أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-6-2016
2836
التاريخ: 24-6-2016
19119
التاريخ: 2024-07-29
579
التاريخ: 27-6-2016
12254
|
..القرآن مصدر العقيدة الاَول، يحث الناس على الاجتماع والتعارف، يقول تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ..} [الحجرات: 13].
كما حثَّ الناس على التعاون: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2].
وقد أثبتت تجارب البشرية أنّ في التعاون قوة، وأنّه يؤدي إلى التقدم، وكان المجتمع الجاهلي متخلفاً، يعيش حالة الصراع بدافع العصبية القبلية، أو طغيان الاهواء والمصالح الشخصية، أو بسبب احتكار البعض لمصادر الكلأ والماء، فانتقل ذلك المجتمع ـ بفضل الاِسلام ـ إلى مدار جديد بعد أن تكرّست فيه قيم التعاون والتكافل الاجتماعي.
وفي سيرة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ـ الذي كان مصدراً لحضارة، وباعثاً لنهضة ـ نجد شواهد عديدة على حبه للتعاون والتكافل وحثه المتواصل عليهما، منها: ـ
إنّه أمر أصحابه بذبح شاة في سفر، فقال رجل من القوم: عليَّ ذبحها، وقال الآخر: عليَّ سلخها، وقال آخر: عليَّ قطعها، وقال آخر: عليَّ طبخها، فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: (عليَّ أن ألقط لكم الحطب). فقالوا: يا رسول الله، لا تتعبنَّ ـ بآبائنا وأُمهاتنا ـ أنت، نحن نكفيك ؟!.
قال صلى الله عليه و آله وسلم: (عرفتُ أنّكم تكفوني، ولكن الله عزَّ وجلَّ يكره من عبده إذا كان مع أصحابه أن ينفرد من بينهم) فقام يلقط الحطب لهم (1).
وكما كرّه الرسول صلى الله عليه و آله وسلم في الموقف السابق أن ينفرد الاِنسان عن سربه الاجتماعي، ويكتفي بموقف المتفرج لا يقوم بشيء من المشاركة معهم، كذلك كرّه أن يصبح الاِنسان كلاًّ على جماعته، يعتمد على غيره في عيشه وشؤونه، بدون مبرر معقول: ذُكر عند النبيَّ صلى الله عليه و آله وسلم رجل.. قالوا: يا رسول الله، خرج معنا حاجّاً، فإذا نزلنا لم يزل يهلّل الله حتّى نرتحل، فإذا ارتحلنا لم يزل يذكر الله حتى ننزل.
فقال رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم: (فمن كان يكفيه علف دابته، ويصنع طعامه ؟ قالوا: كلّنا، قال صلى الله عليه و آله وسلم: كلّكم خير منه) (2).
وأسهمت مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في ترسيخ مبدأ التعاون والتكافل في أذهان الناس وسلوكهم، فعلى سبيل الاستشهاد، كان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا جنّه الليل، وهدأت العيون، قام إلى منزله، فجمع ما تبقّى من قوت أهله، وجعله في جراب، ورمى به على عاتقه، وخرج إلى دور الفقراء، وهو متلثم، حتى يفرقه عليهم، وكثيراً ما كانوا قياماً على أبوابهم
ينتظرونه، فإذا رأوه تباشروا به، وقالوا جاء صاحب الجراب (3).
وكان الاِمام الكاظم (عليه السلام) يتفقد فقراء المدينة في الليل، فيحمل إليهم الزَّبيل فيه العين والورق والاَدقّة والتمور، فيوصل إليهم ذلك ولا يعلمون من أي جهة هو.. وكان إذا بلغه عن الرجل ما يكره بعث إليه بصرّة دنانير، وكانت صراره مثلاً (4). وقد حثَّ الاَئمة (عليهم السلام) شيعتهم خاصة على تحقيق درجة أعلى من المشاركة والتعاون فيما بينهم، قد تصل إلى حدود المثالية، فعن سعيد بن الحسن، قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): (أيجييء أحدكم الى أخيه فيدخل يده في كيسه، فيأخذ حاجته فلا يدفعه ؟ فقلتُ: ما أعرف ذلك فينا، فقال (عليه السلام): فلا شيء إذاً، قلتُ: فالهلاك إذاً، فقال (عليه السلام): (إنّ القوم لم يُعطوا أحلامهم بعد)(5).
وكان الإمام الصادق (عليه السلام) قدوةً في مدِّ يد العون إلى الآخرين، فعن الفضل بن قرّة، قال كان أبو عبد الله (عليه السلام) يبسط رداءه وفيه صرر الدنانير، فيقول للرّسول: (إذهب بها إلى فلان وفلان من أهل بيته، وقل لهم: هذه بعث إليكم بها من العراق، قال: فيذهب بها الرّسول إليهم فيقول ما قال، فيقولون: أما أنت فجزاك الله خيراً بصلتك قرابة رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم وأما جعفر فحكم الله بيننا وبينه، قال: فيخرُّ أبو عبدالله ساجداً ويقول: اللّهم أذلَّ رقبتي لولد أبي) (6).
وقد حدد الإمام الصادق (عليه السلام) بدقة الملامح العبادية والاجتماعية للشيعة، عندما خاطب أحد أصحابه بقوله: (يا جابر، أيكتفي من ينتحل التشيع أن يقول بحّبنا أهل البيت، فو الله ما شيعتنا إلاّ من اتّقى الله وأطاعه، ما كانوا يُعرفون يا جابر إلاّ بالتواضع والتخشّع والأمانة وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة، والبر بالوالدين، والتعهد للخيرات من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلاّ من خير...)(7).
وعن محمد بن عجلان، قال: كنتُ عند أبي عبد الله (عليه السلام)، فدخل رجل فسلّم، فسأله عليه السلام: (كيف من خلّفت من إخوانك ؟ قال: فأحسن الثّناء وزكّى وأطرى، فقال له: كيف عيادة أغنيائهم على فقرائهم ؟ فقال: قليلة، قال (عليه السلام): وكيف مشاهدة أغنيائهم لفقرائهم ؟ قال: قليلة، قال: فكيف صلة أغنيائهم لفقرائهم في ذات أيديهم ؟ فقال: إنّك لتذكر أخلاقاً قلَّ ما هي فيمن عندنا، قال: فقال (عليه السلام): فكيف تزعم هؤلاء أنّهم شيعة ؟!) (8).
وهكذا نجد أنّ مسألة التعاون والتضامن، تتصدر سلَّم الاَولوية في اهتمامات الاَئمة (عليهم السلام) الاجتماعية، لكونها الضمان الوحيد والطريق الامثل لاقامة بناء اجتماعي متماسك تغيب فيه عوامل الصراع والتناحر، وتسود فيه عوامل الودّ والاَلفة.
والذي يثير الدهشة ويبعث على الاعجاب أنّ المجتمع العربي الجاهلي الذي كان ممزقاً، ولا تقيم له الاُمم وزناً، غدا بفضل الرسالة الاِسلامية موحّداً، مهاب الجانب، ذا عزّة ومنعة، يقول الاِمام علي (عليه السلام):
(.. والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالاِسلام، عزيزون بالاجتماع..) (9).
ـ تغيير العادات والتقاليد الجاهلية :
كان للعقيدة الاَثر البالغ في تغيير الكثير من العادات والتقاليد، التي تُمتهن فيها كرامة الاِنسان، وينتج عنها العنت والمشقة، وقد قام الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وآل بيته الاَطهار بدور حضاري هام، في هذا المقام، قال صلى الله عليه و آله وسلم: (لا تقوموا كما يقوم الاَعاجم بعضهم لبعض، ولا بأس بأن يتخلل عن مكانه)
وسعى صلى الله عليه و آله وسلم لإشاعة وترسيخ عادات تربوية جديدة، روي عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: (كان رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل..) وروي أنّ رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم قال: (إذا أتى أحدكم مجلساً فليجلس حيثُ انتهى مجلسه) (10).
فكان صلى الله عليه و آله وسلم يعمل على تغيير العادات في مختلف مجالات الحياة، في القيام والجلوس، وفي المطعم والمشرب والملبس وغير ذلك.
ولقد سار الإمام علي (عليه السلام) وفق السُنّة النبوية، فجاهد لتغيير ما بقي من عادات جاهلية، لا تنسجم مع سماحة دين الاِسلام، ودعوته إلى نبذ التكلّف والمظاهر الفارغة التي تشق على
الناس، وتضع الحواجز المصطنعة التي تحول دون التواصل فيما بينهم، بين العالم والجاهل،
وبين الغني والفقير، وبين الحاكم والمحكوم، ويكفينا الاستشهاد على ذلك، أنّ الإمام علي (عليه السلام)، لما لقيه الدهّاقون ـ في الأنبار عند مسيره إلى الشام ـ فترجلوا له، واشتدّوا بين يديه، قال (عليه السلام): (ما هذا الذي صنعتموه ؟ فقالوا: خلق منّا نعظّم به أمراءنا، فقال (عليه السلام): والله ما ينتفع بهذا أُمراؤكم ! وإنّكم لتشقّون على أنفسكم في دنياكم، وتشقون به في آخرتكم، وما أخسر المشقّة وراءها العقاب، وأربح الدّعة معها الأمان من النار) (11).
وله (عليه السلام) توصيات قيّمة تسهم في بناء الاِنسان، وتغرس في سلوكه العادات الحسنة، منها قوله (عليه السلام): (أيُّها الناس، تولّوا من أنفسكم تأديبها، واعدلُوا بها عن ضراوة عاداتها) (كل ذلك من أجل إجراء التغيير الاجتماعي المنشود، ولا يخفى بأنّ البناء الاجتماعي بدون إجراء التغيير الداخلي في نفوس وعادات الاَفراد، يصبح عبثياً كالبناء بدون قاعدة قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}[الرعد: 11].
يقول العلاّمة السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره): (إنّ الدافع الذاتي هو مثار المشكلة الاجتماعية، وأنَّ هذا الدافع أصيل في الاِنسان، لأنّه ينبع من حبه لذاته، وهنا يجيء دور الدين، بوضع الحل الوحيد للمشكلة، فالحل يتوقف على التوفيق بين الدوافع الذاتية والمصالح الاجتماعية العامة) (12).
__________________
1ـ مكارم الاخلاق، للشيخ الطبرسي: 251 ـ 252، مؤسسة الاَعلمي ط6.
2ـ بحار الانوار 76: 274 عن كتاب المحاسن.
3ـ في رحاب أئمة أهل البيت عليهم السلام، للسيد محسن الاَمين 2: 202 دار التعارف.
4ـ المصدر السابق 4: 84 ـ دار صعب.
5ـ اُصول الكافي 2: 173 ـ 174 / 13 باب حق المؤمن على أخيه وأداء حقه.
6ـ تنبيه الخواطر، للاَمير ورّام 2: 266 ـ دار صعب.
7ـ مجموعة ورّام 2: 185 دار صعب.
8ـ اُصول الكافي 2: 173 / 10 كتاب الايمان والكفر.
9ـ نهج البلاغة، صبحي الصالح: 203 / خطبة 146.
10ـ مكارم الاخلاق، للطبرسي: 26.
11ـ نهج البلاغة، صبحي الصالح: 538 / حكم 359.
12ـ اقتصادنا، للسيد الشهيد محمد باقر الصدر: 324 ط11 ـ دار التعارف للمطبوعات.2).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|