يعد فيروس الإنفلونزا من أكثر الفيروسات انتشاراً في العالم إذ يصاب به ملايين الأشخاص سنوياً في مختلف البلدان ورغم توافر اللقاحات منذ عقود إلا أن هذه اللقاحات تتغير كل عام تقريباً بخلاف لقاحات أمراض أخرى مثل الحصبة أو شلل الأطفال التي تمنح مناعة طويلة الأمد. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لا يمكننا الحصول على لقاح ثابت ودائم ضد الإنفلونزا
السبب الأساسي في ذلك يعود إلى الطبيعة المتغيرة لفيروس الإنفلونزا. فالفيروس ينتمي إلى عائلة Orthomyxoviridae ويوجد منه ثلاثة أنماط رئيسية تصيب الإنسان هي A وB وC ويعد النمط A الأكثر شيوعاً والأكثر قدرة على التسبب بالأوبئة. يتكون الفيروس من غلاف يحتوي على بروتينين مهمين هما الهيماغلوتينين (Hemagglutinin) والنورأمينيداز (Neuraminidase ) وهما المسؤولان عن دخول الفيروس إلى الخلايا وخروجه منها. جهاز المناعة يتعرف على الفيروس ويهاجمه من خلال هذين البروتينين لذا فهما الهدف الرئيسي للقاحات.
إلا أن المشكلة تكمن في أن بروتيني HA وNA يتغيران باستمرار بفعل الطفرات الجينية. يحدث هذا التغير بطريقتين رئيسيتين. الأولى هي ما يعرف باسم الانجراف المستضدي (Antigenic Drift) وهو تغير تدريجي ينتج عن حدوث طفرات بسيطة ومتكررة في الجينات المسؤولة عن البروتينات السطحية. هذه التغيرات تجعل شكل المستضدات مختلفاً قليلاً عن النسخة الأصلية بحيث لا تتعرف عليها الأجسام المضادة التي كونها الجسم سابقاً فيصبح اللقاح القديم غير فعال كلياً أو جزئياً ضد السلالات الجديدة.
أما الطريقة الثانية فهي التحول المستضدي (Antigenic Shift) وهي أكثر خطورة وأقل حدوثاً. يحدث هذا التحول عندما تصيب سلالتان مختلفتان من فيروسات الإنفلونزا نفس الكائن أو الخلية في الوقت نفسه مثل أن يصاب خنزير بفيروس إنفلونزا الطيور والإنسان معاً فيحدث تبادل للمادة الوراثية بين الفيروسين فينتج نوع جديد تماماً يحمل صفات مختلفة عن أي نوع سابق. هذه السلالات الجديدة قد تكون غريبة كلياً عن جهاز المناعة البشري مما يؤدي إلى ظهور أوبئة عالمية مثل إنفلونزا الطيور أو إنفلونزا الخنازير.
بسبب هذه التغيرات المستمرة لا يمكن الاعتماد على لقاح واحد ثابت. لذلك تقوم منظمة الصحة العالمية (WHO) بمتابعة سلالات الإنفلونزا المنتشرة في مختلف مناطق العالم بشكل دائم وتوصي بتحديث اللقاح مرتين في السنة ليحتوي على الأنواع الأكثر احتمالاً للانتشار في الموسم القادم. ولهذا السبب يحتاج الناس إلى أخذ لقاح الإنفلونزا كل عام لأن اللقاح الجديد مصمم لمواجهة السلالات الحديثة فقط.
ورغم هذه الصعوبات يعمل العلماء على تطوير ما يعرف بـ اللقاح الشامل للإنفلونزا وهو لقاح يستهدف الأجزاء الثابتة في الفيروس مثل الجزء الداخلي من بروتين الهيماغلوتينين الذي لا يتغير كثيراً بدلاً من الجزء الخارجي المتغير. الهدف من ذلك هو إنتاج لقاح يمنح حماية طويلة الأمد ضد معظم أنواع وسلالات الإنفلونزا دون الحاجة لتكراره كل سنة لكن هذه الأبحاث ما زالت في مراحلها التجريبية ولم تصل بعد إلى الاستخدام الواسع.







وائل الوائلي
منذ 3 ايام
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN