Logo

بمختلف الألوان
في وطنٍ تئنُّ روحه من ثِقل الأيام، وتتوقُّ أجياله إلى فجرٍ يمحو ظلام اليأس، انبعث نورٌ من قلب مدينة مقدسة، نورٌ يملأ الوطن ضياءً، وأيدٍ أمينة تعانق آماله واحلامه. سطع نور العتبة العباسية المقدسة، التي لطالما كانت مَوئِلاً للعلم والمعرفة، لتتجاوز دورها الديني وتصبح حاضنة حقيقية للطاقات الشابة،... المزيد
أخر المواضيع


مرحبا بكَ زائرنا العزيز
نتمنى أن تكون في تمام الصحة والعافية

تحذير! هل انت متأكد من حذف هذا المقال مع الردود عليه ؟
واجبات وحقوق المعلم: الاخلاص (وألزمهم كلمة التقوى) (ح 21)

منذ 6 شهور
في 2025/04/29م
عدد المشاهدات :2618
بيت القصيد
أي فرد من أفراد المجتمع لا بد أنه تلقى نوعاً من التعليم. لذلك فالمعلم هو الأب الثاني بعد الأب من التولد وتصبح أهميته الاجتماعية تليه بل أحيانا تفوقه. فتقع على المعلم كموظف واجبات تفوق الموظفين الآخرين لانه يتعامل بشكل يومي مع الطالب في حين ان الموظف الآخر يتعامل مع المراجع عند مراجعته المحدودة عددا ووقتا. ويصبح اختيار المعلم للتعليم تفوق كثيرا اختيار الموظف عند التعيين. سلسلة المقالات الاجتماعية هذه تتطرق الى واجبات وحقوق المعلم.
وردت مشتقات الالتزام في القرآن الكريم: أَنُلْزِمُكُمُوهَا، أَلْزَمْنَاهُ، لِزَامًا، وَأَلْزَمَهُمْ. جاء في موقع جامع الكتب الاسلامية عن حقوق المعلِّم وواجباته: المُعَلِّم الرسالي المنشود: المعلم الرسالي عاملٌ بما يعلم ويُعلِّم، فهو صورة ينعكس فيها ما قد علّمه لطلابه، يقرأون فيها أقواله وتوجيهاته وإشاراته، فالعلم عنده للعمل لا للترف الذهني، أو الترويض العقلي، أوالتذوق البياني والخطابي، وهو يشعر بمسئوليته نحو هذا العلم تتعلق بشخصه وبمن جعلهم الله تحت ولايته كأولاده ومن في حكمهم مثل هؤلاء الطلاب، وقد كان السلف يدققون في اختيار العلماء والمؤدبين لأبنائهم، قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: "كانت أمي تُعممني وتقول لي: اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه". وكلما اتسعت دائرة علمه كلما عظمت درجة المسئولية، فعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَتَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلاَهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ. فمقام المعلم جد خطير إذ أن أعين المتعلمين معقودة به يتخذونه مثالاً يُقتدى ونموذجاً يحتذى، ويرون كل قولٍ يخرج منه صواباً، وكل فعل يصدر عنه صحيحاً، فلينظر كل معلم، كم يُصلِح من الناس وكم يُفسِد فالتعليم بالقدوة أعظم تأثيراً وأقوى حجةً منه بمجرد الكلام والبيان، فكيف إذا كان الفعل يخالف القول، والسلوك يصادم التوجيه، وقد نعى القرآن الكريم على بني إسرائيل كما في قوله: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ" (البقرة 44)، وقوله: "مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" (الجمعة 5)، وأنكر على المؤمنين أن يسلكوا هذا السبيل فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3)" (الصف 2-3). عَنْ أَبِى وَائِلٍ، قَالَ قِيلَ لأُسَامَةَ لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا فَكَلَّمْتَهُ. قَالَ إِنَّكُمْ لَتَرَوْنَ أَنِّى لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ، إِنِّى أُكُلِّمُهُ فِى السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ، وَلاَ أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَىَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ شَىْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالُوا وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ (يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِى النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِى النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ، فَيَقُولُونَ أَىْ فُلاَنُ، مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ قَالَ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ). وعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ بَعْدِي مُنَافِقٌ عَليِمُ اللِّسَانِ). أما المُعَلِّم غير الرسالي فلا يوجد عنده تلازم بين الأمرين، بين ما يَعْلَمُه ويُعلِّمه وبين ما يلتزم به، فالالتزام بالنسبة له أمر اختياري طوعي، ولا يشعر بأي قصور في أداء واجبه الوظيفي إن هو لم يلتزم بما عَلِم وعلَّم، وكم يكون لهذا الفهم والسلوك المبني عليه من أثر سيئ وسلبي على طلابه في تشكيل قناعاتهم، وفي تجاوبهم مع ما يسمعون، وأشد منه ما يُحدثه في نفوسهم من نزاعٍ شرس وفصامٍ نَكِد بين ما يسمعون وبين ما يشاهدون، ومهما بالغنا في إقناع الناس بوجوب التفريق بين ما يقوله العالم وبين ما يمارسه، فلن يجدي ذلك نفعاً، فصورة الفعل تعلق بالنفوس والعقول أكثر من رنين القول، أرأيتم كم يكون أثر الطبيب المُدخن أو المخمور سيئاً على الناس، فكذلك بل أشد أثر العالم أو المعلِّم المتساهل، فذاك معالج الأبدان وهذا معالج القلوب والنفوس، وقد رُوي عن علي رضي الله عنه قوله: قصم ظهري رجلان، جاهل متنسك، وعالم متهتك، ذاك يغرُّهم بتنسكه، وهذا يُضلُّهم بتهتّكه.

وعن العناية بالتخصص: الاهتمام بالتخصص والعناية به والسعي لبلوغ الذروة فيه ينبغي أن يكون من شأن المعلم الرسالي، لأنه سيكون مرجعاً لطلابه يسألونه ويستفتونه به، ويلتزمون بما يمليه عليهم ويوجههم إليه، وينقلون هذا عنه إلى غيرهم مِن زملائهم أو طلابهم حينما يتصدون للتعليم فيما بعد، فلا بد من العناية بهذا الأمر عنايةً فائقةً والتأكد من صحة المعلومات وصحة العلاقة بينها وبين النتائج المستنبطة منها، وعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ يَوْمًا لِأَصْحَابِهِ: "مَنْ أَحْوَجُ النَّاسِ إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ " قَالُوا: قُلْ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ قَالَ: "لَيْسَ أَحَدٌ أَحْوَجَ إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ مِنَ الْعَالِمِ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْجَهْلُ بِأَحَدٍ أَقْبَحَ بِهِ مِنَ الْعَالِمِ" وقَالَ ابْنُ مَنَاذِرَ: "سَأَلْتُ أَبَا عَمْرِو بْنَ الْعَلَاءِ حَتَّى مَتَى يَحْسُنُ بِالْمَرْءِ أَنْ يَتَعَلَّمَ فَقَالَ:" مَا دَامَ تَحْسُنُ بِهِ الْحَيَاةُ "وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْكِتَابِ سُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ" مَنْ أَحْوَجُ النَّاسِ إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ قَالَ: أَعْلَمُهُمْ، إِنَّ الْخَطَأَ مِنْهُ أَقْبَحُ "وَقَالَ مَنْصُورُ بْنُ الْمَهْدِيِّ" لِلْمَأْمُونِ: أَيَحْسُنُ بِالشَّيْخِ أَنْ يَتَعَلَّمَ فَقَالَ: "إِنْ كَانَ الْجَهْلُ يَعِيبُهُ فَالتَّعَلُّمُ يَحْسُنُ بِهِ" وعن ابْنِ أَبِي غَسَّانَ قالَ: "لَا تَزَالُ عَالِمًا مَا كُنْتَ مُتَعَلِّمًا فَإِذَا اسْتَغْنَيْتَ كُنْتَ جَاهِلًا" ونحن نعيش في عصر تميز بمراعاة التخصص الدقيق، وشرعنا أيضا يهتمُّ بالتخصص ويوليه عناية فائقة، فمن ذا الذي يحيط بأنواع العلوم كلها قال تعالى "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" (النحل 43)، وقال تعالى: "وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً" (النساء 83). والعناية بالتخصص لا يعني إهمال التخصصات الأخرى لاسيما ذوات العلاقة، بل لا بُدّ مِن الحصول على قدر ما يخدم التخصص حيث يُقدم لطلابه نسيجاً متناسقاً يشد بعضه بعضاً، بعيداً عن التنافر والتناقض. المعلم الرسالي يحترم آداب المهنة وأخلاقياتها، ويقوم بالعدل والقسط، لا يردُّه عن ذلك عداوة ولا صداقة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (المائدة 8). فلو أراد أن يعاقب الطالب على تقصير وقع فيه فعلى قدر التقصير لا يتجاوزه إلى التشفي والانتقام، وللأسف الشديد يذهب أحياناً بعض الطلبة خاصةً في مرحلة الدراسات العليا ضحية التهارش والتنافس غير الكريم بين بعض الأساتذة في المناقشات العلمية في أمور لا ناقة للطالب فيها ولا جمل، بل هو مجرد صراع شخصي أو مدرسي أو مذهبي. وحينما نصف المعلم الرسالي بالأوصاف العليا والسمات النبيلة ونطالبه أن يكون مثلاً يحتذى وقدوة صالحة لطلابه، فهذا لا يعني أن يكون ذلك على حساب المهنة بحيث يعطيهم من التقييم فوق ما يستحقون، ويدفعهم إلى مواقع لا تؤهلهم قدراتهم العلمية لها، فهنا لا محاباة ولا مداراة بل القسط القسط، كما أنه لا ظلم ولا غمط لحقوقهم، فالعدل قامت عليه السموات والأرض، ويصلح عليه أمر الكون وأمر الناس.

من واجبات المعلم الالتزام بالقوانين والدوام جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: قوله تعالى عن الالتزام "إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَىٰ وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا" الفتح 26 التعصّب (وحمية الجاهلية) أكبر سدٍّ في طريق الكفّار: والاية الثانية تتحدّث مرّة أُخرى عن (مجريات) الحديبيّة وتجسّم ميادين أُخرى من قضيتها العظمى فتشير أوّلاً إلى واحد من أهم العوامل التي تمنع الكفار من الإيمان بالله ورسوله والإذعان والتسليم للحق والعدالة فتقول: "إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية". ولذلك منعوا النّبي والمؤمنين أن يدخلوا بيت الله ويؤدّوا مناسكهم وينحروا (الهدي) في مكّة. وقالوا لو دخل هؤلاء الذين قتلوا آباءنا وإخواننا في الحرب أرضنا وديارنا وعادوا سالمين فما عسى أن تقول العرب فينا وأية حيثية واعتبار لنا بعد هذا الكبر والغرور والحميّة ـ حمية الجاهلية ـ منعتهم حتى من كتابة (بسم الله الرحمن الرحيم) بصورتها الصحيحة عند تنظيم معاهدة صلح الحديبيّة، مع أنّ عاداتهم وسننهم كانت تجيز العُمرة وزيارة بيت الله للجميع، وكانت مكّة عندهم حرماً آمناً حتى لو وجد أحدهم قاتل أبيه فيها أو أثناء المناسك فلا يناله منه سوء وأذى لحرمة البيت عنده، فهؤلاء ـ بهذا العمل ـ هتكوا حرمة بيت الله والحرم الآمن من جهة، وخالفوا سننهم وعاداتهم من جهة أخرى، كما أسدلوا ستاراً بينهم وبين الحقيقة أيضاً، وهكذا هي آثار حمية الجاهلية المميتة. (الحمية) في الأصل من مادة حَمي ـ على وزن حمد ـ ومعناها حرارة الشمس أو النّار التي تصيب جسم الإنسان وما شاكله، ومن هنا سمّيت الحُمّى التي تصيب الإنسان بهذا الاسم (حُمّى) على وزن كبرى، ويقال لحالة الغضب أو النخوة أو التعصّب المقرون بالغضب حمية أيضاً. وهذه الحالة السائدة في الأُمم هي بسبب الجهل وقصور الفكر والإنحطاط الثقافي خاصةً بين (الجاهليّين) وكانت مدعاة لكثير من الحروب وسفك الدماء. ثمّ تضيف الآية الكريمة ـ وفي قبال ذلك ـ (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين). هذه السكينة التي هي وليدة الإيمان والإعتقاد بالله والإعتماد على لطفه دعتهم الى الإطمئنان وضبط النفس وأطفأت لهب غضبهم حتى أنّهم قبلوا ـ ومن أجل أن يحفظوا ويرعوا أهدافهم الكبرى بحذف جملة (بسم الله الرحمن الرحيم) التي هي رمز الإسلام في بداية الأعمال وأن يثبتوا ـ مكانها (بسمك اللّهمَّ) التي هي من موروثات العرب السابقين ـ في أوّل المعاهدة وحذفوا حتى لقب (رسول الله) التي يلي اسم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم. وقبلوا بالعودة إلى المدينة من الحديبيّة دون أن يستجيبوا لهوى عشقهم بالبيت ويؤدّوا مناسك العمرة ونحروا هديهم خلافاً للسنّة التي في الحج أو العمرة في المكان ذاته وأحلّوا من احرامهم دون أداء المناسك. أجل، لقد رضوا بمرارة أن يصبروا إزاء كلّ المشاكل الصعبة، ولو كانت فيهم حميّة الجاهلية لكان واحد من هذه الأُمور الآنفة كفيلاً أن يشعل الحرب بينهم في تلك الأرض. أجل.. إنّ الثقافة الجاهلية تدعو إلى (الحمية) و (التعصّب) و(الحفيظة الجاهلية)، غير أنّ الثقافة الإسلامية تدعو إلى (السكينة) و (الإطمئنان) و(ضبط النفس).

ويستطرد الشيخ الشيرازي في تفسيره الأمثل عن الآية الفتح 26 قائلا: ثمّ يضيف القرآن في هذا الصدد قائلاً: "وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحقّ بها وأهلها". (كلمة) هنا بمعنى (روح)، ومعنى الآية أنّ الله ألقى روح التقوى في قلوب أولئك المؤمنين وجعلها ملازمة لهم ومعهم، كما نقرأ في هذا المعنى أيضاً الآية (171) من سورة النساء في شأن عيسى بن مريم إذ تقول الآية: "إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ" (النساء 171). واحتمل بعض المفسّرين أنّ المراد من "كلمة التقوى" الفتح 26 ما أمر الله به المؤمنين في هذا الصدد. إلاّ أنّ المناسب هو (روح التقوى) التي تحمل مفهوماً تكوينياً، وهي وليدة الإيمان والسكينة والإلتزام القلبي بأوامر الله سبحانه، لذا ورد في بعض الروايات عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ المراد بكلمة التقوى هو كلمة لا إله إلاّ الله، وفي رواية عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه فسّرها بالإيمان. ونقرأ في بعض خطب النّبي صلى الله عليه وآله وسلم قوله: (نحن كلمة التقوى وسبيل الهدى) وشبيه بهذا التعبير ما نُقل عن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام قوله: (ونحن كلمة التقوى والعروة الوثقى). وواضح أنّ الإيمان بالنبوّة والولاية مكمل للإيمان بأصل التوحيد ومعرفة الله لأنّهما جميعاً داعيانِ إلى الله ومناديان للتوحيد. وعلى كلّ حال فإنّ المسلمين لم يُبتلوا في هذه اللحظات الحسّاسة بالحميّة والعصبية والنخوة والحفيظة، وما كتب الله لهم من العاقبة المشرفة في الحديبيّة لم تمسسْه نار الحمية والجهالة. لأنّ الله يقول: "وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحقّ بها وأهلها" الفتح 26. وبديهي أنّه لا يُنتظر من حفنة عتاة وجهلة وعبدة أصنام سوى (حميّة الجاهلية) ولا ينتظر من المسلمين الموحّدين الذين تربّوا سنين طويلة في مدرسة الإسلام مثل هذا الخلق والطباع الجاهلية، ما ينتظر منهم هو الإطمئنان والسكينة والوقار والتقوى، وذلك ما أظهروه في الحديبيّة ولكن بعض حاديّ الطبع والمزاج أوشكوا على كسر هذا السدّ المنيع بما يحملوه من أنفسهم من ترسبات الماضي وأثاروا البلبلة والضوضاء، غير أنّ سكينة النّبي صلى الله عليه وآله وسلم و وقاره كانا كمثل الماء المسكوب على النّار فأطفأها. وتُختتم الآية بقوله سبحانه: "وكان الله بكلّ شيء عليماً". فهو سبحانه يعرف نيّات الكفّار السيئة ويعرف طهارة قلوب المؤمنين أيضاً فينزل السكينة والتقوى عليهم هنا، ويترك أُولئك في غيّهم وحميّتهم حميّة الجاهلية، فالله يشمل كلّ قوم وأمّة بما تستحقّه من اللطف والرحمة أو الغضب والنقمة
الانقسام الاجتماعي في العراق من التناحر إلى الوحدة الإيمانية رؤية قرآنية
بقلم الكاتب : وائل الوائلي
إن العراق، ذلك البلد المبارك الذي ازدان بضياء النهرين وتراث الأنبياء، ظلّ عبر تاريخه الحديث يعاني من آفة التناحر والانقسام، حتى كادت نيران الفرقة أن تلتهم أخضرَه ويابسَه. ولئن تعددت مظاهر هذا الانقسام بين حزبيةٍ طاغية، وعشائريةٍ متجذرة، وطائفيةٍ مميتة، فإن المنهج القرآني يظلّ المنار الوضاء الذي... المزيد
المزيد من المقالات الإجتماعية

المزيد من المقالات الثقافية

مازلتُ غريقا في جيبِ الذكرياتِ المُرّةِ، أحاولُ أن أخمدها قليلا ؛لكنّ رأسها... المزيد
رُوَّادُ الولاء : شعراء أضاءوا بالحقِّ فطُمِسَ نورُهم لطالما تهادت على بساط... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه،... المزيد
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد... المزيد
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى.... المزيد
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي... المزيد
في قريةٍ صغيرةٍ محاطةٍ بجبالٍ شاهقة، عاش رجلٌ يدعى هشام، معروفٌ بحكمته وطيب قلبه، لكنه كان...
في فضاءات القصيدة العراقية، ينهض فالح حسون الدراجي كصرحٍ شعريٍّ نادر، يُجسّد آلام أمةٍ...
في زاوية السوق، جلس رجل أشيب، يضم كفيه الفارغتين إلى صدره كمن يحمي كنزًا لا يُرى. كان اسمه...
حين نتحدث عن الأجناس الأدبية التي تتصدر المشهد الثقافي العربي عامة، والعراقي خاصة، نُشَخِّص...


منذ 1 اسبوع
2025/11/03
عندما نقرا تاريخ الكرة الاسيوية ونحدد فترة معينة يمكن من خلالها معرفة من هم كبار...
منذ 1 اسبوع
2025/11/02
سلسلة مفاهيم في الفيزياء الجزء الثالث والسبعون: عودة الميكانيكا البوهمية: لماذا...
منذ اسبوعين
2025/10/31
عندما نفكّر اليوم في القنبلة النووية تنبثق أمامنا صورة طاقة هائلة تُطلق في لحظات...
رشفات
( مَن صبر أُعطي التأييد من الله )