار - النحت

التعرب - الدخيل

الإعراب

مناسبة الحروف لمعانيها

صيغ اوزان العربية

الخط العربي

الخط العربي وأصله، اعجامه

الكتابة قبل الاسلام

الكتابة بعد الاسلام

عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه

أصوات اللغة العربية

الأصوات اللغوية

جهود العرب القدامى في علم الصوت

اعضاء الجهاز النطقي

مخارج الاصوات العربية

صفات الاصوات العربية

المعاجم العربية

علم اللغة

مدخل إلى علم اللغة

ماهية علم اللغة

الجهود اللغوية عند العرب

الجهود اللغوية عند غير العرب

مناهج البحث في اللغة

المنهج الوصفي

المنهج التوليدي

المنهج النحوي

المنهج الصرفي

منهج الدلالة

منهج الدراسات الانسانية

منهج التشكيل الصوتي

علم اللغة والعلوم الأخرى

علم اللغة وعلم النفس

علم اللغة وعلم الاجتماع

علم اللغة والانثروبولوجيا

علم اللغة و الجغرافية

مستويات علم اللغة

المستوى الصوتي

المستوى الصرفي

المستوى الدلالي

المستوى النحوي

وظيفة اللغة

اللغة والكتابة

اللغة والكلام

تكون اللغات الانسانية

اللغة واللغات

اللهجات

اللغات المشتركة

القرابة اللغوية

احتكاك اللغات

قضايا لغوية أخرى

علم الدلالة

ماهية علم الدلالة وتعريفه

نشأة علم الدلالة

مفهوم الدلالة

جهود القدامى في الدراسات الدلالية

جهود الجاحظ

جهود الجرجاني

جهود الآمدي

جهود اخرى

جهود ابن جني

مقدمة حول جهود العرب

التطور الدلالي

ماهية التطور الدلالي

اسباب التطور الدلالي

تخصيص الدلالة

تعميم الدلالة

انتقال الدلالة

رقي الدلالة

انحطاط الدلالة

اسباب التغير الدلالي

التحول نحو المعاني المتضادة

الدال و المدلول

الدلالة والمجاز

تحليل المعنى

المشكلات الدلالية

ماهية المشكلات الدلالية

التضاد

المشترك اللفظي

غموض المعنى

تغير المعنى

قضايا دلالية اخرى

نظريات علم الدلالة الحديثة

نظرية السياق

نظرية الحقول الدلالية

النظرية التصورية

النظرية التحليلية

نظريات اخرى

النظرية الاشارية

مقدمة حول النظريات الدلالية

السماع والتعليل والقياس

المؤلف:  شوقي ضيف

المصدر:  المدارس النحوية

الجزء والصفحة:  ص80 – 93

27-02-2015

4057

يجري سيبويه في السماع على الأساس الذي وضعته مدرسته، كما رأينا عند ابن أبي إسحاق وعيسى بن عمر والخليل, وهو النقل عن القراء وعلماء اللغة الموثقين والعرب الذين يوثق بفصاحتهم، واستن بمدرسته في قلة الاستشهاد بالحديث النبوي؛ لأنه رُوي بالمعنى لا باللفظ، ودخل في روايته كثيرون من الأعاجم الذين لا يؤمنون على اللحن.

ويقول ابن الجزري: إنه أخذ القراءة عن أبي عمرو بن العلاء، ويظهر -إن صح ذلك- أنه لم يأخذها عنه مباشرة، إنما أخذها عن بعض تلاميذه، إذ نراه في الكتاب لا يذكر له مسألة إلا من طريق الرواية عن بعض هؤلاء التلاميذ, وخاصة يونس بن حبيب، مما يدل على أنه لم يلقه. ونظن ظنا أنه حمل قراءة الذكر الحكيم عن هارون(1)  بن موسى النحوي الذي يتردد ذكره في الكتاب مع بعض القراءات التي يرويها، وكذلك عن أستاذه الخليل وغيره من أئمة القراءات في البصرة لعصره مثل يعقوب بن إسحاق الحضرمي وهو أحد أئمة القراءات العشر. وكان سيبويه يقول: "القراءة لا تخالف لأنها السنة"؛ ولذلك قلما يذكر القراءة التي تخالف القياس, بل عادة لا يعرض لها، ومما وقف عنده الآية الكريمة : {كُنْ فَيَكُونُ} وكان ابن عامر يقرأ "يكونَ" بالنصب، وهو بذلك يخالف القياس؛ لأن المضارع لا ينصب بعد الفاء مع الأمر، على نحو ما يقرر ذلك سيبويه، إلا إذا كان جوابا له، ولم يرد الله في رأيه أنه يقول للشيء كن فيكون، وإنما أراد أنه يقول للشيء كن فحسب، ثم أخبر أنه يكون، ومعنى ذلك

ص80

أن قوله : (فيكون) كلاما مستقلا لا مترتبا على الأمر. ومن هنا نرى سيبويه يذكر في الآية قراءة الجمهور بالرفع، ولا يعرض لقراءة ابن عامر(2) . ومن ذلك أن نراه لا يعرض لقراءة حمزة: "تساءلون به والأرحامِ" بخفض الأرحام وعطفها على الضمير المخفوض دون إعادة الخافض, مع أنه يقرر أنه لا يصح أن يقال: مررت بك وزيد، بل لا بد من أن يقال: مررت بك وبزيد, أي: إنه لا بد في العطف على الضمير المجرور من إعادة حرف الجر(3).

ويتردد في الكتاب سماعه عن علماء اللغة الموثقين في موطنه, وفي مقدمتهم أستاذه الخليل، وله في الكتاب القدح المعلّى، ويليه يونس بن حبيب، وقد نقل عنه أكثر من مائتي مرة (4)، ثم الأخفش الكبير ومجموع نقوله عنه سبعة وأربعون نقلا، ثم أبو عمرو بن العلاء، وقد روى عنه أربعا وأربعين رواية، ثم عيسى بن عمر، ومجموع نقوله عنه اثنتان وعشرون مرة، ثم ابن أبي إسحاق وقد نقل عنه أربع مرات, وهو لا ينقل عنه ولا عن أبي عمرو بن العلاء مباشرة. ويروي السيرافي عن أبي زيد أنه كان يقول: كلما قال سيبويه: "وأخبرني الثقة فأنا أخبرته" وتكررت الرواية في الكتاب عن هذا الثقة تسع مرات. ونقل أيضا عن الكوفيين بعض وجوه من القراءات لا تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة.

وذكرنا آنفا أنه دخل بوادي نجد والحجاز, وأنه قيد كثيرا عن العرب، ويطفح الكتاب بما قيده عنهم شعرا ونثرا. وكان موقفه من العرب دائما أن يسجل الصورة الشائعة على ألسنتهم في التعبير معتمدا عليها في تقرير قواعده. ولم يكن يسجلها وحدها، بل كان يسجل دائما ما جاء شذوذا على ألسنتهم، وهو ينعته تارة بالضعف وتارة بالشذوذ أو القبح أو الغلط، يقصد بذلك إلى أنه يخالف القياس الذي ينبغي اتباعه، من ذلك قوله: "واعلم أن ناسا من العرب يغلطون, فيقولون: إنهم أجمعون ذاهبون وإنك وزيد ذاهبان" (5) , وهو بذلك يقرر أن توكيد اسم إن والمعطوف عليه ينبغي أن يكونا جميعا منصوبين ؛ لأنهما يتبعان منصوبا،

ص81

ومعروف أن الفاء لا يُنصَب المضارع بعدها إلا إذا كانت -كما قرر هو نفسه- جوابا لأمر أو نهي أو تمن أو استفهام أو نفي أو عرض أو تحضيض أو دعاء، فإن نصب معها في كلام ولم يكن جوابا لأحد هذه الثمانية كان ذلك شذوذا وضعفا إن جاء عن العرب في بعض أشعارهم، يقول : "وقد يجوز النصب في الواجب في اضطرار الشعر ... فمما نُصب في الشعر اضطرارا قول الشاعر:

سأترك منزلي لبني تميم                  وألحق بالحجاز فأستريحا

وقال الأعشى, وأنشدناه يونس :

ثمت لا تجزونني عند ذاكم             ولكن سيجزيني الإله فيعقبا

وهو ضعيف في الكلام"(6) . ويقول في باب التصغير: "من العرب من يقول في ناب: نويب، فيجئ بالواو لأن هذه الألف مبدلة من الواو أكثر، وهو غلط منهم"(7). وأساس الغلط عنده أن ما ثانيه حرف علة مقلوب عن الياء أو الواو يرد إلى أصله في التصغير، فناب تصغر على نُيَيب وباب على بويب. ولذا كان يرى أن نويبا غلط وأنه ينبغي أن تكون نُيَيبا. ويشير إلى العلة في إجراء هؤلاء العرب نابا على مثال باب، إذ الألف الزائدة في التصغير إذا كانت ثانية في اللفظة تقلب واوا، ولما كان ذلك يجري في كثير من الكلمات مثل كاتب وكويتب وشاعر وشويعر, ظنوا أن من حقهم أن يقلبوا ألف ناب في التصغير واوا. وعلى هذا النحو كان سيبويه يعرض سماعه على المقاييس النحوي، أو بعبارة أدق: كان يتخذ هذه المقاييس مما دار على ألسنة العرب كثيرا، وما خالفه ينحى عليه بكلمات تدل على مخالفته للذائع المشهور الذي استنبطت منه القواعد، وينعته بالغلط, يريد أن يثبت عليهم التوهم فيه.

وتكثر التعليلات في كتاب سيبويه كثرة مفرطة، سواء للقواعد المطردة أو للأمثلة الشاذة، يقول في فواتح كتابه: "وليس شيء يضطرون "العرب" إليه, إلا وهم يحاولون به وجها ", فهو لا يعلل فقط لما كثر في ألسنتهم واستُنبطت على أساسه القواعد، بل يعلل أيضا لما يخرج على تلك القواعد، وكأنما لا يوجد أسلوب ولا توجد قاعدة بدون علة. ونحن لا نكاد نمضي في قراءته حتى

ص82

نجده يعلل لعدم جزم الأسماء، يقول : "وليس في الأسماء جزم لتمكنها وللحاق التنوين، فإذا ذهب التنوين لم يجمعوا على الاسم ذهابه وذهاب الحركة" (8).

وواضح أنه لا يعلل لواقع الاسم فحسب، بل يعلل أيضا لما لا يجري في واقعه، مما جرى في الأفعال من بعض وجوه الإعراب. وبذلك وسَّع التعليل فشمل ما هو واقع وما لم يقع، في الأسماء وفي الأفعال جميعا، إذ لا يلبث أن يقف عند إعراب المضارع، وأنه يرفع، وينصب مع أدوات النصب، ويجزم مع أدوات الجزم، ويلاحظ أنه لا يجر، ويحاول التعليل لذلك فيقول: "وليس في الأفعال المضارعة جر, كما أنه ليس في الأسماء جزم؛ لأن المجرور داخل في المضاف إليه معاقب للتنوين، وليس ذلك في هذه الأفعال"(9) . ونراه يعلل لإعراب المضارع وتسميته باسمه بأنه يضارع أو يشابه اسم الفاعل في معناه ووقوعه موقعه, فإنك تقول: إن عبد الله ليفعل كما تقول: إن عبد الله لفاعل فيما تريد من المعنى. وأيضا فإنك تلحق به لام الابتداء، كما ألحقتها باسم الفاعل في نفس العبارتين المذكورتين، وهي لا تدخل إلا على الأسماء ويمتنع دخولها على الأفعال الماضية. وبهذا كله استحق المضارع أن يعرب, وأن يدخل على آخره الرفع والنصب والجزم (10) . ونحس كأنه يستشعر أنه كان الواجب أن يكون آخر الماضي ساكنا، وكأن الأصل في الأفعال أن تكون ساكنة الآخر، ولا يلبث أن يعلل لفتح آخره بأن فيه بعض المضارعة؛ ولذلك كان يقع موقع اسم الفاعل والمضارع جميعا، إذ تقول: "هذا رجل ضرب محمدا" كما تقول : هذا رجل ضارب محمدا، وتقول: إن فعلَ فعلتُ كما تقول : إن يفعل أفعل. ولذلك فارق الماضي السكون إلى الفتح، ولم يعرب إعرابا كاملا مثل المضارع؛ لأن مضارعته ناقصة، إذ لا تدخل عليه لام الابتداء(11). ومعنى ذلك أن الأفعال ثلاثة أقسام : قسم منها ضارع الاسم مضارعة تامة فأعرب، وهو الفعل المضارع، وقسم ضارعها أو شابهها مشابهة ناقصة، فبني على الفتح وهو الماضي، وقسم ثالث بقي على أصله من السكون وهو فعل الأمر. ويلاحظ أن النون في الأسماء المثناة والمجموعة ليست عَلَم الإعراب،

ص83

بل علمه حروف اللين قبلها وهي: الألف والياء في المثنى والواو والياء في جمع المذكر السالم، أما النون فحرف يقابله تنوين الاسم المفرد؛ ولذلك كانت تحذف مثله في حالة الإضافة. ويقارن بين هذه النون وبين أختها في الأفعال الخمسة: يفعلان وتفعلان، ويفعلون وتفعلون، وتفعلين، ويقول: إن نون هذه الأفعال علم الرفع، أما حروف اللين قبلها فضمائر وليست علما للإعراب, كما هو الشأن في الأسماء المثناة والمجموعة، ويشرح ذلك شرحا معللا وافيا، قائلا "(12)

"واعلم أن التثنية إذا لحقت الأفعال المضارعة علامة للفاعلَين, لحقها ألف ونون ولم تكن الألف حرف الإعراب؛ لأنك لم ترد أن تثني يفعل هذا البناء، فتضم إليه يفعلا آخر، ولكنك إنما ألحقته هذا علامة للفاعلين . ولم تكن "يفعل" منونة ولا تلزمها الحركة لأنه يدركها الجزم والسكون، فيكون الأول حرف الإعراب والآخر كالتنوين. فلما كان حال يفعل في الواحد غير حال الاسم، وفي التثنية لم يكن بمنزلته, فجعلوا إعرابه في الرفع ثبات النون؛ لتكون له في التثنية علامة الرفع كما كان في الواحد إذ مُنع حرف الإعراب " يريد الضم ", وجعلوا النون مكسورة كحالها في الاسم، ولم يجعلوها حرف إعراب "أي : حرفا يظهر عليه الإعراب" إذ كانت متحركة لا تثبت في الجزم. ولم يكونوا ليحذفوا الألف لأنها علامة الإضمار والتثنية في قول من قال: أكلوني البراغيث, وبمنزلة التاء في قلت وقالت، فأثبتوها في الرفع وحذفوها في الجزم، كما حذفوا الحركة في الواحد. ووافق النصبُ الجزمَ في الحذف، كما وافق النصب الجر في الأسماء؛ لأن الجزم في الأفعال نظير الجر في الأسماء، وليس للأسماء في الجزم نصيب، كما أنه ليس للفعل في الجر نصيب، وذلك قولك : هما يفعلان، ولن يفعلا, ولم يفعلا. وكذلك إذا لحقت الأفعال علامة للجمع لحقتها زائدتان، إلا أن الأولى واو مضموم ما قبلها لئلا يكون الجمع كالتثنية، ونونها مفتوحة بمنزلتها في الأسماء، كما فعلت ذلك في التثنية؛ لأنهما وقعتا في التثنية والجمع ههنا كما أنهما في الأسماء كذلك، وهو قولك : هم يفعلون ولم يفعلوا ولن يفعلوا. وكذلك إذا ألحقت التأنيث في المخاطبة, إلا أن الأولى ياء وتفتح النون لأن الزيادة

ص84

التي قبلها بمنزلة الزيادة التي في الجمع، وهي تكون في الأسماء في الجر والنصب، وذلك قولك : أنت تفعلين، ولم تفعلي, ولن تفعلي".

ويمضي سيبويه، فيعلل لدخول التنوين على الأسماء المتمكنة دون الأفعال المضارعة, فضلا عن غيرها من الأفعال، بسبب خفته وثقلها، يقول : "واعلم أن بعض الكلام أثقل من بعض، فالأفعال أثقل من الأسماء؛ لأن الأسماء هي الأول "يريد ما ذهب إليه من أن المصادر أصل الأفعال؛ ولذلك كانت الأسماء تتقدم الأفعال في الرتبة" وهي أشد تمكنا، فمن ثم لم يلحقها "أي: الأفعال" تنوين ولحقها الجزم والسكون، وإنما هي من الأسماء "أي: إنها مشتقة من المصادر" ألا ترى أن الفعل لا بد له من الاسم "أي : إنه تابع له، إذ لا يوجد فعل بدون فاعل" وإلا لم يكن كلاما، والاسم قد يستغني عن الفعل تقول: الله إلهنا، وعبد الله أخونا" (13) . ويلاحظ أن الاسم إذا أشبه المضارع في بنائه منعوه من التنوين والجر، فيجر بالفتحة، ويقول : "واعلم أن ما ضارع الفعل المضارع من الأسماء في الكلام, ووافقه في البناء أجري لفظه مجرى ما يستثقلون ومنعوه ما يكون لما يستخفون "أي : من الأسماء المتمكنة" فيكون في موضع الجر مفتوحا، استثقلوه حيث قارب الفعل في الكلام ووافقه في البناء وذلك نحو: أبيض وأسود وأحمر وأصفر، فهذا بناء أذهب وأعلم" (14). ويقول: إن الاسم يجر بالفتحة أيضا إذا نقل عن المضارع مثل يشكر علما على شخص. ويجعل التنوين مطردا في كل ما هو أشد تمكنا، ولذلك كان أكثر الكلام ينون إذا كان منكرا، وكذلك ينون المفرد ولا ينون الجمع الذي لا يكون له مثال في المفرد مثل مصابيح. وأيضا ينون الاسم المذكر؛ لأنه أخف عليهم من المؤنث؛ ولذلك حرموه التنوين، ويقول: جميع ما لا ينصرف إذا أُدخل عليه الألف واللام أو أُضيف انجرّ؛ لأنها أسماء أدخل عليها ما يدخل على المنصرف، وأدخل فيها المجرور كما يدخل في المنصرف ... وجميع ما يُترَك صرفه "تنوينه" مضارَع به الفعل؛ لأنه إنما فعل به ذلك لأنه ليس له تمكن غيره، كما أن الفعل ليس له تمكن الاسم (15).

ص85

وكل هذه التعليلات في الصفحات الأولى من الكتاب، إذ لم نتجاوز حتى الآن الصفحة السابعة فيه، وبذلك ثبّت سيبويه جذور التعليل في النحو والصرف ومدها في جميع قواعدهما ومسائلهما، فليس هناك شيء لا يعلل، بل لكل شيء علته يمسك بها في يمينه. وتنتشر هذه التعليلات في أكثر صفحات الكتاب، ويكفي أن نذكر منها أطرافا، فمن ذلك تعليله لاختصاص الاستفهام بالأفعال وأن الأصل فيها أن تدخل عليها لا على الأسماء لمشابهتها حروف الجزاء أو الشرط، ولأن جوابها يجزم أحيانا كما يجزم الأمر، وأدوات الشرط إنما يليها دائما الأفعال، يقول: "وحروف الاستفهام كذلك بُنيت للفعل إلا أنهم قد توسعوا فيها فابتدءوا بعدها الأسماء، والأصل غير ذلك, ألا ترى أنهم يقولون: هل زيد منطلق؟ وهل زيد في الدار؟ وكيف زيد آخذ؟ فإن قلت: كيف زيدا رأيت؟ وهل زيد يذهب؟ قبُح "لأنه ينبغي تقديم الفعل متى كان موجودا مع أداة الاستفهام" ولم يجز إلا في شعر؛ لأنه لما اجتمع الفعل والاسم حملوه على الأصل ... وإنما فعلوا هذا بالاستفهام لأنه كالأمر في أنه غير واجب, أنه يريد به من المخاطب أمرا لم يستقر عند السائل, ألا ترى أن جوابه جزم "أي: كما يكون جواب الأمر حين يستخدم حرف جزاء وشرطه"؛ فلهذا اختير النصب وكرهوا تقديم الاسم "أي: في مثل: هل زيدا أنت؟ " لأنها حروف ضارعت بما بعدها ما بعد حروف الجزاء، وجوابها كجوابه ... إذا قلت: أين عبدَ الله آته"(16) أي: كما تقول: ائتني آتك. ومن أجل ذلك كله اختار في باب الاشتغال كما مر بنا نصب الاسم المشغول عنه بعد أدوات الاستفهام، حتى يكون بعدها فعل في التقدير. ويعلل لقصور الصفة المشبهة عن اسم الفاعل في قوة العمل بأنها ليست في معنى الفعل المضارع, لا في زمنه ولا في بنائه، إذ تدل على الثبوت، وهي لا تقابله في الحركات والسكنات مثل اسم الفاعل؛ ولذلك استحسن أن يكون ما بعدها معرفا باللام والألف, ومضافا إليها مثل: محمد حسن الوجه، حتى يبعد شبهها عن اسم الفاعل(17) الذي يجري مجرى المضارع في العمل. ويعلل لحذف التاء كثيرا في ترخيم المنادى بأنها تنقلب هاء في الوقف؛ ولذلك كان حذفها أولى، وأيضا فإن المنادي بمثل: "يا ضباعا" بدلا من: يا ضباعة

ص86

عادة يمد صوته، وكأنما جعلوا المدة التي تلحق المنادى المرخم بدلا منها (18) .

ويعلل لجزم المضارع في جواب الأمر والنهي والاستفهام والتمني والعرض بأنهم جعلوه معلقا بما سبقه غير مستغن عنه، بالضبط كما يكون الشرط، فقولك: ائتني آتك هو كقولك: إن تأتني آتك، ولذلك جزموه كما جزموا جواب الشرط، وكأن هناك شرطا مقدرا (19). ويعلل لحذف الفعل في التحذير مع العطف أو كما يسميه هنا التثنية بقوله: "يقول: رأسك والحائط وهو يحذره، كأنه قال: اتق رأسك والحائط، وإنما حذفوا الفعل في هذه الأشياء حين ثنوا؛ لكثرتها في كلامهم واستغناء بما يرون من الحال, وبما جرى من الذكر" (20)

وعلى نحو ما يتسع سيبويه بالتعليل في النحو يتسع به في الصرف، وخاصة في باب القلب والإعلال، يقول في "أيْنق" جمع ناقة: كان القياس فيها أن تجمع على: أنوق، وإما أن يكونوا قدموا الواو على النون وأبدلوها ياء؛ وبذلك حدث فيها قلب وإعلال، وزنتها على هذا التحول: "أعفل", وإما أن يكونوا قد حذفوا الواو من "أنوق" وجعلوا الياء عوضا لها، وزنتها على هذا الأساس "أيفل", ويذهب في لفظة "اطمأنّ" إلى أن أصلها: "طأمن" وحدث بها قلب, أو بعبارة أخرى: تقديم الميم على الهمزة (21). ويقول: إن قياس مصدر فعّل المضاعف الفِعّال، ولكن العرب عدلت عن ذلك البناء إلى التفعيل مثل: قطّع تقطيعا، ويعلل لذلك بقوله: "جعلوا التاء التي في أوله بدلا من العين الزائدة في فعّلت، وجعلوا الياء بمنزلة ألف الإفعال "مصدر أفعل مثل إكرام" فغيروا أوله كما غيروا آخره" (22)

وطبيعي أن يكثر القياس في كتاب سيبويه كثرة مفرطة؛ لأنه الأساس الذي يقوم عليه وضع القواعد النحوية والصرفية واطرادها، وهو يعتمد عنده في أكثر الأمر على الشائع في الاستعمال على ألسنة العرب، كما يقوم على المشابهة بين استعمالاتهم في الأبنية والعبارات المختلفة، فمن ذلك أن نراه يقيس حذف العائد في النعت على حذفه في الصلة, متمثلا بقول جرير:

ص87

أبحت حمى تهامة بعد نجد ... وما شيء حميت بمستباح

يريد الهاء "أي: حميته", وقول الحارث بن كلدة:

فما أدري أغيرهم تناء ... وطول العهد أم مال أصابوا

يريد: أصابوه ... يقول: "كما لم يكن النصب "أي: الضمير المنصوب" فيما أتممت به الاسم يعني الصلة" ويقول: إن حذفه في الصلة أحسن لأن الموصول والصلة بمنزلة اسم واحد فكرهوا طولها، أما في الصفة فحذفه حسن ولكنه لا يبلغ في الحسن مبلغ حذفه في الصلة؛ ولذلك جعل الحذف في الصلة الأصل وقاس عليه الحذف في الصفة، وضعف حذف العائد في الخبر؛ لأن الخبر غير المخبر عنه، وليس معه كشيء واحد، كما هو الحال في الصلة والصفة (23) .

ويقيس اسم الفاعل واسم المفعول وصيغ المبالغة على الفعل المضارع في العمل، ويرتب على ذلك أنه يجوز في المعمولات معها من التقديم والتأخير والإظهار والإضمار ما يجوز مع الفعل (24). ويضع قاعدة عامة للحال أنه دائما يأتي نكرة، ويرتب على ذلك أن المصدر إذا كان حالا منع القياس دخول الألف واللام عليه، فلا يقال: ذهب زيد المشيَ بالنصب على الحال، وإنما يقال: ذهب زيد ماشيًا(25)  ونص على ما جاء من ذلك شذوذا عن العرب مثل: أرسلها العِرَاك، وقد أوله أستاذه الخليل على أن العرب تكلمت بمثل هذا الحال المعرف على نية طرح الألف واللام (26). ويقيس عمل إن وأخواتها على عمل الفعل المتعدي، غير أن المنصوب معها يتقدم على المرفوع، دلالة على أنها ليست أصلا في عمل الرفع والنصب (27). ونراه يقف عند استعمال ما النافية استعمال ليس في رفع اسمها ونصب خبرها في مثل: "ما زيد منطلقا" ثم يعقب بلغة تميم فيها وأنها لا تعملها، يقول: "وأما بنو تميم فيجرونها مجرى أما وهل، وهو القياس لأنها ليست بفعل، وليس ما كليس، ولا يكون فيها إضمار, أما أهل الحجاز فيشبهونها بليس، إذ كان معناها كمعناها" (28)

ص88

وكأنه يرى نقصا في قياس الحجازيين لها على ليس, إذ لا يكفي أن تكون بمعناها، بل لا بد لما يعمل الرفع والنصب متواليين أن يكون فعلا يصح الإضمار فيه. ويقيس حذف الجزء الثاني من أربعة عشر ومعد يكرب في الترخيم على حذفه في النسب، ويقول: بل هو الأجدر أن يحذف في الترخيم، إذ يحذف فيه ما لا يحذف في النسب، فإنك تنسب إلى جعفر: جعفري، وإذا رخمته، حذفت الياء والراء فقلت: يا جعف (29) . ويقيس في باب الاشتغال حروف الاستفهام على حروف الجزاء، ويقيس عليها حروف النفي. وجعل الأمر والنهي في هذا الباب يضارعان حروف الجزاء أيضا، مع أنهما لا يكونان إلا بفعل (30). ويقيس المصدر على الفعل في عمله ومعناه(31)  كما يقيس على المصدر ما جرى من الأسماء والصفات مجراه مثل جندلا، وهنيئا مريئا (32). ويقيس المكان المختص على المكان غير المختص في نصبه سماعا مثل: هو مني منزلةَ الشغاف ومناطَ الثريا (33). ويقيس البدل على التوكيد في إعرابه إعراب متبوعه (34)  ويقيس التمييز بعد نعم في مثل: نعم رجلا عبد الله على قولك: حسبك به رجلا عبد الله، سواء في عمل ما قبله فيه أو في المعنى؛ لأنهما جميعا ثناء في استيجابهما المنزلة الرفيعة، ولأنهم إنما بدءوا فيهما بالإضمار على شريطة التفسير، وقد جمع بين: حسبك به رجلا, وويحه رجلا, ولله دره رجلا، فجميعها يوضح التمييز فيها جهة التعجب، وقاس على ويحه رجلا قولهم: "رُبَّه رجلا", فكل هذه العبارات تفسير لإضمار سابق (35)

والصرف عنده كله أقيسة، وقد أظهر في حصر أبنية الأفعال والأسماء المجردة والمزيدة وما يقابلها من التفاعيل ذكاء منقطع النظير, وخاصة أبنية الأسماء، إذ أورد لها ثلاثمائة مثال "تفعيلة" وثمانية (36)  وهو في كل مثال يبحث عن نظائره في اللغة، فإن لم يجد لكلمة مثالا أو تفعيلة ردّها إلى مثال آخر قاسها عليه، من ذلك كلمة عِزْويت أي: قصير، فإنه لم يجد لها في اللغة نظيرا في صيغتها،

ص89

فأبى أن يضع لها مثالا على وزنها، وهو فِعْوِيل، وحملها أو بعبارة أخرى: قاسها على "فِعْلِيت" لوجود النظير في هذا المثال، وهو عفريت ونفريت (37) . وأساس ذلك عنده أن القاعدة لا توضع لمثال واحد شاذ، وإنما توضع لأمثلة كثيرة، وإذا وُجد مثال شاذ حُمل على غيره ودخل في قياسه. وإذا نطقوا كلمة على صيغتين وكانت إحداهما مقيسة والثانية شاذة, نص على ذلك في وضوح مؤثرا لبناء المقيسة على الشاذة، من ذلك كلمة ثور، فقد جمعها العرب على ثِوَرة جمعا قياسيا، كما تقول في كوز: كِوَزة وعود: عودة وزوج: زوجة, وجمعوها أيضا على ثِيَرة جمعا شاذا، يقول: "وقد قالوا: ثِوَرة وثِيَرة قلبوها حيث كانت بعد كسرة، واستثقلوا ذلك، كما استثقلوا أن تثبت في دِيَم، وهذا ليس بمطرد يعني: ثِيَرة"(38). وعنده أن جمع صائم صُوَّم لأنه واوي الأصل، ويقول: إنه سمع من العرب من يقول في جمعها: صُيَّم بالياء حملا لها وقياسا على عِصِيّ (39) ويقول: إنهم يجمعون حَلْقة على حَلَق شذوذا, محدثين فيها هذا النقص وتغيير حركة اللام كما صنعوا في النسب، إذ نسبوا ثقيفا قائلين: ثقفيّا بحذف الياء وفتح القاف، والقياس فيها عنده ثقيفي(40). ويقيس جمع مثل بازل وبُزُل وشارف شرف على جمع مثل صبور وصُبُر وغفور وغفر، وجعل علة القياس أن كلا من المثالين على أربعة أحرف, وبه حرف زائد هو الواو في مثل صبور والألف في مثل بازل(41). ويقول: إن القياس في جمع مثل مضروب: مضروبون, غير أنهم قد قالوا: مكسور ومكاسير وملعون وملاعين ومشئوم ومشائيم, شبّهوا هذه الألفاظ أو بعبارة أخرى: قاسوها على ما يكون من الأسماء على هذا الوزن مثل: بهلول وبهاليل(42) ويقول: إنهم قاسوا المصدر من سَخِط اللازم على المصدر من غضب المتعدي، فجعلوه سَخَطًا(43) ودائما يتشدد سيبويه في القياس، وقد يفضي به تشدده إلى أن يرفض القياس على بعض

ص90

ما جاء عن العرب كثيرا، ومن خير ما يوضح ذلك عنده النسبة إلى فَعِيل وفُعَيْل مثل ثَقِيف وهُذَيْل، فقد كثر عن العرب في هذين المثالين أن يصوغوهما على فَعَلِيّ وفُعَلِيّ فتقول: ثقفي وهذلي، ونحوهما: قُرَشي. ولم يرتض سيبويه أن يكون ذلك قياسا مطردا، إذ رأى أن حق مثل هذه الألفاظ إقرار الياء في النسب، كقولهم في حنيف: حنيفي، وبذلك منع أن يقاس على ما ورد عن العرب من ذلك، وإن كثر على ألسنتهم، فمثل سعيد ينبغي أن تكون النسبة إليه: سعيديا، وكأنه اتخذ من المثال النادر وهو حنيف أصلا للقياس، ورفض الكثير المستعمل لأن قياسه في رأيه ضعيف (44) .

وإذا كنا لاحظنا عند الخليل أنه فتح باب التمارين على قوانين النحو والصرف وقواعدهما، فإن سيبويه قد توسع في فتحه بكلتا يديه سعة شديدة, فإذا هو يصوغ في كل جانب من كتابه أمثلة توضح تلك القواعد والمقاييس، وحقا لا يتسع بذلك في النحو كما اتسع به في الصرف، فقد كان يسير في النحو بحذاء ما سمعه عن العرب وشيوخه وما ثقفه من قراءات الذكر الحكيم، وقلما عمد إلى وضع الأمثلة. أما في الصرف, فقد اتسع في ذلك اتساعا كبيرا، فمن ذلك أن نراه في الممنوع من الصرف يعرض أبنية كثيرة لم تُسمع عن العرب، يقول مثلا: "وإن سميت رجلا ضربوا, فيمن قال: أكلوني البراغيث "أي: من يعامل الواو معاملة تاء التأنيث" قلت: "هذا ضربونَ قد أقبل" تلحق النون كما تلحقها في أولي لو سميت بها رجلا من قوله عز وجل: {أُولِي أَجْنِحَةٍ} , ومن قال: هذا مسلمون في اسم رجل قال: هذا ضربون ورأيت ضربين، وكذلك يضربون في هذا القول. فإن جعلت النون حرف الإعراب فيمن قال: هذا مسلمين "علما على شخص" قلت: هذا ضربين قد جاء"(45). وتكثر مثل هذه الأبنية المظنونة أو المقترحة في الصرف، حتى لنراه يعقد لها أحيانا فصولا برمتها، ومن خير ما يصور ذلك عنده "باب ما قيس من المعتل من بنات الياء والواو ولم يجئ في الكلام إلا نظيره من غير المعتل"(46) ويأخذ في عرض ذلك عرضا يطول حتى يشغل أكثر من أربع

ص91

صفحات طويلة، وكلها في صيغ من بنات أفكاره, يحاول أن يقيسها على صيغ معروفة. وعلى هذا النسق "باب ما قِيس من المضاعف الذي عينه ولامه من موضع واحد, ولم يجئ في الكلام إلا نظيره من غيره" ويستهله على هذا النحو: "تقول في فُعَل من رددت: رُدَد، كما أخرجت فِعَلا على الأصل؛ لأنه لا يكون فعلا، وتقول في فَعَلَان: رَدَدَان, وفُعَلَان: رُدَدَان يجري المصدر في هذا مجراه لو لم يكن بعده زيادة, ألا تراهم قالوا: خُشَشَاء، وتقول في فَعُلان: رَدّان, وفَعِلان: رَدّان أجريتهما على مجراهما وهما على ثلاثة أحرف ليس بعدها شيء كما فعلت ذلك بفعُل وفعِل، وتقول في فَعَلُول من رددت: رددود, وفَعَلِيل ردديد كما فعلت ذلك بفَعلان" (47) . وعلى هذا النحو لا يحيط سيبويه بأبنية اللغة وشاراتها النحوية فحسب، بل يمد بحثه فيهما إلى كل مظنون في التعبير وكل صيغة ممكنة، مع دعم كلامه بالأقيسة والعلل دعما لا يعلم به النحو والصرف فحسب، بل يعلم به أيضا العقل، ويرهف الحس اللغوي عند قارئه، إذ لا يزال يعرض عليه دقائق التعبير وخصائص الأبنية عرض من أتقنها علما وفقها وتحليلا. ويدل على ذلك من بعض الوجوه وقوفه عند المصادر التي جاءت على وزن فَعلان، إذ نراه يحس فيها دلالة على الاضطراب والحركة في أحداثها لتوالي الحركات في بنائها، يقول: "ومن المصادر التي جاءت على مثال واحد حين تقاربت المعاني, قولك: النَّزوان والنقزان والقَفَزان، وإنما هذه الأشياء في زعزعة البدن واهتزازه في ارتفاع، ومثله العسلان والرتكان ... ومثل هذا الغليان؛ لأنه زعزعة وتحرك، ومثل ذلك: اللهبان ... والوهجان لأنه تحرك الحر وثئوره، فإنما هو بمنزلة الغليان" (48). وبهذا الحس المرهف وما سنده من ملكات عقلية باهرة رسم سيبويه أصول العربية وصاغ لها قوانينها الإعرابية والصرفية، وفيه يقول ابن جني: "لما كان النحويون بالعرب لاحقين وعلى سَمْتهم آخذين وبألفاظهم متحلِّين ولمعانيهم وقُصُودهم آمِّين, جاز لصاحب هذا العلم "سيبويه" الذي جمع شَعَاعه (49)

ص92

وشَرَع أوضاعه، ورسم أشكاله، ورسم أَغْفاله (50) , وخلج أشطانه (51) ، وبعج3 أحضانه, وزم شوارده، وأفاء (52) فَوارده أن يرى فيه نحوا مما رأوا ويحذوه على أمثلتهم التي حذوا، لا سيما والقياس إليه مصغ، وله قابل، وعنه غير متثاقل" (53).

ص93

__________________

(1) انظر ترجمته في نزهة الألباء، ص32, ومعجم الأدباء 19/ 263, وإنباه الرواة 3/ 361, وتاريخ بغداد 14/ 3, وطبقات القراء 2/ 348, وبغية الوعاة ص406.

(2) الكتاب 1/ 423.

(3) الكتاب 1/ 391, وانظر 1/ 397, وكذلك 2/ 170  في تحقيق همزة نبي مقارنا بكتاب النشر 1/ 215، 406 ورد في 2/ 412 إدغام الراء في اللام في مثل قوله تعالى : {فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} مقارنا بكتاب النشر 2/ 237.

(4) انظر في عدّ هذا النقل عن يونس وغيره من التالين, كتاب سيبويه لعلي النجدي ناصف ص89 وما بعدها.

(5) الكتاب 1/ 290 .

(6)  الكتاب 1/ 423.

(7) الكتاب 2/ 127.

(8)  الكتاب 1/ 3.

(9) الكتاب 1/ 3.

(10) الكتاب 1/ 3, وانظر في تعليله لرفعه 1/ 409.

(11) الكتاب 1/ 3.

(12) الكتاب 1/ 5.

(13) الكتاب 1/ 6.

(14) الكتاب 1/ 6.

(15) الكتاب 1/ 7.

(16) الكتاب 1/ 51.

(17) الكتاب 1/ 99.

(18) الكتاب 1/ 331.

(19) الكتاب 1/ 449.

(20) الكتاب 1/ 138.

(21) الكتاب 2/ 129.

(22) الكتاب 2/ 130 ، 380 .

(23) الكتاب 2/ 243.

(24) الكتاب 1/ 45.

(25) الكتاب 1/ 55 وما بعدها.

(26) الكتاب 1/ 118.

(27) الكتاب 1/ 188.

(28) الكتاب 1/ 279، 300 .

(29) الكتاب 1/ 28.

(30) الكتاب 1/ 342.

(31) الكتاب 1/ 72.

(32) الكتاب 1/ 97.

(33) الكتاب 1/ 158، 159.

(34) الكتاب 1/ 205.

(35) الكتاب 1/ 79.

(36) الكتاب 1/ 299 وما بعدها.

(37) المزهر للسيوطي "طبعة عيسى البابي الحلبي" 2/ 4.

(38) الكتاب 2/ 348.

(39) الكتاب 2/ 369.

(40) الكتاب 2/ 370 .

(41) الكتاب 2/ 183, وقابل بـ 2/ 69.

(42) الكتاب 2/ 206.

(43) الكتاب 2/ 210 .

(44) الكتاب 2/ 215.

(45) الكتاب 2/ 69 وما بعدها.

(46) الكتاب 2/ 8.

(47) الكتاب 2/ 392.

(48) الكتاب 2/ 402.

(49) الكتاب 2/ 218.

(50) شعاعه: متفرقه.

(51) أغفاله: جمع غفل, وهو ما لا سمة له.

(52) خلج: جذب، أشطانه: جمع شطن, وهو الحبل الطويل.

(53) بعج: فتق.

(54) أفاء الفوارد: رجع الشوارد.

(55) الخصائص 1/ 308.