في أوج الظلم الذي وقع على أهل البيت (عليهم السلام) بعد وفاة النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، يتجلى موقف السيدة فاطمة الزهراء في مواجهة الظلم الذي وقع على أهل البيت، وحماية الحق في ولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). هذه الحادثة تُعد نقطة تحول مهمة في تاريخ الإسلام، حيث يظهر من خلالها قوة الإرادة الإلهية التي تجسدت في صرخة الزهراء (عليها السلام) ودفاعها عن الإمامة كحق إلهي، وكذلك الحكمة العميقة التي تمتع بها الإمام علي (عليه السلام) في مواجهة هذه الأزمة. من خلال هذا المقال، نتناول هذا الحدث الجلل ونُضيء على أبعاده الروحية والسياسية، مُستعرضين الدروس العميقة التي يمكن استخلاصها من هذه الواقعة التي كانت بمثابة دفاع عن القيم الإسلامية في أبهى صورها.
صرخة الزهراء موقف حاسم في الدفاع عن الولاية
عندما أُخرج الإمام علي (عليه السلام) قسرًا من منزله، تصدت السيدة الزهراء (عليها السلام) للموقف بشجاعة وإصرار، متوجهة إلى القبر النبوي ومهددة بصرخة كونية:
"خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمدًا بالحق، لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله (صلى الله عليه وآله) على رأسي ولأصرخن إلى الله، فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي.
بحار الأنوار العلامة المجلسي (ج ٤٣ ص ٤٧)
هذه الكلمات تحمل دلالات عميقة.
1. الدفاع عن الإمامة كحق إلهي: صرخة الزهراء (عليها السلام) ليست مجرد استغاثة شخصية، بل إعلان واضح أن الإمامة ليست مسألة بشرية تُنتزع أو تُختار، بل هي حق إلهي محفوظ للإمام علي (عليه السلام) ومن بعده الأئمة من ذريته.
2.ارتباط الزهراء بالسنن الكونية: تفاعل الكون مع صرختها، حيث تقلعت أساسات المسجد، يُظهر مكانتها العظيمة كآية إلهية، إذ أن موقفها مرتبط بحركة الكون والعدل الإلهي.
3. الرسالة للعالم: تهديد الزهراء (عليها السلام) يحمل رسالة رمزية مفادها أن التعدي على أهل البيت (عليهم السلام) هو تعدٍ على إرادة الله، وأن عواقب ذلك ستكون وخيمة على الأمة.
تدخل أمير المؤمنين (عليه السلام): الحكمة في إدارة الموقف
في خضم هذا الحدث العاطفي، أظهر الإمام علي (عليه السلام) حكمته حين أرسل سلمان المحمدي (رضي الله عنه) برسالة تهدئة إلى الزهراء (عليها السلام):
"يا سلمان، اذهب إلى فاطمة وقل لها: إن أباك بُعث رحمةً فلا تكوني نقمة."
قال سلمان: فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها حتى لو أراد رجل أن ينفذ من تحتها نفذ، فدنوت منها وقلت: يا سيدتي ومولاتي إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها، فدخلت في خياشيمنا،(المصدر نفسه)
أهمية تدخل الإمام علي (عليه السلام).
1.التوازن بين الرحمة والعدالة: الإمام علي (عليه السلام) أدرك أن صرخة الزهراء قد تؤدي إلى عواقب كونية جسيمة، لذا اختار التهدئة مع الحفاظ على المبدأ، مؤكدًا أن رسالة النبي (صلى الله عليه وآله) قائمة على الرحمة، حتى في مواجهة الظلم.
2. حفظ الأمة: الإمام كان يرى أن الهلاك الفوري للأمة قد يُنهي الفرصة للإصلاح المستقبلي، فكان تدخل الإمام بمثابة منع حدوث كارثة أكبر.
3. التكامل بين الإمامة والنبوة: الإمام علي (عليه السلام) أعاد التأكيد على أن النبوة كانت "رحمة للعالمين"، والإمامة امتداد لها، ما يعني أن الدفاع عن الإمامة يجب أن يتم ضمن إطار الرحمة الإلهية.
التكامل بين موقف الزهراء والإمام علي (عليهما السلام)هذا الموقف يظهر وحدة الهدف بين الإمام علي والزهراء (عليهما السلام)
1.الزهراء (عليها السلام) كرمز للغضب الإلهي: صرختها كانت تعبيرًا عن استحقاق أهل البيت (عليهم السلام) للولاية، وتذكيرًا للأمة بأنهم المنار الإلهي الذي لا يجوز الابتعاد عنه.
2. الإمام علي (عليه السلام) كرمز للحكمة الإلهية: بتدخله، أعطى الإمام درسًا في كيفية مواجهة الظلم دون التخلي عن المبادئ، وأكد على أهمية الصبر في تحقيق الإصلاح.
3. التكامل الرسالي: موقفهما معًا يعكس التكامل بين العاطفة والرحمة من جهة، والعقل والحكمة من جهة أخرى، مما يبرز أهمية القيادة الإلهية في إدارة الأزمات.
الدروس المستفادة من الحادثة.
1. الدفاع عن الحق مسؤولية الجميع: موقف الزهراء (عليها السلام) يلهمنا الشجاعة في الوقوف بوجه الظلم والدفاع عن المبادئ الإلهية.
2. الحكمة في مواجهة الأزمات: تصرف الإمام علي (عليه السلام) يعلمنا أهمية التفكير الهادئ واتخاذ القرارات التي تراعي المصلحة البعيدة المدى للأمة.
3. أهمية الإمامة والولاية: الحدث يوضح أن الإمامة ليست مجرد منصب قيادي، بل هي محور الرسالة الإسلامية التي بدونها تختل الموازين.
صرخة الزهراء (عليها السلام) وتدخل الإمام علي (عليه السلام) يمثلان درسين خالدين في كيفية الدفاع عن الحق والولاية الإلهية. موقفهما يظهر أنه حتى في أشد لحظات الظلم، يجب أن يكون الدفاع عن المبادئ مبنيًا على الحكمة والرحمة، بما يضمن استمرار الرسالة وتحقيق العدل الإلهي في وقته المناسب.
واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلّى الله على محمد
وآل محمد الطيبين الطاهرين







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN