المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

علوم اللغة العربية
عدد المواضيع في هذا القسم 2764 موضوعاً
النحو
الصرف
المدارس النحوية
فقه اللغة
علم اللغة
علم الدلالة

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
من هم المحسنين؟
2024-11-23
ما هي المغفرة؟
2024-11-23
{ليس لك من الامر شيء}
2024-11-23
سبب غزوة أحد
2024-11-23
خير أئمة
2024-11-23
يجوز ان يشترك في الاضحية اكثر من واحد
2024-11-23



تحليلات اللغويين والنقاد للتطور الدلالي في المجاز  
  
334   01:42 مساءً   التاريخ: 16-8-2017
المؤلف : د. فايز الداية
الكتاب أو المصدر : علم الدلالة، النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة : ص419- 438
القسم : علوم اللغة العربية / علم الدلالة / الدلالة والمجاز /


‏تشغل الباحثين المحدثين في اللغة والنقد - كما ‏رأينا في هذا الفصل - مسألة تحوّل الاستعارة من مستوى التأثير الجمالي والانفعالي الى مستوى الاستعمال اللغوي العادي، اي ان عملية النقل التي احدثت - وتحدث - الهزة النفسية، زادت 
ص419
‏القدرة الدلالية للألفاظ فواكبت – او لنقل كونت - مع العناصر لأخرى - رؤية الشاعر في تعبيره، ان هذا النقل غدا مألوفاً، وأدرج ضمن لألفاظ المتعارف عليها ‏تقليدياً اي اضيف الى الرصيد اللغوي كلمات اخرى، ان تكن ثمة ظلال تعطيها بعض الكلمات في دقة التداول، لا في الانفعال لضروري لأداء التجربة الشعرية. نقطة التلاقي بين البلاغة والنقد من طرف والدلالة اللغوية من طرف آخر هي محور هذا الجانب من دراستنا، ونحاول عرض جوانبها النظرية بشيء من الاجمال السريع: ثم نبسط قدراً وافراً من الشواهد على الاستعارة المعرفية والمجاز المرسل بضروب له، فنكون ربطنا الأقسام السابقة من هذا الفصل بالتطبيق القائم على استقراء عدد من الاثار اللغوية والبلاغية (اسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني، وجمهرة اللغة لابن دريد الازدي، والأمالي للقالي، ومفاتيح العلوم للخوارزمي الكاتب، والجمان لابن ناقيا البغدادي، وأساس البلاغة للزمخشري). 
‏يناقش عبد القاهر الجرجاني مصطلحي (المجاز والاستعارة)، فهو يضع القواعد والقوانين البلاغية النقدية، لذلك يسعى الى التمييز بين أفق فني مجاله الأدب شعراً ونثراً، وأفق اكثر اتساعاً تنتشر فيه اللغة واستخدامات لها فيها طبقات لغوية. تشتمل على المألوف والمتغيّر. 
‏يقول عبد القاهر” وأما ما تجده في كتب اللغة من ادخال ما ليس طريق نقله التشبيه في الاستعارة كما صنع ابو بكر بن دريد في الجمهرة، فإنه ابتدأ باباً فقال (باب الاستعارات) ثم ذكر فيه ان الوغى اختلاط الاصوات في الحرب ثم كثر وصارت الحرب وغى، وذكر فيما ذكره لهذه الكلم اشياء هي استعارة على الحقيقة على طريقة اكل الخطابة ونقد الشعر لأنه قال: الظمأ: العطش وشهوة الماء، ثم كثر ذلك حتى قالوا” ظمئت الى لقائك،، وقال: الوجور: ما أوجرته الانسان من دواء او غيره، ثم قالوا: أوجره الرمح اذا طعنه في فيه، فالوجه في هذا الذي رأوه من اطلاق الاستعارة على ما هو تشبيه كما هو شرط اهل 
 ص420
‏العلم بالشعر. وعلى ما ليس من التشبيه في شيء ولكنه نقل اللفظ عن الشيء الى الشيء بسبب اختصاص وضرب من الملابسة بينهما وخلط احدهما بالآخر(1)”. 
‏ويعطي عبد القاهر مثلا اخر على عدم التقيد بمفهوم (الاستعارة) الفنية، وذلك (انه) ربما وقع في كلام العلماء بهذا الشأن (الاستعارة) على تلك الطريقة العامية الا انه يكون عند ذكر القوانين وحيث تقرر الاصول، ومثاله ان ابا القاسم الآمدي قال في اثناء فصل يجيب فيه عن شيء اعترض به على البحتري في قوله: 
‏فكأن مجلسه المحجب محفل                  وكأن خلوته الخفية مشهد 
‏” ان المكان لا يسمى مجلسا الا وفيه القوم، ثم قال: الا ترى الى قول مهلهل: 
                                 ‏واستب بعدك يا كليب المجلس 
‏على الاستعارة، فاطلق (الآمدي) لفظ الاستعارة على وقوع المجلس هنا بمعنى القوم الذين يجتمعون في الامور، وليس المجلس اذا وقع على القوم من طريق التشبيه بل على حد وقوع الشيء على ما يتصل به وتكثر ملابسته اياه” (2). 
‏نحن نرى ان حماسة عبد القاهر لقوانينه وتأصيله للقواعد البلاغية وراء هذه الحدة في تناول قضية الاستعارة والمجاز، فهما يحتملان الوجهتين اللتين ذكرناها اي البعد الفني والبعد التطوري الدلالي. ولا شك ان ثمة مسافة فاصلة لابد من 
___________________
(1) أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني 369-370، ط. ريتر استانبول 1954م.
(2) أسرار البلاغة، عبد القاهر الجرجاني 370-371.
 ص421
‏التدقيق فيها كيما نضع الكلمة في اطارها وهنا نذكر مصطلح (بلى الاستعارة) ونضيف اليه (انتشار منسوب المجاز المرسل )؛ فهي تبدا فنية وتعم لتؤدي دورا دلاليا لغويا. 
‏نبهتنا اشارة عبد القاهر الى تحليلات دلالية غنية سنبدأ بتناول ما جاء منها عند ابن دريد في الجمهرة(3). فهو يذكر عددا من حالات التطور متصلة بالاستخدام المجازي المرسل ( الكلية والجزئية والمجاورة، فيكون التوسع والتخصيص) والاستعاري، فيكون الانتقال: 
‏1- شواهد التوسع الدلالي: 
‏( النجعة )، طلب الغيث، ثم كثر فصار كل طلب انتجاعا.* ( والمنيحة ) اصلها ان يعطى الرجل الناقة او الشاه فيشرب لبنها، ويجتز وبرها وصوفها، ثم صارت كل عطية منيحة * ‏ويقال (فلوت) المهر اذا نتجته وكان الاصل الفطام ثم كثر حتى قيل للمنتج مفتلى. 
* ‏ (والقرب) طلب الماء ثم قالوا: فلان يقرب حاجته اي يطلبها. 
* و (الوغى) اختلاط الاصوات في الحرب، ثم كثر فصارت الحرب وغى وقولهم (جز راسه) وانما هو جز شعر راسه فاستعمل على هذه السبيل *  وقولهم (اخذت من ذقنه) اي من اطراف لحيته، فلما كانت اللحية في الذقن استعمل في ذلك * و (الورد) اتيان الماء ؛ ثم صار اتيان كل شيء وردا، وكثر حتى سموا المحموم مورودا لان الحمى تأتيه في اوقات الورد * (الركض) الضرب 
__________________
(3) جمهرة اللغة، لأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (ت 321هـ) (3/432-434)، باب الاستعارات ط. دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن 1345 هـ وقد نقل هذا الجزء من الجمهرة صاحب المزهر: جلال الدين السيوطي، انظر المزهر (1/427).
ص422
‏بالرجل ثم كثر ذلك حتى لزم المركوب وان لم يحرك الراكب رجله فيقال: ركضت الدابة، وركضت هي اللغة العالية (4). 
‏ونضع في هذا الاطار الدلالي من التوسع مجموعة من الحالات التي يرتسم فيها اثر علاقة المجاورة او علاقة السببية. 
* (الغيث) المطر؛ ثم صار ما نبت بالغيث غيثا، ويقال اصابنا غيث، ورعينا الغيث * ‏و (السماء) المعروفة ثم كثر ذلك حتى سمي المطر سماء، وتقول العرب ما زلنا نطأ السماء حتى اتيناكم اي (نطا) مواقع الغيث * و (الندى) الندى المعروف، ثم كثر حتى صار العشب ندى * و (الخرس) هو ما تطعمه المرأة عند نفاسها ثم صار الدعوة للولادة خرسا * وكذلك (الاعذار): الختان وسمي الطعام للختان اعذارا * و (الراوية) البعير الذي يستقى عليه ؛ ثم صارت المزادة راوية * و (العقيقة) الشعر الذي يخرج على المولود من بطن امه ثم صارما يذبح  عند حلق ذلك الشعر عقيقة * ‏و(الحلس) ما على ظهر الدابة نحو البرذعة وما اشبهها ثم قيل للفارس الذي لا يفارق ظهر دابته (حلس) وقالوا: بنو فلان احلاس الخيل * و (الصبر) الحبس ثم قيل قتل فلان مبرا اي حبس حتى قتل، وفي الحديث” اقتلوا القاتل واصبروا الصابر” واصل ذلك ان رجلا امسك رجلا لرجل حتى قتله فحكم ان يقتل القاتل و يحبس الممسك(5). * و (الظعينة) اصلها المرأة في الهودج ثم صار البعير ظعينة والهودج ظعينة ) *‏و (الخطر) ضرب البعير بذنبه جانبي وركيه ثم صار ما لصق من البول بالوركين خطرا. 
________________
(4) جمهرة اللغة، ابن دريد (3/432-433).
(5) جمهرة اللغة، (3/432-433).
 ص423
‏2- ومن شواهد التخصيص الدلالي: 
‏* ( الحج ) قصدك الشيء، وتجريدك له، ثم سمي قصد البيت حجا (6).
3- اما شواهد النقل الدلالي بالاستعارة فهي: 
‏قالوا * (همدت) النار، ثم قالوا: همد الثوب اذا اخلق ايضا واصل (العمى) في العين، ثم قالوا: عميت عنا الاخبار اذا سترت عنا * و( الدفن ): دفن الميت ثم قيل: دفن ستره اذا كتمه * وتقول (نام) الانسان ثم كثر حتى قيل نامت الليلة السماء برقا، وقالوا: نام الثوب ايضا اذا اخلق. * ‏( والظمأ): العطش وشهوة الماء ثم كثر ذلك فقالوا ظمئت الى لقائك * ‏و (المجد): امتلاء بطن الدابة من العلف، ثم قالوا: مجد فلان فهو ماجد اذا امتلا كرما * ‏و (القفر): الارض التي لا تنبت شيئا ولا انيس بها ثم قالوا: اكلت طعاما قفارا بلا ادم وقالوا: امرأة قفرة الجسم  اي ضئيلة * ‏و (الوجور): ما اوجرته الانسان من دواء او غيره ثم قالوا أوجره الرمح اذا طعنه في فيه. فأما قولهم اجره الرمخ فليس من هذا. هو ان يطعنه ويدع الرمح في بدنه * و (الغرغرة) ان يغرغر الرجل الماء في حلقه فلا يسيغه، ثم كثر حتى قالوا غرغره بالسكين اذا ذبحه * و (القرقرة) صفاء هدير الفحل وارتفاعه. ثم قيل للحسن الصوت قرقار * ‏و (الافن): قلة لبذ الناقة، ثم قالوا: افن الرجل اذا كان ناقص العقل فهو افين ومأفون * و (البسر): ان تلقح النخلة قبل اوانها ، وبسر الناقة الفحل قبل ضبعتها، ثم قيل: لا تبسر حاجتك اي لا تطلبها من غير وجهها. 
‏* وقولهم ( ساق اليها مهرا) وانما هي دراهم، و كان الاصل ان يتزوجوا على الابل والغنم فيسوقونها وكذلك حتى استعمل في الدراهم * ويقولون (بنى 
 _________________
(6) جمهرة اللغة (3/433-434).
ص424
‏الرجل بأمراته ) اذا دخل بها، واصل ذلك ان الرجل من العرب اذا تزوج بني له و لأهله خباء جديد فكثر حتى استعمل في هذا الباب (7). 
‏ونجمع الى هذا الرصيد الفني دلاليا عددا من الاستعارات المعرفية التي جاء بها مؤلفون لكتب في اللغة والبلاغة وعلم المصطلح ( نقصد كتاب مفاتيح العلوم ) ونمهد لها بأفكار ونظرية كان اثارها الغزالي  وابن مينا حول (الاستعارة) و (النقل). 
‏يقول الغزالي في حديث عن ( اللفظ المطلق بالاشتراك على مختلفات ): اعلم ان اللفظ المطلق على معان، ثلاثة اقسام: 
‏مستعارة، ومنقولة، ومخصوصة باسم المشترك. اما المستعارة: فهي ان يكون اسم دالا على ذات الشيء بالوضع، ودائما من اول الوضع الى الان، ولكن يلقب به في بمض الاحوال لا على الدوام شيء اخر لمناسبته للأول على وجه من وجوه المناسبات من غيران يجعل ذاتيا للثاني، وثابتا عليه ومنقولا اليه. كلفظ (الام) فانه موضوع (للوالدة) ويستعار لـ (الارض) يقال: انها (ام البشر) بل ينقل الى (العناصر الاربعة) فتمسى (امهات) على معنى انها اصول. 
‏والام ايضا اصل لـ( الوالد ). فهذه المعاني التي استعير لها لفظ (الام) لها اسماء خاصة بها، وانما تسمى بهذه الأسامي في بعض الاحوال، على طريق الاستعارة، وخصص باسم (المستعار) لان (العارية) لا تدوم، وهذا ايضا يستعار في بعض الاحوال(8). 
‏و كان ابن سينا قد اورد في (الجدل) ان من الاسماء” ما يقال بالاتفاق، 
_________________
(7) جمهرة اللغة، ابن دريد (3/432-433).
(8) معيار العلم، الغزالي، 85-86.
ص425
‏وقد صار الاسم فيها اسما لما يتفق فيه بالحقيقة، ومنها ما يقال بالاستعارة و قد اشتهرت، ومنها ما يقال باستعارة مبتدعة لم تشتهر” (9). 
‏فهذا التناول انما يعطي تصورا عن مرونة الاستعمال الاستعاري فه الافاق اللغوية والفنية، وينور حركة الكلمات بين الاصل وفروع تتجه اليها من غير ان تترك ذاك الاصل، فأما ان تكون استعارة شعرية خاصة، او استعارة معرفية في جانب معين اصطلاحي، اوانها تغني جانبا من الحياة بالتخصيص والتفصيل الدقيق. 
‏فمن الاستعارات المعرفية الاصطلاحية ما اورده الخوارزمي الكاتب من اسماء الادوية المتداولة عند الصيادلة والاطباء تحت عنوان: في ( ذكر ادوية مشتبهة الاسماء) الاصابع الصفر: نبات ينفع من الجنون، اكليل الملك: نبات معروف، الاظفار (بالفارسية: ناخنه) تستعمل في الطيب، اذان الفار: حشيشة تنفع وتمنع من الظفرة، بصل الفار: هو استقيل، بقلة الحمقاء: هي الرجلة، ويقال لها البقلة اليمانية، جار النهر: يشبه النيلوفر ينبت في شطوط الانهار، ذنب الخيل: نبات قابض ذو ثلاث شعب، رجل الغراب: حشيشة، عصا الراعي: نبات قابض، عنب الثعلب هو ( روباه زرك) ويقال هو الغنم، لسان الحمل: نبات قابض يجفف، لسان الثور: نبت مفرح، وهو حار ورطب، مزمار الراعي من ادوية الحصى ؟ عين البقر. هو البهار الاصفر” (10). 
‏ومما يمكن الافادة فنه في اطار الاستعمال الى الاستعاري وان كان صاحب الدراسة لا يصرح بالتفسير الدلالي بشكل واضح، الا ان مصطلح (الاطراد) قد 
__________________
(9) الجدل من (الشفاء)، ابن سينا 244-245، تحقيق د. أحمد الأهواني، وينظر في فصل (العام والخاص) من المزهر (1/426)، للسيوطي.
(10) مفاتيح العلوم، الخوارزمي الكاتب 102-103.
ص426
‏يشير الى انتشار يقرب مما يتم للتطور الدلالي في بعض الامثلة، فهذا ابن ناقيا يقول: 
‏” وقد نقلت العرب كثيرا من أوصاف النبات والشجر الى اوصاف الناس، واطرد ذلك في كلامهم لوقوع المناسبة بين الحالين، وذلك يحسن التشبيهات والاستعارات في هذا الباب، فقالوا: فلان كريم المغرس، وعريق الحسب، وما انجب عودة و اذكى ‏نباته، وقال الله تعالى في ذكر مريم: ( فتقبلها ربها بقبول حسن )‏ ( ال عمران ٣/37 )‏ ؟ وقال جل اسمه: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا}(11) ‏( نوح 71 / 17). 
‏ونجد ان عددا من الحالات التي اوردها (الثعالبي)، في كتابه (فقه اللغة)، تحت (فصل في الاستعارة) مما يدخل في الاستعارة المعرفية كقولهم في استعارة الاعضاء لما ليس من الحيوان: راس الامر، راس المال، وجه النار، عين الماء، حاجب الشمس، انف الجبل، انف الباب، ريق المزن، لسان النار، يد الدهر، جناح الطريق، كبد السماء، ساق الشجرة”(12)، فهذه استعارات كثر تداولها الى ان تحولت الى الرصيد الدلالي العام، وتحمل قدرتها الايحائية في النصوص القديمة لأننا عند قراءتها نتهيأ في اطارها وسياقها التاريخي مما يحفظ تلك الهالة الانتقالية معها. 
‏يحمل نص في امالي القالي قيمة هامة في تفسير الاستعارة المعرفية في حركتها الدائبة بين العوالم المادية فمن ذلك ان” في الفرس من اسماء الطير عدة: الهامة: العظم الذي في اعلى راسه، والفرخ: وهو الدماغ، والنعامة: الجلدة التي تغطي الدماغ. والعصفور: العظم الذي تنبت عليه الناصية، والذبابة: 
_________________
(11) الجمان، ابن ناقيا البغدادي 280.
(12) فقه اللغة، الثعالبي 282.
ص427
‏النكيتة الصغيرة التي في انسان العين فيها البصر. والصردان: عرقان تحت لسانه، والسمامة: الدائرة التي في صفحة العنق. والقطاة: مقعد الردف (خلف الفارس) والغرابان: راسا الوركين فوق الذنب. والحمامة: القص. والنسر:  كالنوى والحصى الصغار يكون في الحافر مما يلي الارض. والصقران: الدائرتان في مؤخر اللبد دون الحجبتين. واليعسوب: الغرة على قصبة الانف والناهض: اللحم الذي يلي العضدين من اعلاهما المجتمع. والخرب: الهزمة التي بين الحجبة والقصرى في الورك. والفراش: العظام الرقاق في اعلى الخياشيم، والسحاة: كل مارق وهش من العظام التي تكون في الخياشيم وفي رؤوس الكتفين” (13). 
‏نطالع في مقدمة ابن خلدون تقويما لعمل الزمخشري اللغوي، ويتميز هذا التقويم بانه ينفذ الى جوهر اصيل في البحث الدلالي ذلك انه قال: 
‏” ومن الكتب الموضوعة ايضا في اللغة كتاب الزمخشري في المجاز وسماه (اساس البلاغة)، بين فيه كل ما تجوزت به العرب من الألفاظ، وما تجوزت به من المدلولات، وهو كتاب شريف الافادة (14)” ؛ فابن خلدون يهتم (بأساس البلاغة) درسا للمجاز اللغوي ولا يلتفت الى معجميته وكأنما يراه كتابا له وظيفة تحليلية للألفاظ ودلالاتها ويعمق السبل للوصول الى فاعلية الدلالة العربية الا ان وضع كل الزمخشري في مجموعة المعجمات ابعده عن الزاوية المناسبة له بين الدارسين وهي زاوية التطور الدلالي. 
‏واننا نرشح هذا الجهد الدلالي الهام للزمخشري في اساس البلاغة ليكون ركيزة في مشروع المصنف الدلالي العربي الذي يجمع تعليقات اللغويين والادباء 
________________
(13) الأمالي، لأبي علي القالي (2/252-253) وفي المزهر (1/377-387).
(14) المقدمة، ابن خلدون 518.
ص428
‏والفلاسفة والمتكلين والفقهاء حول دلالات الألفاظ. ونرى انه يمثل مجالا للتطبيق على علاقات المجاز والاستعارة اضافة الى ما ذكره عن الكناية والمثل. 
‏نبسط بعض الشواهد في (اساس البلاغة) فتكون بداية لتحليلات اخرى شاملة: يقول الزمخشري في مادة (اذن)(15) ومن المجاز: فلان اذن من الاذان اذا كان سمعه، وهي اذن وهما اذن وخذ بأذن الكوز وهي عروته، والاكواب كيزان لا اذان لها * ومضت فيه اذنا السهم * وجاء فلان ناشرا اذنيه اي طامعا، وجاء لابسا اذنيه اي متغافلا. وفي المثل: انا اعرف الارنب واذنيها اي اعرفه ولا يخفى علي كما ‏لا تخفى علي الارنب. وتقول” سماه بالخير مؤذنة، والنفس بصلاحه موقنة”، وقد اذن النبات اذا اراد ان يهيج اي نادى بإدباره”. 
‏ * (1)‏ فنلحظ علاقة المجاز المرسل الجزئية المتحولة الى الكل بالتوسع (اذن) سمعة وهي تماثل ما يدرج عادة في المشترك اللفظي مع (العين) عندما تدل على من يجمع الاخبار ويطلع على احوال الخصوم والاعداء متجسسا، والزمخشري يورد في موضع اخرمن كتابه علاقة مجازية مرسلة (سببية) في لفظ (اليد)‏ (2) ثم نجد الاستعارة المعرفية وهي (اذن الكوز) وكذلك (اذنا السهم). (٣‏) ثم نصادف استعارة تحولت الى قيمة معرفية ثم قامت بدور الكناية في الدلالة غير المباشرة” جاء فلان ناشرا اذنيه ولابسا... (٤) ‏ وفي المثل نجد ان صفة في اذن الارنب عممت لتدل على كل ظاهر بارز وان كان صاحبه يظنه خفيا، وذلك بالتطور الدلالي وحيوية الاستعمال والقيمة الاساسية في هذا العرض هي ان المساحة الاستعمالية ليست محصورة في النصوص الادبية وانما تتسع لكل وجوه الحياة ولأبناء اللغة عامة. ولكننا في الوقت نفسه لانحجب عن الشعراء والكتاب توظيف هذه التطورات في بناء فني لان الامر مرده الى السياق الذي يتم 
______________
(15) أساس البلاغة، الزمخشري، (1/8)، ط دار الكتب والوثائق، القاهرة 1972 م.
ص429
‏فيه تفاعل التجربة وصوغها جماليا من خلال اللغة وما دمنا نقول بدلالة السياق متكاملا فقد تعود لفظة تحولت امدا الى الرصيد العام المألوف الى الاشعاع الفني بين يدي اديب فذ، ولعل هذا يكون مع تباعد الآماد وتميز التجارب الشعورية. 
‏* وفي مادة ( ب ر ى ) يقول الزمخشري،” ومن المجاز* بريت الناقة بالسير، وبراها السفر، وناقة ذات براية: بها بقية بعد بري السفر اياها * ‏وانك لذو براية: لمن فيه بقية بعد السفر * ‏وفلان يباري الريح جودا ل* واعطته الدنيا برتها اذا تمكن منها وحظي بها” (16). 
‏ * نلحظ ان هذه المادة يتركز التطور فيها على الاستعارة. 
‏* وفي مادة ( ب ر ق ) يقول في اساس البلاغة” ومن المجاز * فلان تبرق لي ويرعد اذا تهدد * ورأيت في يده بارقتا وهي السيف، والجنة تحت البارقة اي تحت السيوف * وحدثته فارسل برقاوية اي عينيه لبرق لونيهما. 
‏* وبرق عينيه: فتحهما جدا ولمعهما * وابرقت لي فلانة وارعدت اذا تحسنت لك وتعرفت”(17). 
‏نرى ان التطور الدلالي يمر بالمجاز المرسل (البارقة) فالجزئية تعبرعن الكل وهو السيف، ويفيد من الاستعارة في ربط التهديد بالبرق، وفي سياق اخر يربط الحمن والتعرض بالبرق فكما يلمع فلا يخفى ويجذب الانتباه بصورة لا يملك المرء تجاهلها تبدو هذه المرأة في ابهى حللها والوانها، ونلحظ ايضا علاقة الكناية في دلالة (برق عينيه). 
 _________________
(16) أساس البلاغة، الزمخشري (1/8).
(17) أساس البلاغة (1/43).
ص430
‏* وفي مادة (ن ظ ف) يقول الزمخشري” نظفت الاناء، ونظفته، فهو نظيف ومن المجاز، استنظف الوالي الخراج: استوفاه نحو قولهم: استصفى الخراج، وعن بعض اهل اللغة الصواب بالضاد من انتضف الفصيل ما في الضرع، والابل ما في الحوض اذا اشتفته * ورجل نظيف الاخلاق: مهذب، وهو يتنظف يتنزه من المساوئ” (18). 
‏يلفت الانتباه في تطور هذه المادة امران: الاول الاستعمال الاستعاري، والاخر هو غنى مادة (ن ظ ف) في المجالات المعاصرة عربية واجنبية. 
‏ابو منصور الثعالبي (٣٥٠ ‏. 340 هـ ) ‏ في معجمه  (فقه اللغة)
“ ان عمله المعجمي يعني احصاء الكلمات التي تستخدم في نطاق التعارف اللغوي (الاتفاقي) بما لا يخرج عن الحدود العامة الثابتة لفصاحة الكلمات، لذا فانه عندما يأتي على ذكر الاسماء والصفات التي كانت ضمن استعارات، وتشبيهات يؤكد مسارا لغويا دلاليا بانتقال الألفاظ الى دائرة الاستعمال العادي، ففي مجال الحديث عن (الجلود) يخصص قسما هو (فصل في تقسيم الجلود على القياس و الاستعارة) ويشتمل على (مسك) الثور والثعلب، (مسلاخ) البعير والحمار، و (اهاب) الشاة، والعنز، و( شكوة) السخلة، و(خرشاء) الحية، و(دواية)  اللبن” (19).
‏وهذه الألفاظ التي اصبحت تعني (الجلد) في كل نوع من الانواع المذكورة كانت قبل في تراكيب مجازية او تشبيهية، وعلى سبيل المثال يشرح (القاموس) الشكوة” بانها: وعاء ادم للماء واللبن”، و” دواية: ما يعلو الهريسة، واللبن ونحوه اذا ضربتها الريح”(20). 
___________________
(18) أساس البلاغة (2/456).
(19) فقه اللغة للثعالبي 137، تحقيق مصطفى السقا وآخرين.
(20) القاموس المحيط: مادة (ش ك و) و (د و ي) ط. مؤسسة الحلبي القاهرة.
ص431
‏موضع اخر يدعوه الثعالبي (فصل في اوصاف للفرس جرت مجرى التشبيه) نجد فيه اسماء ثلاثة: ( هيكل، صلدم، مشذب ) تحل بحل لفظ (الفرس) في استعمالات وقد انسحبت من قبل على نحو تشبيهي - استعاري -:” فاذا كان - الفرس - طويلا ضخما قيل له (هيكل) تشبيها له بالهيكل وهو البناء المرتفع، اذا كان محكم الخلقة قيل له (صلدم) تشبيها بالصلدم وهو الحجر الصلد واذا كان طويلا مديدا قيل له: (مشذب) تشبيها له بالنخلة المشذبة” (21). 
‏وهذا المنحى الذي ينحوه الثعالبي يفتح الباب امام مراجعات للمعاجم الاخرى ومقارنة العديد من الألفاظ والاستعمالات الشعرية في الازمنة المتتابعة والتي سبقت تدوين اللغة وتصنيفها لتميز بين ضروب الاستعارة، وما تكون الت اليه من استقرار على وضع اتفاقي في المعجم، ولنا عندها ان نحلل الوضع الدلالي، ومدى ما يستطيعه الشاعر من بعث الحياة من جديد في المواد والصور القديمة، وذلك بضروب الاشتقاق والتركيبات الجديدة. 
‏اما ابن جني فقد اتخذت لديه هذه المسالة شكل تنويعات على النغمة الاساسية في (الخصائص) وههنا تجدر الاشارة الى تميز شخصية هذا المصنف في العربية، فقد جمع اطرافا من ضروب الثقافة لعصره تجعلنا نقرأ اثار بمزيد من التمعن باحثين عن تفسيرات وايضاح لقضايا المجاز والدلالة، فهو لغوي موغل في التحليل والتعليل للبنية اللغوية العربية، وهو كذلك مسهم في الاعمال النقدية بشروحه المتعددة للشعر القديم والمحدث. 
‏ومن السمات البارز في عمل ابن جني مزجه بين الحالات الصرفية والنحوية وتلك الحالات التي تكون في صلب المادة الادبية فيقول” الا تراهم - العرب - يعلون المصدر لإعلال فعله، ويصححونه لصحته، ذلك نحو قولك قمت قياما 
 _______________
(21) فقه اللغة للثعالبي 171، وكذلك 106، 231.
ص432
‏وقاومت قواما، فاذا حملوا الاصل الذي هو المصدر على الفرع الذي هو الفعل، فهل بقي في وضوح الدلالة على ايثار هم تشبيه الاشياء المتقاربة بعضا ببعض شبهة(22)”؟. 
‏ونلاحظ كذلك ان تمثله للعناصر الثقافية بدرجة عالية كان يمكنه من الافادة منها في الجوانب المختلفة، بل اننا نلمح بعض الاثار الارسطية الفنية ‏كفكرة المحاكاة  و التصوير في ثنايا مناقشة فرعية حول المجاز تدور بين ابن جني وراي لابي الحسن الاخفش (23) النحوي المعتزلي وذلك في الآية الكريمة (‏وكلم الله موسى تكليما)  فالأخفش يقول بأن” الله خلق لموسى كلاما في الشجرة فكلمه به”،  ويرى صاحب الخصائص” ان المتكلم يستحق هذه الصفة بكونه متكلما لا غير، لا لأنه احدثه في الة نطقه (24)”، ويتطرق الى افتراض امكان ان تصنع الة مصوتة تقلد الحروف التي يستعملها الانسان ويظهر شكه في قدرة الالة على اخراج ما يحاكي ‏الفعل البشري، وههنا يعقد المقارنة بين حالتين من الخلق الاولى هي ابداع (القديم سبحانه) والاخرى ما ينسب الى الفنان، ونلحظ بوضوح كيف طوع ابن جني العبارة وحورها من الطبيعة الى ما يتلاءم والعقيدة الاسلامية. 
‏فهؤلاء المستعملون للآلات يأتون بأصوات فيها الشبه اليسير من حروفنا، فلا يستحق لذلك ان تكون كلاما، ولا ان يكون الناطق.بها متكلما كما ان الذي يصور الحيوان تجسيما او ترقيما لا يسمى خالقا للحيوان، وانما يقال مصور وحاك ومشبه، واما القديم سبحانه فانه قادر على احداث الكلام على صورته الحقيقية، 
___________________
(22) الخصائص، ابن جني (1/113).
(23) بغية الوعاة للسيوطي (1/590-591)، سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط.
(24) الخصائص (2/454).
ص433
‏وأصواته الحيوانية في الشجرة والهواء، وما احب سبحانه وشاء (25). 
‏إذن اننا نعرض الامثلة هنا كما يصنع الاثري بقطع متناثرة لآنية قديمة محاولاً اعادة تشكيلها ليدرس الخصائص الفنية وما وراءها من ابعاد حضارية، خاصة وان شرح ديوان المتنبي الكبير - الفسر - لم يدخل بتمامه في دراستنا - لعدم توفر المخطوط، وتأخر نشر الأجزاء التالية للقسم الأول المطبوع - وقد يكون في ثناياه ما يغني البحث الدلالي وينوره: 
‏1- يهتم ابن جني بذاك التحول الذي تنتقل فيه المجازات الى الاستعمال العادي فيذهب رواؤها وخصوصها، وتعالج القضية بطريقة عقلانية منطقية في جانب منها وتشمل طرفاً مبالغا فيه مع اخر لا يبعد كثيراً، فابن جني يقول:” ان اكثر اللغة مع تأمله مجاز لا حقيقة، وذلك عامة الافعال نحو قام زيد ‏وانطلق عمرو وانطلق بشر، وجاء الصيف وانهزم الشتاء، ألا ترى ان الفعل يفاد منه معنى الجنسية، ولا يجتمع لإنسان واحد (في وقت واحد) ولا في مئة ألف سنة مضاعفة القيام الداخل تحت الوهم ‏، لذا يعد (قام زيد) من المجاز لا من الحقيقة (26)” واذا ما تركنا الايغال الذي قاد ابن جني الى ان يعد الأفعال كلها من المجاز، فإننا ندرك اهمية وقوفه على المجازين (جاء الصيف، وانهزم الشتاء) وتحولهما الى عبارتين مجردتين من قدراتهما الاستعارية. 
2- ويقدم ابن جني نمطاً آخر لأثر التداول الكثير وبعد الزمن في بعض الاستعارات فهناك من يحاول ان يربط بين التكوين اللغوي (ع ق ر) ودلالته على الصوت في قولنا: (رفع عقيرته)، وهذا الجمع بينهما يؤدي الى تعسف في 
_________________
(25) الخصائص (2/454-455)، وقد يكون القسمان: 1، 25 من فن الشعر الأرسطي هما أقرب المصادر لحديث ابن جني هنا، ينظر فن الشعر 28، 142 – 144 ط. شكري عياد، و 4، 71 ط. عبد الرحمن بدوي.
(26) الخصائص (2/447). ‏ 
 ص434
‏التحليل والتفسير. ذلك ان اسباب التسمية تخفى لبعدها في الزمان عنا، و كما ‏يقول سيبويه” لعل الأول وصل إليه علم لم يصل الى الاخر، يعني ان يكون الاول الحاضر شاهد الحال فعرف السبب للتسمية (27)” وكان الاصل في هذا الشاهد الذي ندرسه” ان رجلاً قطعت احدى رجليه، فرفعها، ووضعها على الاخرى ثم صرخ بأعلى صوته فقال الناس (رفع عقيرته) (28)” وهكذا نرى ان امحاء الاصل جعل المتأخرين يعاملون المادة الاستعارية على انها حقيقة لغوية:” العقيرة”. 
‏3- ويروي لنا ابن جني ايضا تطوراً اصاب مادة لغوية استعيرت في البدء ثم تحولت الى حقيقة فهم يقولون: قد بنى فلان بأهله، وذلك ان الرجل كان اذا اراد الدخول بأهله بنى بيتاً من ادم او قبة او نحو ذلك من غير الحجر، ثم دخل بها فيه، فقيل لكل داخل بأهله (29). 
‏4- ويلتفت ابن جني الى مسألة فرعية تتجاوز الحديث المجرد عن ألفة الاستعارات والمجازات ذلك انه يذكر نحواً من التصرف يحل ما يتصور من اشكال فني عندما تتكرر الصور في الموروث الشعري، وقد كانت العادة والعرف - الادبيان –” ان تشبه اعجاز النساء بكثبان الانقاء كقوله: 
ليلى قضيب تحته كثيب              وفي التلاد رشأ ربيب 
وكقول أبي تمام:
وكم أحرزت قضب الهنديّ مصلتة               تهتّز من قضبٍ تهتز في كثب (30)” 
_________________
(27) الخصائص (2/447).
(28) الخصائص (1/66).
(29) الخصائص (1/39-40).
(30) الخصائص (1-300 – 303).
ص435
‏وههنا - كما ‏يرى ابن جني - اصل الحقيقة هو الكثيب المستعار في صوت غزلية متداولة، وفرع (المجاز) هو المرأة الحسناء مشبهة به، ويلاحظ انهم” لما كثر استعمالهم إياه وهو مجاز استعمال الحقيقة واستمر واتلأب، تجاوزوا به ذلك الى ان اصاروه كأنه هو الأصل والحقيقة (31)”، ولكن هذه المرحلة من تطور الاستخدام لا تعد عقبة بضمور الجانب التصويري بسبب من اعتياده والعود الى ما يقرب من الحقائق اللغوية، وذلك” أنهم عادوا فاستعاروا منه لأصله، فقال ‏طرفة: 
‏ورملٍ كآوراكِ العذارى قطعته               ‏اذا ألبسته المظلمات الحنادس 
‏وبذا جعل الأصل فرعاً، والفرع اصلاً، وهذا من باب تدريج اللغة (32)”، ونتابع عدداً من الامثلة التي يسوقها المصنف في البابين اللذين درس فيهما المسألة وهما يفتحان المجال واسعاً امام دراسات المجاز الدلالية التي تقتضي انماطاً من المجازات الدائرية الحركة بانتقالها من الحيّز المسمى بالحقيقة، والطرف الاخر المجازي في اللغة، ويمكننا ان نقول - بشيء من الحذر العلمي - بأن مثل هذه الحركة تعطي الأدب حيوية دلالية ضرورية، ولن يكون الانتقال العكسي ‏الذي نراه هنا هو الوحيد من الاحتمالات فالتوليدات تتعدد باتجاهات مختلفة. 
‏5- وثمة مسألة جانبية متفرعة من قضية كثرة المجاز وتداخله مع الحقيقة او تمايزه منها فالأخفش الاوسط لا يجيز القياس في ضرب من المجاز وهو القائم على حذف المضاف كقوله تعالى {واسأل القرية} أي أهل القرية، ويناقش ابن جني هذه الفكرة ويرد المحاذير التي يعرضا الاخفش من اختلاط بين المجازات والحقائق لدى السامع او القارئ، فنحن نعم كثرة المجاز في ضروبه الأخرى وسعة 
________________
(31) الخصائص (2/177).
(32) الخصائص (1/300)، والخصائص (2/176-177).
 ص436
‏استعماله وانتشار مواقعه كقام أخوك، وجاء الجيش...” وكل ‏ذلك مجاز لا حقيقة وهو على غاية الانقياد والاطراد، وكذلك حذف المضاف مجاز لا حقيقة وهو مع ذلك مستعمل (33)” ويبلور المصنف في هذا المقام حكماً قياساً على حالات فيها الحذف” كأن تقول: ضربت زيداً، وإنما ضربت غلامه وولده، فهذا باب إنما يصلحه ويفسده المعرفة به، فإن فهم عنك في قولك ضربت زيداً أنك إنما اردت بذلك ضربت غلامه او اخاه جاز، وان لم يفهم لم يجز (34)” ويريد المصنف هنا ان يجمل الحكم فيشمل ذاك النمط من المجاز فلا خشية من التداخل ما دام اللبس مأموناً، ولكننا نلحظ انه كان حرصاً على القرائن في تعريفه للمجاز” فلو عري الكلام من دليل يوضح الحال لم يقع على الفرس لفظ (مجر) المستعار، لما فيه من التعجرف في المقال من غير ايضاح ولا بيان الا ترى انه لو قال: رأيت بحراً وهو يريد الفرس لم يعلم بذلك غرضه فلم يجز قوله لأنه إلباس والغاز على الناس (35)”. 
‏وتبقى هذه المسألة ذات اهمية في معالجتها جانباً يتصل بانتقال المجاز الى حدود الحقيقة. 
‏ومن المواضع النادرة في كتب النقد ما نصادفه لدى ابي هلال العسكري اذ يتحدث عن الحقيقة والتوسع، وكيفية تطور الاستعمال الذي يؤدي الى ألفة لهذا المجاز” فكثرة الاستعمال جعلت تسمية المزادة راوية كالحقيقة، و كان الراوية حامل المزادة وهو البعير وما يجري مجراه ولهذا سمي حامل الشعر راوية، ومثل 
‏هذا كثير ليس هذا موضع استيعابه” (36). 
 __________________
(33) الخصائص (1/451).
(34) الخصائص (2/451-452).
(35) الخصائص (2/442-443).
(36) الصناعتين لأبي هلال العسكري 6-7.
ص437

 




هو العلم الذي يتخصص في المفردة اللغوية ويتخذ منها موضوعاً له، فهو يهتم بصيغ المفردات اللغوية للغة معينة – كاللغة العربية – ودراسة ما يطرأ عليها من تغييرات من زيادة في حروفها وحركاتها ونقصان، التي من شأنها إحداث تغيير في المعنى الأصلي للمفردة ، ولا علاقة لعلم الصرف بالإعراب والبناء اللذين يعدان من اهتمامات النحو. واصغر وحدة يتناولها علم الصرف تسمى ب (الجذر، مورفيم) التي تعد ذات دلالة في اللغة المدروسة، ولا يمكن أن ينقسم هذا المورفيم الى أقسام أخر تحمل معنى. وتأتي أهمية علم الصرف بعد أهمية النحو أو مساويا له، لما له من علاقة وطيدة في فهم معاني اللغة ودراسته خصائصها من ناحية المردة المستقلة وما تدل عليه من معانٍ إذا تغيرت صيغتها الصرفية وفق الميزان الصرفي المعروف، لذلك نرى المكتبة العربية قد زخرت بنتاج العلماء الصرفيين القدامى والمحدثين ممن كان لهم الفضل في رفد هذا العلم بكلم ما هو من شأنه إفادة طلاب هذه العلوم ومريديها.





هو العلم الذي يدرس لغة معينة ويتخصص بها – كاللغة العربية – فيحاول الكشف عن خصائصها وأسرارها والقوانين التي تسير عليها في حياتها ومعرفة أسرار تطورها ، ودراسة ظواهرها المختلفة دراسة مفصلة كرداسة ظاهرة الاشتقاق والإعراب والخط... الخ.
يتبع فقه اللغة من المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في دراسته، فهو بذلك يتضمن جميع الدراسات التي تخص نشأة اللغة الانسانية، واحتكاكها مع اللغات المختلفة ، ونشأة اللغة الفصحى المشتركة، ونشأة اللهجات داخل اللغة، وعلاقة هذه اللغة مع أخواتها إذا ما كانت تنتمي الى فصيل معين ، مثل انتماء اللغة العربية الى فصيل اللغات الجزرية (السامية)، وكذلك تتضمن دراسة النظام الصوتي ودلالة الألفاظ وبنيتها ، ودراسة أساليب هذه اللغة والاختلاف فيها.
إن الغاية الأساس من فقه اللغة هي دراسة الحضارة والأدب، وبيان مستوى الرقي البشري والحياة العقلية من جميع وجوهها، فتكون دراسته للغة بذلك كوسيلة لا غاية في ذاتها.





هو العلم الذي يهتم بدراسة المعنى أي العلم الذي يدرس الشروط التي يجب أن تتوفر في الكلمة (الرمز) حتى تكون حاملا معنى، كما يسمى علم الدلالة في بعض الأحيان بـ(علم المعنى)،إذن فهو علم تكون مادته الألفاظ اللغوية و(الرموز اللغوية) وكل ما يلزم فيها من النظام التركيبي اللغوي سواء للمفردة أو السياق.