1

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات اجتماعية
أكرموا عمتنا النخلة شجرة مباركة بين الإهمال والانبعاث
عدد المقالات : 61
في سهول بلاد الرافدين، حيث ولدت الحضارة وأطلقت أولى حروف التاريخ، تقف تلك الشامخة المباركة بشموخ الآباء وعطاء الأمهات، تتوج بخصلها الأخضر سماء العراق، وتمنح بثمارها الذهبية الحياة والبقاء. إنها النخلة، العمّة الحانية التي رافقت الإنسان العراقي منذ فجر التاريخ، شاهداً على مجده، ومشاركاً في أفراحه وأتراحه، ومنحته من خيراتها ما جعلها تستحق بجدارة أن يُطلق عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): اكرموا عمتكم النخلة.
لم تكن النخلة مجرد شجرة في حياة العراقي، بل كانت رفيقته في بناء أول حضارة زراعية في العالم. في أرض سومر وأكد وبابل، كانت السواقي تهمس لأجذاعها، والعمالقة من أبناء الرافدين يتفيؤون ظلالها الوارفة. كانت ولا تزال رمزاً للعطاء والخير والكرامة، ومصدراً للغذاء والاقتصاد والحياة. لقد قدّسها الأقدمون، وأدركوا أن حياتهم مرتبطة بها، فجعلوها في أساطيرهم وآلهتهم، وشيدوا حول بساتينها قصص حبهم وأسرار مدنهم.
أما في ديننا الحنيف، فقد جاء تكريمها واضحاً جلياً. فقد ذكرت النخلة في القرآن الكريم في أكثر من عشرين موضعاً، تكرماً وتعظيماً. قال تعالى: "وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ" (ق: 9-10). وكانت رطبةً طيبةً هي الطعام الذي أنعم الله به على السيدة مريم (عليها السلام) لتسكن بها نفسها وتقر عينها عند ولادة نبي الله عيسى (عليه السلام): "وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا" (مريم: 25).
وفي السنة النبوية الشريفة، حثّ النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) على زراعتها واعتبارها شجرة مباركة، فقال: إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها. وجاء في حديث عنه (ص): أكرموا عمتكم النخلة، فإنها خلقت من الطين الذي خلق منه آدم. وأهل البيت (عليهم السلام) ساروا على هذا النهج، مؤكدين على قيمتها الغذائية والاقتصادية، وحاثين على العناية بها.
لكن هذه العمّة الكريمة تعرضت لأقسى أنواع الجحود والإهمال في وطنها الأول. فبعد أن كان العراق يضم أكثر من 30 مليون نخلة، يعتز بها كأغلى ثروة، بدأ عددها بالتراجع بسبب الحروب والإهمال المتعمد.
وكانت الفاجعة الكبرى في أحداث الانتفاضة الشعبانية المباركة عام 1991، عندما انتفض الشعب العراقي ضد ظلم الطغمة الحاكمة. في مدن الجنوب والوسطى، وخصوصاً في محافظة بابل، التي تشتهر ببساتينها الغناء وطريقها السياحي المخضرّ، وجد الثوار المطاردون ملاذاً آمناً بين أشجار النخيل الكثيفة، التي شكلت حصناً طبيعياً يحميهم.
ردّ نظام صدام المقبور على هذا التحدي بعقلية إبادة جماعية لا تفرق بين الإنسان والشجر. فأصدر أوامره بقطع آلاف النخيل في بابل الطريق المؤدي إلى مدينة الحمزة الغربي (ع) خصوصاً، ليس لأسباب عسكرية بحتة، بل كعقاب جماعي وليحرم الثوار من المأوى، وليقتلع من جذوره أي رمز للحياة والخصب والإيواء. جُرّفت البساتين، وقطعت الأشجار المثمرة التي عمرها مئات السنين، وحرقت بأمر من حزب البعث، ليس لشيء إلا لأنها احتضنت أبناءها الثوار. كانت جريمة بيئية وإنسانية واقتصادية شنيعة، لا تختلف عن جرائمه ضد البشر.
لو عرف القاطعون قيمة ما يقطعون، لما تجرأوا على فعلتهم. فالنخلة هي شجرة الحياة حقاً، وفوائدها تشمل كل مناحي الحياة .
فالنخل مصدر رزق للآلاف من المزارعين والعاملين في الصناعات التحويلية (التمور، السعف، الخوص، الجذوع). تصنع منها أكثر من 360 منتجاً. وهي رافد أساسي للتصدير ودعم الاقتصاد الوطني.
ثمرها (التمر) هو غذاء كامل، غني بالسكريات الطبيعية سريعة الامتصاص، والألياف، والمعادن (كالحديد والبوتاسيوم)، والفيتامينات. وهو مقوٍ للجسم، ومنظم للهضم، ومفيد للقلب والأعصاب.
و للبيئة تطلق كميات كبيرة من الأوكسجين، وتعدل المناخ، وتقلل من التصحر، وتثبت التربة، وتوفر بيئة ظليلة تقلل من احتياجات الري للمحاصيل الأخرى.
بعد سقوط النظام الصدامي، بدأت جهود متواضعة لإحياء هذه الثروة. ولكن الأمل الأكبر تجسد في اهتمام العتبات المقدسة في العراق بهذا الملف. فقد أطلقت العتبة الحسينية والعباسية ومؤسسات المرجعية الدينية مشاريع طموحة لزراعة ملايين النخيل.
ففي كربلاء والنجف وغيرها، تم إنشاء مشاتل كبيرة، وتوزيع ملايين الفسائل على المزارعين مجاناً، ضمن مشاريع(مشروع زراعة مليون نخلة) التابع للعتبة الحسينية، وغيرها.ليس لتعويض الخسارة فحسب، بل إحياءً لتراث ديني واقتصادي وبيئي، وتأكيداً عملياً على توجيهات الأئمة (عليهم السلام) بالاهتمام بالزراعة وإعمار الأرض.
النخلة في العراق ليست شجرةً فحسب، بل هي ذاكرة حية، ورمز للصمود والعطاء. جريمة قطعها كانت جريمة ضد الجمال والحياة نفسها. واليوم، ونحن نشاهد الجهود الجبارة لإعادتها إلى مجدها، علينا أن نعي قول نبينا (ص): اكرموا عمتكم النخلة. فلنكن جميعاًحكومة وشعباًسُعاةً في إعادة تاج الخضرة إلى جبين بلدنا الحبيب، لتظل عمتنا النخلة شامخةً، كريمةً، معطاءة، كما أرادها الله وأنبياؤه وأولياءه.
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 14 ساعة
2025/10/29م
د.أمل الأسدي (أحياءٌ) كلمةٌ مُحمَّلةٌ بالفاعلية والاستمرار، وهي تقابل (الأموات) وكأنها وردت لتنسف تخوف الإنسان من الموت، وتزيل ذلك التهيّب  من ذكره، تبدد رائحته  التي تباغتك حتی وأنت تتحدث عنه  وقد نهانا الله تعالی أن ننعت الشهداء الذين مضوا في سبيله بأنهم أموات وألزمنا  بحياتهم حين قال:((وَلَا... المزيد
عدد المقالات : 87
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 14 ساعة
2025/10/29م
مسلسل (ليلة سقوط) صورة مغلوطة عن الواقع بقلم مجاهد منعثر منشد صرح دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي- أثناء غزو العراق وتدميره- بأن المعركة بعد غزو العراق واحتلاله هي معركة العقل والوجدان والصورة. نعم نقل الصورة الزائفة في عرض مسلسل (ليلة سقوط) الذي مثله نخبة من النجوم العرب والعراقيين المنحدر... المزيد
عدد المقالات : 382
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 4 ايام
2025/10/26م
لا أدري كيف نشأ لدي هذا التصور، أو من صوّر لي هذا الأمر منذ الطفولة كنت أتصور أن يوم" فرحة الزهراء"يوم مرتبط بالمختار الثقفي،وحين كانت أمي تزيح السواد وتغيره، وترفع الرايات عن مكانها، وتعيد ترتيب الأثاث كما كان قبل المجالس الحسينية، وذلك في يوم التاسع من ربيع الأول، كنت أظن أن هذا اليوم هو اليوم... المزيد
عدد المقالات : 87
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 4 ايام
2025/10/26م
الدستور العراقي: قراءة تحليلية في عدد مواده قبل وبعد التصويت عليه الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 24/10/2025 تمهيد انطلاقًا من الاهتمام الأكاديمي بالشأن العام، ومن موقع المتابعة التحليلية للمسار السياسي والدستوري في العراق على مدى عقود، تأتي هذه الدراسة بوصفها محاولة لتشخيص الخلل البنيوي الذي... المزيد
عدد المقالات : 87
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 14 ساعة
2025/10/29م
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها شاهقٌ، وعينيها بلا جفون في تلكَ الحجرةِ كان الطُهرُ يحمل الطُهرَ رسول الله يضع الحسين في حجره، وكل الملائكةِ يتنعمون برؤية هذا المشهد كيف لا فهما إجابة الله عليهم حين استفهموا علی خلق آدم ليتكم تشاهدون نحيبَ الرسول حينَ... المزيد
عدد المقالات : 87
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 3 شهور
2025/08/13م
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط التاريخ أسماءٌ كالشموس، بينما توارت في حنايا الظل أسماءٌ أُخر، لوّحتْ أقلامُها بمِدادٍ من لهيبٍ لا يقلُّ حممًا عن دماء السيوف في ساحات الوغى. أولئك كانوا حَمَلَةَ هَمِّ آل البيت الكرام، فكانت قصائدُهم صرخةَ حقٍّ تُردِّدُها... المزيد
عدد المقالات : 61
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 3 شهور
2025/08/13م
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان يعاني من فقرٍ شديد. رغم ذلك، لم يشكُ يومًا ولم يطلب من أحد، بل كان دائم التوكل على الله. في ليلةٍ شتويةٍ عاصفة، ضاعت ماشية أحد أغنياء القرية في الجبال. أرسل الرجل خدمه للبحث، لكنهم عادوا خائبين. حينها، تقدم هشام... المزيد
عدد المقالات : 12
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 3 شهور
2025/08/12م
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ وهموم وطنٍ مزقته رياحُ الظلم. إنه ليس مجرد شاعرٍ ينسج الكلمات، بل **مؤرِّخٌ للجرح** بصوته الشعبي الصادق، و**مناضلٌ بالكلمة** في ساحات المواجهة ضد الطغيان. فشعره **سيفٌ مصقول** من حقائق المعاناة، و**مرآةٌ عاكسة** لتاريخ... المزيد
عدد المقالات : 61
علمية
هل خطر في بالك يومًا أننا نعيش داخل مجرة هائلة دون أن نراها بالكامل نحن، الأرض والشمس وكل الكواكب التي نعرفها، لسنا سوى جزء صغير من منظومة ضخمة تُسمى درب التبانة، تمتد لأكثر من 100 ألف سنة ضوئية وتضم مئات المليارات من النجوم والكواكب والسحب الغازية.... المزيد
يعتبر النجم نشأت اكرم من اهم اكتشافات عموبابا حيث لعب موسم 1998-1999 مع نادي صلاح الدين الذي كان يدربه عموبابا وقدم موسم مبهر رغم صغر سنه بعدها قام الاتحاد بتسمية عموبابا مدربا لمنتخب الناشئين عام 2000 فاول شيء فعله عموبابا قيامه باستدعاء نشات اكرم... المزيد
هل تساءلت يومًا كيف يمكن لقمر صناعي يطفو في فراغ الفضاء، بعيدًا عن أي محطة توليد كهرباء أو شبكة طاقة أرضية، أن يستمر في العمل لسنوات وربما عقود دون أن يتوقف عن إرسال بياناته أو بث إشاراته إذا اقتربنا من الإجابة سنكتشف أن السر يكمن في مصدر يبدو... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
علماء السنة يقولون ما أخذنا العطاء حتى...
عبد العباس الجياشي
2024/12/20م     
دور الجغرافية في حماية الغلاف الجوي من...
علي الفتلاوي
2025/08/12م     
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/09/29
صدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، كتاباً توثيقياً حمل عنوان: (تاريخ السدانة في العتبة العباسية...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
2025/09/29
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com