أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-9-2016
629
التاريخ: 5-9-2016
967
التاريخ: 4-9-2016
566
التاريخ: 5-9-2016
907
|
ينقسم الحكم الشرعي...إلى واقعي لم يؤخذ في موضوعه الشك، وظاهري اخذ في موضوعه الشك في حكم شرعي مسبق. وقد كنا نقصد حتى الآن في حديثنا عن الحكم الاحكام الواقعية.
وقد مر بنا في الحلقة السابقة ان مرحلة الثبوت للحكم - الحكم الواقعي - تشتمل على ثلاثة عناصر: وهي الملاك والارادة والاعتبار، وقلنا إن الاعتبار ليس عنصرا ضروريا، بل يستخدم غالبا كعمل تنظيمي وصياغي.
ونريد ان نشير الآن إلى حقيقة العنصر الثالث الذي يقوم الاعتبار بدور التعبير عنه غالبا، وتوضيحه ان المولى كما ان له حق الطاعة على المكلف فيما يريده منه، كذلك له حق تحديد مركز حق الطاعة في حالات ارادته شيئا من المكلف، فليس ضروريا اذا تم الملاك في شئ واراده المولى ان يجعل نفس ذلك الشيء في عهدة المكلف مصبا لحق الطاعة، بل يمكنه ان يجعل مقدمة ذلك الشيء التي يعلم المولى بانها مؤدية اليه، في عهدة المكلف دون نفس الشيء، فيكون حق الطاعة منصبا على المقدمة ابتداء، وان كان الشوق المولوي غير متعلق بها الا تبعا، وهذا يعنى ان حق الطاعة ينصب على ما يحدده المولى عند ارادته لشيء مصبا له ويدخله في عهدة المكلف، والاعتبار هو الذي يستخدم عادة للكشف عن المصب الذي عينه المولى لحق الطاعة، فقد يتحد مع مصب ارادته وقد يتغاير.
واما الاحكام الظاهرية فهي مثار لبحث واسع، وجهت فيه عدة اعتراضات للحكم الظاهري، تبرهن على استحالة جعله عقلا، ويمكن تلخيص هذه البراهين فيما يلي:
1 - ان جعل الحكم الظاهري يؤدي إلى اجتماع الضدين او المثلين، لان الحكم الواقعي ثابت في فرض الشك بحكم قاعدة الاشتراك المتقدمة، وحينئذ فان كان الحكم الظاهري المجعول على الشاك مغايرا للحكم الواقعي نوعا، كالحلية والحرمة، لزم اجتماع الضدين والا لزم اجتماع المثلين.
وما قيل سابقا من انه لا تنافي بين الحكم الواقعي والظاهري لانهما سنخان، مجرد كلام صوري اذا لم يعط مضمونا محددا، لان مجرد تسمية هذا بالواقعي وهذا بالظاهري، لا يخرجهما عن كونهما حكمين من الاحكام التكليفية وهي متضادة.
2 - ان الحكم الظاهري اذا خالف الحكم الواقعي، فحيث ان الحكم الواقعي بمبادئه محفوظ في هذا الفرض بحكم قاعدة الاشتراك يلزم من جعل الحكم الظاهري في هذه الحالة نقض المولى لغرضه الواقعي بالسماح للمكلف بتفويته، اعتمادا علي الحكم الظاهري في حالات عدم تطابقه مع الواقع، وهو يعني القاء المكلف في المفسدة، وتفويت المصالح الواقعية المهمة عليه.
3 - ان الحكم الظاهري من المستحيل ان يكون منجزا للتكليف الواقعي المشكوك، ومصححا للعقاب على مخالفة الواقع، لان الواقع لا يخرج عن كونه مشكوكا بقيام الاصل او الامارة المثبتين للتكليف، ومعه يشمله حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان بناء على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان، والاحكام العقلية غير قابلة للتخصيص.
شبهة التضاد ونقض الغرض:
أما الاعتراض الاول فقد اجيب عليه بوجوه: منها: ما ذكره المحقق النائيني (قدس سره) من ان اشكال التضاد نشأ من افتراض ان الحكم الظاهري حكم تكليفي، وان حجية خبر الثقة مثلا، معناها جعل حكم تكليفي يطابق ما أخبر عنه الثقة من احكام، وهو ما يسمى بجعل الحكم المماثل، فان أخبر الثقة بوجوب شئ وكان حراما في الواقع، تمثلت حجيته في جعل وجوب ظاهري لذلك الشيء وفقا لما اخبر به الثقة، فيلزم على هذا الاساس اجتماع الضدين، وهما الوجوب الظاهري والحرمة الواقعية.
ولكن الافتراض المذكور خطأ، لان الصحيح ان معنى حجية خبر الثقة مثلا جعله علما وكاشفا تاما عن مؤداه بالاعتبار، فلا يوجد حكم تكليفي ظاهري زائدا على الحكم التكليفي الواقعي ليلزم اجتماع حكمين تكليفيين متضادين، وذلك لان المقصود من جعل الحجية للخبر مثلا، جعله منجزا للأحكام الشرعية التي يحكى عنها وهكذا يحصل بجعله علما وبيانا تاما، لان العلم منجز سواء كان علما حقيقة كالقطع، او علما بحكم الشارع كالإمارة، وهذا ما يسمى بمسلك جعل الطريقية. والجواب على ذلك ان التضاد بين الحكمين التكليفيين ليس بلحاظ اعتباريهما حتى يندفع بمجرد تغيير الاعتبار في الحكم الظاهري من اعتبار الحكم التكليفي، إلى اعتبار العلمية والطريقية، بل بلحاظ مبادئ الحكم، كما تقدم في الحلقة السابقة.
وحينئذ فان قيل بان الحكم الظاهري ناشئ من مصلحة ملزمة وشوق في فعل المكلف الذي تعلق به ذلك الحكم، حصل التنافي بينه وبين الحرمة الواقعية مهما كانت الصيغة الاعتبارية لجعل الحكم الظاهري، وان قيل بعدم نشوئه من ذلك ولو بافتراض قيام المبادئ بنفس جعل الحكم الظاهري زال التنافي بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري، سواء جعل هذا حكما تكليفيا او بلسان جعل الطريقية.
ومنها: ما ذكره السيد الاستاذ(1) من ان التنافي بين الحرمة والوجوب مثلا، ليس بين اعتباريهما، بل بين مبادئهما من ناحية، لان الشيء الواحد لا يمكن ان يكون مبغوضا ومحبوبا، وبين متطلباتهما في مقام الامتثال من ناحية اخرى، لان كلا منهما يستدعى تصرفا مخالفا لما يستدعيه الآخر، فاذا كانت الحرمة واقعية والوجوب ظاهريا، فلا تنافي بينهما في المبادئ، لأننا نفترض مبادئ الحكم الظاهري في نفس جعله، لا في المتعلق المشترك بينه وبين الحكم الواقعي. ولا تنافي بينهما في متطلبات مقام الامتثال، لان الحرمة الواقعية غير واصلة، كما يقتضيه جعل الحكم الظاهري في موردها فلا امتثال لها، ولا متطلبات عملية، لان استحقاق الحكم للامتثال فرع الوصول والتنجز.
ولكن نتسأل هل يمكن ان يجعل المولى وجوبا او حرمة لملاك في نفس الوجوب او الحرمة؟ ولو اتفق حقا ان المولى أحس بان من مصلحته ان يجعل الوجوب على فعل بدون ان يكون مهتما بوجوده اطلاقا، وانما دفعه إلى ذلك وجود المصلحة في نفس الجعل، كما اذا كان ينتظر مكافأة على نفس ذلك من شخص ولا يهمه بعد ذلك ان يقع الفعل او لا يقع، أقول لو اتفق ذلك حقا فلا أثر لمثل هذا الجعل، ولا يحكم العقل بوجوب امتثاله، فافتراض ان الاحكام الظاهرية ناشئة من مبادئ في نفس الجعل، يعني تفريغها من حقيقة الحكم ومن اثره عقلا.
فالجواب المذكور في افتراضه المصلحة في نفس الجعل غير تام، ولكنه في افتراضه ان الحكم الظاهري لا ينشأ من مبادئ في متعلقه بالخصوص تام، فنحن بحاجة إذن في تصوير الحكم الظاهري إلى افتراض ان مبادئه ليس من المحتوم تواجدها في متعلقه بالخصوص لئلا يلزم التضاد، ولكنها في نفس الوقت ليست قائمة بالجعل فقط لئلا يلزم تفريغ الحكم الظاهري من حقيقة الحكم، وذلك بان نقول إن مبادئ الاحكام الظاهرية هي نفس مبادئ الاحكام الواقعية. وتوضيح ذلك ان كل حرمة واقعية لها ملاك اقتضائي، وهو المفسدة والمبغوضية القائمتان بالفعل، وكذلك الامر في الوجوب.
واما الاباحة فقد تقدم في الحلقة السابقة، ان ملاكها قد يكون اقتضائيا، وقد يكون غير اقتضائي، لأنها قد تنشأ عن وجود ملاك في ان يكون المكلف مطلق العنان، وقد تنشأ عن خلو الفعل المباح من أي ملاك.
وعليه فاذا اختلطت المباحات بالمحرمات، ولم يتميز بعضها عن البعض، لم يؤد ذلك إلى تغير في الاغراض والملاكات والمبادئ للأحكام الواقعية، فلا المباح بعدم تمييز المكلف له عن الحرام يصبح مبغوضا، ولا الحرام بعدم تمييزه عن المباح تسقط مبغوضيته، فالحرام على حرمته واقعا ولا يوجد فيه سوى مبادئ الحرمة، والمباح على اباحته ولا توجد فيه سوى مبادئ الاباحة، غير ان المولى في مقام التوجيه للمكلف الذي اختلطت عليه المباحات بالمحرمات بين أمرين: اما ان يرخصه في ارتكاب ما يحتمل اباحته.
واما ان يمنعه عن ارتكاب ما يحتمل حرمته، وواضح ان اهتمامه بالاجتناب عن المحرمات الواقعية يدعوه إلى المنع عن ارتكاب كل ما يحتمل حرمته، لا لان كل ما يحتمل حرمته فهو مبغوض وذو مفسدة، بل لضمان الاجتناب عن المحرمات الواقعية الموجودة ضمنها، فهو منع ظاهري ناشئ من مبغوضية المحرمات الواقعية والحرص على ضمان اجتنابها، وفي مقابل ذلك ان كانت الاباحة في المباحات الواقعية ذات ملاك لا اقتضائي، فلن يجد المولى ما يحول دون إصدار المنع المذكور، وهذا المنع سيشمل الحرام الواقعي والمباح الواقعي ايضا، اذا كان محتمل الحرمة للمكلف، وفي حالة شموله للمباح الواقعي لا يكون منافيا لإباحته، لأنه كما قلنا لم ينشأ عن مبغوضية نفس متعلقه، بل عن مبغوضية المحرمات الواقعية والحرص على ضمان اجتنابها.
واما اذا كانت الاباحة الواقعية ذات ملاك اقتضائي، فهي تدعو - خلافا للحرمة - إلى الترخيص في كل ما يحتمل اباحته، لا لان كل ما يحتمل اباحته ففيه ملاك الاباحة، بل لضمان اطلاق العنان في المباحات الواقعية الموجودة ضمن محتملات الاباحة، فهو ترخيص ظاهري ناشئ عن الملاك الاقتضائى للمباحثات الواقعية والحرص على تحقيقه.
وفي هذه الحالة يزن المولى درجة اهتمامه بمحرماته ومباحاته، فان كان الملاك الاقتضائي في الاباحة اقوى واهم رخص في المحتملات، وهذا الترخيص سيشمل المباح الواقعي والحرام الواقعي اذا كان محتمل الاباحة، وفي حالة شموله للحرام الواقعي لا يكون منافيا لحرمته، لأنه لم ينشأ عن ملاك للإباحة في نفس متعلقه، بل عن ملاك الاباحة في المباحات الواقعية والحرص على ضمان ذلك الملاك. واذا كان ملاك المحرمات الواقعية اهم، منع من الاقدام في المحتملات ضمانا للمحافظة على الاهم.
وهكذا يتضح ان الاحكام الظاهرية خطابات تعين الاهم من الملاكات، والمبادئ الواقعية حين يتطلب كل نوع منها الحفاظ عليه بنحو ينافي ما يضمن به الحفاظ على النوع الآخر. وبهذا اتضح الجواب على الاعتراض الثاني، وهو ان الحكم الظاهري يؤدي إلى تفويت المصلحة والالقاء في المفسدة، فان الحكم الظاهري وان كان قد يسبب ذلك، ولكنه انما يسببه من اجل الحفاظ على غرض أهم.
شبهة تنجز الواقع المشكوك:
واما الاعتراض الثالث فقد أجيب بان تصحيح العقاب على التكليف الواقعي الذي أخبر عنه الثقة بلحاظ حجية خبره، لا ينافي قاعدة قبح العقاب بلا بيان، لان المولى حينما يجعل خبر الثقة حجة يعطيه صفة العلم والكاشفية اعتبارا على مسلك الطريقية المتقدم، وبذلك يخرج التكليف الواقعي عن دائرة قبح العقاب بلا بيان، لأنه يصبح معلوما بالتعبد الشرعي، وان كان مشكوكا وجدانا. ونلاحظ على ذلك ان هذه المحاولة إذا تمت فلا تجدي في الاحكام الظاهرية المجعولة في الاصول العملية غير المحرزة كأصالة الاحتياط، على ان المحاولة غير تامة، كما يأتي ان شاء الله تعالى. والصحيح انه لا موضوع لهذا الاعتراض على مسلك حق الطاعة لما تقدم من ان هذا المسلك المختار يقتضى انكار قاعدة قبح العقاب بلا بيان راسا. وقد تلخص مما تقدم ان جعل الاحكام الظاهرية ممكن.
_______________
(1) مصباح الأصول ج 2 ص 108.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|