كلام في هوية الإنسان على ما يفيده القرآن
المؤلف:
محمد حسين الطباطبائي
المصدر:
تفسير الميزان
الجزء والصفحة:
ج20 ، ص121-122
5-10-2014
5976
لا ريب أن في هذا الهيكل المحسوس الذي نسميه إنسانا مبدأ للحياة ينتسب إليه الشعور و الإرادة، و قد عبر تعالى عنه في الكلام في خلق الإنسان - آدم - بالروح و في سائر المواضع من كلامه بالنفس قال تعالى: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ } [الحجر: 29],[ص : 72]، و قال : {ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} [السجدة: 9].
و الذي يسبق من الآيتين إلى النظر البادئ أن الروح و البدن حقيقتان اثنتان متفارقتان نظير العجين المركب من الماء و الدقيق و الإنسان مجموع الحقيقتين فإذا قارنت الروح الجسد كان إنسانا حيا و إذا فارقت فهو الموت.
لكن يفسرها قوله تعالى : {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ } [السجدة : 11] حيث يفيد أن الروح التي يتوفاها و يأخذها قابض الأرواح هي التي يعبر عنها بلفظة "كم" و هو الإنسان بتمام حقيقته لا جزء من مجموع فالمراد بنفخ الروح في الجسد جعل الجسد بعينه إنسانا لا ضم واحد إلى واحد آخر يغايره في ذاته و آثار ذاته فالإنسان حقيقة واحدة حين تعلق روحه ببدنه و بعد مفارقة روحه البدن.
و يفيد هذا المعنى قوله تعالى : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون : 12 - 14] فالذي أنشأه الله خلقا آخر هو النطفة التي تكونت علقة ثم مضغة ثم عظاما بعينها.
و في معناها قوله تعالى : {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان : 1] فتقييد الشيء المنفي بالمذكور يعطي أنه كان شيئا لكن لم يكن مذكورا فقد كان أرضا أو نطفة مثلا لكن لم يكن مذكورا أنه الإنسان الفلاني ثم صار هو هو.
فمفاد كلامه تعالى أن الإنسان واحد حقيقي هو المبدأ الوحيد لجميع آثار البدن الطبيعية و الآثار الروحية كما أنه مجرد في نفسه عن المادة كما يفيده أمثال قوله تعالى : {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} [السجدة : 11] و قوله : {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر : 42] و قوله: { ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ }
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة