التوحيد
النظر و المعرفة
اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته
صفات الله تعالى
الصفات الثبوتية
القدرة و الاختيار
العلم و الحكمة
الحياة و الادراك
الارادة
السمع و البصر
التكلم و الصدق
الأزلية و الأبدية
الصفات الجلالية ( السلبية )
الصفات - مواضيع عامة
معنى التوحيد و مراتبه
العدل
البداء
التكليف
الجبر و التفويض
الحسن و القبح
القضاء و القدر
اللطف الالهي
مواضيع عامة
النبوة
اثبات النبوة
الانبياء
العصمة
الغرض من بعثة الانبياء
المعجزة
صفات النبي
النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
الامامة
الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها
صفات الأئمة وفضائلهم
العصمة
امامة الامام علي عليه السلام
إمامة الأئمة الأثني عشر
الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف
الرجعة
المعاد
تعريف المعاد و الدليل عليه
المعاد الجسماني
الموت و القبر و البرزخ
القيامة
الثواب و العقاب
الجنة و النار
الشفاعة
التوبة
فرق و أديان
علم الملل و النحل ومصنفاته
علل تكون الفرق و المذاهب
الفرق بين الفرق
الشيعة الاثنا عشرية
أهل السنة و الجماعة
أهل الحديث و الحشوية
الخوارج
المعتزلة
الزيدية
الاشاعرة
الاسماعيلية
الاباضية
القدرية
المرجئة
الماتريدية
الظاهرية
الجبرية
المفوضة
المجسمة
الجهمية
الصوفية
الكرامية
الغلو
الدروز
القاديانيّة
الشيخية
النصيرية
الحنابلة
السلفية
الوهابية
شبهات و ردود
التوحيـــــــد
العـــــــدل
النبـــــــوة
الامامـــــــة
المعـــاد
القرآن الكريم
الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)
الزهراء (عليها السلام)
الامام الحسين (عليه السلام) و كربلاء
الامام المهدي (عليه السلام)
إمامة الائمـــــــة الاثني عشر
العصمـــــــة
الغلـــــــو
التقية
الشفاعة والدعاء والتوسل والاستغاثة
الاسلام والمسلمين
الشيعة والتشيع
اديان و مذاهب و فرق
الصحابة
ابو بكر و عمر و عثمان و مشروعية خلافتهم
نساء النبي (صلى الله عليه واله و سلم)
البكاء على الميت و احياء ذكرى الصاحين
التبرك و الزيارة و البناء على القبور
الفقه
سيرة و تاريخ
مواضيع عامة
مقالات عقائدية
مصطلحات عقائدية
أسئلة وأجوبة عقائدية
التوحيد
اثبات الصانع ونفي الشريك عنه
اسماء وصفات الباري تعالى
التجسيم والتشبيه
النظر والمعرفة
رؤية الله تعالى
مواضيع عامة
النبوة والأنبياء
الإمامة
العدل الإلهي
المعاد
القرآن الكريم
القرآن
آيات القرآن العقائدية
تحريف القرآن
النبي محمد صلى الله عليه وآله
فاطمة الزهراء عليها السلام
الاسلام والمسلمين
الصحابة
الأئمة الإثنا عشر
الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
أدلة إمامة إمير المؤمنين
الإمام الحسن عليه السلام
الإمام الحسين عليه السلام
الإمام السجاد عليه السلام
الإمام الباقر عليه السلام
الإمام الصادق عليه السلام
الإمام الكاظم عليه السلام
الإمام الرضا عليه السلام
الإمام الجواد عليه السلام
الإمام الهادي عليه السلام
الإمام العسكري عليه السلام
الإمام المهدي عليه السلام
إمامة الأئمة الإثنا عشر
الشيعة والتشيع
العصمة
الموالات والتبري واللعن
أهل البيت عليهم السلام
علم المعصوم
أديان وفرق ومذاهب
الإسماعيلية
الأصولية والاخبارية والشيخية
الخوارج والأباضية
السبئية وعبد الله بن سبأ
الصوفية والتصوف
العلويين
الغلاة
النواصب
الفرقة الناجية
المعتزلة والاشاعرة
الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب
أهل السنة
أهل الكتاب
زيد بن علي والزيدية
مواضيع عامة
البكاء والعزاء وإحياء المناسبات
احاديث وروايات
حديث اثنا عشر خليفة
حديث الغدير
حديث الثقلين
حديث الدار
حديث السفينة
حديث المنزلة
حديث المؤاخاة
حديث رد الشمس
حديث مدينة العلم
حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه
احاديث متنوعة
التوسل والاستغاثة بالاولياء
الجبر والاختيار والقضاء والقدر
الجنة والنار
الخلق والخليقة
الدعاء والذكر والاستخارة
الذنب والابتلاء والتوبة
الشفاعة
الفقه
القبور
المرأة
الملائكة
أولياء وخلفاء وشخصيات
أبو الفضل العباس عليه السلام
زينب الكبرى عليها السلام
مريم عليها السلام
ابو طالب
ابن عباس
المختار الثقفي
ابن تيمية
أبو هريرة
أبو بكر
عثمان بن عفان
عمر بن الخطاب
محمد بن الحنفية
خالد بن الوليد
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
عمر بن عبد العزيز
شخصيات متفرقة
زوجات النبي صلى الله عليه وآله
زيارة المعصوم
سيرة وتاريخ
علم الحديث والرجال
كتب ومؤلفات
مفاهيم ومصطلحات
اسئلة عامة
أصول الدين وفروعه
الاسراء والمعراج
الرجعة
الحوزة العلمية
الولاية التكوينية والتشريعية
تزويج عمر من ام كلثوم
الشيطان
فتوحات وثورات وغزوات
عالم الذر
البدعة
التقية
البيعة
رزية يوم الخميس
نهج البلاغة
مواضيع مختلفة
الحوار العقائدي
* التوحيد
* العدل
* النبوة
* الإمامة
* المعاد
* الرجعة
* القرآن الكريم
* النبي محمد (صلى الله عليه وآله)
* أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)
* فضائل النبي وآله
* الإمام علي (عليه السلام)
* فاطمة الزهراء (عليها السلام)
* الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء
* الإمام المهدي (عجل الله فرجه)
* زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)
* الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم
* العـصمة
* التقيــة
* الملائكة
* الأولياء والصالحين
* فرق وأديان
* الشيعة والتشيع
* التوسل وبناء القبور وزيارتها
* العلم والعلماء
* سيرة وتاريخ
* أحاديث وروايات
* طُرف الحوارات
* آداب وأخلاق
* الفقه والأصول والشرائع
* مواضيع عامة
القول بأن النبي والأئمة يستقلون في العلم بالغيب من الغلو
المؤلف: الدكتور عبد الرسول الغفار
المصدر: شبهة الغلو عند الشيعة
الجزء والصفحة: 135- 158
6-1-2019
1868
الغيب نقيض الشهادة ، يصدق على ما يقع عليه الحس وهو الباري سبحانه وآياته الكبرى الغائبة عن حواسنا كالوحي والقيامة وأهوالها والقبر وعذابه ...
اختلف العلماء في القوة المدركة وهل يقتصر الإدراك على الحس أم يتعداه إلى العقل ليؤمن بالأشياء التي خفيت عليه وقصرت الحواس الخارجية عن إدراكها؟ أغلب القدماء وحكماء المسلمين جوزوا التأويل على الحس والعقل معاً ، بل قالوا إن البرهان العلمي لا يشمل المحسوس ، وهذا ما يخالف علماء الطبيعة القائلون بالملاحظة والتجربة وإنما تدرك الأشياء عندهم من خلال الحواس ، لذا لا يعتمدون على غيره ، ودللوا على صحة مقولتهم بعدة أدلة منها : قالوا إن العقل كثيراً ما يعتريه الخطأ في التفكير وبالتالي الخطأ في البرهان ، أما الأسلوب الصحيح الذي يعتمده في نتائجه على الملاحظة والإستقراء والتجرية على أن هذا الدليل واه جداً ، لأن العقل إذا كان يخطأ أحياناً فهذا لا يعني تعطيله وعدم الاعتماد عليه مطلقاً ، كما أن الحواس هي الأخرى قد لا تصيب الواقع بالملاحظة والتجربة والقرآن يؤكد لنا هذه الصورة وذلك أن الظمآن يشاهد من بعيد السراب فيحسبه ماء ... وهو توهم وخيال غير قابل الاعتماد ، وهكذا بقية الحواس فلا شك من وقوع الخطأ في تشخيصها الخارجي.
ثم أن موضوع الخطأ والصواب تشترك فيه مقدمات حية ليستنتج منها كليات عقلية قابلة للاحتجاج كالقياس المنطقي لعملية استقراء شامل.
علم الغيب مختص بالله سبحانه ، كما أن مفتاح الغيب وخزائن الغيب هي عند الله تعالى ، قال عز من قائل : {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] وقال تعالى : {وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [المنافقون: 7] وقال تعالى : {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ } [الأنعام: 73].
ثم علمه سبحانه لا يقتصر على الغيب أو الشهادة بل إنه عام كلي يشمل هذا وذاك وغيره قوله تعالى : {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [الأنعام: 59].
لقد أدرك الإنسان الأشياء الشاخصة المحسوسة بقواه وإدراكاته الحسية وما عداها فهي أما غائبة عنه وأما هي غيب وسبحانه قد أحاط علمه بكل هذه الأقسام وقبل ان تقع ، قوله تعالى : {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ } [الحجر: 21].
والغيب قد يكون مطلقاً بحيث لا يمكن معرفته وإنما علمه عند الله سبحانه ، وقد يكون الغيب نسبياً ، وذلك ما غاب عنا ولم تدركه حواسنا الآن كبعض مجاهيل البحار وغرائب مخلوقاته وبعض الحقائق التي ممكن معرفتها فيما لو توفرت لها مقدماتها الخاصة وتهيأت لها الإستعدادات الكاملة.
ثم إن الإنسان المحدود في الأبعاد ، والحواس والإدراك كيف يستطيع أن يدرك المطلق الذي يحده زمان ولا مكان؟ والإنسان والمخلوق العاجز كيف يستطيع أن يدرك كل ما غاب عنه وخفي؟
فالغيب شيء خارج عن حد الإنسان. كما أن العلم الذي يكسبه العبد بأي وسيلة كانت ومهما بلغ ، فلا يستطيع أن يحيط بكل العلوم والمعارف الإكتسابية فكيف به أن يحيط بالعلم اللدني؟!.
أما سبحانه فيعلم الغيب لأنه غير محدود الوجود ، وهو بكل شيء محيط فلا يمتنع شيء عنه فما امتنع علينا فهو غيب لا نعرفه ، ولا يصدق شيء من هذا الامتناع علي الباري ، فلا يكون غيباً بالنسبة إليه ، بل كل شيء قد أحصاء علمه ...
وهذا العلم الذي استأثره الله لنفسه ، قد يظهر بعضه لأنبيائه ورسله ، فالوحي غيب ، وكثيراً ما يخبر الرسول أو النبي (صلى الله عليه واله) عن أمور لم تقع أو ستقع في القريب العاجز أو في البعيد الآجل ، فهذا من علم الله الذي استأثره لنفسه وقد أظهر لعبده المختار للنبوة والرسالة وهذا الإظهار نوع كرامة وتأييد بل إنه نوع معجزة للتدليل على صدق الرسول والرسالة ...
قال تعالى : { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27] ، إذاً سبحانه وتعالى يعلم الغيب بالأصالة وأنه يعلم لذاته ، وغيره ـ النبي وسائر المعصومين ـ يعلمون بالتبعية أي أنهم يعلمون بعض ذلك الغيب بتعليم من الله سبحانه.
وشأن العلم هنا يساوق التوفي ويضارعه ، فإن التوفي ينسب إلى الله تعالى أصالة ، قوله سبحانه: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ} [الزمر: 42] وقوله تعالى : {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] وقوله تعالى : {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ } [النحل: 70] فهذه وغيرها من الآيات صريحة أن التوفي من قبل الله تعالى هو بالأصالة لكن لا ينافي لو نسب التوفي إلى الملائكة إلا أنه على نحو التبعية والتكليف من قبل المولى لكونهم أسباباً متوسطة مسخرة له يعلمون بأمره ولا يحيدون عنه ، قوله تعالى : {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة: 11] وقوله تعالى : {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ } [النحل: 28].
وعلى هذا التقرير فإن الأنبياء والرسل والأولياء إذا علموا من الغيب شيئاً فإنما هو على نحو التبعية ، وبتعليم منه تعالى لمن ارتضى من رسول ، والذي يؤكد هذا المعنى قوله تعالى : {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} [الأحقاف: 9].
ولا يخفى أن الوحي هو من علم الغيب الذي ينزله الله على أنبيائه ورسله ليكون الوحي جزءاً مهماً من حياة الرسالة الرسول الذي سوف يؤدي إلى تبليغ رسالة السماء العادلة وبها يهتدي المهتدون ويضل من أبى.
فما يخبر بها النبي عن طريق الوحي هو من العلم الذي استأثره الله وبالتالي هو غيب أظهره الله لنبيه قوله تعالى : {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 44] وقوله تعالى : {فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ} [الشعراء: 6] وقوله تعالى : {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا ... } [التحريم: 3].
وهذا المقياس لا يقتصر على النبي بل يدخل فيه الرسول والإمام ... لأنك عرفت أن النبي خارج عن الاستثناء في الآية الشريفة حيث أن النبي ينزل عليه الوحي وينبأه بما يريد سبحانه وهذا من سنخ الغيب أظهره الله لتعليم نبيه والنبي يعلمه بالتبعية لأنه مكلف بأداء الرسالة فهو الوسيط بين الله والناس وأما الرسول فإنه مستثنى بالآية الشريفة : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].
فما كان للنبي ـ معرفته للغيب ـ بالتبعية ، صار إلى الأئمة : بالوراثة فهم : يعلمون الغيب بهذا المقدار. ولا أعني بالوراثة هو تعليم النبي (صلى الله عليه واله) لهم فحسب ، بل كل ما ورثوه منه وما نالوه بواسطة المحادثة والنقر في الأسماع والإلهام وغير ذلك (1).
كتب الإمام الرضا رسالة قال فيها : قال علي بن الحسين (عليه السلام) أن محمداً (صلى الله عليه واله) كان أمين الله في أرضه فلما قبض محمد (صلى الله عليه واله) كنا أهل البيت ورثته ونحن أمناء الله في أرضه عندنا علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ومولد الإسلام وأنا لنعرف الرجل إذا رأيناه ، بحقيقة الإيمان وحقيقية النفاق وأن شيعتنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم أخذ الله علينا وعليهم الميثاق يردون موردنا ويدخلون مدخلنا نحن النجباء وإفراطنا إفارط الانبياء نحن أبناء الأوصياء ونحن المخصوصون في كتاب الله ونحن أولى الناس بالله ونحن أولى الناس بكتاب الله ونحن أولى الناس بدين الله ونحن الذين شرع لنا دينه فقال في كتابه شرع لكم ـ يا آل محمد ـ من الدين ما وصى به نوحاً. وقد وصنا بما أوصى به نوحاً والذي أوحينا إليك ـ يا محمد ـ وما وصينا بما أوصى به نوحاً والذي أوحينا إليك ـ يا محمد ـ وما وصينا به إبراهيم وإسماعيل وموسى وعيسى وإسحاق ويعقوب فقد علمنا وبلغنا ما علمنا واستودعنا علمهم ، نحن ورثة الأنبياء ونحن ورثة أولي العزم من الرسل أن أقيموا الدين ـ يا آل محمد ـ ولا تفرقوا فيه وكونوا على جماعة كبر على المشركين من أشرك بولاية علي ما تدعوهم إليه من ولاية علي أن الله ـ يا محمد ـ يهدي إليه من ينيب من يجيبك إلى ولاية علي(عليه السلام). (2).
صرح الإمام (عليه السلام) أنهم أهل البيت ورثة النبي وأمناء الله في الأرض وعندهم علم البلايا والمنايا وأنساب العرب ... وغير ذلك من العلوم التي ورثوها من علم النبي (صلى الله عليه واله) ، والنبي علمه من الوحي من الله الذي علمه بعض الغيب فأظهره له ، فكان يعرفه بالتبعية لا بالأصالة.
وهذا العلم لو انتقل إلى الأئمة المعصومين أبناء رسول الله (صلى الله عليه واله) وأمنائه على دينه لم يكن فيه أي ضير ولا ينافي أصل العقيدة التي أثبتناها قبل قليل ، فأي بدعة فيه؟!
وهل تعتقد أن ذلك غلو في حق الأئمة ؟!
بل هم أكثر من ذلك لو عرفنا حقيقتهم ومنزلتهم عند الله سبحانه وتعالى ، وقد أشار الباري جل وعلا فقال : {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24] فهم أولى من غيرهم بهداية الناس. وهم أولى من غيرهم بالصبر وهم أولى من غيرهم باليقين في آياته ...
نعم في الغلو لو قلنا أنهم يعلمون الغيب على وجه الإطلاق أو كونه بالأصالة والاستقلالية ، وهذا ما تقره الشيعة الإمامية الإثنا عشرية. والأئمة : نفوا عن أنفسهم هذه المرتبة وأغلظوا على من قال به ممن انتحل التشيع ، وأظهر حبه لهم ، بل ولعنده وأمروا الناس بلعنه. والأخبار في هذا الجانب كثيرة ، منها التوقيع الصادر عن الإمام الحجة ( عج ) حيث نفى ذلك الاعتقاد وتلك الرتبة التي قال بها الغلاة من الفرق التي أحدثتها السياسة القائمة آنذاك وساعدت الظروف على نموها إذ قال الإمام (عليه السلام) : إني بريء إلى الله وإلى رسوله ممن يقول إنا نعلم الغيب ونشاركه في ملكه ...
وكذلك الخبر الوارد عن أبي بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) لما سأله عن مقالة بعض الغلاة فقال له يقولون : تعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق الشجر ووزن ما في البحر وعدد التراب ...
فأجابه الإمام (عليه السلام) ... والله ما يعلم هذا إلا الله.
وهكذا سنورد بعض الأخبار التي تنتفي عنهم ما كان من مختصات الباري وتثبت بعض ما كان لهم والذي حصلوه عن جدهم بالوراثة كما يرث سائر الناس من آبائهم وأجدادهم مع الفارق حيث يرث الناس الأموال وبعض الذخائر المادية والمعنوية ، أما الأئمة المعصومون ، فإنهم ورثوا العلم والهيبة والوقار والكمالات الروحية والبدنية ...
عن سدير الصيرفي قال : سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله عز وجل : { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [البقرة: 117] قال أبو جعفر (عليه السلام) : إن الله عز وجل ابتدع الأشياء كلها بعلمه على غير مثال كان قلبه ، فابتدع السماوات والأرضيين ولم يكن قبلهن سموات ولا أرضون ، أما تسمع لقوله تعالى : {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: 7] ؟ فقال له حمران : أرأيت قوله جل ذكره : {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا } [الجن: 26] فقال أبو جعفر (عليه السلام) : ( إلا من ارتضى من رسول ) ، كان الله محمد ممن ارتضاه ، وأما قوله تعالى : ( عالم الغيب ) فإن الله عز وجل عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شيء ، ويقضيه في علمه قبل أن يخلقه وقبل أن يفضيه إلى الملائكة ، فذلك يا حمران ، علم موقوف عنده إليه فيه الشيئة ، فيقضيه إذا أراد ويبدو له فيه فلا يمضيه ، فأما العلم الذي يقدره الله عز وجل فيقضيه ويمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) ثم إلينا (3).
الإمام سلام الله عليه في حديثه مع حمران يفرق بين العلم الذي استأثره الله لنفسه ، وهو الذي إن شاء يمضيه وإن لم يشاء لن يمضيه. هذا علم خاص به ، وبين العلم الذي قدره وأمضاه ، وهذا قد ينتهي إلى الرسول ومنه (صلى الله عليه واله) إلى الأئمة.
وعن سدير أيضاً قال : كنت أنا وأبو بصير ويحيى البزاز وداود بن كثير في مجلس أبي عبد الله (عليه السلام) إذا خرج إلينا وهو مغضب ، فلما أخذ مجلسه قال : يا عجباً لأقوام يزعمون أنا نعلم الغيب ، ما يعلم الغيب إلا الله عز وجل ، لقد هممت بضرب جاريتي فلانة فهربت مني فما علمت أي بيوت الدار هي ، قال سدير : فلما أن قام من مجلسه وصار في منزله دخلت أنا وأبو بصير ومسير وقلنا له : جعلنا فداك سمعناك وأنت تقول كذا وكذا في أمر جاريتك ونحن نعلم أنك تعلم عملاً كثيراً ، ولا ننسبك إلى علم الغيب ، قال : فقال : يا سدير ، ألم تقرأ القرآن؟ قلت : بلى ، قال فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل : {قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40] قال : قلت جعلت فداك قد قرأته ، قال : فهل عرفت الرجل؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟ قال : قلت أخبرني به؟ وهل علمت ما كان عنده من علم الكتاب؟ قال : قلت أخبرني به؟ قال قدر قطرة من الماء في البحر الأخضر فما يكون ذلك من علم الكتاب؟! قال : قلت جعلت فداك ما أقل هذا فقال : يا سدير ما أكثر هذا ، أن ينسبه الله عز وجل إلى العلم الذي أخبرك به ، يا سدير فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل أيضاً : {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [الرعد: 43] قال : قلت جعلت فداك ما أقل هذا فقال يا سدير : ما أكثر هذا ، وأن ينسبه الله عز وجل إلى العلم الذي أخبرك به يا سدير ، فهل وجدت فيما قرأت من كتاب الله عز وجل أيضاً : {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ } [الرعد: 43] (4) قال : فقلت : قد قرأته جعلت فداك ، قال : أفمن عنده علم الكتاب كله أفهم أم من عنده علم الكتاب بعضه؟ قلت : لا ، بل من عنده علم الكتاب كله ، قال : فأوما بيده إلى صدره وقال : علم الكتاب والله كله عندنا علم الكتاب والله كله عندنا (5).
وعن عمار السباطي قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : نزل جبرائيل على محمد (صلى الله عليه واله) برمانتين من الجنة ، فلقيه علي (عليه السلام) فقال : ما هاتان الرمانتان اللتان في يدك؟ فقال : أما هذا فالنبوة ، ليس لك فيها نصيب ، وأما هذا فالعلم ثم فلقها رسول الله (صلى الله عليه واله) بنصفين فأعطاه نصفها وأخذ رسول الله (صلى الله عليه واله) نصفها ثم قال : أنت شريكي فيه وأنا شريكك فيه ، قال : فلم يعلم والله رسول الله (صلى الله عليه واله) حرفاً مما علمه الله عز وجل إلا وقد علمه علياً ثم انتهى العلم إلينا ، ثم وضع يده على صدره (6).
يستفاد من الحديث عدة أمور منها :
1 ـ أن النبوة مختصة بالرسول محمد (صلى الله عليه واله) وليس للإمام علي نصيب فيها وهذا خير ذليل للرد على من غلا في حق أمير المؤمنين وأبنائه الطاهرين.
2 ـ أن علم الرسول عند الإمام أمير المؤمنين ، وقد صار إليه أما بتعليم وأما بوراثة أو بطريق ما.
3 ـ ما كان عند الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) انتقل إلى ولده المعصومين وكان الإمام أبي جعفر واحداً منهم حيث أشار إلى صدره.
عن المفضل بن عمر قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : روينا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنا قال : إن علمنا غابر ومزبور ونكت في القلوب ونقر في الاسماع ، فقال أما الغابر فما تقدم من علمنا ، وأما المزبور فما يأتينا ، وأما النكت في القلوب فإلهام وأما النقر في الأسماع فامر الملك (7).
في الحديث إشارة إلى نوع العلم وأقسامه ، وإلى طريق أخذ العلم فنوع العلم قسمان ما كان وما يكون. أما كيفية أخذه فيتم أما بطريق الإلهام ، وأما بطريق أمر الملك.
الطبرسي في الاحتجاج يذكر التوقيع الذي خرج عن صاحب الزمان (عليه السلام) رداً على الغلاة لكتاب كتبه محمد بن علي بن هلال الكوفي إليه (عليه السلام) ، قال (عليه السلام) :
يا محمد بن علي تعالى الله عز وجل عما يصفون سبحانه وبحمده ، ليس نحن شركاؤه في عمله ولا في قدرته بل لا يعلم الغيب غيره كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه : {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل: 65] .
وأنا وجميع آبائي من الأولين : آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيين ومن الآخرين محمد رسول الله وعلي بن أبي طالب وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجميعن ، إلى مبلغ أيامي ومنتهى عصري عبيد الله عز وجل يقول الله عز وجل : {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} [طه: 124، 126].
يا محمد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم ، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه ، فأشد الله الذي لا إله إلا هو به شهيداً ، ورسوله محمداً (صلى الله عليه واله) وملائكته وأنبياءه وأولياءه : وأشهدك وأشهد كل من سمع كتابي هذا أني بريء إلى الله وإلى رسوله ممن يقول أنا نعلم الغيب ونشاركه في ملكه ، أو يحلنا محلاً سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له ، أو يتعدى بنا عما قد فسرته لك وبيتنه في صدر كتابي.
وأشهدكم : أن كل من نبرأ منه فإن الله يبرأ منه وملائكته ورسله وأولياؤه وجعلت هذا التوقيع الذي في هذا الكتاب أمانة في عنقك وعنق من سمعه أن لا يكتمه لأحد من موالي وشيعتي ، حتى يظهر على هذا التوقيع الكل من الموالي لعل الله عز وجل يتلافاهم فيرجعون إلى دين الله الحق ، وينتهون عما لا يعلمون منتهى أمره ، ولا يبلغ منتهاه ، فكل من فهم كتابي ولا يرجع إلى ما قد أمرته ونهيته فقد حلت عليه اللعنة من الله وممن ذكرت من عباده الصالحين (8).
نقل الكشي عن حمدويه قال : حدثنا يعقوب بن يزيد عن ابن أبي عمير عن ابن المغيرة قال : كنت عند أبي الحسن (عليه السلام) أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن (عليه السلام) فقال يحيى : جعلت فداك إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب؟ فقال سبحان الله ضع يدك على رأسي ، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة ولا في رأسي إلا قامت.
قال ثم قال : لا والله ما هي إلا وراثة عن رسول الله (صلى الله عليه واله) (9).
وبهذا الخبر يتأكد أن علمهم : إنما ورثوه من النبي (صلى الله عليه واله) وإن علم الغيب الذي هو مختص بالله ليس لهم ، بل استأثرهم الله سبحانه بفيوضات وإلهام ، والقرآن الكريم يؤكد ذلك المعنى أو المقدار المستأثر : {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن: 26، 27].
ومما يؤكد الذي قلناه الخبر المروي عن أبي عمرو عن حمدويه قال : حدثنا يعقوب عن ابن أبي عمير عن شعيب عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أنهم يقولون ، قال : وما يقولون؟ قلت يقولون تعلم قطر المطر وعدد النجوم وورق الشجر ووزن ما في البحر وعدد التراب. فرفع يده إلى السماء وقال سبحان الله سبحان الله لا والله ما يعلم هذا إلا الله (10).
والخبر المروي عن أحمد بن علي القمي السلولي ، قال : حدثني أحمد ابن محمد بن عيسى عن صفوان ، عن عنبسة بن مصعب ، قال : قال لي أبو عبد الله (عليه السلام) : أي شيء سمعت من أبي الخطاب؟
قال سعمته يقول : إنك وضعت على صدره وقلت له عه ولا تنس! وإنك تعلم الغيب وأنك قلت له : هو عيبة علمنا ، وموضع سرنا ، أمين على أحيائنا وأمواتنا.
قال : لا والله ما مس شيء من جسدي إلا يده ، وأما قوله أني قلت أعلم الغيب : فوالله الذي لا إله إلا هو ما أعلم الغيب ، ولا آجرني الله في أمواتي ولا بارك لي في أحيائي إن كنا قلت له ، قال : وقدامه وجويريه سوداء تدرج.
قال : لقد كان مني إلى أم هذه ، أو إلى هذه كخطة القلم فأتتني هذه ، فلو كنت أعلم الغيب ما كانت تأتيني.
ولقد قاسمت مع عبد الله بن الحسن حائطاً بيني وبينه ، فأصابه السهل والشراب وأصابني الجبل ، فلو كنت أعلم الغيب لأصابني السهل والشراب وأصابه الجبل. وأما قوله إني قلت له هو عيبة علمنا ، وموضع سرنا ، أمين على أحيائنا وأمواتنا ، فلا أجرني الله في أمواتي ولا بارك لي في أحيائي إي كنت قلت له شيء من هذا قط (11).
بجد فيما تقدم عبارات صريحة منهم : في نفي الغيب الذي كان يتصوره الغلاة في حقهم وهو الغيب الذاتي ، أما العرضي أو الذي يكون بالتبعية من قبيل علم النبي (صلى الله عليه واله) أو الوصايا وما ورثوه ، فهذا أمر محقق وشيء عادي بالنسبة لهم، لأن علمهم هذا ليس طويلاً قبال علم الله ، بل إنما هو في العرض يتحقق لهم. وما ورد في الأخبار أنهم يعلموم ما كان وما هو كائن إلى قيام الساعة ، أو أنهم يعلمون أسماء أصحابهم وشيعتهم وهم في الاصلاب ، وكذا يعلمون أسماء أعدائهم ويعلمون متى يموتون وأي شيء يحصل لهم من البلايا والمصائب ، وما أخبروه عن الحوادث التي تقع في المستقبل ، وأنهم يعرفون الإضمار وحديث النفس ، ويعرفون منطق الطير ولغة الحيوانات ... إلى غير ذك من العناوين التي قد يتصورها المخالف أنها من الغلو في حق الأئمة : ، بل وربما بعض المواقف أيضاً يدعيها غلواً فيهم ... فهذا الإدعاء وذاك التصور من المخالفين غير صحيح.
وأقول كل ذلك لم يكن من الغلو بشيء بل هي مراتب حقة لهم ، وأنهم عباد مكرمون أكرمهم الله بالعلم واليقين الثابت ، وليس هم أقل شأناً من النبي سليمان عندما أطاعته الريح والحيوانات والجن والطير ، ليس هم أقل شأناً من عيسى الذي كان يحيى الموتى بإذن الله!
نعم إن هؤلاء الأنبياء سلام الله عليهم امتازوا بالنبوة ونزول الوحي عليهم ، والأئمة المعصومون لم يكن لهم ذلك ، وقد ورد عنهم : أنهم قالوا : نزهونا عن الألوهية وقولوا فينا ما شئتم ، وفي بعض الأخبار يستفاد منها تنزيههم عن النبوة كذلك.
ورب سائل يسأل كيف ورثوا هذه العلوم من النبي؟ وهل علمهم كان فقط بالوراثة؟ من أن علمهم قد يكون بالوراثة وقد يكون بغيره ، فأما الأول الأخبار والروايات مستفيضة ومتواترة حتى بلغت حد الشهرة ، فإن علومهم ورثوها عن الكتب التي أملاها رسول الله (صلى الله عليه واله) على الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) والتي فيها علم كل شيء وما كان وما سيكون ، ومن الأحكام فيها تبيان كل شيء حتى ارش الخد ، وكذلك ورثوا الصحيفة الجامعة ، وورثوا مصحف فاطمة وكتاب الجفر ...
وأما القسم الثاني مع علومهم فكان بالإلهام والنقر في الأسماع و ...
عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) عن أبائه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه واله) لأمير المؤمنين اكتب ما أملي عليك ، قال علي (عليه السلام) يا نبي الله وتخاف ـ علي ـ النسيان؟
قال لست أخاف عليك النسيان وقد دعوت الله لك أن يحفظك فلا ينساك لكن اكتب لشركائك. قال: قلت ومن شركائي يا نبي الله، قال الآئمة من ولدك بهم يسقي أمتي الغيث وبهم يستجاب دعاؤهم وبهم يصرف البلاء عنهم وبهم تنزل الرحمة من السماء وهذا أولهم وأومى بيده إلى الحسن ثم أومى بيده إلى الحسين ثم قال الآئمة من ولدك (12).
عن بكر بن كرب قال كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فسمعنا ، يقول أما والله عندنا ما لا نحتاج إلى الناس وإن الناس يحتاجون إلينا إن عندنا الصحيفة سبعون ذراعاً بخط علي واملاء رسول الله (صلى الله عليه واله) فيها من كل حلال وحرام وإنكم لتأتون فتدخلون علينا فنعرف خياركم من شراركم (13).
وعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال إن عندنا صحيفة من كتب علي طولها سبعون ذراعاً فنحن نتبع ما فيها لا نعدوها ، وسألته عن ميراث العلم ما بلغ جوامع هو من العلم أم فيه تفسير كل شيء من هذه الأمور التي تتكلم فيه الناس مثل الطلاق والفرايض؟
فقال إن علياً كتب العلم كله القضاء والفرايض ، فلو ظهر أمرنا لم يكن شيء إلا فيه نمضيها (14).
وعن جابر بن يزيد الجعفي عن الباقر (عليه السلام) قال : قال أبو جعفر إن عندي لصحيفة فيها تسعة عشر صحيفة قد حباها رسول الله (صلى الله عليه واله) (15).
عن عبد الله بن سنان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول إن جبرائيل أتى رسول الله بصحيفة مختومة بسبع خواتيم من ذهب وأمر إذا حضره أجله أن يدفعها إلى علي بن أبي طالب فيعمل بما فيه ولا يجوزه إلى غيره وأن يأمر كل وصي من بعده أن يفك خاتمه ويعمل بما فيه ولا يجوز غيره (16).
وعن علي بن ميسرة عن أبي أراكة قال كنا مع علي (عليه السلام) فحدثنا أن علياً ورث من رسول الله السيف وبعض يقل البغلة ، وبعض يقول ورث صحيقة في حمائل السيف إذ خرح علي (عليه السلام) ونحن في حديثه فقال أيم الله لو انبسط ويؤذن لي لحدثتكم حتى يحول الحول لا أعبد حرفاً وأيم الله إن عندي لصحف كثيرة قطايع رسول الله (صلى الله عليه واله) وأهل بيته وإن فيها لصحيفة يقال لها العبيطة وما ورد على العرب أشد عليهم منها وإن فيها لستين قبيلة من العرب مبهرجة ما لها في دين الله من نصيب (17).
وعن محمد بن حكيم عن أبي الحسن الكاظم (عليه السلام) قال إنما هلك من كان قبلكم بالقياس إن الله تبارك وتعالى لم يقبض نبيه حتى أكمل له جميع دينه حلاله وحرامه فجاءكم مما تحتاجون إليه في حياته وتستغيثون به وبأهل بيته بعد موته وإنها مصحف عند أهل بيته حتى أن فيه لأرش خدش الكف ، ثم قال : إن أبا حذيفة لعنه الله ممن يقول قال علي وأنا قلت (18) لا يخفى أن أبا حنيفة كان يعمل بالقياس وكانت بينه وبين الإمام الصادق (عليه السلام) عدة مناظرات وقد تتلمذ في أواخر عمره على الإمام الصادق حتى قال كلمته المشهورة ( لو لا السنتان لهلك النعمان ... ).
ومن الصحف التي عندهم هي صحف إبراهيم موسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء ، عن فيض بن المختار عن أبي عبد الله قال إن رسول الله (صلى الله عليه واله) أفيضت إليه صحف إبراهيم وموسى فائتمن عليها (صلى الله عليه واله) علياً وائتمن عليها الحسن وائتمن عليها الحسين حتى انتهت إلينا (19).
وعن يونس بن عبد الرحمن عن هشام بن الحكم في حديث بريهة حين سئل موسى ابن حعفر (عليه السلام) فقال يا بريهة كيف علمك بكتاب الله؟
قال أنا به عالم. قال فكيف ثقتك بتأويله؟
قال ما أوثقني بعلمي فيه ، قال فابتدأ موسى (عليه السلام) في قراءة الإنجيل فقال بريهة والمسيح ـ صيغة قسم ـ لقد كان يقرأها هكذا وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح ثم قال إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة قال هشام فدخل بريهة والمرأة على أبي عبد الله وحكى هشام الكلام الذي يجري بين موسى وبين بريهة فقال بريهة جعلت فداك أين لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟ فقال هي عندنا وراثة من عندهم مقرؤها كما قرؤها ونقولها كما قالوها والله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول لا أدري ، فلزم بريهة أبا عبد الله (عليه السلام) حتى مات (20).
وعن ليث المرادي أنه حدثه عن سدير بحديث فأتيته فقلت فإن ليث المرادي حدثني عن بحديث فقال ما هو قلت جعلت فداك حديث اليماني قال نعم كنت عند أبو عبد الله (عليه السلام) فمر بنا رجل من أهل اليمن فسأله أبو جعفر عن اليمن فأقبل يحث فقال له أبو جعفر (عليه السلام) هل تعرف صخرة في موضع كذا وكذا قال نعم ورايتها فقال الرجل ما رأيت رجلاً أعرف بالبلاد منك فلما قام الرجل قال لي أبو جعفر (عليه السلام) يا أبا الفضل تلك الصرخة التي حيث غضب موسى فألقى الألواح فما ذهب من التوراة التقمته الصخرة فلما بعث الله رسوله أدته إليه وهي عندنا (21).
وعن الأصبغ بن نباتة قال : قال لما تقدم علي الكوفة صلى بهم أربعين صباحاً فقرأ بهم سبح اسم ربك الأعلى ، فقال المنافقون والله ما يحس أن يقرأ ابن أبي طالب القرآن ولو أحسن أن يقرأ بنا غير هذه السورة ، قال فبلغه ذلك فقال ويلهم إني لأعرف ناسخة ومنسوخة ومحكمه ومتشابهه وفصله من وصله وحروفه من معانية والله ما حرف نزل على محمد (صلى الله عليه واله) إلا وأنا أعرف فيمن أنزل وفي أي يوم نزل وفي أي موضع نزل ، ويلهم أما يقرأون أن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى. والله عندي ورثتها من رسول الله (صلى الله عليه واله) من إبراهيم وموسى ، ويلهم ، والله إني أنا الذي أنزل الله في {وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ} [الحاقة: 12] فإنا كنا عند رسول الله فخبرنا بالوحي فأعيه ويفوتهم ، فإذا خرجنا قالوا ماذا قال آنفا (22).
ومن جملة الكتب التي ورثوها ، مصحف فاطمة (عليها السلام) وهي ليست قرآن أو أحكام بل فيها علم غزير وهو علم ما سيكون.
عن حماد بن عثمان قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول تظهر الزنادقة في سنة ثمانية عشرين ومائة وذلك لأني نظرت في مصحف فاطمة. قال فقلت : وما مصحف فاطمة (عليها السلام) فقال إن الله تبارك وتعالى لما قبض نبيه (صلى الله عليه واله) دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلا الله عز وجل فأرسل إليها ملكاً يسلي عنها غمها يحدثها فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال لها إذا أحسست بذلك فسمعت الصوت فقولي لي فأعلمته فجعل يكتب كلما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً قال : ثم قال أما أنه ليس فيه من الحلال والحرام ولكن فيه علم ما يكون (23).
وعن علي ابن رئاب عن أبي عبيدة قال سأل أبا عبد الله (عليه السلام) بعض أصحابنا عن الجفر ، فقال هو جلد ثور مملوء علماً ، فقال له ما الجامعة؟ فقال تلك صحيفة طولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم مثل فخذ الفالج فيها كل ما يحتاج الناس إليه وليس من قضية إلا وفيها ـ حتى ـ ارش الخدش.
قال له فمصحف فاطمة؟ فسكت طويلاً ثم قال إنكم تبحثون عما تريدون وعما لا تريدون. إن فاطمة مكثت بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) خمس وسبعين يوماً وقد دخلها حزن شديداً على أبيها وكان جبرائيل يأتيها فيحسن عزاها على أبيها ويطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها وكان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة (24).
ويعلم من الحديث أن مصحف فاطمة ليس كما يزعمه المخالفون أنه قرآن آخر غير الذي بأيدي الناس حتى يكفرون الشيعة به، ولا هو كتاب مسائل في الحلال والحرام ، بل إنه علم ما يكون ...
وعن أبي بصير ، قال دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) فقلت له إني أسئلك جعلت فداك عن مسألة ليس هيهنا أحد يسمع كلامي فرفع أبو عبد الله (عليه السلام) ستراً بيني بين بيت آخر فاطلع في ثم قال يا أبا محمد سل عما بدا لك. قال قلت : جعلت فداك أن الشيعة يتحدثون أن رسول الله (صلى الله عليه واله) علم علياً (عليه السلام) باباً يفتح منه ألف باب. قال فقال : أبو عبد الله (عليه السلام) يا أبا محمد علم والله رسول الله علياً ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب.
قال : قلت له والله هذا لعلم فنكت ساعة في الأرض ثم قال إنه لعلم وما هو بذلك ثم قال يا أبا محمد وإن عندنا الجماعة وما يدريهم ما الجامعة قال قلت جعلت فداك وما الجامعة؟
قال صحيفة طولها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله (صلى الله عليه واله) واملأ من فلق فيه وخط علي بيمينه ، فيها كل حلال وحرام ، كل شيء يحتاج الناس إليه حتى الارش في الخدش ، وضرب بيده إلي ، فقال تأذن لي يا أبا محمد؟ قال : قلت جعلت فداك إنما أنا لك أصنع ما شئت قال فغمزني بيده ، فقال حتى ارش هذا كأنه ـ مغضب ـ قال : قلت جعلت فداك هذا والله العلم. قال إنه لعلم وليس بذلك ثم سكت ساعة ، ثم قال إن عندنا الجفر وما يدريهم ما الجفر مسك شاة أو جل بعير. قال : قلت جعلت فداك ما الجفر؟ قال وعاء أحمر أو أدم أحمر فيه علم النبيين والوصيين ، قلت هذا والله العلم ، قال إنه لعلم ، وما هو بذلك ثم سكت ساعة ، ثم قال : وإن عندنا لمصحف فاطمة (عليها السلام) وما يدريهم ما مصحف فاطمة. قال مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد وإنما هو شيء أملاها الله وأوحى إليها قال قلت هذا والله ه العلم. قال إنه لعلم وليس بذاك. قال ثم سكت ساعة ثم قال إن عندنا لعلم ما كان وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة. قال : قلت جعلت فداك هذا والله هو العلم قال : إنه لعلم وما هو بذاك ،. قال : قلت جعلت فداك فأي شيء هو العلم؟ قال ما يحدث بالليل والنهار الأمر بعد الأمر ، والشيء إلى يوم القيامة (25).
لقد اشتمل الحديث على عدة فقرات مهمة وهي :
إن الإمام الصادق (عليه السلام) بين أن الرسول علم علياً ألف باب ومن كل باب يفتح له ألف باب ، لا كما قال أبو بصير باب واحد ...
ثم بين الإمام سلام الله عليه الجامعة وطولها سبعون ذراعاً وإنه من املاء الوحي على الرسول وقد خطه الإمام علي بيمينه ، وإن فيها كل المسائل الشرعية من الحلال والحرام ما كبر وصغر.
ثم بين سلام الله عليه الجفر وإنه وعاء علم النبيين سواء على شكل كتاب مخطوط فيه آثارهم ووصاياهم أو أنه سر مكنون مستودع في ذلك الوعاء.
ثم بين مصحف فاطمة (عليها السلام) وأن حجمه ثلاث أضعاف حجم القرآن الكريم وقد توهم البعض أنه ( القرآن ) الذي نزل على صدر نبينا محمد (صلى الله عليه واله) وأن حجمه الحقيقي هو ثلاث مرات ، وهو ليس كذلك ، بل الإمام عين حجم هذا المصحف لا إنه هو القرآن الحقيقي ، وفرق بين أن يقول هو القرآن وبين أن يمثل حجمه بالقرآن وهذا لا يخفى على أدنى شخص يعرف اللغو أو شيئاً من البلاغة.
والعبارة صريحة منه (عليه السلام) قال : والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد. إنما هو شيء املاها الله وأوحى إليها ...
وقد طبل المخالفون والمغرضون ، فقالوا إن الشيعة تزعم أن لديها القرآن الأصلي وهو الذي يسمى بمصحف فاطمة. وبعضهم قال إن الشيعة تدعى أن لها قرآنين أحدهما أكبر من الآخر. وإلى غير ذلك من أكاذيبهم وطعونهم ثم بين الإمام الصادق (عليه السلام) في آخر فقرة من الحديث أن عنده علم ما كان علم ما كائن أي أخبار المستقبل.
أقول : دلت الأخبار الكثيرة على أن فاطمة كانت تسمع صوتاً ولا ترى له شخصاً فعلم أنها كانت محدثة ، تحدثها الملائكة وهكذا الأئمة : وهذا ليس غلو في حقهم ، بل إنما أمر خصه الله بهم على وجه التكريم.
وعن الحكم بن عيينة قال دخلت على علي بن الحسين يوماً فقال لي يا حكم : هل تدري ما الآية التي كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) يعرف صاحب قتله ويعلم بها الأمور العظام التي كان يحدث به الناس؟
قال الحكم فقلت في نفسي قد وقفت على علم من علم علي بن الحسين (عليه السلام) أعلم بذلك تلك الأمور العظام.
قال فقلت : لا والله لا أعلم به أخبرني بها يا بن رسول الله صلى الله عليه واله. قال والله : قول الله : {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ } [النساء: 64] ( ولا نبي ولا محدث ) فقلت وكان علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟ قال نعم وكل إمام من أهل البيت فهو محدث (26).
وعن حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله من أهل بيتي اثنا عشر محدثاً. فقال له عبد الله بن زيد كان أخا علي لأمه سبحان الله كان محدثاً ـ كالمنكر لذلك ـ فأقبل عليه أبو جعفر (عليه السلام) فقال أما والله إن ابن أمك بعد وقد كان يعرف ذلك. قال فلما قال ذلك سكت الرجل. فقال أبو جعفر هي التي هلك فيها أبو الخطاب لم يدر تأويل المحدث والنبي (27).
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله قال : كان علي محدثاً وكان سلمان محدثاً قال : قلت فما آية المحدث؟ قال يأتيه فينكت في قلبه كيت وكيت (28).
وعن علي بن جعفر الحضرمي عن سليم بن قيس أنه سمع علياً (عليه السلام) يقول إن أوصياني من ولدي مهديون كلنا محدثون فقلت يا أمير المؤمنين من هم؟ قال الحسن والحسين عليهما السلام ثم ابني علي بن الحسين.
قال : وعلي يومئذ رضيع ثم ثمانية من بعده واحداً بعد واحد وهم الذين أقسم الله بهم فقال ( ووالد وما ولد ) ، أما الوالد فرسول الله (صلى الله عليه واله) ، وما ولد يعني هؤلاء الأوصياء قلت : يا أمير المؤمنين (عليه السلام) أيجتمع إمامان؟
قال : لا إلا واحدهما مصمت لا ينطق حتى يمضى الأول. قال سليم الشامي سألت محمد بن أبي بكر ، قلت كان علي (عليه السلام) محدثاً؟ قال نعم. قلت : وهل يحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال أما تقرأ ( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث )؟ قلت فأمير المؤمنين محدث؟ قال نعم وفاطمة كانت محدثة ولم تكن نبيه (29).
يدل هذا الحديث وحديث حمران عن أبي جعفر (عليه السلام) أن فاطمة (عليها السلام) كانت محدثة وأن سلمان الفارسي كان أيضاً محدث.
وقد عرفت أن ذلك من علوهم في الصفاء ومنزلتهم في الإيمان والتقوى وما نالوا هذه المنزلة إلا بطاعتهم لله وعبوديتهم الخالصة له سبحانه ، فأكرمهم الله ، بأن جعل لهم ملائكة تحدثهم فيأنسون بأنسهم في الحديث الذي يكون على شكل القذف في القلب أو الوقر في السمع.
عن الحسن بن محبوب عن الأحوال قال سمعت زرارة يسأل أبا جعفر الباقر (عليه السلام) قال أخبرني عن الرسول والنبي والمحدث؟
فقال أبو جعفر (عليه السلام) الرسول الذي يأتيه جبرائيل قبلاً فيراه يكلمه فهذا الرسول. وأما النبي فإنه يرى في منامه على نحو ما رأى إبراهيم (عليه السلام) ونحو ما رآى رسول الله (صلى الله عليه واله) ومن أسباب النبوة قبل الوحي حتى أتاه جبرائيل من عنده بالرسالة كان محمداً (صلى الله عليه واله) حين جمع له النبوة وجاءته الرسالة من عند الله يجيئه بها جبرائيل ويكلمه بها قبلاً ، ومن الأنبياء من جمع له النبوة ويرى في منامه يأتيه الروح فيكلمه ، ويحدثه من غير أن يكون رآه في اليقظة ، وأما المحدث فهو الذي يحدث فيسمع ولا يعاين ولا يرى في منامه (30).
عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال كنت بالمدينة فلما شدوا على دوابهم وقع في نفسي شي من أمر الحدث فأتيت أبا جعفر (عليه السلام) فاستأذنت فقال من هذا قلت زرارة ، قال ادخل ، ثم قال كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يملي على علي (عليه السلام) فنام نومة ونعس فلما رجع نظر إلى الكتاب فمد يده قال من أملى هذا عليك قال أنت قال لا بل جبرائيل (31).
عن أبي حمزة الثمالي قال كنت أنا والمغيرة بن سعيد جالسين في المسجد فأتانا الحكم بن عيينه فقال سمعت من أبي جعفر (عليه السلام) حديثاً ما سمعه أحد قط فسألناه فأبى أن يخبرنا به فدخلنا عليه فقلنا إن الحكم بن عيينة أخبرنا أنه سمع منك ما لم يسمعه منك أحد قط فأبى أن يخبرنا به فقال نعم وجدنا علم علي (عليه السلام) في آية من كتاب الله : ( وما ارسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث ) فقلنا ليست هكذا هي ، فقال في كتاب علي وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ، فقلت وأي شيء المحدث فقال ينكت في أذنه فيسمع طنيناً كطنين الطست فقلت إنه نبي ثم قال لا مثل الخضر ومثل ذي القرنين (32).
أقول سبق في كيفية أخذ العلم بواسطة الإلهام أو بأمر الملك. والنكت في القلب والأذن واحد ، حيث أن الأذن طريق محسوس وموصل إلى القلب ، والقلب وعاء للخطابات والمعرفة ، لهذا كانت الخطابات القرآنية تصور القلوب وهي وعاز الفهم ، والفقه ، والمعرفة ، والإيمان والكسب ، والطهارة ، والقساوة ، والزيغ ، والمرض ، والخشوع ، والنفاق ... الخ.
اتضح من كل ما تقدم أن الأئمة : لم يعلموا الغيب ولم يقل أحد منهم بذلك أما علمهم بالمغيبات وأخبارهم بما يجري على شيعتهم وما سيقع من الحوادث ، فقد عرفت إنما كان من العلم الذي ورثوه من الرسول (صلى الله عليه واله) ومن الصحف التي كانت عندهم.
قال الزجاج كما يحكيه الشيخ الطوسي في معنى الآية : {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ} [الأنعام: 59] قال : يريد عنده الوصله إلى علم الغيب وكل ما لا يعلم إذا استعلم يقال فيه افتح علي.
وقال ابن عمر مفتاح الغيب خمس ثم قرأ : {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ} [لقمان: 34] الآية قال الشيخ الطوسي : وتأويل الآية إن الله تعالى عالم بكل شيء من مبتدئات الأمور وعواقبها فهو يعجل ما تعجيله أصوب وأصلح ويؤخر ما تأخيره أصوب وأصلح وإنه الذي يفتح باب لمن يريد من الأنبياء والأولياء ، لأنه لا يعلم الغيب سواه ولا يقدر أحد أن يفتح باب العلم به للعباد إلا الله (33).
أم ما ورد في أن مفاتيح الغيب خمس فهي كما يذكرها الطبرسي ( قدس ) في تفسيره لقوله تعالى : ( إن الله عنده علم الساعة). قال : أي استأثره سبحانه ولم يطلع عليه أحد من خلقه فلا يعلم وقت قيام الساعة سواه أو ينزل الغيث ، فيما يشاء من زمان أو مكان والصحيح أن معناه ويعلم نزول الغيث في مكانه وزمانه كما جاء في الحديث أن مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله ، ويقرأ هذه الآية : ( ويعلم ما في الأرحام ) أي ويعلم ما في أرحام الحوامل ، أذكر أم أنثى ، أصحيح أم سقيم ، واحد أو أكثر؟ ( وما تدري نفس ماذا تكسب غداً ) أي ماذا تعمل في المستقبل وقيل ما يعلم بقاءه غداً فكيف يعلم تصرفه ، ( وما تدري نفس بأي أرض تموت ) أي في أي أرض يكون موته وقيل إنه إذا رفع خطوة لم يدر أنه يموت قبل أن يضع الخطوة أم لا. وإنما قال بأي أرض لأنه أراد بالأرض المكان ...
وقد روي عن أئمة الهدى : إن هذه الأشياء الخمسة لا يعلمها على التفصيل والتحقيق غيره تعالى (34). إلا أن تلك الأخبار غير تامة لأن النبي (صلى الله عليه واله) والائمة الأطهار : كانوا يعلمون تلك الأشياء على التفصيل والتحقيق ، لكن ليس على أوجه الاستقلال ، بل الله سبحانه اطلعهم على ذلك. الآيات الخمسة الأخيرة من سورة لقمان أوضحت لنا الأمور الغيبية التي لا يعرفها إلا الله وهي :
1 ـ قيام الساعة إلا الله وهي :
2 ـ نزول الغيث أي المطر.
3 ـ ما يكون في أرحام الحوامل من حمل.
4 ـ ماذا تفعل النفس في المستقبل من الطاعات أو المعاصي.
5 ـ موت الإنسان وبأي أرض يحصل له ذلك.
لقد بينا فيما تقدم أن علم الله الذي استأثره لنفسه يشمل الغيب بكل صوره وهذه الأقسام الخمسة إنما هي بعض مصاديقه.
علوم آل محمد (صلى الله عليه واله) كثيرة وغزيرة وأسرارهم عجيبة مما تدهش العقول ، وكراماتهم لا تعد ولا تحصى ومما ذهبت به الركبان ، وكيف لا يكونوا كذلك حيث أن فضائلهم تحصى أخفاها المؤالف والمخالف ، أخفى فضائلهم المؤلف من مواليم حباً لهم وتقية ، كما أخفى فضائلهم المخالف وأعداءهم كرهاً منهم لهم ، وحقداً وبغضاً وحسداً ... ومع ذلك فإن الذي يشاع قد ملأ الخافقين ...
والمحب الحقيقي لا بد أن يسلك الطريق والمنهج السليم ، ولا بد ان يترفع عن الغلو في حق أهل البيت : ، قد يظن المغالي إنما يحسن صنعاً في محبوبه ، وما درى أنه قد يخرج بغلوه ذاك من ربقة الإيمان بل من كونه مسلماً فيقع في الشرك أو الكفر ، أعاذانا الله منه...
نعم قد يتوهم البعض فيقول :
ومن أحد مصاديق الخروج عن الحد المعقول في موضوع علم الغيب وإن الأئمة : يعلمون على الإطلاق وإن علمهم احاط باللوح المحفوظ بل إنهم أفضل من اللوح المحفوظ و ... هو قول الحافظ رجب ابن محمد البرسي الحلي صاحب كتاب (مشارق أنوار اليقين في أسرار المؤمنين) حيث قال :
... وكيف لا يطلعون على الغيب وعلمه واجب لهم من وجوه :
الأول : إن الله سبحانه سطر في اللوح المحفوظ علم ما كان وما يكون ثم أبرز إلى كل نبي منهم ما يكون له ولأوصيائه إلى ظهور الشريعة التي يأتي بعده حتى ختمت الرسل بخاتمهم وختمت الشرايع بخاتمها ، فوجب أن يكون عندهم ما سبق وما لحق إلى يوم القيامة (35). أقول وهذا كلام متين ليس فيه غلو ولم يخرج عن الحد المعقول.
نعم إنهم يطلعون على قدر ما اطلعهم الله عليه ، أما كونهم يعلمون كل الغيب على وجه الاستقلال فهذا باطل.
وقال ... وماذا عرف الناس من معنى على العلي ، إنما شاهدوا منه ليثاً خلائلاً ، وهذا صائلاً وهزبراً صلائلاً وعصباً قائلاً وبليغاً قالبلاً إلى أن يقول ... يؤيد هذا المدعي ما رواه طارق بن شهاب عن أمير المؤمنين أنه قال يا طارق الإمام كلمة الله وحجة الله ووجه الله وحجاب الله وآية الله ، يختاره الله ويجعل فيه ما يشاء ويوجب له بذلك الطاعة والولاية على جميع خلقه فهو وليه في سماواته وأرضه ، أخذ له بذلك العهد على جميع عباده ، فمن تقدم عليه كفر بالله من فوق عرشه ، فهو يفعل ما يشاء وإذا شاء الله شاء.
ويكتب على عضده {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا} [الأنعام: 115] فهو الصدق والعدل وينصب له عمود من نور من الأرض إلى السماء يرى فيه أعمال العباد ويلبس الهيبة وعلم الضمير ، ويطلع على الغيب (36) ويرى ما بين المشرق والمغرب فلا يخفى عليه من شيء من عالم الملك والملكوت ، ويعطي منطق الطير عند ولايته.
فهذا الذي يختاره الله لوحيه ويرتضيه لغيبه ويؤيده بكلمته ويلقنه حكمته ويجعل قلبه مكان مشيئته وينادي له بالسلطنة ويذعن له بالأمره ، ويحكم له بالطاعة وذلك لأن الإمامة ميراث الأنبياء ومنزلة الأصفياء وخلافة الله وخلافة رسل الله فهي عصمة وولاية وسلطنة وهداية ، وإنه تمام الدين ورجح الموازين (37) ...
وقال في موضع آخر من كتابه :
فصل ثم صرح لنا أن الوالي هو المحيط بكل شيء فهو محيط بالعالم والله من ورائهم محيط ، فقال : {وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ .. } [يس: 12] فأخبرنا سبحانه أن جميع ما جرى به قلمه وخطه في اللوح الحفيظ مما في الأرض والسماء ، هو الإمام المبين وعلي ، فاللوح المحفوظ علي وهو أعلى وأفضل من اللوح بوجوه.
الأول : إن اللوح وعاء الخط وظرف المسطور والإمام محيط بالسطور ، وأسرار السطور فهو أفضل من اللوح.
الثاني : إن اللوح المحفوظ بوزن مفعول ، والإمام المبين بوزن فعيل ، وهو بمعنى فاعل فهو علام بأسرار اللوح واسم الفاعل أشرف من اسم المفعول.
الثالث : إن الوالي المطلق ولايته شاملة للكل ومحيط بالكل ، واللوح داخل فيها فهو دال على اللوح ودال عليه وعالم بما فيه (38) ...
______________
(1) راجع المرويات التي سنذكرها في ص 145 و 146.
(2) بصائر الدرجات 138.
(3) أصول الكافي 1 | 256.
(4) أصول الكافي 1 | 257.
(5) أصول الكافي 1 | 257.
(6) أصول الكافي 1 | 264.
(7) أصول الكافي 1 | 264.
(8) الاحتجاج 2 | 474.
(9) رجال الكشي 4 | 587.
(10) رجال الكشي 2 | 588.
(11) رجال الكشي 4 | 581.
(12) بصائر الدرجات 188 الحديث 22.
(13) بصائر الدرجات 162 الحديث الأول من الباب 12.
(14) بصائر الدرجات 163 الحديث (عليه السلام) نفس الباب.
(15) بصائر الدرجات 164 الحديث 12.
(16) بصائر الدرجات 166 الحديث 24.
(17) بصائر الدرجات 166 الحديث 24.
(18) بصائر الدرجات 167 الحديث 3.
(19) بصائر الدارجات 157 | الحديث 10.
(20) بصائر الدرجات 156 | الحديث 4.
(21) بصائر الدرجات 157 | الحديث 7.
(22) بصائر الدرجات 155 ، الحديث 3.
(23) بصائر الدرجات 177 ، الحديث 18.
(24) المصدر السابق 173 ، الحديث 6.
(25) بصائر الدرجات 171 | الحديث 3.
(26) بصائر الدرجات 339 | الحديث 3.
(27) بصائر الدرجات 340 | الجديث 4.
(28) أمالي ابن الشيخ 360.
(29) بصائر الدرجات 392 ، الحديث 16.
(30) بصائر الدرجات 390 ، الحديث 9.
(31) بصائر الدرجات 342.
(32) بصائر الدرجات 344.
(33) مجمع البيان 2 | 311.
(34) مجمع البيان م 4 | 324.
(35) مشارق أنوار اليقين ص 68 ط حجريه.
(36) وزاد في نسخة : ويعطي التصرف على الإطلاق ، كما أشار إليه المجلسي في البحار 25 | 269 ، الهامش.
(37) مشارق الأنوار ص 117 ط حجرية.
(38) مشارق أنوار اليقين ص 129 ، ط حجرية.