أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-09-2014
5169
التاريخ: 3-12-2015
4945
التاريخ: 6-12-2015
7885
التاريخ: 8-11-2014
5121
|
قال تعالى : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة : 6].
الهداية هي الدلالة على ما من شأنه الايصال الى البغية من غير ان يشترط في مدلولها الوصول ، ولذلك كانت الدلالات التكوينية المنصوبة في الافاق والانفس ، والبينات الواردة في الكتب السماوية على الاطلاق ، بالنسبة الى البرية كافة برها وفاجرها هدايات حقيقية فائضة من الله تعالى.
وهداية الله تعالى انما يتحقق باحداثه الشوق في السالك ، واهتياجه قلبه وجذبه الى ارادته ومحبته والمواظبة عليه.
فان الشوق وهو ادراك لذة المحبة اللازمة لفرط الارادة الممتزجة بالم المفارقة ، يكون في حال السلوك بعد اشتداد الارادة ضروريا.
وربما كان حاصلا قبل السلوك ، وذلك اذا حصل الشعور بكمال المطلوب ، ولم تنضم اليه القدرة على السير ، وقل الصبر على المفارقة ، وكلما ترقى السالك في سلوكه كثر الشوق وقل الصبر ، حتى يصل الى المطلوب ، فتخلص حينئذ لذة نيل الكمال من الالم ، وينتفي الشوق.
ولكن هذا الطريق مع كمال وضوحه مخوف ، وفيه مهالك ومواقع ، والسالك فيه يحتاج الى العنايات الربانية والهدايات السبحانية ، فانه ما دام في سيره الى الحق يكون مضطربا غير مستقر الخاطر ، لخوف العاقبة ، وما يعرض في اثناء السير والسلوك من العوارض العائقة ، كالانحراف عن القصد في عبادة الله ، واستيلاء القوى الشهوانية ، بحسب مجرى العادة في استعمال الشهوات المألوفة ، فان هذه وامثالها تصد السالكين عن السلوك الى الله ، وهم على خوف منها ومن خواطر الشيطان ، ونعم ما قيل :
كيف الوصول الى سعادة ودونها قلل الجبال ودونهن حتوف
والرجل حافية ومالي مركب والكف صفر والطريق مخوف
فاذا هب نسيم العناية الازلية ، وارتفعت الحجب الحائلة الظلمانية ، تنور القلب بنور العيان ، وحصلت الراحة والاطمئنان ، وزال الخوف وظهر تباشير الامن والامان.
كما اشار اليه امام الانس والجان سيدنا امير المؤمنين عليه سلام الله الملك المنان ، عند ذكر السالك على ما هو المذكور في نهج البلاغة بقوله :
قد أحيا عقله ، ومات نفسه ، حتى دق جليله ، ولطف غليظه ، وبرق له لامع كثير البرق ، فعن له الطريق ، وسلك به السبيل ، وتدافعته الابواب الى باب السلامة ودار الاقامة ، وتثبتت رجلاه بطمأنينة قلبه (1) في قرار الامن والراحة ، بما استعمل قلبه وارضا ربه (2).
أقول : فمعنى « اهدنا » زدنا هدىً بمنح الالطاف ، وعن علي ـ عليه السلام ـ معناه ثبتنا.
ولفظ الهداية على الثاني مجاز ؛ اذ الثبات على الشيء غيره.
وأما على الاول ، فان اعتبر مفهوم الزيادة داخلا في المعنى المستعمل فيه ، فمجاز ايضا. وان اعتبر خارجا عنه مدلولا عليه بالقرائن ، فحقيقة ، اذ الهداية الزائدة هداية ، كما ان العبادة الزائدة عبادة ، فلا جمع فيه بين الحقيقة والمجاز.
واما المراد بالصراط المستقيم المبين بصراط المنعمين عليهم دون المغضوب عليهم ولا الضالين ، فهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون وحسن اولئك رفيقا.
وصراطهم في الدنيا ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصر واستقام ، فلم يعدل الى شيء من الباطل ، وهو دين الاسلام الحاصل لكل من اصحاب المرتبتين جميعاً ، وان كان حصوله لهم وثباتهم عليه مقولاً بالشدة والضعف.
ثم ان هذا هو بعينه صراطهم في الاخرة ؛ لانه يوديهم الى الجنة. فيدخلونها خالدين فيها لا يبغون عنها حولا ، وما هم منها بمخرجين.
فان قلت : هذه الآية قد تلاها نبينا واوصياؤه ـ عليهم السلام ـ فما كانوا يريدون بالهداية المذكورة فيها؟
قلت : كانوا يريدون بها الثبات على الصراط المستقيم ، وهو دين الاسلام ، لان ميلهم عنه كلاً او بعضاً امر ممكن بالذات ، وهذا القدر كاف في طلب الثبات عليه ، وذلك لان العصمة البشرية لا تجعل المعصوم مسلوب القدرة على المعصية ، والا لم يكن له في تركها ثواب ، وكان احدنا اذا كف نفسه عن المعصية اكثر ثواباً منه ؛ لان له دواعي وبواعث عليها دونه على ما هو المفروض.
او يقال : هو بالنسبة اليهم تعبد محض. او هو من قبيل بسط الكلام مع المحبوب ، فلا يضر امتناع ميلهم عنه. والوجه هو الاول.
وسمي بالمستقيم لانه يؤدي من يسلكه الى الجنة ، كما ان الصراط يؤدي من يسلكه الى المقصد.
وروي ان المراد به كتاب الله (3).
فالمطلوب الهداية الى فهم معانيه ، والتدبر في مقاصده ومبانيه ، واستنباط الاحكام منه ، والتعمق في بطون آياته ، فان لكل آية ظهرا وبطناً.
وعن علي ـ عليه السلام ـ في « اهدنا الصراط المستقيم » قال : ادم لنا توفيقك الذي به اطعنا في ماضي ايامنا حتى نطيعك كذلك في مستقبل اعمارنا (4).
والصراط المستقيم هو صراطان : صراط في الدنيا ، وهو ما قصر عن الغلو وارتفع عن التقصير واستقام ، فلم يعدل الى شيء من الباطل. وصراط في الاخرة ، وهو طريق المؤمنين الى الجنة الذي هو مستقيم ، لا يعدون عن الجنة الى النار ، ولا الى غير النار سوى الجنة.
_____________________
(1) في المصدر : بدنه.
(2) نهج البلاغة : 337 ، ك : 220.
(3) مجمع البيان : 1 / 28.
(4) معاني الاخبار : 33 ح 4.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|