عن تفسير الميزان للسيد الطباطبائي: قوله عز من قائل "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ۚ مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ" المائدة 66 المراد بالتوراة والإنجيل الكتابان السماويان اللذان يذكر القرآن أن الله أنزلهما على موسى وعيسى عليه السلام دون ما بأيدي القوم من الكتب التي يذكر أنه لعبت بها يد التحريف. والظاهر أن المراد بما أنزل إليهم من ربهم سائر الكتب المنسوبة إلى الأنبياء الموجودة عندهم كمزامير داود الذي يسميه القرآن بالزبور، وغيره من الكتب. وأما احتمال أن يكون المراد به القرآن فيبعده أن القرآن نسخ بأحكامه شرائع التوراة والإنجيل فلا وجه لعدهما معه وتمني أن يكونوا أقاموهما مع القرآن الناسخ لهما، والقول بأن العمل بالقرآن عمل بهما أيضا، كما أن العمل بالأحكام الناسخة في الإسلام عمل بمجموع شرائع الإسلام المتضمنة للناسخ والمنسوخ جميعا لكون دين الله واحدا لا يزاحم بعضه بعضا، غاية الأمر أن بعض الأحكام مؤجلة موقوتة من غير تناقض يدفعه أن الله سبحانه عبر عن هذا العمل بالإقامة وهي حفظ الشيء على ساق، ولا يلائم ذلك الأحكام المنسوخة بما هي منسوخة، فإقامة التوراة والإنجيل إنما يصح حين كانت الشريعتان لم تنسخا بشريعة أخرى، والإنجيل لم ينسخ شريعة التوراة إلا في أمور يسيرة. على أن قوله تعالى: "وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ" يعدهم منزلا إليهم، وغير معهود من كلامه تعالى أن يذكر أن القرآن نزل إليهم. فالظاهر أن المراد بما أنزل إليهم من ربهم بعد التوراة والإنجيل سائر الكتب وأقسام الوحي المنزلة على أنبياء بني إسرائيل كزبور داود وغيره، والمراد بإقامة هذه الكتب حفظ العمل العام بما فيها من شرائع الله تعالى، والاعتقاد بما بين الله تعالى فيها من معارف المبدأ والمعاد من غير أن يضرب عليها بحجب التحريف والكتمان والترك الصريح، فلو أقاموها هذه الإقامة لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم. وأما قوله تعالى: "لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ" فالمراد بالأكل التنعم مطلقا سواء كان بالأكل كما في مورد الأغذية أو بغيره كما في غيره، واستعمال الأكل في مطلق التصرف والتنعم من غير مزاحم شائع في اللغة. والمراد من فوقهم هو السماء، ومن تحت أرجلهم هو الأرض، فالجملة كناية عن تنعمهم بنعم السماء والأرض وإحاطة بركاتهما عليهم نظير ما وقع في قوله تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ" (الأعراف 96). والآية من الدليل على أن لإيمان هذا النوع أعني نوع الإنسان وأعماله الصالحة تأثيرا في صلاح النظام الكوني من حيث ارتباطه بالنوع الإنساني فلو صلح هذا النوع صلح نظام الدنيا من حيث إيفائه باللازم لحياة الإنسان السعيدة من اندفاع النقم ووفور النعم. ويدل على ذلك آيات أخرى كثيرة في القرآن بإطلاق لفظها كقوله تعالى "ظَهَرَ الْفَسادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلُ كانَ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكِينَ": (الروم 42) وقوله تعالى "وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ" (الشورى 30) إلى غير ذلك وقد تقدم بعض ما يتعلق به من الكلام في البحث عن أحكام الأعمال في الجزء الثاني من هذا الكتاب. قوله تعالى "مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ ساءَ ما يَعْمَلُونَ" الاقتصاد أخذ القصد وهو التوسط في الأمور فالأمة المقتصدة هي المعتدلة في أمر الدين والتسليم لأمر الله. والكلام مستأنف أريد به بيان حال جميع ما نسب إليهم من التعدي عن حدود الله والكفر بآيات الله ونزول السخط واللعن على جماعتهم أن ذلك كله إنما تلبس به أكثرهم وهو المصحح لنسبة هذه الفظائع إليهم وأن منهم أمة معتدلة ليست على هذا النعت وهذا من نصفة الكلام الإلهي حيث لا يضيع حقا من الحقوق ويراقب إحياء أمر الحق وإن كان قليلا. وقد تعرض لذلك أيضا في مطاوي الآيات السابقة لكن لا بهذه المثابة من التصريح كقوله "وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فاسِقُونَ" وقوله "وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ" إلخ وقوله "وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً".
جاء في تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي: قوله عز من قائل وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ" (المائدة 65-66). أمر سبحانه نبيه بالتبليغ، ووعده العصمة والنصرة، فقال "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ"، وهذا نداء تشريف وتعظيم "بلغ" أي: أوصل إليهم "مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ". أكثر المفسرون فيه الأقاويل فقيل: إن الله تعالى بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم برسالة ضاق بها ذرعا، وكان يهاب قريشا، فأزال الله بهذه الآية تلك الهيبة، عن الحسن. وقيل يريد به إزالة التوهم من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتم شيئا من الوحي للتقية، عن عائشة. وقيل غير ذلك. وروى العياشي في تفسيره بإسناده عن ابن عمير، عن ابن أذينة، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، وجابر بن عبد الله، قالا: أمر الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم أن ينصب عليا عليه السلام للناس، فيخبرهم بولايته، فتخوف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقولوا: حابى ابن عمه، وأن يطعنوا في ذلك عليه، فأوحى الله إليه هذه الآية، فقام بولايته يوم غدير خم وهذا الخبر بعينه قد حدثناه السيد أبو الحمد، عن الحاكم أبي القاسم الحسكاني، بإسناده عن ابن أبي عمير في كتاب شواهد التنزيل لقواعد التفصيل والتأويل. وفيه أيضا بالإسناد المرفوع إلى حيان بن علي الغنوي، عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية في علي عليه السلام، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده عليه السلام، فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ". وقد أورد هذا الخبر بعينه أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في تفسيره بإسناده مرفوعا إلى ابن عباس، قال: نزلت هذه الآية في علي عليه السلام أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبلغ فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيد علي عليه السلام، فقال: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه) وقد اشتهرت الروايات عن أبي جعفر، وأبي عبد الله عليهما السلام أن الله أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يستخلف عليا عليه السلام، فكان يخاف أن يشق ذلك على جماعة من أصحابه، فأنزل الله تعالى هذه الآية تشجيعا له على القيام بما أمره الله بأدائه. والمعنى: إن تركت تبليغ ما أنزل إليك، وكتمته، كنت كأنك لم تبلغ شيئا من رسالات ربك في استحقاق العقوبة. وقال ابن عباس: معناه إن كتمت آية مما أنزل إليك فما بلغت رسالته أي: لم تكن ممتثلا بجميع الأمر "وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" أي: يمنعك من أن ينالوك بسوء "إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" قيل فيه قولان أحدهما: إن معنى الهداية هنا أنه سبحانه لا يهديهم بالمعونة، والتوفيق، والألطاف إلى الكفر، بل إنما يهديهم إلى الإيمان، لان من هداه إلى غرضه، فقد أعانه على بلوغه عن علي بن عيسى، قال: ولا يجوز أن يكون المراد لا يهديهم إلى الايمان، لأنه تعالى هداهم إلى الإيمان، بأن دلهم عليه، ورغبهم فيه، وحذرهم من خلافه والآخر إن المراد لا يهديهم إلى الجنة والثواب، عن الجبائي. وفي هذه الآية دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحة نبوته من وجهين أحدهما: انه وقع مخبره على ما أخبر به فيه وفي نظائره، فدل ذلك على أنه من عند عالم الغيوب والسرائر. والثاني: انه لا يقدم على الإخبار بذلك إلا وهو يأمن أن يكون مخبره على ما أخبر به، لأنه لا داعي له إلى ذلك إلا الصدق. وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لما نزلت هذه الآية، قال لحراس من أصحابه، كانوا يحرسونه، منهم سعد وحذيفة: الحقوا بملاحقكم، فإن الله تعالى عصمني من الناس.
وعن تفسير الجلالين لجلال الدين السيوطي: قوله عز من قائل "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم " مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ " وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ" (المائدة 66) "ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل" بالعمل بما فيهما ومنه الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم "وما أنزل إليهم" من الكتب "من ربِّهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم" بأن يوسع عليهم الرزق ويفيض من كل جهة، "منهم أمَّة" جماعة "مقتصدة" تعمل به وهم من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأصحابه، "وكثير منهم ساء" بئس "ما" شيئا "يعملون" ـه.
عن الأقلية العرقية "وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَة " (هود 118): وهي مجموعة سكانية "رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ" (ال عمران 9) تختلف عن بقية السكان على أساس صفات بيولوجية كلون البشرة "قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا" (البقرة 69)، أو لون العينين "يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ" (ال عمران 13)، الشعر أو طول القامة، فهذه الجماعة تشعر بأنها تنحدر من أصل"كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَة" (البقرة 213) أو عرق معين، ومن ثم فإنها تتميز بما تمتلكه من خصائص طبيعية موروثة. فمصطلح العرق"بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ" (المائدة 18) يقتصر على توصيف الخصائص البيولوجية طبيعياً، والتي تتأصل في عرق معين كما هو حال صفات الجنس الآري بألمانيا، والجنس الأصفر وغيرها.
عن شبكة الألوكة الشرعية مفهوم ومقومات الأمة في النص القرآني للكاتب الدكتور أسعد بن أحمد السعود: نذر الاستبدال والزوال: مِن الجدير بالذكر أن سورة (محمد) صلى الله عليه وسلم في القرآن العظيم قد جاءت بنُذر الاستبدال جليَّة واضحة قاطعةً، وذلك بوضع المعايير الربانية وحدود تجاوُزِها، وقبل أن نُورد مفردات الآيات التي أتتْ بتلك المعايير، علينا أن نذكر تنبيهًا مهمًّا جدًّا وهو: هناك فرق بيِّنٌ بين كلمة (استبدال) وكلمة (زوال) لغةً وشرعًا، فبالنسبة للزوال، فإن أمة محمد لن تزول مِن على وجه الأرض إلا بقيام الساعة، وبالنسبة للاستبدال أو التبدُّل أو التغير، فإن أمة محمد لن تتبدَّل أو تتغيَّر - أُمة متجسِّدة بالإسلام والمسلمين - طالَما بقِيت السماوات والأرض، إذًا من الذي يَطرأ عليه التبديل والتغيير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد 7). هم المؤمنون: 1-" ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ" (محمد 28). 2-" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ" (محمد 31). 3-" إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ" (محمد 36). 4-" إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ" (محمد 37). 5-" هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ" (محمد 38).







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN