تقتَرِنُ مرحلَةُ المراهقةِ ببروزِ مَلامحَ عَديدةٍ للنُّضوجِ، بإمكانِ كُلِّ واحدةٍ مِنها أنْ تكونَ أرضيّةً ومصدراً للتكامُلِ والسَّعادَةِ، وفي حالةِ عَدمِ ترشيدِها قَد تكونُ مَبعَثاً للشَّقاءِ والضَّياعِ، وتُلَخَّصُ أهَمُّ تلكَ الملامحِ في ما يأتي:
أولاً: تَيَقُّظُ الفِطرَةِ:
قد لا تكونُ الفِطرَةُ في أيَّةِ مَرحلَةٍ مِنْ مَراحِلِ الحياةِ (سُوى في السّنواتِ الثلاثِ الأولى) على هذهِ الدَّرَجَةِ مِنَ اليَقظَةِ والانتباهِ؛ فَفِي مَطلعِ الحياةِ تكونُ الفِطرَةُ كالنَّبعِ الصّافي، مُتَيَقِّظَةً في أعماقِ الطّفلِ وفي كُلِّ كِيانِهِ، وكأنَّهُ معصومٌ كعِصمَةِ أيِّ نَبيٍّ من الأنبياء، ومُرتبطٌ بعالمِ الوَحيّ مُباشَرَةً، فَلا يُسمَعُ منهُ إلا الصِّدقُ، ولا يَبدُرُ منهُ سُوى العَدلِ والأمانَةِ، تغمِرُهُ الفِطرَةُ الإلهيّةُ السَّليمَةُ بأمواجِها، وترويهِ بفَيضِها.
ثانياً: الوَعيُ الدِّينِيُّ
يبدأُ الوعيُ بالدِّينِ مُنذُ سِنِّ الثانيةَ عَشرَةَ، ويُعَدُّ هذا الوعيُ لَدَى المراهِقِ عامِلاً للنُّضوجِ المعنَويِّ والأخلاقيِّ وسَبَباً للاستنفارِ الوِقائيّ، وقَدْ صَوَّرَ أحَدُ العُلماءِ هذا الوضعَ وكأنَّ الخالقَ الحكيمَ قَد أعَدَّ المستلزماتِ الضروريّةَ لكبحِ جماحِ الغرائزِ على هيأةِ إجراءٍ وقائيٍّ قبلَ استفحالِها وطُغيانِها.
ثالثاً: تَيَقُّظُ الرؤيةِ الكونيّةِ
تتكوّنُ لدى المراهقِ في هذهِ المرحلةِ رؤيةٌ خاصّةٌ للعالَمِ، فلَعَلَّهُ لم يَكُنْ قد ذهبَ الى المدرسةِ، أو اكتسبَ عِلماً أو تجربةً منَ الكُتبِ، إلّا أنَّ وضعَهُ يُنبِئُ وكأنَّهُ يَرى الظواهرَ الكونيّةَ بمنظارٍ آخرَ، أو كأنَّ الظواهرَ المحيطةَ بهِ تُحَدِّثُهُ عنْ سِرِّ مبدئها ومصيرِها.
في هذهِ المرحلةِ تتبدَّلُ رؤيتُهُ الكونيّةُ، فيجِدُ في الحياةِ رونقاً وجمالاً خاصّاً، وتختلفُ نظرتُهُ للأشياءِ عمّا كانتْ عليهِ بالأمسِ تماماً ، فيكونُ هذا الاستيقاظُ سبباً أيضاً لمعرفةٍ كونيّةٍ أعمَق، وتوجّهاً نحوَ العِلمِ والثقافَةِ، وكذلكَ وسيلةً لسَوقِهِ نحوَ خالقِ الأشياءِ المُدَبِّرِ المُطلَقِ، فيتكوّنُ لديهِ - نتيجةً لذلكَ - شعورٌ بالحاجَةِ الى عبادتهِ ومناجاتِهِ.
رابعاً: تيقُّظُ الضميرِ
الضميرُ هُوَ عِبارَةٌ عَن نوعٍ مِنَ الوَعيِّ الذاتيِّ الداخليِّ، أو قُوّةِ إدراكِ الرذائلِ والفَضائلِ؛ وهُوَ ما يجعلُ الإنسانَ يشعُرُ بالرِّضا والارتياحِ عندَ الإتيانِ بكُلِّ فِعلٍ حَميدٍ، وبنوعٍ مِنَ السَّلبيّةِ والتأنيبِ الذاتيِّ، مُقابلَ أيِّ تَصَرُّفٍ قَبيحٍ، فَهُوَ يؤدّي – إذَنْ - دَوراً كالدَّورِ الذي يؤدّيهِ القاضي في المَحكَمَةِ.
يستيقظُ الضميرُ في سَنواتِ المُراهَقَةِ، وتتشَكَّلُ فيهِ محكمَةٌ، فيكونُ هُوَ القاضي على نفسِهِ، فإنِ ارتكَبَ خطأً أو ذنباً ألقى اللّومَ على نفسِهِ، بَلْ وقَد يفرِضُ عَليها بعضَ العُقوباتِ؛ ومِنَ الواضحِ أنَّ هذا الاستيقاظَ يُعَدُّ مِنَ الألطافِ الربّانيّةِ وعامِلاً لتشديدِ الرقابةِ الذاتيّةِ.
خامساً: تَيَقُّظُ الطمُوحِ في الرِّفعَةِ:
قد لا نجِدُ - في أيّةِ مَرحَلَةٍ مِن مراحلَ نُضجِ الإنسانِ نظيرَ هذا المُستوى مِنَ الطموحِ، والرَّغبةِ في التقدُّمِ والرِّفعَةِ، مِثلَما نجدُهُ في مرحلةِ المراهقةِ، فالمراهقُ يتمنّى توفُّرَ الظروفِ والإمكاناتِ التي تُتيحُ لَهُ بلوغَ مرحلةِ السِّيادَةِ والرِّفعَةِ، وأنْ يَبقَى سائراً في هذا السَّبيلِ الى ما لا نِهايةَ، حتّى وإنْ لم يبذُلْ أيَّ جُهدٍ، أو يتحمَّلْ أيّةَ مَشَقَّةٍ لتحقيقِ غَرضِهِ هذا؛ فَهُو لا يكادُ يَرى عظمَةً أو رِفعةً إلّا وتَوَلَّدَ لَديهِ طُمُوحٌ في بلوغِها.