المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
مميزات بيض السمان
2024-04-26
انواع السمان
2024-04-26
تمييز الجنس في السمان
2024-04-26
تعريف بعدد من الكتب / العلل للفضل بن شاذان.
2024-04-25
تعريف بعدد من الكتب / رجال النجاشي.
2024-04-25
أضواء على دعاء اليوم الثالث عشر.
2024-04-25

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


منهج الآمدي في الموازنة  
  
85094   01:56 مساءً   التاريخ: 4-6-2017
المؤلف : مصطفى عبد الرحمن إبراهيم
الكتاب أو المصدر : في النقد الأدبي القديم عند العرب
الجزء والصفحة : ص148-165
القسم : الأدب الــعربــي / النقد / النقد القديم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-3-2018 2974
التاريخ: 4-6-2017 85095
التاريخ: 23-7-2016 14503
التاريخ: 26-7-2017 8938

أولاً: يبدأ الآمدي بتحقيق النصوص الشعرية لكل من أبي تمام والبحتري وتصحيح نسبتها، وبيان ما فيها من اضطراب أو خطأ في الأوزان، وذلك بالرجوع الى النسخ القديمة. وهذه هي المرحلة الأولى في النقد المنهجي السليم.

ثانياً: ثم يعرض لآراء النقاد في الشاعرين، من المتعصبين لهذا أو ذاك وحجج كل فريق في تفضيل صاحبه.

وقد وجد أن بعض النقاد يجعلهما طبقة واحدة، أو يسوي بينهما، وبعضهم يرى ان شعر أبي تمام لا يتعلق بجيده جيد مثله، و رديئه مرذول ومطروح، فهو مختلف ليس في مستوى واحد وأن شعر البحتري مستو يشبه بعضه بعضا في صحة السبك وحسن الديباجة، وليس فيه رديء ولا مطروح.

وبعضهم يفضل البحتري لصحة عبارته، ووضوح معانيه، وحسن تلخصه، ووضعه الكلام، وهم الكتاب والشعراء المطبوعون وأهل البلاغة.

وبعضهم يفضل أبي تمام لدقة معانيه وغموضها، وهؤلاء هم أصحاب المعاني وشعراء الصنعة وأهل الفلسفة والكلام. وأنصار أبي تمام يفضلونه لأنه أسبق زمناً، والبحتري تلاه وأخذ عنه، ولأن جيده خير من جيد البحتري كما اعترف بذلك البحتري نفسه، ولأن جيد أبي تمام كثير، ولأنه انفرد بمذهب اخترعه وصار فيه إمام وهو مذهب الصنعة، ولأنه جمع بين  الشعر والعلم.

ويرد أيضاً لبحتري بأن البحتري لم يأخذ من أبي تمام، وأن قول البحتري جيده خير من جيدي، وردئي خير من رديئه، يدل على شعر أبي تمام شديد الاختلاف، وشعر البحتري شديد الاستواء، والمستوى أولى. ولم يبتدع أبو تمام المذهب الذي نسب إليه وهو البديع، وإنما سبقه مسلم بن الوليد، واما الجمع بين الشعر والعلم فليس بفضيلة، لأن شعر العلماء دون شعر الشعراء(2)

ثالثاً: يتناول (السرقات)(3)، فيجمع سرقات أبي تمام، ويردها الى أصولها، ويقف في كثير منها الى جانبه، مبيناً خطأ من اتهمه فيها بالسرقة كابن أبي طاهر لأنها من المعاني العامة المشتركة بين الناس، وهذا يدل على انصرافه وعلى صحة منهجه التحقيقي السليم.

وبعد أن يفرغ من ذلك، يأخذ في بيان سرقات البحتري على هذا النحو. ثم ينتقل الى دراسة أخطاء أبي تمام وهي:

1. أخطاء في الألفاظ والمعاني.

2. إسراف وقبح في البديع.

3. كثرة الزحافات واضطراب بعض الأوزان.

ثم تناول أخطاء البحتري، ولم يقف عندها طويلاً، لأنها أقل من أخطاء أبي تمام الذي خرج على عمود الشعر. وأخيراً يعرض بإنصاف الى محاسن كل منهما.

رابعاً: ثم يأخذ في (الموازنة) بين الشاعرين. وهي موازنة موضوعية، يتناول فيها الجزيئات، معنى معنى، ولفظاً لفظاً، ولا يرضى بالحكم العام، ولا بالنظرة الكلية في الموازنة بين الشاعرين، بل يوازن بين القصيدتين، أو بين المعاني الجزئية المنثورة في أبيات القصيدة.

يقول الآمدي "ولست أفصح بتفضيل أحدهما على الآخر (أي تفضيلاً مطلقاً)، ولكني أقارن بين قصيدتين من شعرهما إذا اتفقتا في الوزن والقافية وإعراب القافية، وبين معنى معنى، فأقول أيهما أشعر في تلك القصيدة، وفي ذلك المعنى، ثم أحكم انت حينئذ على جملة ما لكل واحد منهما إذا أحطت علما بالجيد من الرديء(4).

أهم القضايا النقدية في كتاب الموازنة:

1- الذوق ومقاييسه:

الآمدي ناقد عربي كبير عالج كثيراً من القضايا النقدية معتمداً على ذوقه الأدبي المصقول المثقف الذي كان يؤمن بأنه وسيلة الناقد لأحكامه النقدية في مجال الشعر والأدب وقد أبلى بلاء حسناً فيما عالجه من قضايا، وما قضى به من أحكام.

الملاحظ أن الآمدي حاول أن يضع بعض المقاييس النقدية التي تنبعث من الذوق الأدبي، فقال: " وليس الشعر عند أهل العلم به إلا حسن التأتي، وقرب المأخذ، واختيار الكلام ووضع الألفاظ في مواضعها، وأن يورد المعنى اللفظي المعتاد فيه والمستعمل في مثله، وأن تكون الاستعارات والتمثيلات لائقة بما استعيرت له، وغير منافرة لمعناه، فإن الكلام لا يلبس البهاء والرونق إلا إذا كان بهذا الوصف" (5).

وقال أيضاً: " والبلاغة إنما هي اصابة المعنى وإدراك الغرض بألفاظ سهلة عذبة مستعملة سليمة من التكلف، لا تبلغ الهذر الزائد على قدر الحاجة، ولا تنقص نقصاً يقف دون الغاية (6)".

وقال: " وينبغي أن تعلم أن سوء التأليف، ورديء اللفظ يذهب بطلاوة المعنى الدقيق ويفسده ويعميه حتى مستمعه الى طول تأمل (7)".

والمقاييس الموجودة في حديث الآمدي السابق هي:

1. حسن التأتي، الحسن للشعر هو الوصول الى المعنى دون تكلف، أو سوء تأليف، أو اضطراب أو فساد أو هذر زائد على قدر الحاجة، أو نقص تقف دونه الغاية.

2. قرب المأخذ، وهو يعني عدم الإغراب أو الإغراق في الحصول على المعنى البعيد وهذا يؤكد إيمان الآمدي بالوضوح، ولذا نبه على اختيار الألفاظ السهلة المستعملة.

3. أجود الشعر عند الآمدي أبلغه، والبلاغة عنده إنما هي إصابة المعنى وإدراك الغرض، والطريق الى بلوغ هذه الغاية هو الألفاظ السهلة المستعملة العذبة البعيدة عن التكلف، واختيار الكلام ووضع الألفاظ في مواضعها، واختيار اللفظ المستعمل مثله لمعناه.

4. ينبغي إتماماً للوضوح والبلاغة –أن تكون الاستعارات لائقة بما استعيرت له، وغير منافرة لمعناه.

5. للعبارة الأدبية قيمة كبيرة ووزن عظيم عند الآمدي، فبراعة اللفظ تزيد المعنى المكشوف بهاء وحسناً ورونقاً حتى كأنه أحدث فيه غرابة لم تكن، وزيادة لم تعهد، ومن هنا فسوء التأليف ورديء اللفظ يذهب بطلاوة المعنى الدقيق ويفسده.

ومقاييس الآمدي تنبعث من الذوق الأدبي، فحديثه عن حسن التأني في الوصول الى المعاني دون اضطراب أو تكليف في حديثه عن رأيه عن قرب المأخذ والوضوح، ورأيه في أن الطريق إلى بلوغ الهدف إنما هو اللفظ السهل المستعمل العذب الدقيق، وحديثه عن الاستعارات اللائقة بما استعيرت له، وغير المنافرة للمعنى، ورأيه في أن المعنى المكشوف يزداد بهاء ورونقاً وحسناً باللفظ العذب والعبارة الأدبية الأنيقة –حديثه عن هذا وذاك لا يتصادم مع الذوق الأدبي وبل ينبع منه ويصدر عنه، ولذا فمقاييسه النقدية مقاييس ذوقية (8).

2- العمودية أو عمود الشعر.

إن الآمدي يطبق في النقد نظرية عمود الشعر العربي تطبيقاً كاملاً، فالبحتري عنده هو الشاعر لأنه يحرص على كل القيم الرفيعة التي شرعها وحرص عليها الشعراء القدماء، ومن امرئ القيس الى ابن هرمه وبشار، في اللفظ والمعنى والأسلوب والخيال، وفي اللغة والوزن والصورة الشعرية، وغير ذلك لا يخرج عليها، ولا يبعد عنها، مع صحة الطبع، وجودة السبك وقوة الملكة.

وفي موازنة الآمدي بين الشاعرين أبي تمام والبحتري، " يطبق أبو القاسم الآمدي نظريته هذه (العمودية أو عمودية الشعر) تطبيقاً واسعاً وجريئاً وثرياً على الشاعرين، فيرى البحتري يسير مع القدماء في أدائهم وأساليبهم وأخيلتهم ومعانيهم وصورهم ويرى أبو تمام يبعد عن القدماء في ذلك بعداً كثيراً، وهو في كل ذلك خاضع لمنهج، ومتأثر بنظرية، ومطبق لمذهب، ومن أجل ذلك أثنى على البحتري وقسى على أبي تمام، حتى لقد رمي بسببه بالتعصب على أبي تمام والانتصار للبحتري(9).

يقول الآمدي في مطلع موازنته: "أكثر من شاهدته ورأيته من رواة الأشعار المتأخرين يزعمون أن شعر أبي تمام حبيب بن أوس الطائي لا يتعلق بجيد أمثاله، و رديئه مطروح ومرذول، فلهذا كان مختلفا لا يتشابه، وأن شعر الوليد بن عبيد البحتري صحيح السبك، حسن الديباجة وليس فيه سفساف لا رديء ولا مطروح، ولهذا صار مستوياً يشبه بعضه بعضاً: " (10)

ثم يقول بعد ذلك: " ولست أحب أن أطلق القول بأيهما أشعر عندي، لتباين الناس في العلم، واختلاف مذاهبهم في الشعر، ولا أرى لأحد ان يفعل ذلك فيستهدف لذم أحد الفريقين، لأن الناس لم يتفقوا على أي الأربعة أشعر في امرئ القيس والنابغة وزهير والأعشى، ولا في جرير والفرزدق والأخطل، ولا في بشار ومروان، ولا في أبي نواس وأبي العتاهية ومسلم، لاختلاف آراء الناس في الشعر وتباين مذاهبهم فيه، فإن كنت –أدام الله سلامتك- ممن يفضل سهل الكلام وقريبه، ويؤثر صحة السبك وحسن العبارة وحلو اللفظ وكثرة الماء والرونق، فالبحتري أشعر عندك ضرورة، وإن كنت تميل الى الصنعة والمعاني الغامضة التي تستخرج بالغوص والفكرة، ولا تلوى على غير ذلك فأبو تمام عندك أشعر لا محالة، فأما أنا فلست أفصح بتفضيل أحدهما على الآخر ولكني أوازن بين قصيدتين من شعرهما إذا { اتفقتا } في الوزن والقافية وإعراب القافية، وبين معنى ومعنى، فأقول: أيهما أشعر في تلك القصيدة، وفي ذلك المعنى، ثم احكم أنت حينئذ على جملة ما لكل واحدة منهما إذا أحطت علما بالجيد والرديء(11).

ويؤكد ذلك أيضاً فيقول: " وأنا ابتدئ بذكر مساوئ هذين الشاعرين، لأختم بذكر محاسنهما، وأذكر طرفا من سرقات أبي تمام وإحالاته وغلطه وساقط شعره، ومساوئ البحتري في أخذ ما أخذه من معاني أبي تمام، وغير ذلك من غلط في بعض معانيه، ثم أوازن بين شعريهما بين قصيدتين إذا اتفقتا في الوزن والقافية وإعراب القافية، ثم أبين معنى معنى، فإن محاسنها تظهر في تضاعيف ذلك، ثم أذكر ما انفرد به كل واحد منهما فجوَّده من معنى سلكه ولم يسلكه صاحبه، وأفراد بابا لما وقع في شعريهما من التشبيه، وبابا للأمثال، أختم بهذه الرسالة، وأتبع ذلك بالاختيار المجرد من شعريهما" (12)

ومذهب الآمدي في الميل الى بلاغة اللفظ وجودة السبك وصحة النظم جعله يرى أن الشاعر البحتري، وأن أبا تمام والمتنبي أضرابهما حكماء. على أن الآمدي فيما سار عليه من مناهج في النقد والموازنة متأثر بآراء النقاد قبله، فلم يكن نقدهم إلا تحكيما للعمودية وللنهج العربي السليم فيما ينقدون، فأبو عمرو بن العلاء وحماد وخلف والأصمعي وابن الأعرابي وسواهم، كانوا يعرضون ما ينقدونه على ميزان الطبع ويحكمون نهج العرب في بلاغتهم في الموازنة. وكذلك فعل الآمدي، برجوعه إلى مناهج العرب في الأداء والأسلوب والنظم، فيرد ما تراه، ويقبل ما تقبله، فللعرب طريق خاص فيما ينطقون به من أساليب ونظم، ومن أفكار ومعان وأخيلة وصور وأوزان، وذلك النهج العربي الخاص هو ما يجب على الشاعر أن يلتفت إليه ويسترشد به، ويحتذي حذوه، وينظم شعره على مثاله، ثم هو ميزان النقد وهو عمود الشعر فالناقد يرجع إليه في الحكم على الشعر، وفي كل مشكلات الأسلوب والمعاني والأخيلة الشعرية.

ولاشك في تأثر الآمدي بآراء النقاد قبله، فهو يعتمد على آرائهم ويستديل بحكومتهم في النقد، حتى لقد قيل: إن أصول كتاب "الموازنة" صورة ترجع لآراء النقاد قبل عصر الآمدي، وأن أصول كتاب الموازنة ترجع الى نقاد القرن الثالث ومؤلفيه (13)، وقد صرح الآمدي إنما هو تدوين هذه الآراء وتنسيقها وإضافة آراء معاصريه إليها.

ولا يزال " مذهب عمود الشعر " عند الآمدي في النقد جديداً أو كالجديد كما كانت نظرية البديع في النقد عند ابن المعتز، ونظرية النظم عند عبد القاهر وبذورها عند الجاحظ جديدة كل الجدة (14).

والحق أن الآمدي من أظهر النقاد الذين توسعوا في دراسة نظرية عمود الشعر العربي، وتطبيقاتها تطبيقا كاملا على الشاعرين أبي تمام والبحتري، وكانت هذه النظرية بذرة صغيرة ألقى بها بعض الأدباء والنقاد في القرن الثالث، ومن بينهم الشاعر البحتري الذي أثر عنه قوله حين سئل عن نفسه وعن أبي تمام: " كان أغوص على المعاني مني، وأنا أقوم بعمود الشعر" (15).

3- الصورة الأدبية (16):

معالم الصورة الأدبية كانت واضحة عند الآمدي من خلال اهتمامه باللفظ والمعنى "أي النظم" والصورة التي تقوم عليهما معاً، ولكنه يكاد يبلغ الغاية في توضيح الصورة التي فل بها البحتري أستاذه أبا تمام وهو يتحدث في باب العلاقة بين اللفظ والمعنى، فقد فسر التأليف وهو النظم في الصورة، حينما عقد موازنة بين صناعة الشعر وبين غيرها من الأشياء في سائر الصناعات الأخرى فيبني الشعر الجيد المحكم وكذا الصناعات الأخرى، على دعائم أربع:

أولاً: جودة الآلة.

ثانياً: إصابة الغرض.

ثالثاً: صحة التأليف.

رابعاً: بلوغ الغاية في التأليف بدون نقصان ولا زيادة.

وكذلك الأمر في كل محدث مصنوع في الخلق والإيجاد، يحتاج الى أربعة أشياء:

أولاً: علة هيولانية وهي الأصل.

ثانياً: علة تصويرية.

ثالثاً: علة فاعلة.

رابعاً: علة تمامية.

وعلى هذا تقابل الآلة الأصل (الهيولانية)، وإصابة الغرض: وهو التأليف والنظم يساوي الصورية، وصحة التأليف: وهي استقامة الفكر الناتجة من التأليف تساوي العلة الفاعلة. ووفاء الجودة وتمام الصنعة: يقابل العلة التمامية والمقابلة الأخيرة هي التي أراد بها الآمدي البلاغة في الصورة (17) في قوله السابق:

" فالبلاغة: إنما هي إصابة المعنى، وإدراك الغرض، بألفاظ سهلة عذبة مستعملة سليمة من التكلف، ولا تبلغ الهذر الزائد على قدر الحاجة .... إلخ(18)

يقول الآمدي في الموازنة التي عقدها بين صناعة الشعر وغيرها من الصناعات الأخرى "زعموا أن صناعة الشعر وغيرها من سائر الصناعات لا تجود وتستحكم إلا بأربعة أشياء: جودة الآلة وإصابة الغرض المقصود وصحة التأليف، والانتهاء الى نهاية الصنعة، من غير نقص فيها، ولا زيادة عليها، وهذه الخلال الأربع ليست في الصناعات وحدها، بل هي موجودة في جميع الحيوانات والنباتات. ذكرت الأوائل أن كل محدث مصنوع محتاج الى أربعة أشياء: علة هيولانية وهي الأصل، وعلة صورية، وعلة فاعلة، وعلة تمامية.

فهذا قول جامع لكل الصناعات والمخلوقات، فإن اتفق الآن لكل صانع بعد هذه الدعائم الأربع أن يحدث في صنعته معنى لطيفاً مستغرباً كما قلنا في الشعر من حيث لا يخرج عن الغرض فذلك زائد في حسن صنعته وجودتها، وإلا فالصنعة قائمة بنفسها مستغنية عما سواها(19).

وهكذا يوضح الآمدي، ما يعتمد عليه الشعر وغيره من سائر الصناعات والصور التي سببها الشعر في التركيب والبناء، والنص السابق يوضح بعض معالم الصورة الأدبية وهي:

1. حسن التألف، وتنسيق النظم، وتلاؤم الصيغة، يكشف عن المعنى في وضوح وروعة، وكذلك الأمر بالعكس فاضطراب النظم وفساد الصورة يعقد المعنى، ويزداد غموضاً.

2. العبرة في الشعر بالصورة لأنها هي التي تنقل ما في النفس من خواطر ومشاعر بصدق ودقة، وتبرزه للغير، فلو كانت رديئة التألف، ومضطربة التنسيق، ولو اشتملت على نادره وحكمه، فإنها تسقط في الاستعمال وتقبح في مرأى العين وتضعف في تأثيرها في النفس.

3. الشعر صناعة وتصوير كسائر الحرف والصناعات، والجميع تشكيل وتجسيد للمواد وتصوير لها. (20).

4- الناقد:

الآمدي بوأ الناقد أسمى منزلة، وأعلى مكانة حين دعا الى الأخذ برأيه، والنزول على حكمه لأنه –وحده- العالم بالشعر، والبصير بمسالكه، القادر على أن يميز جيده من رديئه، وكما أن الإنسان يأخذ بآراء المتخصصين في كل صناعة لا يتقنها فعليه أن يأخذ بآراء الناقد المتخصص في الشعر يقول:

" فمن سبيل من عرف بكثرة النظر في الشعر والارتباط فيه وطول الملابسة له أن يقضي له بالعلم بالشعر والمعرفة بأغراضه، وأن يسلم له الحكم فيه، ويقبل منه ما يقال ويعمل ما يمثله، ولا ينازع في شيء من ذلك، إذ كان من الواجب أن يسلم لأهل كل صناعة صناعتهم، ولا يخاصمهم ولا ينازعهم إلا من كان مثلهم نظراً في الخبرة والدربة والملابسة (21)

كما ذهب الآمدي الى أن حكم الناقد يجب أن يحترم حتى ولو لم يستطع أن يقنع به غيره أو يرد به اعتراض معترض لأنه لا يستطيع أن يجعل المعترض مثله في صناعته يقول: " وأنه ليس في وسع كل أحد أن يجعلك –أيها السائل المتعنت والمسترشد المتعلم- في العلم بصناعته كنفسه، ولا يجد الى قذف ذلك في نفسك ولا في نفس ولده ومن هو أخص الناس به سبيلاً، ولا أن يأتيك بعلة قاطعة، ولا حجة باهرة، وإن كان ما اعترضت به اعتراضاً صحيحاً، وما سألت عنه سؤالاً مستقيماً، لأن ما لا يدرك إلا على طول الزمان ومرور الأيام لا يجوز أن تحيط به في ساعة من نهار.

ثم إن العلم الذي لا يعلم في أكثر احواله إلا بالرؤية والمشاهدة لا يعرف حق المعرفة بالقول والصفقة وقد قيل: "ليس الخبر كالمعاينة" (22).

ويضع الآمدي أمام الناقد، أو من يريد أن يتفهم الشعر حق فهمه، وأن يحكم عليه الحكم الصحيح منهجاً قويماً، يبدأ بالرواية والمداومة على قراءة الشعر الجيد القديم والمحدث، ثم التعرف لآراء نقاد الشعر وعلماؤه، والنظر فيما أجمع عليه الأئمة في علم الشعر من تفضيل بعض العشراء على بعض، فإن عرفت علة ذلك فقد علمت، وإن لم تعرفها فقد جهلت، وذلك بأن تتأمل شعر أوس بن حجر والنابغة الجعدي، فتنظر من أين فضلوا أوساً، وتنظر في شعري بشر بن أبي خازم، وتميم أبي مقبل، فتنظر من أين فضل تميم بشراً.

... فإن علمت من ذلك ما علموه ولاح لك الطريق التي بها قدموا من قدموه وأخروا من أخروه فثق حينئذ بنفسك، واحكم يسمع حكمك وإن لم ينته بك التأمل الى علم ذلك فأعلم أنك بمعزل عن الصناعة. ثم إن كنت شاعراً فلا تظهرن شعرك واكتمه كما تكتم سرك. فإن قلت إنه انتهى التأمل الى علم ما علموه، لم يقبل ذلك منك حتى تذكر العلل والأسباب، فإن لم تقدر على تخليص العبارة فأمسك حتى تعلم شواهده من فهمك، ودلائله من اختيارك وتمييز بين الجيد والرديء (23)

ويدعو الآمدي الناقد الى ان يتخصص في العلم، أما الإلمام من كل علم طرف فإنه لا يتيح للإنسان أن يحكم الحكم السليم " لأن العلم من أي نوع كان لا يدركه طالبه إلا بالانقطاع إليه، والإكباب عليه والجد فيه، والحرص على معرفة أسراره و غوامضه. ثم قد يأتي جنس من العلوم لطالبه، ويستهل عليه، ويمتنع عليه جنس آخر ويتعذر، لأن كل امرئ إنما يتيسر له ما في طبعه قبوله، وما في طاقته تعلمه، فينبغي أصلحك الله أن تقف حيث وقف بك، وتقنع بم قسم لك، ولا تتعدى الى ما ليس من شأنك ولا من صناعتك (24).

نماذج من الموازنة

1- قال أبو تمام في معنى الشوق:

يكفيك شوق قد يطيل ظماءه       فإذا سقاه سقاه سم الأسود(25)

يقول الآمدي: فقوله "شوق يطيل ظماءه" غلط، لأن الشوق هو الظمأ نفسه، أنك تقول: أنا عطشان الى رؤيتك، وظمآن، مشتاق، بمعنى واحد، فكيف يكون الشوق هو المطيل للظمأ؟ وكيف يكون هو الساقي، والمحبوب هو الذي يظمئ ويسقي، أو البعد أو الهجر لا الشوق، فكيف يكون الشوق يطيل شوقه؟ (26).

2- قال أبو تمام:

لما استحر الوداع المحض وانصرمت      أواخر الصبر إلا كاظما وجما

رأيت أحسن مرئي وأقبحه      مستجمعين لي التوديع والعنما(27)

يقول الآمدي: استحسن من المحبوبة إصبعها الذي يشبه العنم في الاحمرار، واستقبح إشارتها له بالوداع. وإشارة المحبوبة بالوداع لا يستقبحه إلا أجهل الناس بالحب وأقلهم معرفة بالغزل وأغلظهم طبعاً، وأبعدهم فهما. ألم يسمع قول جرير:

أتنسى إذ تودعنا سليمى    يفرغ بشامةٍ؟ سقى البشام

فدعا للبشام بالسقيا لانهاء ودعته به، فسر بتوديعها(28).

3- قال أبو تمام:

فلو ذهبت سنات الدهر عنه      وألقى عن منكبه الدثار

لعدل قسمة الأرزاق فينا      ولكن دهرنا هذا حمار (29)

قال الآمدي: قوله " وألقى عن مناكبه الدثار" لفظ رديء، وليس من المعنى الذي قصده في شيء، وصدر البيت لائق بالمعنى، فلو أتبعه بما يكون في معناه، بأن يقول: فلو ذهبت سنات الدهر عنه واستيقظ من رقدته أو انتبه من نومته أو انكشف الغطاء عن وجهه لكان المعنى يمض مستقيما، لأن من كان نائما يغطي وجهه عادة فلا يبصر، أما ديثار المناكب فغير مناسب لأن الإنسان قد يبصر وعلى مناكبه ديثار، والمقصود هنا أن يجعل الدهر غير مبصر.

والمراد هو نوم القلب وغفلته، إذ يقال قد عمى قلبه عن الصواب، وغطى على فهمه، ولا يقال: غطى بالدثار عن الصواب. ولفظة (الدثار) أيضاً إنما تستعمل لمنع الهواء والبرد لها لمنع الفهم والرشد. فهذه استعارات غريبة بعيدة.(30)

4- قال أبو تمام:

لائسقني ماء الملام فإنني           صب قد استعذبت ماء بكائي(31)

عابه النقاد لقبح الاستعارة في جعله الملام ماء، ولكن الآمدي يقول: وهذا ليس بعيب عندي، لأنه لما أراد أن يقول: قد استعذبت ماء بكائي، جعل للملام ماء ليقابل ماء بماء (مشاكلة) كقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها)(32) فالثانية ليست بسيئة، إنما هي جزاء عن سيئة، وكذلك: (إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم)(33) والفعل الثاني ليس بسخرية، ومثل هذا الشعر الكلام كثير مستعجل(34).

5- يقول البحتري:

يخفى الزجاجة لونها فكأنها        في الكف قائمة بغير إناء(35)

قال النقاد: لو ملئ الإناء دبسا لكانت هذه حاله، فما مزية الخمر؟ ولكن الآمدي يقول: هذا عندي صحيح لا عيب فيه، لأنه يريد أن شعاع الشراب قوى غلب على رقة الزجاجة. وقد أخذ هذا المعنى من علي بن جبلة:

كأن يد النديم تدير منها       شعاعاً لا تحيط عليه كأس

ألا ترى أنه قد دل على أن الكأس في غاية الرقة (36).

6- يقول البحتري:

قف العيس قد أدنى خطاها كلاها

                               وسل دار سعدي إن شقاك سوالها(37)

قال الآمدي: اللفظ حسن، والمعنى غير جيد، لأنه قال: أدنى خطاها كلالها أي قارب من خطاها وجعلها متقاربة ضعيفة كلالها وإعياؤها، وكأنه لم يقف لسؤال الديار، وإنما وقف بسبب تعب المطي. والجيد قول عنترة:

فوقفت فيها ناقتي، وكأنها       فدن لأقضي حاجة المثلوم.(38)

فإنه احتاط فجعل ناقته قوية" عظيمة كالفدن وهو القصر، حتى لا يظن أنه وقف ليريحها. (39)

أهم المآخذ التي وجهت الى كتاب الموازنة:

أولاً: أنه حاول أن يرضي أصحاب أبي تمام، وأصحاب البحتري معاً فوقع في تناقض فكري بين الانتصار للطيف المعاني وهو الشيء الذي اعتبره ضالة الشعراء وطلبتهم، وبه قدموا امرأ القيس زعيم الطبقة الأولى من الشعراء الجاهلية وبين الانتصار لحلو اللفظ وجوده الرصف وحسن الديباجة، وكثرة الماء كما وجدها عند البحتري. ولقد سلم الآمدي لأبي تمام بلطيف المعاني ودقيقها وعده بها شاعراً مقدماً، ثم تحول عنه بعد ذلك فدعاه فيلسوفا أو حكيما، وجعل دقيق المعاني موجودا في كل أمة وفي كل لغة.

ثانياً: أن الآمدي جارى ما شاع بين الناس من أن أبا تمام حكيم وإنما الشاعر البحتري، وهو بهذا خالف ما قد كان أخذ به نفسه في أول كتابه. (40) أنه لا يطلق القول بأيهما أشعر عنده.

ثالثاً: أن الآمدي تسرع في الحكم بين الشاعرين قبل أن يقيم الموازنة التي وعد بها، وهي الموازنة التي شرع فيها بين جزئيات أشعار الشاعرين، واستعان فيها بالله على مجاهدة النفس ومخالفة الهوى وترك التحامل.

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1)أصول النقد الأدبي لأحمد الشايب ص 283 ط مكتبة النهضة المصرية الثامنة.

2)دراسات في النقد الأدبي د/ حسن جاد ص77.

3)الموازنة ص51 وما بعدها.

4)نفس المرجع ص 11 ، 12

5)الموازنة ص 380.

6)السابق ص 380.

7)السابق ص 281.

8)الذوق الأدبي للدكتور عبد الفتاح علي عفيفي ص 193.

9)الفكر النقدي والأدبي في القرن الرابع الهجري د/ محمد عبد المنعم خفاجي ص74.

10)الموازنة ص10.

11)الموازنة ص 11، 12.

12)السابق ص51.

13)تاريخ النقد الأدبي عند العرب للأستاذ طه أحمد ابراهيم 176 وما بعدها.

14)الفكر النقدي والأدبي في القرن الرابع الهجري د/ محمد عبد المنعم خفاجي ص 78.

15)الموازنة ص15.

16)الصورة الأدبية: هي الألفاظ والعبارات التي ترمز الى المعان، وتجسم الفكرة فيها.

17)الصورة الأدبية تأريخ ونقد د/ على علي صبح ص33، 34 ط دار إحياء الكتب العربية الحلبي.

18)الموازنة 380.

19)الموازنة ص381 وما بعدها.

20)الصورة الأدبية تاريخ ونقد د/ علي علي صبح ص36.

21)الموازنة ص374، 375.

22)نفس المرجع ص375.

23)الموازنة ص377.

24)نفس المرجع ص 377 ، 378.

25)هو ثاني بيت من قصيدة يمدح فيها المأمون أو المعتصم.

26)الموازنة ص198.

27)العنم: ثمر شجرة حجازية أحمر يشبه به البنات المخضوب.

28)الموازنة ص204، 205.

29)من قصيدة يمدح فيها أبو الحسين محمد بن الهيثم، والسنات بكسر السين جمع سنة، وهي النوم أو أوائله، وأراد هنا الغفلات، والمناكب: جمع منكب، وهو مجتمع العضد والكتف، والدثار: ما يلبس فوق الشعار.

30)الموازنة ص 209، 210.

31)هذا من قصيدة يمدح فيها يحيى بن ثابت.

32)من الآية 40 من سورة الشورى.

33)من الآية 38 من سورة هود.

34)الموازنة ص244.

35)من قصيدة يمدح فيها أبا سعيد محمد بن يوسف.

36)الموازنة ص347.

37)هذا مطلع قصيدة له يمدح فيها أمير المؤمنين المتوكل على الله، والكلال: التعب.

38)هذا البيت من معلقته المشهورة، والفدن: القصر، والمثلوم: المتمهل.

39)الموازنة ص 345.

40) الموازنة ص11.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.


قسم الشؤون الفكريّة والثقافيّة يشارك في المؤتمر الدولي الثالث للمعرفة والرسالة الحسينيّة
السيد الصافي يستقبل وفد مؤسّسة (رحماء بينهم) للتأهيل الاجتماعي
قسم المعارف ينظم ندوة عن دور الجنوب في حركة الجهاد ضد الإنجليز
قسم الشؤون الفكرية يُقيم ندوةً علمية حول بناء مراقد أئمّة البقيع (عليهم السلام)