لا يخفى على أحد ان العيد الذي يتعايشه الناس يوم الفطر والذي يعبرون فيه عن الفرح والابتهاج بالخروج للاحتفالات، وحتى اقامت المهرجانات التي تتسم في اغلبها بما يلتزم العمل المحرم، همهم الخروج من روتين الصيام الى الترفيه عن النفس والخروج عن الحالة التي عاشوها خلال الشهر الفضيل من جوع وعطش وتعب وعدم الرغبة بمتابعة النشاطات اليومية المعتادة كالعمل او حتى التنزه والترييح عن النفس.
لكن السؤال هنا ماذا يريد الشرع المقدس من هذا العيد الذي قد شرعه وجعله عيدا للمسلمين كما يذكره الامام في دعائه عند صلاة العيد بقوله: (اَسْاَلُكَ بِحَقِّ هذَا الْيَومِ الَّذي جَعَلْتَهُ لِلْمُسْلِمينَ عيداً، وَلُمحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ذُخْراً وَشَرَفاً وَمَزيْداً) بل نجد أن الائمة قد جعلوا أهمية وعظمة ليلة العيد كفضل ليلة النصف من شعبان، فقد رُوِيَ عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنَّهُ قال: "مَن أحیا لَیلةَ العِیدِ و لَیلةَ النِّصفِ مِن شَعبانَ، لَم یَمُتْ قَلبُهُ یَومَ تَموتُ القُلوبُ" بحار الأنوار : 88 / 132.
إن المفهوم القرآني الصحيح للعيد: هو أن في العيد تعود المفاهيم الراقية، أساساً أن كلمة العيد في اللغة، مأخوذة من العَود.. ففي كل سنة يعود ذلك اليوم، بما يختزل في ذلك اليوم المبارك من المعاني قيمة وعظيمة لا بساعاته وكيفية قضائها، وأكله ما تنوعته سفرته، وشربه وما اختلفة كؤوه، ولا غير ذلك.
فقد قال العلامة المجلسي: فَإِذَا صَارَتْ لَيْلَةُ عِيدِ الْفِطْرِ وَتُسَمَّى لَيْلَةَ مَنْحِ الْجَوَائِزِ، يُكَافِئُ اللَّهُ تَعَالَى الْعَامِلِينَ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ بِلَا حِسَاب.
وَعَنْ جَمِيلِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) قَالَ: إِذَا كَانَ صَبِيحَةُ يَوْمِ الْفِطْرِ نَادَى مُنَادٍ اغْدُوا إِلَى جَوَائِزِكُمْ" الكافي: 4 / 168.
أما من لم يُغفر له فأنى له أن يفرح ويمرح، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في خطبته المعروفة التي أدلى بها في الجمعة التي سبقت شهر رمضان: " فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللَّهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ" وسائل الشيعة: 10 / 313.
وكما قال الإمام علي (عليه السلام) في خطبته عَنِ الصَّادِقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (عليهم السلام) قَالَ: خَطَبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ (عليه السلام) لِلنَّاسِ يَوْمَ الْفِطْرِ فَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ يَوْمَكُمْ هَذَا يَوْمٌ يُثَابُ فِيهِ الْمُحْسِنُونَ وَيَخْسرُ فِيهِ الْمُسِيئُونَ، وَهُوَ أَشْبَهُ يَوْمٍ بِيَوْمِ قِيَامَتِكُمْ، فَاذْكُرُوا بِخُرُوجِكُمْ مِنْ مَنَازِلِكُمْ إِلَى مُصَلَّاكُمْ خُرُوجَكُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّكُمْ، وَاذْكُرُوا بِوُقُوفِكُمْ فِي مُصَلَّاكُمْ وُقُوفَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّكُمْ، وَاذْكُرُوا بِرُجُوعِكُمْ إِلَى مَنَازِلِكُمْ رُجُوعَكُمْ إِلَى مَنَازِلِكُمْ فِي الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ.
واعْلَمُوا عِبَادَ اللَّهِ أَنَّ أَدْنَى مَا لِلصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ أَنْ يُنَادِيَهُمْ مَلَكٌ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ أَبْشِرُوا عِبَادَ اللَّهِ فَقَدْ غُفِرَ لَكُمْ مَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَكُونُونَ فِيمَا تَسْتَأْنِفُون" الامالي: 100.
لذا نجد إن الإمام علي (عليه السلام) حينما رأى أحدهم يضحك في العيد، وكأنه مرتاح لما هو فيه؛ فنبهّه الإمام (عليه السلام) قائلاً: "ليس العيد لمن لبس الجديد، وإنما العيد لمن أمِنَ الوعيد)".. أي: إنما يفرح في هذا العيد من غُفر له، والذي يعيش حلاوة المغفرة الإلهية.. وإلا فالذي لا يرى شيئاً من علامات القبول في هذا الشهر، فكيف يفرح بالعيد، ويقتنع بلبس الجديد وما شابه ذلك كما هو الحال من أعمال عامة الناس..
ورويَ عن الامام الحسن بن على (عليه السلام) انه مرَ بقوم يلعبون في عيد الفطر فقال: "ان الله عز و جل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته الى رضوانه، فسبق فيه قوم ففازوا، و تخلف آخرون فخابوا، فالعجب كل العجب من الضاحك اللاعب في اليوم الذى يثاب فيه المحسنون و يخيب فيه المقصرون" ن لا يحضره الفقيه:1 / 511.
وقال الامام امير المؤمنين (عليه السلام): "کل يوم لا يعصى اللَّهُ فيه فَهُوَ عيد" نهج البلاغة طبعة صبحي الصالح: 852.
ولذا نجد إن الشرع المقدس يريد منا لإحياء هذا العيد المبارك في جملة من الاليات التي قد حددتها روايات أهل البيت (عليهم السلام) لنحي بها هذا اليوم العظيم:
منها - الخروج بعد الغسل متطيبا لا بسا أحسن اثوابه متعمما شتاء كان أو قيظا. أما الغسل فلما تقدم من الاخبار في باب الاغسال من كتاب الطهارة، ومن ذلك ما رواه الشيخ في الموثق عن عمار قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل ينسى أن يغتسل يوم العيد حتى يصلى قال ان كان في وقت فعليه ان يغتسل ويعيد الصلاة فان مضى الوقت فقد جازت صلاته.
وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن ابى عبد الله (عليه السلام) قال: (من لم يشهد جماعة الناس يوم العيدين فليغتسل وليتطيب بما وجد وليصل وحده كما يصلى في الجماعة، وقال: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال العيدان والجمعة).
قال الرضا (عليه السلام) في كتاب الفقه (وإذا أصبحت يوم الفطر اغتسل وتطيب وتمشط والبس أنظف ثيابك وأطعم شيئا قبل أن تخرج إلى الجبانة فاذا اردت الصلاة فأبرز تحت السماء وقم على الارض ولا تقم على غيرها وأكثر من ذكر الله تعالى) صلاة البحار ص 862.
وقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى: خذوا زينتكم عند كل مسجد قال: (أي خذوا زينتكم التي تتزينون بها للصلاة في الجُمُعات والأعياد) الوسائل الباب 14 من صلاة العيد.
ومنها - الاشتغال بالتكبير والدعاء في طريقه مما ذكر هنا وغيره مما تقدم ويأتي ان شاء الله تعالى، ومنها الوقوف حال التكبير.
وروى في كتاب دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) انه قال: "وينبغي لمن خرج إلى العيد أن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب بأحسن طيبه وقال عز وجل (يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) سورة الاعراف الآية 29.
قال ذلك في العيدين والجمعة، قال ينبغي للامام أن يلبس يوم العيد بردا وان يعتم شاتيا كان أو صائفا" الوسائل الباب 11 من صلاة العيد.
ومنها - الذهاب إلى المصلى من طريق والعود منه من آخر، بل الظاهر من الاخبار الاستحباب مطلقا: روى الصدوق في الفقيه عن السكوني "ان النبي صلى الله عليه وآله كان إذا خرج إلى العيدين لم يرجع في الطريق الذي بدأ فيه يأخذ في طريق غيره" الوسائل الباب 36 من صلاة العيد.
وروى في الكافي عن موسى بن عمر بن بزيع قال: "قلت للرضا (عليه السلام) ان الناس رووا ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا أخذ في طريق رجع في غيره فهكذا كان قال فقال. نعم فانا أفعله كثيرا ثم قال: أما انه ارزق لك" الوسائل الباب 36 من صلاة العيد..
مما مر ذكره نلاحظ حث الائمة على صورة احياء هذا اليوم العظيم بما يلزم فيه الطاعة والابتعاد عن معصية الله تعالى، وليس كما يفهمه عامة الناس من الإحياء بما يتضمن لامحالة من برامج وافعال توجب الحرمة وتقرب الى المعصية والعياذ بالله تعالى من مغريات الدنيا.







وائل الوائلي
منذ يومين
"المهمة".. إصدار قصصي يوثّق القصص الفائزة في مسابقة فتوى الدفاع المقدسة للقصة القصيرة
(نوافذ).. إصدار أدبي يوثق القصص الفائزة في مسابقة الإمام العسكري (عليه السلام)
قسم الشؤون الفكرية يصدر مجموعة قصصية بعنوان (قلوب بلا مأوى)
EN