أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-10-22
4179
التاريخ: 18-10-2015
3597
التاريخ: 29-01-2015
3284
التاريخ: 2-5-2016
3210
|
غزوة تبوك الشاقة بقيادة رسول الله (صلى الله عليه واله) انتهت بالجزية دون قتال وهي آخر غزوة غزاها رسول الله (صلى الله عليه واله) قبل وفاته وكانت تلك الغزوة الظافرة تقتتضي اما ان يبقى رسول الله (صلى الله عليه واله) واما علي (عليه السلام) في المدينة ويذهب الآخر مع الجيش لقتال المشركين، بسبب بُعد المسافة، وضرورة وجود مدير يدير عاصمة الاسلام ويدافع عنها وقت الحاجة، فاختار رسول الله (صلى الله عليه واله) ان يُبقي عليّاً (عليه السلام) في المدينة، وقال له: يا علي انّما خلّفتك على اهلي، اما ترضى ان تكون مني بمنـزلة هارون من موسى غير انه لا نبي بعدي(1) وفي تعبير آخر: اخلُفني في اهلي واهلك .
والمصادر اللغوية تعترف بان الاهل هم أهلُ الرجل وأهلُ الدار(2) ولا شك ان رسول الله (صلى الله عليه واله) لا يقصد بـ اخلُفني في أهلي الاستخلاف على بيت النبي (صلى الله عليه واله)؛ لان ذلك يتعارض مع مفاهيم الشريعة واحكامها، فبيت النبي (صلى الله عليه واله) يأوي زوجاته (صلى الله عليه واله)، ولا وجه للاستخلاف في ذلك لان عليّاً (عليه السلام) ليس ابناً لرسول الله (صلى الله عليه واله) مثلاً, واذا اضفنا مسؤولية النبي (صلى الله عليه واله) الشرعية في الولاية على المسلمين، يصبح معنى اخلُفني في اهلي هو: اخلُفني في اهل داري، وهي دار الاسلام بمن فيهم المتظاهرون بالاسلام وقلوبهم غير مؤمنة به، ويشمل ايضاً العاجزين والقاعدين لأسباب شرعية وغير شرعية.
وكان لاستخلاف الامام (عليه السلام) على المدينة دلالات كبيرة، فقد كانت تلك الغزوة آخر غزوات النبي (صلى الله عليه واله) وابعدها عن المدينة، فكان لابد من اجراء احترازي لمستقبل الاحداث في الاسلام، وكان لابد من عرضٍ واضحٍ لإظهار مقدرة علي (عليه السلام) في الادارة الاجتماعية لمجتمع المسلمين، وكان لابد من ارسال رسالة واضحة المعالم للطامحين بخلافة رسول الله (صلى الله عليه واله) بالتخلي عن مطامحهم لان عليّاً (عليه السلام) هو المؤهَل الوحيد لتلك المهمة الاستثنائية.
ولا شك ان كلمات الاستخلاف كانت واضحة وقوية للغاية، فقد جعله (صلى الله عليه واله) بمنـزلة هارون من موسى، لكنه نفى النبوة بعده, والقوة في التعبير لا تُبقي مجالاً للشك في منـزلة علي (عليه السلام) في الاسلام ودرجة قرابته الدينية والعلمية من رسول الله (صلى الله عليه واله).
كانت لخلافة علي (عليه السلام) على المدينة معانٍ ضخمةٌ، أراد المنافقون في ذلك الزمان التقليل من شأنها وتحجيمها، الا ان دراسة معمّقة لطبيعة ذلك الاستخلاف يكشف عن انه لم يكن مجرد استخلاف على مجموعة افراد، بل كان استخلافاً على مجتمع مؤسسات ودولة بكل ما تعنيه الكلمة.
وفلسفة اخلُفني في اهلي تقتضي الحفاظ على مجموعة من الانظمة الاجتماعية والاجهزة الدينية التي تُمسك بخيوط المجتمع فهي تقتضي الحفاظ على تركيبة النظام الاجتماعي والسياسي للمجتمع الديني من حيث الهرم الاداري وتقتضي ايضاً الحفاظ على العمليات الاجتماعية من زاوية القضاء وحل الخصومات، وتوزيع الثروة واشباع الفقراء، والتعبديات واقامة الفرائض الجماعية، وعدالة السوق التجاري ونظافته من الربا والاحتكار، وتطبيق العقوبات على المنحرفين ونحوها، وهذا كله يفضي بانتقال الادارة الاجتماعية من يد امينة الى يد امينة اخرى. فاذا اُريد لحركة الاسلام ان تستمر، كان لابد ان يخلّف النبي (صلى الله عليه واله) شخصاً عالِماً مؤتَمناً كفوءاً لإدارة مجتمع المدينة خلال غيابه في تبوك، كما خلّف النبي موسى (عليه السلام) اخاه هارون لإدارة شؤون مجتمع بني اسرائيل خلال غيابه (عليه السلام) عنهم والتماسه الجبل.
ولا شك ان تبوك كانت مرحلة تمرين وامتحان للصحابة بحسن استيعاب قضية الولاية الشرعية بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) وفهمها فهماً صحيحاً بعيداً عن الاهواء والطموحات السياسية القَبَلية. خصوصاً وان قضية تبوك ونظرية اخلُفني في أهلي قد جاءت قبل واقعة الغدير بفترة زمنية قصيرة.
ومن الطبيعي فان فكرة النيابة مشروطة بتطابق التكليف مع القدرة الكاملة على انجازه تاماً والسبب في اننا نولي أهمية بالغة لفكرة الاستخلاف على صعيدي السلطة وادارة المجتمع، هو ان لها تأثيراً على حقوق الناس ومعتقداتهم وتكاليفهم الشرعية والاجتماعية.
ودراسة واعية لحجم المسؤولية الملقاة على عاتق علي (عليه السلام) في الاستخلاف على المدينة خلال غزوة تبوك يكشف عن عمق شخصية الامام (عليه السلام) وعلاقته الصميمية بالنبوة وبمحمد (صلى الله عليه واله) فقد كان المصطفى (صلى الله عليه واله) يعلم ان في شخصية علي (عليه السلام) ثلاثة شروط تستطيع ان تحقق خلفاً صالحاً لخير سلف، وهي:
الاول: قوة ادراك علي (عليه السلام) لمقتضيات الشريعة واحكامها ونظامها الاخلاقي والعقائدي. وكان ذلك واضحاً في ادراكه اسرار القرآن الكريم، والسيرة النبوية الشريفة. وهي ما نسميها بالعصمة.
الثاني: قوّة علي (عليه السلام) الذهنية التي تستطيع ان تدير الامور الاجتماعية في عاصمة الدولة الاسلامية خصوصاً اهتمامه بالفقراء، والمعوزين، وتقسيم الثروة الاجتماعية بالتساوي لمستحقيها.
الثالث: قدرة الامام (عليه السلام) في إحكام تماسك المجتمع الاسلامي دينياً، لأنه كان يمتلك تلك الشخصية الاستثنائية في البطولة، والايثار، والزهد، والتقوى، والعلم، والعبادة، ومواساة الفقر والمحرومين.
وتلك الصفات الفاضلة في شخصية واحدة لها القدرة على جمع العابد مع العالِم، والتاجر مع الفقير، والغني مع المحتاج، والقوي مع الضعيف، واذا تم جمع تلك العناصر في خيمة اجتماعية واحدة يسودها الحب والتكاتف والمسؤولية، اقترب الاسلام من تحقيق اهدافه العليا في الحياة.
فالاستخلاف اذن كان يمثل إرادة الدين في ادارة مجتمع دار الاسلام، وما يريده الدين هو ارادة الشريعة والملاكات التي تمثله احكامها. فرؤية الدين تجاه الذين تعيّنهم السماء يتطابق مع رؤيته لملاكات الاحكام ومقتضياتها. ولذلك كان علي (عليه السلام) - في نظر السماء - حارساً لأحكام الشريعة وملاكاتها في غياب النبي (صلى الله عليه واله) وهذا المعنى مطابق تماماً لفكرة: اخلُفني في اهلي.
ودار الاسلام في تلك الفترة كانت تشتمل على مؤسسات اجتماعية خاصة بالدولة، (منها): بيت المال، الذي كان من أهم المؤسسات التي كان يرعاها رسول الله (صلى الله عليه واله) وخليفته (عليه السلام) لأنها كانت توزع الحقوق على الفقراء من صدقات واخماس وزكوات واجبة أو مندوبة و(منها): السوق التجاري الذي كان مزدهراً بالمواد الغذائية من قمح وشعير وتمر وزبيب ونحوها و(منها): المسجد، الذي كان داراً للدولة في العبادات والخطط الحربية والتبليغية والتعليمية و(منها): القضاء، وهي المؤسسة التي تهتم بحل النـزاعات بين المتخاصمين و(منها): الزراعة والصناعة والأحياء العمرانية وتلك المؤسسات كانت بحاجة الى ادارة اجتماعية وتنظيم ديني للاولويات.
اما الافراد الذين خُلِّفَ على ادارتهم فقد كانوا مؤلفين مما يلي: المؤمنون الفقراء الذين بقوا في المدينة لانهم لم يتمكنوا من تحصيل عُدّة السفر والجهاد، والقاصرون من نساء وذراري من عوائل المقاتلين الذين ذهبوا الى تبوك، والعاجزون عن القتال لأسباب صحية كالمرض والسن، والمناقفون الذين كانوا يتظاهرون بالاسلام وكان بينهم اغنياء ومتمولون، وأهل الذمة من يهود ونصارى، وبقية الافراد كالاعراب الذين يأتون الى المدينة من البوادي، والتجار الذين كانوا يمرّون بالمدينة وهم في طريقهم الى العراق والشام واليمن.
ولا شك ان ذلك الاستخلاف على المدينة كان تجربة فريدة للأمام علي (عليه السلام) في الادارة الاجتماعية، خصوصاً انه كان متوقعاً للنبي (صلى الله عليه واله) ان يرجع ويرى عمل علي (عليه السلام) خلال غيابه. وكان امضاؤه (صلى الله عليه واله) لادارة علي (عليه السلام) شهادة عظمى على كفائته (عليه السلام) وقدرته على تنظيم أمور المجتمع الاسلامي بعد رحيله (صلى الله عليه واله) الحتمي الى الرفيق الاعلى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 – الخصائص ، ص 14. رواها النسائي باسناده عن سعد بن ابي وقاص.
2 – الصحاح ، ج 3 ، ص 1628 مادة ( أهل ) .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|