 
					
					
						استحالة الاتّصال الحقيقيّ بين جسمين، و وجود العشق بين جسمين					
				 
				
					
						 المؤلف:  
						السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
						 المؤلف:  
						السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ					
					
						 المصدر:  
						معرفة الله
						 المصدر:  
						معرفة الله					
					
						 الجزء والصفحة:  
						ج1/ ص135-138
						 الجزء والصفحة:  
						ج1/ ص135-138					
					
					
						 2025-07-05
						2025-07-05
					
					
						 498
						498					
				 
				
				
				
				
				
				
				
				
				
			 
			
			
				
				لا يخفى أن الاتّحاد بين الشيئين لا يتصوّر إلّا كما حقّقنا، و ذلك من خاصّيّة الامور الروحانيّة و الأحوال النفسانيّة. و أمّا الأجسام و الجسمانيّات فلا يمكن فيها الاتّحاد بوجه، بل المجاورة و الممازجة و المماسّة لا غير، بل التحقيق أن لا يوجد وصال في هذا العالم و لا تصل ذات إلى ذات في هذه النشأة أبداً و ذلك من جهتين:
الجهة الاولى: أن الجسم الواحد المتّصل إذا حقّق أمره عُلِمَ أنّه مشوب بالغيبة و الفقد، لأنّ كلّ جزء منه مفقود عن صاحبه مفارق عنه، فهذا الاتّصال بين أجزائه عين الانفصال، إلّا أنّه لمّا لم يدخل بين تلك الأجزاء جسم مبائن و لا فضاء خال و لا حدث سطح في خلالها، قيل إنّها متّصلة واحدة و ليس وحدتها وحدة خالصة عن الكثرة، فإذا كان حال الجسم في حدّ ذاته كذلك من عدم الحضور و الوحدة، فكيف يتّحد له شيء آخر أو يقع الوصال بينه و بين شيء.
الجهة الثانية: أنّه مع قطع النظر- كما ذكرنا- لا يمكن الوصلة بين الجسمين إلّا بنحو تلاقي السطحين منهما، و السطح خارج عن حقيقة الجسم و ذاته، فإذاً لا يمكن وصول شيء من المحبّ إلى ذات الجسم الذي للمعشوق، لأنّ ذلك الشيء إمّا نفسه أو جسمه أو عرض من عوارض نفسه أو بدنه، و الثالث محال لاستحالة انتقال العرض، و كذا الثاني لاستحالة التداخل بين الجسمين. و التلاقي بالأطراف و النهايات لا يشفي عليل طالب الوصال، و لا يروي غليله.
و أمّا الأوّل فهو أيضاً محال، لأنّ نفساً من النفوس لو فرض اتّصالها في ذاتها ببدن لكانت نفساً لها، فيلزم حينئذٍ أن يصير بدن واحد ذا نفسين و هو ممتنع.
و لأجل ذلك أن العاشق إذا اتّفق له ما كانت غاية متمنّاه، و هو الدنوّ من معشوقه و الحضور في مجلس صحبته معه، فإذا حصل له هذا المتمنّي يدعي فوق ذلك، و هو تمنّي الخلوة و المجالسة معه من غير حضور أحد، فإذا سهل ذلك و خلى المجلس عن الأغيار تمنّى المعانقة و التقبيل، فإن تيسّر ذلك تمنّى الدخول في لحاف واحد و الالتزام بجميع الجوارح أكثر ما ينبغي. و مع ذلك كله الشوق بحاله، و حرقة النفس كما كانت، بل ازداد الشوق و الاضطراب كما قال قائلهم:
اعَانِقُهَا وَ النَّفْسُ بَعْدُ مَشوقَةٌ *** إلَيْهَا وَ هَلْ بَعْدَ العِنَاقِ تَدَاني
وَ ألْثَمُ فَاهَا كَيْ تَزُولَ حَرَارَتِي *** فَيَزْدَادُ مَا ألْقَى مِنَ الهَيَجانِ
كَأنَّ فُؤَادِي لَيْسَ يُشْفَي غَلِيلُهُ *** سِوَى أن يُرَى الرُّوحَانِ يَتَّحِدَانِ
و السبب اللمّيّ في ذلك أن المحبوب في الحقيقة ليس هو العظم و لا اللحم و لا شيء من البدن، بل و لا يوجد في عالم الأجسام ما تشتاقه النفس و تهواه، بل صورة روحانيّة موجودة في غير هذا العالم».[1]
نعم، هذه المسائل ذكرت، لنتبيّن عظمة الروح و النفس الإنسانيّة، و أن كلّ ما هو موجود فهو منه، و إليه ينتهي كلّ مقام و رتبة. فالبدن جسد مسخّر لتنفيذ أوامر و نواهي النفس ليس إلّا.
ليس في عالم الأجسام شيء تشتاق إليه النفس:
إن العشق يولّد روحاً، و العاشق يتحوّل إلى روح للمعشوق الحقيقيّ، و المصدر الأوّل، المجرّد المنزّه، و الصرف الخالص. و للروح قوّة هيوليّة، و قابليّة بسيطة غير متناهية، ليحظى بشرف لقاء الله و نعمة التكلّم إليه، فيصبح عندها كليم الله.
إن على الإنسان أن يعرف قدر نفسه، و أن لا يحكم على هذه الجوهرة النفيسة أن تكون أسيرة البدن و رغباته و شهواته المادّيّة، و لا يحبس القوّة الناطقة في حدود القوّة الحيوانيّة و البهيميّة، و لا يبدّل عشقه للأوجه الحسان في عالم التجرّد، بعشقه للأشقياء و العاصين في عالم الطبيعة، فتكون عاقبته الخسران العظيم.
يقول صدر المتألّهين، في بحث العظمة و التجرّد و النورانيّة: اعلم أن هذه المسألة دقيقة المسلك بعيدة الغور و لذلك وقع الاختلاف بين الفلاسفة السابقين في بابها، و وجه ذلك أن النفس الإنسانيّة ليس لها مقام معلوم في الهويّة، و لا لها درجة معيّنة في الوجود كسائر الموجودات الطبيعيّة و النفسيّة و العقليّة التي كلٌّ له مقام معلوم، بل النفس الإنسانيّة ذات مقامات و درجات متفاوتة، و لها نشآت سابقة و لاحقة، و لها في كلّ مقام و عالم صورة أخرى، كما قيل في البيت الشعريّ التالي: لَقَدْ صَارَ قَلْبِي قَابِلًا كُلَّ صُورَةٍ *** فَمَرْعى لِغَزْلَانٍ وَ دَيْراً لِرُهْبانِ[2]
[1] «الأسفار الأربعة» ج 7، ص 171 إلى 179.
 
[2] قال الحكيم السبزواريّ في تعليقه على هذا البيت ما يلي:
 «يعني بسبب اللطافة و البساطة في ألوانه صار قابلًا للتحوّل إلى كلّ صورة؛ سواء كانت من جنس تلك الصور المترتّبة و الطوليّة الحاصلة له بواسطة الحركة الجوهريّة و العرضيّة، أم من الصور الذهنيّة غير المترتّبة بالترتيب الطبيعيّ المعهود لها.
و بناءً على هذا فإنّ مرعى لِغِزْلَانِ هو باعتبار النشأة الحيوانيّة السابقة، وَ دَيْراً لِرُهْبانِ باعتبار النشأة العقليّة اللاحقة. أو أن خياله كان في السابق مصروفاً إلى أمتعة الدنيا من أنعام و زرع و غيرهما، ثمّ كان قد تذكّر الله تعالى بعد ذلك و الملائكة المقرّبين و الأطهار المنتجبين لساحته تعالى.
و أمّا التعبير بالغزال و ذلك من جهة توحّشه، فهو إشارة إلى أن شهواته تشبه الحيوانات الوحشيّة غير المعلَّمة طالما أنّها لم تكبح، إلّا أنّه يمكن لقلب الإنسان أن يكون مرعى للحيوانات الإنسيّة بكونها مسخّرة و مقهورة تحت إشارة العقل و إيماءته للتوجّه إلى الله تعالى، بل و يمكن أن يكمن خلاصه و نجاته بذبح حيوانيّته بتقديم الهدي و القربان في سبيل الله: {أن اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أنفُسَهُمْ وَ أمْوَالَهُم بِأنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}. و لعلّ كذلك المراد بهذا هو أن قلب الإنسان قد يتحوّل إلى مرعى للمحبوبة التي تمتلك عيوناً تشبه عيون الغزلان الجميلة الطلعة».
 
 
				
				
					
					 الاكثر قراءة في  مقالات عقائدية عامة
					 الاكثر قراءة في  مقالات عقائدية عامة					
					
				 
				
				
					
					 اخر الاخبار
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة