المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

قصة يوسف
2-06-2015
حكم المقتول الذي يجب تغسيله.
21-1-2016
Other Sigmatropic Shifts
5-9-2018
إمكان الرؤية القلبية للخالق
2024-07-18
دِي (Dee (D
2-8-2018
Insulators Define Transcriptionally Independent Domains
28-3-2021


المستوى الإدراكي والنقلي في النظرية الوجودية  
  
2575   04:20 مساءاً   التاريخ: 22-12-2014
المؤلف : جواد علي كسار
الكتاب أو المصدر : فهم القرآن دراسة على ضوء المدرسة السلوكية
الجزء والصفحة : ص 306- 317 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / التفسير / مفهوم التفسير /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-04-2015 3762
التاريخ: 2024-09-08 341
التاريخ: 24-04-2015 2217
التاريخ: 25-04-2015 2431

لسنا بحاجة إلى التفصيل، وإنّما الغرض إثبات وجود التصوّر الإدراكي والنقلي في النظرية الوجودية، خاصة وهي تزعم أنّها تؤسس لرؤيتها في مراتب الفهم على ضوء النص والأدلّة النقلية.
ملخص الرؤية هنا تتمثّل بإثبات مراتب متعدّدة لفهم القرآن، عن طريق العقل والبرهان وبدليل النص أيضا.
تعود المسألة في الصيغة العقلية إلى اختلاف الناس في الإدراك ومراتب الفهم، إذ فيهم اللمّاح والمستعدّ وسريع الفهم والنابغة كما فيهم الخامل ذهنيا قليل الاستعداد والغبي وهكذا. وهذه مسألة بديهية في تحليل عملية الإدراك الإنساني لا تكاد تحتاج إلى استدلال، توازيها حقيقة اخرى لا تكاد تقلّ عن هذه الحقيقة بداهة ، تتمثّل في تعدّد مستويات النص القرآني نفسه. على أنّ المسألة لا تقتصر على عقل الإنسان المسلم وإدراكه الذهني وحسب ولا تنحصر بالقرآن وحده كنص معرفي منتج للمعاني والدلالات، بل تعمّ لتشمل الذهن الإنساني عامة وتمتدّ لتستوعب جميع ضروب المعارف والعلوم التي تختلف مستوياتها ذاتا، وبالتبع لمستوى النشاط الإدراكي الذي يبذل حيالها.
والنظر إلى القرآن والمعارف الدينية في مرتبة واحدة، وكذلك التعامل مع الناس على مستوى واحد من الدقّة في الفهم فيه هلاك المعارف وتعطّل مسار النموّ عند الإنسان وبوار العلم.
يكتب الطباطبائي (ت : 1403 هـ) أبرز رموز المدرسة الوجودية من‏ المعاصرين : «إنّ اشتمال الآيات القرآنية على معان مترتبة بعضها فوق بعض وبعضها تحت بعض ممّا لا ينكره إلّا من حرم نعمة التدبّر، إلّا أنّها جميعا وخاصة لو قلنا إنّها لوازم المعنى مداليل لفظية مختلفة من حيث الانفهام وذكاء السامع المتدبّر وبلادته» (1). يعيد النص بوضوح تعدّد مراتب الفهم إلى بنية النص القرآني كنصّ معرفي قابل للتعقّل والإدراك، وإلى بنية الذهن الإنساني، ومستواه كآلة مدركة، ولا أثر في النص- للتزكية وطهارة الباطن- كعلّة للمعرفة الإدراكية العقلية.
على هذا ستضطلع الرياضات العلمية وليست المعنوية والقلبية، بالدور الأساس في تنمية الفهم والارتقاء على خط المعرفة في هذه الدائرة، وسيعود اختلاف مراتب الفهم إلى هذا العامل : «و كان من ارتقى فهمه منهم [الناس‏] بالارتياضات العلمية إلى الورود في إدراك المعاني وكليّات القواعد والقوانين، يختلف أمره باختلاف الوسائل التي يسّرت له الورود في عالم المعاني والكليات، كان ذلك موجبا لاختلاف الناس في فهم المعاني الخارجة عن الحس والمحسوس اختلافا شديدا ذا عرض عريض على مراتب مختلفة، وهذا أمر لا ينكره أحد» (2).
تأسيسا على هذا يخلص الطباطبائي إلى تقرير القاعدة التالية، في مراتب الفهم وتعدّد المعاني : «إنّ للقرآن مراتب مختلفة مترتبة طولا من غير أن تكون الجميع في عرض واحد ... بل هي معان مطابقية يدل على كلّ واحد منها اللفظ بالمطابقة بحسب مراتب الأفهام» (3). ترتدّ هذه القاعدة إلى عموم الهداية القرآنية من جهة، وإلى اختلاف الأفهام الناشئ عن تفاوت الأذهان والقابليات العقلية والحمولة المعرفية من جهة اخرى، حيث «لا يمكن إلقاء معنى من المعاني إلى إنسان إلّا من طريق معلوماته الذهنية التي تهيّأت عنده في خلال حياته ومعيشته» (4). وهذه القاعدة تطّرد لتشمل القرآن والسنّة على سواء (5).
قد يتمّ الاعتراض بأنّ الطباطبائي ينطلق من مبنى في تعدّد مراتب الفهم يختلف عن ذلك الذي ترتكز إليه المدرسة الوجودية في التفسير، ومن ثمّ قد يتمّ التشكيك في مدى تمثيله لرؤى هذه المدرسة كما رأيناها عند ابن عربي وصدر الدين والإمام الخميني. الحقيقة أنّ الطباطبائي ينتمي إلى المدرسة الوجودية، غاية ما هناك أنّه يعبّر عن رؤاها على الصعيد الإثباتي بأسلوب عقلي وعن طريق الاستدلال البرهاني. وهذه ميّزته التي منحته موقعا متميّزا ، بالمقارنة ببقية المنتمين إلى هذه المدرسة. على سبيل المثال يسجّل الطباطبائي أسوة ببقية أتباع المدرسة أنّ للقرآن حقيقة عليا ما ورائية لن تنال بالعقول، ثمّ أنزله اللّه عناية بعباده وكساه كسوة الحروف لكي تناله العقول : «إنّ القرآن النازل كان عند اللّه أمرا أعلى وأحكم من أن يناله العقول أو يعرضه التقطّع والتفصيل، لكنه تعالى عناية بعباده جعله كتابا مقرّرا، وألبسه لباس العربية» (6).
كما يسجّل على نحو أوضح : «وبالجملة فالمحصّل من الآيات الشريفة أنّ وراء ما نقرأه ونعقله من القرآن، أمرا هو من القرآن بمنزلة الروح من الجسد والمتمثّل من المثال ... وليس من سنخ الألفاظ المفرّقة المقطّعة ولا المعاني المدلول عليها بها» (7). وبقدر ما تكون الحقيقة القرآنية هذه عصية على الناس، فهي بمتناول المطهّرين أو الإنسان الكامل المتمثّل مصداقه الأتمّ الأكمل بالنبي وأهل بيته : «نعم ، المطهّرون هم الذين يلمسون الحقيقة القرآنية ويصلون إلى غور معارف القرآن ... [و] النبي وأهل بيته هم المطهّرون» (8).
في السياق الوجودي ذاته يتحدّث الطباطبائي عن مراتب للمعرفة القرآنية متوازية مع مراتب أهل القرآن في سلّمهم الوجودي ، تعتمد على طهارة الباطن وتزكية النفس وانفتاح القلوب بالبصيرة، حيث يسجّل نصا : «إنّ للقرآن مراتب من المعاني المرادة بحسب مراتب أهله ومقاماتهم ، وقد صوّر الباحثون عن مقامات الإيمان والولاية من معانيه ما هو أدق ممّا ذكرناه» (9).
مع ممثّل آخر للمدرسة وتلميذ من تلاميذ الإمام الخميني يبرز التفسير الإدراكي ذاته لمراتب الفهم، الذي يرجع المسألة إلى الاختلاف في الذكاء والرصيد العقلي المكتسب ، حيث يكتب : «إنّ الناس وإن كانوا يحظون بالثقافة الفطرية المشتركة إلّا أنّهم غير متساوين في الذكاء ومراتب الفهم ، وبتعبير بعض الروايات هم متفاوتون كمعادن الذهب والفضّة : «الناس معادن كمعادن الذهب والفضّة» (10) ، فبعض مخاطبي القرآن اناس ساذجون ، وبعضهم حكماء أجلاء ومفكرون لامعون.
على هذا ينبغي للكتاب الإلهي الشامل ، أن يبيّن المعارف الفطرية بوسائل مختلفة وعلى مستويات متنوّعة» (11).
أمّا الإمام الخميني نفسه فلطالما مرّت علينا مقولته الشهيرة : «القرآن نعمة يستفيد منها الجميع» (12). وهذا ما ينسجم مع مبدأ عموم الهداية الدينية وشمولها للجميع . بعد أن نزل القرآن إلى أفق العقل والحس صار بمتناول الجميع : «لقد جاء القرآن والحديث لمختلف طبقات الناس» (13) يغترف كلّ واحد منهما «بمقدار فهمه» (14) وينهل منه «بحسب سعته الفكرية» (15). وعند ما تتحرّك المسألة في أفق الإدراك والنشاط العقلي بحيث يكون لكلّ بحسبه، وحيث يكون القرآن بمتناول الإنسانية جمعاء : «العامّي والعالم والفيلسوف والعارف والفقيه» (16) فمن الطبيعي أن تتعدّد مراتب الفهم وتتنوّع تبعا لاختلاف مدركات الناس وتفاوت أمزجتهم العقلية ومراتبهم في المعرفة والفهم بحسب تعبير ابن عربي الذي يسجّل : «لم يكن في الوسع أن تكون آحاد العالم على مزاج واحد، فلمّا اختلفت الأمزجة كان في العالم العاِلم والأعلم والفاضل والأفضل فمنه [فمنهم‏] من عرف اللّه مطلقا من غير تقييد، ومنهم من لا يقدر على تحصيل العلم باللّه حتّى يقيّده بالصفات ... ومنهم من لا يقدر على العلم باللّه حتّى يقيّده بصفات الحدوث ... فعمت الشرائع ما تطلبه أمزجة العالم، ولا يخلو المعتقد من أحد هذه الأقسام، والكامل المزاج هو الذي يعمّ جميع هذه الاعتقادات» (17).
المقاربة النقلية والحسية
استدلّ هذا التيار للتدليل على اختلاف مراتب فهم القرآن بعدّة نصوص من النقل، مشفوعة بأمثلة وتقريبات حسية تكاد تشترك بين رموز المدرسة قدماء ومحدثين. من القرآن الكريم يرتكز هؤلاء إلى قوله سبحانه : {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد : 17] ، وهم يرون أنّ الآية تقرّر قاعدة مفادها أنّ الفيض أو العطايا والمواهب تنزل من اللّه دون تحديد وقيد ، وإنّما هي تتحدّد وتأخذ حجوما صغيرة أو كبيرة تبعا للأوعية والحوامل والقابليات. يكتب الطباطبائي معقبا على الآية : «إنّ الوجود النازل من عنده تعالى على الموجودات ... خال في نفسه عن الصور والأقدار، وإنّما يتقدّر من ناحية الأشياء أنفسها ... فإنّما تنال الأشياء من العطية الإلهية بقدر قابليتها واستعداداتها وتختلف باختلاف الاستعدادات والظروف‏ والأوعية» (18). وهذه قاعدة عامّة تجري في الامور العينية والحقائق الخارجية كما «تجري في العلوم والاعتقادات» (19) أيضا.
يقدّم صدر الدين الشيرازي ما يشبه الشرح لهذا المبدأ في تفسير التفاوت الإدراكي انطلاقا من النص القرآني، حين يكتب : «اعلم أنّ الحقّ تعالى إله واحد، ورازق واحد، وباسط واحد، ينزل منه فيض واحد ينبسط على الكلّ بقدر واحد من جانبه، لكن يختلف باختلاف الأذواق والمشارب، قوله تعالى : {فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الحجر: 22] ، وقوله : {يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ} [الرعد: 4] » (20). ثمّ ينعطف ليكتب في موضع آخر عن قوله تعالى : {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} [الرعد : 17] ، ما نصّه : «فأودية الفهم سالت من فيضه بقدرها ، وجداول العقول فاضت من رشحة نهرها» (21).
من التمثيلات التي يستند إليها هؤلاء كافّة، هي وصف القرآن بالمائدة التي يأكل منها الجميع كلّ بحسب شهيّته واستعداده وبمقدار صحته وخلوّه من الأمراض.
من السّهل أن نلحظ أنّ هذا التمثيل مستمد من الحديث النبوي الشريف : «إنّ هذا القرآن مأدبة اللّه ، فتعلموا مأدبته ما استطعتم» (22) بحيث يكون لكلّ إنسان رزقه من‏ هذه المأدبة بحسبه وبمقدار استعداده.
ربّما كان الغزالي (ت : 505 هـ) من أوائل من نظّر لهذا التقريب الحسّي الذي يمثّل القرآن بالمأدبة وبالرزق الذي ينتهل منه الجميع، فالقرآن عند أبي حامد مركز العلوم، فكل «ما اختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات ففي القرآن إليه رموز ودلالات عليه ، يختصّ أهل الفهم بدركها» (23). والطريق إلى العلوم يمر عبر تثوير القرآن : «من أراد علم الأوّلين والآخرين فليثوّر القرآن» (24). لكن لمّا كانت معارف القرآن وعلومه ممتدّة إلى ما لا نهاية له، فإذن : «لا يمكن استقصاء ما يفهم منه لأنّ ذلك لا نهاية له، وإنّما لكلّ عبد بقدر رزقه، فلا رطب ولا يابس إلّا في كتاب مبين‏ { قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا } [الكهف : 109] » (25).
انطلاقا من قاعدة أنّ : «غذاء كلّ موجود من جنسه وممّا يشابهه» (26) جاء القرآن الكريم مملوّا من المعاني، وعلى كلّ إنسان : «اصطياد نوع خاص منها برزق مخصوص معلوم من العلوم ... فما من رزق إلّا ويوجد في القرآن نوع من لبّه وقشره وأصله وفرعه وسنبله وتبنه لقوله تعالى : {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [الأنعام : 59] ‏» (27). هكذا يجاري الشيرازي الغزالي في المقاربة الحسية ذاتها، ليضيف في كتاب آخر أنّ القرآن : «بمنزلة مائدة نازلة من السماء إلى الأرض ...  فيها من الأطعمة من سماء عالم العقول إلى أرض النفوس ... وفيها لكلّ صنف من أصناف الخلق رزق معلوم ونصيب مقسوم ... ففيها لأهل الخصوص أغذية لطيفة وفواكه غير مقطوعة ولا ممنوعة، فالحكمة والبرهان لقوم، والموعظة والخطابة لقوم ويوجد لغيرهما أيضا أغذية متوسطة ... على حسب مرامهم ومقامهم إلى أن ينتهي الأغذية ... إلى حد القشور والنخالة ، وهي للعوام» (28).
طبيعي ينبغي أن نفهم هذه المقاربة لتفاوت معارف القرآن على ضوء مبدأ سبق وأن تحدّثت عنه المدرسة بل الشيرازي نفسه، حين أفاد أنّ الفيض ينزل من اللّه واحدا بسيطا، إنّما يكتسب هذه التعيّنات والمقادير تبعا للنفوس والعقول التي هي بمنزلة الأوعية التي تتفاوت بالحجوم. فهذا هو الإنسان يحدّد رزقه بما له من محدوديّة وجودية أو إدراكية ، هي التي تبعث على تحديد نصيبه أو رزقه المعرفي والمعنوي : «اعلم أنّ للإنسان أرزاقا مختلفة سوى رزق المعدة، وهي رزق القلب ورزق الروح ورزق السرّ» (29).
في نص آخر وأخير يمثّل الشيرازي للمعنى بقوله : «يوجد في القرآن ما فيه‏ صلاح كلّ أحد، وما رزق من الأرزاق المعنوية والصورية إلّا ويوجد في الكتاب قسم منه لأهله ... وكما يوجد فيه من حقائق الحكم وطرائف النعم التي فيها غذاء للأرواح والقلوب، فكذلك يوجد فيه العلوم الجزئية والأغذية والأدوية الصورية من القصص والأحكام والمواريث والديات والمناكحات وغيرها ممّا ينتفع به المتوسّطون في المنازل والعوام ، ففيه الأغذية المعنوية والصورية معا والأقسام الأخروية والدنيوية جميعا، فما من شي‏ء إلّا وفيه تبيانه» (30).
لننظر الآن كيف حضرت هذه التمثيلات الحسية المستمدّة من الحديث النبوي الشريف الذي يصف القرآن بأنّه «مأدبة اللّه» الهابطة إلى الإنسان من السماء، في النص الخميني وعبّرت عن نفسها فيه بكثافة. يقول في دروسه التفسيرية لسورة «الفاتحة» : «القرآن مائدة فرشها اللّه للبشر جميعا، مائدة ممتدّة يستفيد منها كلّ إنسان بحسب اشتهائه ، هذا إذا لم يكن مريضا لا شهية له».
ثمّ يقارب القرآن بالدنيا وكيف يستفيد منها الجميع ، كلّ بقدره ، إذ يستفيد الحيوان من علفها والإنسان من فاكهتها وهكذا، ليعود ويقول : «كذلك القرآن مأدبة ممتدّة للجميع يستفيد كلّ إنسان منها على قدر شهيّته ، وحسب الطريق الذي يسلكه للتعامل مع القرآن» (31).
كما يقول في نصّ آخر : «هذه المأدبة الممتدّة في الشرق والغرب ومن زمان الوحي حتّى القيامة ؛ هذا الكتاب الذي يستفيد منه البشر جميعا» (32) . ثمّ يصف ضروب الاستفادة على غرار ما ذكرها الشيرازي، إذ لكلّ من هذه المائدة نصيب بقدره، يستوي الأمر بين الإنسان العادّي والعارف والفقيه والفيلسوف والأولياء وغيرهم.
في موضع آخر يسوق الإمام المقاربة ذاتها التي تمثّل للقرآن بالمائدة ، فيقول : «القرآن مأدبة ممتدّة من الأزل إلى الأبد ، استفاد منها ويستفيد جميع طبقات البشر وفئاتهم . غاية ما هناك أنّ كلّ فئة ترتكز إلى مسلكها الخاصّ الذي تتوفّر عليه، فالفلاسفة يركّزون على المسائل الفلسفية للإسلام، والعرفاء على المسائل العرفانية للإسلام ، والفقهاء على المسائل الفقهية للإسلام ، والسياسيون على المسائل السياسية والاجتماعية للإسلام ، لكن يبقى الإسلام والقرآن هما كلّ شي‏ء ، فالقرآن رحمة للبشر جميعا» (33).
آخر ما نقف عنده من النصوص كلام للإمام يرجع إلى أواخر عام 1987 م يكرّر فيه المعنى ذاته، وهو يقول : «القرآن مائدة مدّت لجميع الفئات والطبقات ، بمعنى أنّه ينطوي على خطاب يتضمّن على سواء لغة عامّة الناس ، ولغة الفلاسفة ، ولغة العرفاء الاصطلاحية ولغة أهل المعرفة أيضا» (34).
من النصوص النقلية الاخرى التي كثيرا ما يتم الاستناد إليها في تفسير تعدد مراتب الفهم، هو الحديث الشريف الذي يروى عن الإمام الصادق عليه السّلام : «كتاب اللّه عزّ وجل على أربعة أشياء : على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق . فالعبارة للعوام والإشارة للخواص واللطائف للأولياء والحقائق للأنبياء» (35). يقول الإمام الخميني في نص يعود إلى منتصف الثمانينات : «للقرآن الكريم إشارات لطيفة جدا، لكن لأنّه جاء إلى العموم فقد قيل بصيغة يدركها الخواصّ كما يدركها العموم أيضا.
القرآن الكريم مركز جميع ضروب العرفان، ومبدأ كلّ المعارف» (36). ما دام القرآن مبدأ جميع المعارف ومركزها وخطابا مفتوحا للجميع، فمن الطبيعي أن يضمّ العبارة والإشارة واللطيفة والحقيقة.
يستدلّ أحد تلامذة الإمام بهذا النص الروائي على اختلاف معارف القرآن وتنوّع مراتبها بحيث يكون لكلّ فئة مرتبة، ثمّ يخلص للقول : «يستفيد كلّ إنسان من القرآن على قدر استعداده إلى أن ينتهي الخط إلى (المقام المكنون) الذي لا طريق إليه إلّا للنبي الأكرم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته عليهم السّلام» (37).
هكذا تنتهي الحصيلة إلى إثبات تعدّد مراتب الفهم وما يترتب على ذلك من نتائج ، سواء كان الدليل عليه هو التصوّر الوجودي، أو المرتكز العقلي المتمثّل بطبيعة المعرفة الإنسانية والإدراك البشري أو النقل.
______________________
(1)- الميزان في تفسير القرآن 3 : 48.
(2)- نفس المصدر : 60.
(3)- نفس المصدر : 64.
(4)- نفس المصدر 3 : 60، وراجع أيضا في التفسير الإدراكي لتعدد مراتب الفهم : القرآن في الإسلام، الترجمة العربية : 40، 42- 44.
(5)- في تعليقة له على الشيخ المجلسي أخذ عليه حمله الأخبار على مستوى واحد، حيث يقول : «أخذ الجميع في مرتبة واحدة من البيان، وهي التي ينالها عامة الأفهام ... مع أنّ في الأخبار غررا تشير إلى حقائق لا ينالها إلّا الأفهام العالية والعقول الخالصة ... فما كلّ سائل من الرواة في سطح واحد من الفهم وما كلّ حقيقة في سطح من الدقّة واللطافة. والكتاب والسنة مشحونان بأنّ المعارف ذوات مراتب مختلفة وأنّ لكلّ مرتبة أهلا، وأنّ في إلغاء المراتب هلاك المعارف الحقيقية». (بحار الأنوار 1 : 100، تعليقة في الهامش)
(6)- الميزان في تفسير القرآن 3 : 53، ويلحظ أنّ المعنى ذاته مرّ عند الشيرازي والإمام الخميني، غاية ما هناك أنّهما استعملا لفظ «رحمة بعباده» في التدليل على نزول الكتاب إلى الناس والطباطبائي استبدل ذلك بلفظ «عناية بعباده».
(7)- نفس المصدر : 54.
(8)- القرآن في الإسلام : 64.
(9)- الميزان في تفسير القرآن 3 : 73.
(10)- بحار الأنوار 58 : 65.
(11)- تسنيم 1 : 40.
(12)- صحيفه امام 19 : 115.
(13)- كشف الأسرار : 323.
(14)- شرح حديث جنود عقل وجهل : 63.
(15)- صحيفه امام 14 : 387.
(16)- نفس المصدر.
(17)- الفتوحات المكّية 2 : 219- 220.
(18)- الميزان في تفسير القرآن 3 : 338.
(19)- نفس المصدر : 339.
(20)- تفسير القرآن الكريم 4 : 413.
(21)- مفاتيح الغيب : 17.
(22)- وسائل الشيعة 6 : 168، كتاب الصلاة، أبواب قراءة القرآن، الباب 1، الحديث 13.
(23)- إحياء علوم الدين 1 : 289.
(24)- نفس المصدر 1 : 283.
(25)- إحياء علوم الدين 1 : 283.
(26)- تفسير القرآن الكريم 1 : 291، هذا المعنى استمده القوم من ابن عربي، وهو يحوله إلى حجر أساس لمبدأ : لا يمكن لأحد أن يعلم شيئا ليس فيه مثله البتة. راجع : الفتوحات المكّية 2 : 102.
(27)- تفسير القرآن الكريم 6 : 9.
(28)- مفاتيح الغيب : 30 و55 و90، تفسير القرآن الكريم 7 : 286، النص، لكلّ رزق بآيات من القرآن.
(29)- تفسير القرآن الكريم 7 : 286.
(30)- الحكمة المتعالية 7 : 45.
(31)- تفسير سورة حمد : 173.
(32)- صحيفه امام 14 : 387.
(33)- نفس المصدر 19 : 112.
(34)- نفس المصدر 20 : 408- 409.
(35)- بحار الأنوار 75 : 278، تفسير الصافي 1 : 31.
(36)- صحيفه امام 19 : 438.

(37)- تسنيم 1 : 37.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .