1

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع
الرئيسة / مقالات علمية
علم في زمن الحرب:من معادلة إلى القنبلة النووية
عدد المقالات : 23
عندما نفكّر اليوم في القنبلة النووية تنبثق أمامنا صورة طاقة هائلة تُطلق في لحظات معدودة. لكن الطريق من معادلة كتبها عالم شاب إلى سلاح قادر على تدمير مدينة بأكملها ليست قصة اختراق تكنولوجي فحسب، بل هي سلسلة معارف فيزيائية وتجارب وتقنيات وسياسات واجتماعية تداخلت معًا. في هذه المقالة سأشرح كيف أدّت أفكار النسبية إلى ظهور القنبلة النووية، مع تبسيط المفاهيم الفنية وتجنّب المعادلات قدر الإمكان.
في عام 1905 وضع ألبرت آينشتاين فكرة أساسية تقول إن الكتلة والطاقة وجهان لعملة واحدة. هذه الفكرة لا تعني أن كل جسم يمكن تحويله بكامل كتلته إلى طاقة بسهولة، لكنها تفتح الباب أمام إمكانيات هائلة: كمية صغيرة من الكتلة يمكن أن تمثل طاقة هائلة طالما كانت هناك آلية لتحريرها. هذه الفكرة كانت ثورية لأنها غيّرت نظرتنا إلى المادة كمصدر محتمل للطاقة، وليس مجرّد مجرد "مادة صلبة".
بعد اكتشاف العلاقة بين الكتلة والطاقة، تحرّك العلماء لدراسة ما يجري داخل النواة. تبين أن النواة لا تساوي في كتلتها مجموع كتل مكوناتها إذا قيس ذلك بدقّة؛ هناك فرق صغير في الكتلة يُسمّى "عجز الكتلة" وهذا الفرق هو الذي يُعتبر طاقة ربط النواة، أي الطاقة المطلوبة لكي تبقى البروتونات والنيوترونات معًا في ترتيبها النووي. التحوّل بين الكتلة والطاقة في هذا المستوى هو ما يجعل الطاقة النووية ممكنة.
حتى ذلك الحين كانت فكرة تحويل عجز صغير في الكتلة إلى طاقة مجرد حقيقة تجريبية ونظرية. إلا أن اكتشافات في أواخر ثلاثينات القرن العشرين أظهرت أن بعض نوى العناصر الثقيلة، مثل اليورانيوم، قابلة للانقسام إلى نوى أصغر عند تصادمها بنيوترون. هذا الانقسام ينتج طاقة ونيوترونات حرّة. الأهم أن بعض الانقسامات تنتج أكثر من نيوترون واحد، وهو ما يمنح إمكانية حدوث سلسلة تفاعلية: نيوترونات حُرّة تولّد انقسامات جديدة، وهكذا.
السر هنا هو أن كل انقسام نووي يحرِّر فرقًا طفيفًا في الكتلة بين النواة قبل الانقسام وبين مجموع الكتل بعده، وهذا الفرق يتحوّل إلى طاقة. مربع سرعة الضوء في علاقة تحويل الكتلة إلى طاقة كبير جدًا، لذا حتى فرق كتل صغير جدًا يوازي طاقة كبيرة. عندما يتكرر هذا الانقسام الملايين من المرّات في جزء صغير من مادة قابلة للانشطار، تكون الطاقة الناتجة هائلة وفورية وهو ما تريده القنبلة. بالمقابل، في مفاعل نووي تُدار هذه العملية ببطء وبشكل متحكم فيه لإنتاج حرارة تُستغل لتوليد كهرباء.
نظريًا، وجود ظاهرة انشطار وسلسلة تفاعلية كافٍ لفكرة السلاح. عمليًا، كانت هناك معضلات هندسية ومهارية يجب حلها:
1. مادة قابلة للانشطار بكفاءة: ليس كل نظير يصلح. اليورانيوم الطبيعي يتكوّن في الغالب من نظير لا يشيع الانشطار (U-238) ونسبة صغيرة من U-235 القابلة للانشطار. لذلك ظهرت تقنيات فصل النظائر (الطرد المركزي، الانتشار الغازي، إلخ) لعزل نسبة كافية من U-235. حل آخر كان إنتاج البلوتونيوم-239 في مفاعلات ثم فصله كيميائيًا.
2. الوصول إلى الكتلة الحرجة بسرعة: لكي يحدث انفجار نووي بدلاً من تفكك المادة قبل انتهاج سلسلة كاملة، يجب جمع مادة الانشطار إلى حالة "كتلة حرجة" بسرعة وبشكل متزامن. هذا قاد إلى تصاميم هندسية متقدمة مثل طريقة "المسدس" حيث تُقذف قطعتان من اليورانيوم معًا، أو طريقة "الانضغاط الانفجاري" (implosion) حيث تُضغط كرة من البلوتونيوم بتفجير متزامن محاط بمتفجرات تقليدية.
3. التحكم في النيوترونات والبنية الأولية: التصميم يتطلب معرفة عميقة في الفيزياء النووية، خواص المواد، الديناميكا الانفجارية والتوقيت بالنانoseconds، وكلها مجالات تقنية كانت حديثة العهد آنذاك.
الان هناك سؤال يطرح نفسة لماذا تحوّل العلم إلى سلاح
في أواخر ثلاثينات وأوائل أربعينات القرن العشرين، كان العالم يعيش في حالة توتر عالمي متصاعد. إدراك أن التحويل العملي للطاقة النووية قد يؤدي إلى سلاح فتاك دفع علماء ووطنيين إلى التعاون مع حكوماتهم. مشروع مانهاتن في الولايات المتحدة جمع موارد هائلة من علماء ومهندسين ومصانع لإنتاج المادة الانشطارية وتصميم السلاح خلال الحرب العالمية الثانية. هذا المزج بين العلم، المال والسياسة كان العامل الحاسم في تحويل المعرفة النظرية إلى واقع عملي.
من المهم أن نكون دقيقين: لم يكتفِ اكتشاف النسبية وحده بصنع القنبلة. النسبية أعطت الإطار النظري الرئيسي الفكرة القائلة بأن الكتلة يمكن أن تكون طاقة لكنها لم تخترع الانشطار النووي أو تقنيات تخصيب اليورانيوم أو تصميم التفجير. تلك كانت نتيجة تجارب نووية، تطوّر في علم المواد، هندسة متفجرات متزامنة، وكيمياء فصيلة لعزل البلوتونيوم. لذا العلاقة هي علاقة سبب نظري أساسي + اكتشافات وتجارب وتطبيقات هندسية وسياسية مدموجة.
لقد تجمع العديد من أبرز علماء القرن العشرين. فقد قاد روبرت أوبنهايمر المشروع العلمي العام، بينما عمل إلى جانبه في الفيزياء النظرية أسماء بارزة مثل هانز بيثه وريتشارد فاينمان وجون فون نيومان. أما في مجال التجارب النووية فقد كان إنريكو فيرمي، الحاصل على جائزة نوبل، أحد العقول الأساسية التي برهنت على إمكانية التفاعل المتسلسل عمليًا. كذلك شارك إدوارد تيلر الذي عُرف لاحقًا بعمله على القنبلة الهيدروجينية، ونيلز بور الذي هرب من أوروبا النازية وأسهم بخبرته النظرية. وعلى الصعيد الهندسي كان هناك إرنست لورنس مخترع السيكلوترون الذي ساعد في تطوير تقنيات الفصل الكهرومغناطيسي لليورانيوم، بالإضافة إلى جيمس تشادويك مكتشف النيوترون الذي ساعد في الاستشارات العلمية للمشروع. كل هؤلاء، مع آلاف من الباحثين والمهندسين، جعلوا من الفكرة النظرية واقعًا تفجّر في صحراء نيومكسيكو في يوليو 1945.
ظهور السلاح النووي غيّر وجه السياسة والأخلاقيات العلمية. المجتمع العلمي واجه أسئلة جديدة: هل ينبغي مشاركة نتائج أبحاث أساسية بحرية ما مسؤولية العلماء عن استخدام اختراعاتهم بالإضافة إلى ذلك، دفع الوجود النووي إلى سباق تسلح، ودعا إلى نظم رقابة وانتشار ومواثيق دولية للتخفيف من مخاطره.
قصة تحول الاكتشافات النسبية إلى اختراع القنبلة النووية هي مزيج من عبقرية نظرية، تجارب مفصلية، وتقنيات هندسية وسياسات دولية. النسبية لم تخلق القنبلة مباشرة، لكنها قدّمت المفتاح المفاهيمي: الكتلة طاقة. الجمع بين هذا المفتاح وبنية النواة، وفهم الانشطار، وقدرة الإنسان على صنع المادة الانشطارية وتصميم التفجير، هو ما أدى في النهاية إلى ظهور أول سلاح نووي.
هذه الحقيقة تحذرنا: المعرفة العلمية تحمل في طياتها إمكانيات عظيمة للاستخدام البنّاء كما للاستخدام المدمّر وما يحدّد المسار هو قرار المجتمع، السياسة والتكنولوجيا معًا.
اعضاء معجبون بهذا
جاري التحميل
ثقافية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/10/29م
د.أمل الأسدي (أحياءٌ) كلمةٌ مُحمَّلةٌ بالفاعلية والاستمرار، وهي تقابل (الأموات) وكأنها وردت لتنسف تخوف الإنسان من الموت، وتزيل ذلك التهيّب  من ذكره، تبدد رائحته  التي تباغتك حتی وأنت تتحدث عنه  وقد نهانا الله تعالی أن ننعت الشهداء الذين مضوا في سبيله بأنهم أموات وألزمنا  بحياتهم حين قال:((وَلَا... المزيد
عدد المقالات : 87
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/10/29م
مسلسل (ليلة سقوط) صورة مغلوطة عن الواقع بقلم مجاهد منعثر منشد صرح دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي- أثناء غزو العراق وتدميره- بأن المعركة بعد غزو العراق واحتلاله هي معركة العقل والوجدان والصورة. نعم نقل الصورة الزائفة في عرض مسلسل (ليلة سقوط) الذي مثله نخبة من النجوم العرب والعراقيين المنحدر... المزيد
عدد المقالات : 382
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ 5 ايام
2025/10/26م
لا أدري كيف نشأ لدي هذا التصور، أو من صوّر لي هذا الأمر منذ الطفولة كنت أتصور أن يوم" فرحة الزهراء"يوم مرتبط بالمختار الثقفي،وحين كانت أمي تزيح السواد وتغيره، وترفع الرايات عن مكانها، وتعيد ترتيب الأثاث كما كان قبل المجالس الحسينية، وذلك في يوم التاسع من ربيع الأول، كنت أظن أن هذا اليوم هو اليوم... المزيد
عدد المقالات : 87
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 5 ايام
2025/10/26م
الدستور العراقي: قراءة تحليلية في عدد مواده قبل وبعد التصويت عليه الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 24/10/2025 تمهيد انطلاقًا من الاهتمام الأكاديمي بالشأن العام، ومن موقع المتابعة التحليلية للمسار السياسي والدستوري في العراق على مدى عقود، تأتي هذه الدراسة بوصفها محاولة لتشخيص الخلل البنيوي الذي... المزيد
عدد المقالات : 88
أدبية
عدد الاعجابات بالمقال :0
عدد التعليقات : 0
منذ يومين
2025/10/29م
مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها شاهقٌ، وعينيها بلا جفون في تلكَ الحجرةِ كان الطُهرُ يحمل الطُهرَ رسول الله يضع الحسين في حجره، وكل الملائكةِ يتنعمون برؤية هذا المشهد كيف لا فهما إجابة الله عليهم حين استفهموا علی خلق آدم ليتكم تشاهدون نحيبَ الرسول حينَ... المزيد
عدد المقالات : 87
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 3 شهور
2025/08/13م
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط التاريخ أسماءٌ كالشموس، بينما توارت في حنايا الظل أسماءٌ أُخر، لوّحتْ أقلامُها بمِدادٍ من لهيبٍ لا يقلُّ حممًا عن دماء السيوف في ساحات الوغى. أولئك كانوا حَمَلَةَ هَمِّ آل البيت الكرام، فكانت قصائدُهم صرخةَ حقٍّ تُردِّدُها... المزيد
عدد المقالات : 61
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 3 شهور
2025/08/13م
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان يعاني من فقرٍ شديد. رغم ذلك، لم يشكُ يومًا ولم يطلب من أحد، بل كان دائم التوكل على الله. في ليلةٍ شتويةٍ عاصفة، ضاعت ماشية أحد أغنياء القرية في الجبال. أرسل الرجل خدمه للبحث، لكنهم عادوا خائبين. حينها، تقدم هشام... المزيد
عدد المقالات : 12
عدد الاعجابات بالمقال :1
عدد التعليقات : 0
منذ 3 شهور
2025/08/12م
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ وهموم وطنٍ مزقته رياحُ الظلم. إنه ليس مجرد شاعرٍ ينسج الكلمات، بل **مؤرِّخٌ للجرح** بصوته الشعبي الصادق، و**مناضلٌ بالكلمة** في ساحات المواجهة ضد الطغيان. فشعره **سيفٌ مصقول** من حقائق المعاناة، و**مرآةٌ عاكسة** لتاريخ... المزيد
عدد المقالات : 61
علمية
عندما نفكّر اليوم في القنبلة النووية تنبثق أمامنا صورة طاقة هائلة تُطلق في لحظات معدودة. لكن الطريق من معادلة كتبها عالم شاب إلى سلاح قادر على تدمير مدينة بأكملها ليست قصة اختراق تكنولوجي فحسب، بل هي سلسلة معارف فيزيائية وتجارب وتقنيات وسياسات... المزيد
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء الثاني والسبعون: انهيار الواقع: تحديات نموذج GRW وحدود الحتمية الكمومية الأستاذ الدكتور نوري حسين نور الهاشمي 30/10/2025 استكمالاً للمقال السابق نقول: لاحظ أن ما يحدث في الكاشف هو ما يُحدد ما إذا كان الجسيم قد تم نقله... المزيد
هل خطر في بالك يومًا أننا نعيش داخل مجرة هائلة دون أن نراها بالكامل نحن، الأرض والشمس وكل الكواكب التي نعرفها، لسنا سوى جزء صغير من منظومة ضخمة تُسمى درب التبانة، تمتد لأكثر من 100 ألف سنة ضوئية وتضم مئات المليارات من النجوم والكواكب والسحب الغازية.... المزيد
آخر الأعضاء المسجلين

آخر التعليقات
علماء السنة يقولون ما أخذنا العطاء حتى...
عبد العباس الجياشي
2024/12/20م     
دور الجغرافية في حماية الغلاف الجوي من...
علي الفتلاوي
2025/08/12م     
تجربة شخصية ومراجعة علمية لحالة حنف القدم:...
محسن حسنين مرتضى السندي
2025/06/15م     
اخترنا لكم
إصدارات
2025/09/29
صدر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة العباسية المقدسة، كتاباً توثيقياً حمل عنوان: (تاريخ السدانة في العتبة العباسية...
المزيد

صورة مختارة
رشفات
الإمام الحسن العسكري (عليه السلام)
2025/09/29
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )
المزيد

الموسوعة المعرفية الشاملة
القرآن وعلومة الجغرافية العقائد الاسلامية الزراعة الفقه الاسلامي الفيزياء الحديث والرجال الاحياء الاخلاق والادعية الرياضيات سيرة الرسول وآله الكيمياء اللغة العربية وعلومها الاخبار الادب العربي أضاءات التاريخ وثائقيات القانون المكتبة المصورة
www.almerja.com