النحو التوليدي
مصطلح النحو التوليدي الذي أدخله تشومسكي في علم اللغة في منتصف الخمسينات يستخدم اليوم لمعنيين مختلفين إلى حد ما. المعنى الأصلي الأضيق والأكثر تقنية يشير إلى القوانين التي تحدد أنواعا مختلفة من النظم اللغوية، وهو ما نعنيه بالنحو التوليدي في هذا القسم.
ص176
والمعنى الثاني الأكثر اتساعا الذي سنستخدم له مصطلح "التوليدية" يشير إلى الهيكل الكلي للافتراضات المنهجية والنظرية حول بنية اللغة وسنرجئ، مناقشته حتى الفصل السابع، ولا يعد تشومسكي مؤسس النحو التوليدي في شكله المستخدم بصورة أكثر اتساعا في علم اللغة فحسب ولكنه يعد أيضا المتحدث الرسمي باسم التوليدية، ولم يقتصر دوره المؤثر على علم اللغة وإنما تعداه إلى تخصصات أخرى، وجدير بالذكر أنه من الصعوبة أن تكون من أتباع التوليدية دون أن تهتم بالنحو التوليدي لكن من الممكن تماما أن تكون مهتما بالنحو التوليدي دون أن تقر بمبادئ النظرية اللغوية والمنهج اللذان يعدان أهم ما يميز التوليدية.
والنحو التوليدي مجموعة من القوانين التي تجري على مفردات محدودة من الوحدات تولد مجموعة "محدودة أو غير محدودة" من سلاسل الوحدات "كل سلسلة تتركب من عدد محدود من الوحدات" ومن ثم تعين كل سلسلة من الوحدات تكون صحيحة التركيب في اللغة التي يميزها هذا النحو، ونظم النحو التوليدي موضع اهتمام اللغويين سوف تخصص أيضا لكل سلسلة من الوحدات صحيحة البنية "وبصفة أخص لكل جملة" تولدها هذه النظم وصفا بنيويا مناسبا، وتعريف "النحو التوليدي" الذي عرضناه هنا أعم في جانب من جوانبه إذ ما قورن بتعريف تشومسكي، فهو يستخدم مصطلح "سلسلة وحدات "syntagm" بينما يستخدم تشومسكي مصطلح "سلسلة" "string" أو تسلسل "sequence"، وسلسلة الوحدات تركيب من الوحدات النحوية "أو من العناصر في الفونولوجيا" وليس من الضروري أن تكون مرتبة ترتيبا تسلسليا، وبرغم ذلك عرف تشومسكي الجمل والتعبيرات بأنها سلاسل ذات بنية وهو منطقي تماما ويتطابق في الواقع مع التصورات التقليدية،
ص177
الجمل تعد كما لو كانت سلاسل من الوحدات أي: مجموعات من الوحدات جمعت معا في بنية معينة، وما يسميه النحو التقليدي اختلافا في البنية يحدده في النحو التوليدي الاختلاف الموجود في الوصف البنيوي المرتبط به.
ومصطلح يولد "generate" يستخدم هنا بمعناه المطابق لاستخدامه في الرياضيات، ولكي نوضح ذلك هب أن × يمكن أن تأخذ قيمة أي عدد من الأعداد الطبيعية "1، 2، 3....."، فإن وظيفة *+*+1 "التي يمكن أن نعتبرها مجموعة من القوانين أو العمليات" تولد المجموعة "3، 7، 13..."(1)، وهذا بالمعنى التجريدي، أو الثابت للمصطلح الوارد في "إن قوانين نحو توليدي ما تولد جمل لغة ما، ولسنا في حاجة إلى التعمق في الرياضيات، والنقطة الهامة أن "يولد" بهذا المعنى لا يرتبط بأي خطوة من خطوات إنتاج الجملة في وقت حقيقي من قبل المتكلم "أو الماكينات"، فالنحو التوليدي هو المواصفات الواضحة وضوح الرياضيات للبنية النحوية الخاصة بالجمل التي يولدها.
ولا يحصر التعريف السابق إمكانية تطبيق النحو التوليدي على اللغات الطبيعية، فهذا التعريف في الواقع لا يعني ضمنا أن النحو التوليدي له أي ارتباط وثيق على الإطلاق بوصف اللغات الطبيعية، ومجموعات سلاسل الوحدات التي يصورها النحو التوليدي على أنها لغات هي ما يدعوها المناطقة باللغات الشكلية، وكل سلسلة ممكنة إما تكون صحيحة التركيب أو غير صحيحة التركيب، وليس هناك سلاسل من الوحدات ذات حالة وسطى، وأكثر من
ص178
ذلك فإن كان سلسلة من الوحدات صحيحة البنية لها بنية محددة بشكل تام يحددها الوصف البنيوي الذي يخصصه لها النحو، وليس من الواضح أن اللغات الطبيعية لغات شكلية بهذا المعنى، وكثير من اللغويين يقولون إنها ليست كذلك.
ولا يعني هذا أن اللغات الشكلية لا يمكن أن تكون نماذج للغات الطبيعية، ويكفي أن خاصة الصحة النحوية إن لم تكن محددة تماما فإنها من الممكن أن تحدد بطريقة استقرائية داخل حدود مقبولة، ومثل هذه الخصائص البنيوية تعد أيضا مبنى لنموذج يجب أن يميز في أي لغة طبيعية تكون اللغة الشكلية موضع البحث نموذجا لها، وكلمة نموذج هنا تستخدم بالمعنى الذي يمكن أن يتحدث به خبير الاقتصاد عن نموذج ما لنقل نموذج المنافسة غير السليمة أو الذي يمكن أن يتحدث به كيميائي عن نموذج البنية الذرية، وفي كلتا الحالتين يتضمن النموذج تجريدا، ومثالية، وكذلك الأمر في علم اللغة، وعلم اللغة البحت التزامني النظري الذي يهتم بالخصائص الأساسية للنظم اللغوية يمكن أن يتحمل إهمال الكثير من التفصيلات وما يتصل بالفروع الأخرى لعلم اللغة "انظر 2 - 1"، ولذلك فإن حقيقة أن اللغات الطبيعية قد لا تكون لغات شكلية لا تقف حائلا دون تطبيق النحو التوليدي في علم اللغة.
وثمة نقطة هامة نذكرها عن تعريف النحو التوليدي المذكور سلفا, فهو يسمح بوجود أنواع كثيرة من النظم النحوية وقضية علم اللغة النظري: أي نوع من تلك الأنواع الكثيرة بغير حدود من نظم النحو التوليدي يعد أفضل نموذج للبنية النحوية في اللغات الطبيعية؟ وطرح مثل هذه القضية يفترض ضمنا أن اللغات الطبيعية كلها يمكن أن يكون لها نموذج واحد من نوع واحد من النظم النحوية، وهذا الافتراض يثار بشكل عام هذه الأيام في علم اللغة النظري، وهو أحد الأسباب التي جعلت التوليد بين
ص179
يذهبون إلى أن جميع الكائنات الإنسانية قادرة من حيث الظاهر على اكتساب أي لغة طبيعية، لكن من المحتمل من حيث المبدأ أن تناسب أنواع مختلفة تماما من النحو التوليدي وصف أنواع مختلفة من اللغات الطبيعية لكن إلى الآن ليس هناك سبب يدعونا للاعتقاد بأن ذلك كذلك.
وقد برهن تشومسكي في عمله الأول على أن بعض أنواع النحو التوليدي أقوى في الحقيقة من غيرها أي: إنها تستطيع توليد كل اللغات الشكلية التي يستطيع النحو الأقل فعالية أن يولدها وكذلك التي لا يستطيع توليدها، وقد برهن بشكل خاص على أن نظم النحو "ذات الإنتاج المحدود" أقل فعالية من نظم "النحو التحويلي"(2)، والاختلاف بين تلك الأنماط الثلاثة لنظم
ص180
النحو التوليدي "التي عدها تشومسكي ثلاثة نماذج -ومعنى نموذج هنا مختلف إلى حد- للوصف اللغوي" لن نتعمق فيه هنا فهناك تفسيرات سهلة المنال في مستويات تقنية مختلفة، وكل ما نحتاج قوله في النحو "ذي الإنتاج المحدود" أنه في ظل افتراضات معينة معقولة عن البنية النظمية للغة الإنجليزية واللغات الطبيعية الأخرى أوضح تشومسكي أن اللغات الشكلية التي يولدها هذا النحو من غير الملائم أن تكون نماذج لبعض اللغات الطبيعية على الأقل، ونظم النحو "ذي الإنتاج المحدود" ليس فعالا من حيث المبدأ بما فيه الكفاية ويرجع ذلك على نطاق واسع إلى أن نماذج الإنتاج المحدود التي أسسها علماء النفس السلوكيين في الخمسينات من هذا القرن قد عني تشومسكي بإثبات أنه من غير المناسب أن تعد نماذج للبنية النحوية للغة.
والنحو التحويلي -على الجانب الآخر- فعال بشكل مؤكد من حيث المبدأ بما فيه الكفاية لأن يكون نماذج للوصف النحوي في نظم اللغات الطبيعية، لكن هناك كل أنواع النحو التحويلي، والمفارقة التي يمكن أن تبدو من الوهلة الأولى أن بعضها -وربما كلها- ذات فعالية كبيرة، وهي تسمح بصياغة قوانين لا تستخدم أبدا -حسب علمنا- في وصف أي لغة من اللغات الطبيعية، وما يعد مثاليا -وهو محور التوليدية- أن المرء يرغب في نمط النحو التوليدي الذي هو من القوة الكافية لأن يعكس بصورة مباشرة وواضحة خصائص البنية النحوية للغات الطبيعية المتفق بشكل عام على أنها جوهرية
ص181
بالنسبة لها، ورغم أن نمطا معينا من النحو التحويلي قد صاغه تشومسكي في منتصف الخمسينات وعدل مرات عديدة منذ ذلك الوقت وما زال مهيمنا على نظم الجملة النظري لعشرين عاما فإن دور القوانين النحوية كانت دائما محدودة، ومستقبل النحو التحويلي في حد ذاته "وليس النحو التوليدي" موضع شك في الوقت الراهن.
وقد وجه تشومسكي اهتماما معينا منذ البداية إلى خاصتين في اللغة الإنجليزية واللغات الطبيعية الأخرى يجب وضعهما في الاعتبار عند البحث عن النوع الصحيح للنحو التوليدي، وهاتان الخاصتان هما: التكرار ومكون البنية "انظر 4 - 5" وكلتاهما تنعكس بشكل واضح ومباشر في نحو البنية النظمية، "وتنعكسان كذلك في النحو التحويلي التشومسكي الذي يمكن وصفه بشكل تقريبي بأنه نحو البنية النظمية مع إضافة تحويلية، وفي الواقع إن القانونين "3"، و"5" في "4-5" إضافة في تصميم قوانين البنية النظمية، ووظيفتهما، توليد سلاسل الرموز ويخصص لكل واحد منهما تقويس ذو إشارات من النوع الذي أوضحناه من قبل انظر "6"، "8" في "4-5"، ومثل هذه التقويسات ذات الإشارات يشار إليها باعتبارها علامات التعبيرة، وحيث إن نظم نحو البنية النظمية صيغت في إطار أعم من نظم "نحو السلاسل" "أي: نظم النحو التي تولد سلاسل من الوحدات" فإن علامة التعبيرة لا تمثل فقط مكون البنية في سلسلة الوحدات وصنف الصيغة في كل مكون لكنها تمثل أيضا ترتيبها المتسلسل الذي يربط الواحد منها مع الآخر.
وما دمنا بصدد كتاب أساسي بهذه الطبيعة فلن نتعمق في الاختلافات الفنية بين نوع وآخر من النحو التوليدي، ومن ثم لن نطور صياغة النحو المعروف باسم نحو "البنية النظمية" أو طريقة عمله، وما نحتاج التأكيد
ص182
عليه هنا أنه ربما كانت هناك فوائد لنوع من النحو التوليدي لا تكون للآخر، وأنه ليس من الواضح -حتى الآن على الأقل- أي: نوع من أنواع النحو التوليدي التي تم تصميمها وبحثها يعد أفضل نموذج للوصف النحوي في اللغات الطبيعية، وعلى الرغم من وجود وجهة نظر شاعت لسنوات عديدة مؤداها أن بعض أشكال النحو التحويلي تؤدي هذ الغرض بأفضل ما يكون الأداء "حتى إن المصطلحين: "النحو التوليدي"، و"النحو التحويلي" اعتبرا -على نحو متكرر- مترادفين" فإن العمل الحديث يبدي تشككه في صحة المناقشات التي قادت تشومسكي وغيره إلى هذه النتيجة.
183
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فعندما تكون × = 1 فإن ×2 + × + 1 = 21 + 1 + 1
= 3، وعندما تكون × = 2 فإن ×2 + × + 1 = 22 + 2 + 1
= 7، وعندما تكون × = 3 فإن ×2 + × + 1 = 23 + 3 + 1
= 13 وهكذا.
(2) التحويل "transformation" عملية لغوية شكلية تمكن مستويين من التمثيل البنيوي من أن يكونا في موضع تناظر، ويتكون القانون التحويلي "Transformational rule" من سلسلة من الرموز التي أعيد كتابتها باعتبارها سلسلة أخرى وفقا لتقاليد وأعراف معينة، والطرف الأيمن للقانون يعد وصفا بنيويا أو تحليلا بنيويا، والنحو الذي يعمل مستخدما هذه القوانين هو النحو التحويلي التوليدي، ويرمز له بـ "T. G. G" وناقشه لأول مرة تشومسكي في كتابه "Syntactic Struetures" الصادر عام 1957 باعتباره صورة توضيحية للأداة التوليدية وهو أكثر فعالية من النوعين phrase structure grammars Finite - state grammars" وقد قدمت نماذج عديدة من النحو التحويلي منذ أول تخطيط رئيسي له بيد أن النموذج القياسي قدمه تشومسكي في كتابه "Aspects of the theory of syntax" ويتكون من ثلاثة مكونات:
1- المكون النحوي ويتضمن مجموعة أساسية من قوانين البنية النظمية أو قواعد تركيب أركان الجملة "phrase structrue grammar", وتقدم مع المعلومات المعجمية المعلومات الخاصة بالبنية التحتية للجمل ومجموعة القوانين لتوليد الأبنية السطحية
2- المكون الفونولوجي ويحول تتابعات العناصر النحوية إلى قول يمكن النطق به.
3- المكون الدلالي ويقدم تمثيلا لمعنى المفردات المعجمية كيما تستخدم في الجملة.
والطرق التي تترابط بها هذه المكونات ترابطا داخليا موضع جدل منذ ظهور كتاب تشومسكي وقد طورت نماذج تحليلية بديلة.
الاكثر قراءة في المستوى النحوي
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة