المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

أسامة بن أبي أسامة أحمد بن محمد
22-9-2020
الاتجاهات المتضادة في جيش الإمام الحسن ( عليه السّلام )
8-6-2022
الصحاري
2024-09-26
augmentative (adj./n.) (augm)
2023-06-07
أنزيم الاقلاب Invertase
10-10-2018
مثبطات الحليب الطبيعية Milk Natural Inhibitors
24-2-2019


هل أسماء العبادات والمعاملات موضوعة للصحيح أو للأعم؟  
  
1730   08:14 صباحاً   التاريخ: 1-9-2016
المؤلف : الشيخ جعفر السبحاني
الكتاب أو المصدر : الوسيط في أُصول الفقه
الجزء والصفحة : ج1 ص 68- 79.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /

ويقع الكلام في مقامين : الأول في اسماء العبادات :

وقبل الخوض في المقصود، نقدم أُموراً :

الأوّل: في إمكان جريان النزاع على عامّة الآراء:

إنّ عنوان البحث يعرب عن أنّ الهدف تعيين ما هو الموضوع له لأسماء العبادات عند الشارع فيصح البحث على أحد المبنيين:

أ: ثبوت الحقيقة الشرعية في لسان الشارع (القول الثاني) في المبحث السابق(1).

ب: ثبوت الحقيقة العرفية لهذه الألفاظ في الماهيات الشرعية قبل البعثة (القول الرابع)(2).

وأمّا على القول باستعمالها في لسان الشارع مجازاً وصيرورتها حقائق متشرعة فلا ينطبق عليه عنوان البحث. إلاّ إذا تغيّر عنوانه بأن يقال : هل لاحظ الشارع في استعماله ، العلاقة بين المعاني اللغوية، والماهيات الشرعية الصحيحة أو لاحظ العلاقة بينها و بين الأعمّ من هذه الماهيات.

كما أنّه يجب تغيير عنوان البحث على القول ببقاء الألفاظ على معانيها اللغوية وانّ إرادة الخصوصيات حصلت عن طريق الدوال الأُخر،(كما هو خيرة الباقلاني (3)) بأن يقال: انّ القرينة التي نصبها الشارع لإفادة الخصوصيات هل كانت دالّة على إرادة المعنى الصحيح أو الأعمّ ويكون الأصل في الاستعمال هو المعنى الذي نُصِبت عليه القرينة في هذا الاستعمال بحيث تحتاج إرادة المعنى الآخر إلى القرينة.

فتلخّص من ذلك انّ عنوان البحث إنّما يصحّ على القولين الأوّلين دون الأخيرين إلاّ بتغيير عنوانه.

الثاني: في تفسير الصحّة لغة وشرعاً:

قد تطلق الصحّة ويراد بها أحد المعنيين:

1. ما يقابل السقم والمرض، فيقال: صحيح ومريض. وعلى هذا فهما أمران وجوديّان، وكيفيّتان عارضتان للشيء باعتبار اتّصافه بكيفية ملائمة أو منافرة.

فالصحيح بهذا المعنى يقابله في العبادات والمعاملات الفاسد.

2. ما يقابل المعيب، فيقال: صحيح و معيب، وعلى هذا تكون الصحة أمراً وجودياً و ما يقابلها أمراً عدمياً والصحّة بهذا المعنى يقابلها النقص لا الفساد، هذا هو تفسير الصحّة حسب اللغة.

وأمّا حسب الاصطلاح، فالصحّة تارة تقع وصفاً للعبادة أو المعاملة المتحقّقة، فتكون نتيجة الصحّة كون العمل الخارجي مطابقاً لما اعتبره الشارع فيهما و يترتب عليه إسقاط القضاء والإعادة في العبادات، و لزوم الوفاء في المعاملات; وأُخرى تقع وصفاً للعنوان الكلّي منهما ،فيقال: ألفاظ العبادات و المعاملات وضعت للصحيح منهما فيكون مفادها في العبادات كون ألفاظها موضوعاً لما تمّت أجزاؤها وكملت شروطها، و في المعاملات ـ على القول بوضعها للأسباب ـ (العقود) كون ألفاظها موضوعة للأسباب الحاوية لتمام الأجزاء والشرائط.

وأمّا على القول بوضع ألفاظها للمعاني المسببية كالملكية والزوجية فيرجع النزاع إلى كونها موضوعة للماهية الاعتباريّة بحيث لو وجدت في الخراج لَوُصِفَت بالصحة شرعاً.(4)

الثالث: لزوم وجود جامع على القولين:

يجب على كلّ من القولين تصوير جامع منطبق على الأفراد المختلفة، فعلى الصحيح أن يصور جامعاً شاملاً لجميع أفراد الصلاة على اختلافها في الأجزاء والشرائط قلّة وكثرة.

أقول: انّ تصوير الجامع على القول بالصحيح أمر مشكل، لأنّ لازم كونها موضوعة للأجزاء القليلة هو جواز الاكتفاء بها أوّلاً، و كون الأجزاء الأُخر أمراً خارجاً عنها ثانياً، كما أنّ لازم كونها موضوعة للأجزاء الكثيرة خروج المشتمل على الأجزاء القليلة عن تحت الصلاة. فلا يكون للصحيح إلاّ مصداق واحد.

وأمّا على القول بالأعم فتصوير الجامع أمر سهل جدّاً إذ في وسعه أن يقول: بانّه موضوع للأركان، وأمّا الباقي فهو اجزاء للمأمور به وليست جزءاً للمسمى.

وبذلك يعلم أنّ الصحيح لا محيص له إلاّ عن جعل الجميع جزء المسمّى وهو أمر غير ممكن في بادئ النظر لاختلاف الصحيح حسب اختلاف حالات المكلّف من حيث الأجزاء والشرائط، وهذا بخلافه على القول بالأعم، فالأجزاء الثابتة (الأركان)على كلّ حال من أجزاء المسمّى والباقي من أجزاء المأمور به.

وقد بذل القوم جهودهم لتصوير الجامع على القول بالصحيح الذي يصدق على جميع المراتب. وذكروا تقريبات حول تصوير الجامع أوضحها ما ذكره السيد الإمام الخميني، و هذا خلاصته:

المركبات الاعتبارية على قسمين :

قسم يكون الملحوظ فيه كثرة معينة، كعدد العشرة فإنّها على وجه لو فقد منها جزء تنعدم العشرة.

وقسم يكون على نحو لم تلحظ فيه كثرة معينة في ناحية المواد ولا صورة معينة في جانب الهيئة.

أمّا في جانب المواد فيصدق اللّفظ ما دامت هيئتها وصورتها موجودة قلّت موادها أو كثرت، وهذا نظير لفظ الدار والبيت، فانّ الميزان للصدق هي هيئة الدار وصورتها، وأمّا من حيث المادة، كيفية وكمية فهي لا بشرط، ولذلك يصدق البيت على ما أخذت موادها من الطين أو الآجر أو الحجر أو الحديد أو الاسمنت .

أمّا في جانب الهيئة فلم تلحظ هيئة معيّنة فيصدق سواء بُنيت على هيئة مربعة أو مثلثة ، بنيت على طبقة واحدة أو طبقات، فهو موضوع لهيئة مخصوصة غير معينة، فهو لا بشرط من جانب المادة والهيئة.

إذا عرفت ذلك نقول : إنّ لفظ الصلاة موضوعة لنفس الهيئة اللا بشرط، الموجودة في الفرائض والنوافل قصرها و تمامها، وما وجب على الصحيح أو المريض بأقسامها، فيكفي في صدقها، وجود هيئة بمراتبها إلاّ بعض المراتب التي لا تكون صلاة كصلاة الغرقى، لعدم وجود مواد من ذكر و قرآن و سجود و ركوع.(5)

المقام الأوّل:

في وضع أسماء العبادات للصحيح:

استدلّ للقول بوضع أسماء العبادات للصحيح بوجوه:

1.تبادر الصحيح.

2. صحّة السلب عن الفاسد بسبب الإخلال ببعض أجزاء العبادة.

3. الأخبار الظاهرة في إثبات بعض الخواص والآثار للمسمّيات كقوله: الصلاة عمود الدين أو معراج المؤمن ممّا يترتب على الصحيح.

وقد نوقشت هذه الأدلّة بوجوه لا حاجة لذكرها.

والأولى أن يستدلّ عليه بأنّ الصلاة ماهية اعتبارية، اعتبرها المعتبر لأغراض خاصة وردت في الكتاب والسنّة، وتلك الأغراض إنّما تترتّب على الصحيح منها دون الأعمّ.

وإن شئت قلت: إنّ الشارع لمّا أراد تهذيب الإنسان وتربيته، من جانب، و من جانب آخر انّ ذلك الغرض، إنّما يترتب على العبادة الصحيحة. ومن المعلوم انّ الفعل يُتحدّد من ناحية العلة الغائية فلا يكون العمل أوسع من الغرض والغاية المحركة، و المعلول ـ الوضع ـ يتضيق من ناحية علته الغائية.

وبعبارة أُخرى : انّ طبيعة الحال تقتضي أن يضع اللّفظ لما تعلق به غرضه ويفي به وهو الصحيح لا الأعم، فانّ الداعي للاعتبار هو الداعي للوضع، فوضع اللفظ للأوسع من الغرض يحتاج إلى داع آخر غير موجود.

نعم الإتيان بما يتعلق به الغرض يقتضي وجود قسم آخر وهو الفاسد، فيطلق عليه الاسم(الصلاة) عناية ، ومقتضى ذلك أن يكون الموضوع له هو ما يترتّب عليه الغرض، واستعماله في الفاسد من باب العناية والمجاز.

المقام الثاني:

في وضع اسماء المعاملات للصحيح:

انّ العبادات من مخترعات الشارع فيصحّ فيها البحث عن انّ ألفاظها هل هي موضوعة في الشرع للصحيح أو للأعم منها، وأمّا المعاملات فهي من مخترعات العقلاء وهم الذين وضعوا ألفاظ المعاملات في مقابل ما اعتبروه بيعاً أو نكاحاً أو إجارة وليس للشارع فيها دور سوى تحديدها بحدود وقيود فعلى ذلك فلابدّ من تخصيص النزاع في كونها موضوعة للصحيح فحسب أو الأعم عند العرف .

ومع القول بإمكان وضعها للأعم عند العرف لكن الدليل السالف الذكر في ألفاظ العبادات هو الدليل أيضاً على انّ ألفاظ المعاملات عند العرف موضوعة للصحيح لما عرفت من انّ الغرض يُحدِّد فعل الإنسان فلا يصدر عن الإنسان الحكيم فعل أوسع من غرضه. وبما انّ المصالح التي تدور عليها رحى الحياة قائمة بالمعاملات الصحيحة وهم أيضاً قد اعتبروها لتلك الغايات فلابدّ أن يُحدَّد عملهم (وضع الألفاظ) بما يناسب الغاية وهو الوضع للقسم الصحيح دون الأعم.

إذا عرفت أنّ اسماء العبادات والمعاملات اسماء للصحيح منها لا للأعم، يقع الكلام في ثمرات النزاع.

ثمرات النزاع

قد ذكر للنزاع أربع ثمرات نذكرها، واحدة بعد الأُخرى:

الأُولى: عدم صحّة التمسّك بالإطلاق على الصحيح.

قد اشتهر انّ ثمرة البحث هو عدم صحّة التمسّك بالإطلاق عند الشكّ في جزئية شيء على القول بالوضع للصحيح، وصحّة التمسك به على القول بالأعم.

توضيحها: انّه إنّما يصحّ التمسّك بالإطلاق فيما إذا أحرز صدق الموضوع على المورد و شك في مدخلية شيء آخر وراء صدقه، كما إذا أمر المولى بعتق رقبة، و شك في اعتبار الإيمان فيها، فحينئذ يتمسّك بالإطلاق في رفع احتمال اعتبار الإيمان، إذ لو كان الإيمان دخيلاً في غرض المولى ـ وراء صدق الرقبة ـ لكان اللازم ذكره و أمّا إذا لم يكن الموضوع محرزاً وصار الشكّ في مدخلية الأمر المشكوك سبباً للشكّ في صدق الموضوع فلا يصحّ حينئذ التمسك به، كما إذا أمر المولى بالتيمّم على الصعيد وشكّ في معناه وأنّه هل هو خصوص التراب، أو مطلق وجه الأرض من الحجر والجص والنورة وغيرها؟ ففي مثله لا يمكن التمسّك بالإطلاق لدفع احتمال مدخلية التراب، ولا يصحّ لنا القول بأنّه لو كان التراب دخيلاً في صحّة التيمم كان على الشارع بيانه لاحتمال انّ الشارع قد بيّن مدخلية التراب في موضوع حكمه باستخدامه لفظ الصعيد.

ويتّضح على ضوء هذين المثالين : انّه لو شكّ في اعتبار السورة في صدق الصلاة، فعلى القول بالصحيح وأنّها موضوعة للماهية الجامعة للأجزاء والشرائط، يكون المورد من قبيل المثال الثاني، حيث يشكّ المصلي في أنّ ما أتى به هل هو صلاة أو ليس بصلاة؟ لانّها موضوعة للصحيحة والشكّ في الصحّة يلازم الشكّ في صدق الموضوع.

وأمّا على القول الآخر أي وضعها للأعم من الصحيح فيكون من قبيل المثال الأوّل، لأنّ الموضوع (الصلاة) محرز بحكم كونها موضوعة للأعمّ، سواء أكانت السورة دخيلة في الفريضة أم لا، فإذا لم يدلّ على وجوبها دليل يُتمسك بالإطلاق وينفى وجوبه.

فصارت الثمرة عدم جواز التمسّك بالإطلاق عند الشكّ في جزئية شيء أو شرطيته للعبادة على القول بالصحيح وجوازه على القول بالأعم.

نقد الثمرة في العبادات

لكن يمكن أن يقال بصحّة التمسّك على القول بوضعها للصحيح وذلك انّ لفظة الصلاة موضوعة لنفس الهيئة اللابشرط الموجودة في الفرائض والنوافل قصرها و تمامها، وفي ما وجب على الصحيح أو المريض بأقسامها فيكفي في صدقها، وجودُ هيئة الصلائيّة بإحدى مراتبها إلاّ بعض المراتب التي لا تكون

صلاة كصلاة الغرقاء.

كما أنّها من حيث المادة لم تؤخذ فيها كثرة معينة بل أخذت لا بشرط، ويكفي فيها التكبير والركوع والسجود والطهور وتصدق على الميسور من كلّ واحد منها، و من المعلوم انّ هذا المقدار من الموضوع محرز عند الشكّ في جزئية شيء كالسورة أو شرطيته، فلا يكون الشكّ فيهما شكّاً في صدق الموضوع بل الموضوع محرز وإنّما الكلام في وجوب الجزء الزائد على الموضوع وهكذا الشرط.

هذا كلّه في العبادات، وأمّا المعاملات فربما يقال بنفس الثمرة و انّ التمسّك بالإطلاق إنّما هو على القول بالأعم دون الصحيح.

توضيح ذلك إذا قال الشارع : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] ، فلو قلنا بأنّ الألفاظ موضوعة للأسباب التامة من حيث اجتماع الأجزاء والشرائط، و مع ذلك شكّ في جزئية شيء أو شرطيته للأسباب، كتقدّم الإيجاب على القبول وعدمه، فعلى القول بالصحيح لا يصحّ التمسّك بالإطلاق لأنّ مرجع الشكّ فيه إلى الشكّ في صدق الموضوع.

ومن المعلوم انّ التمسّك بالإطلاق فرع إحراز الموضوع، بخلافه على القول بالأعم فانّ الإيجاب إذا تأخّر يتحقّق البيع أو النكاح قطعاً، وإنّما يشكّ في مدخلية التقدم في صحّته لا في صدقه وكونه جزءاً للمسمّى وعندئذ يتمسك بالإطلاق وتنفى شرطية التقدّم.

نقد الثمرة في المعاملات

ويمكن أن يقال بصحّة التمسّك بالإطلاقات حتى على القول بوضعها للصحيح ويكفي في صحّة التمسّك إحراز الموضوع عرفاً، وذلك لأنّ المعاملات مخترعات عرفية، و قد أمضاها الشارع بما لها من المعنى العرفي، غير انّه أضاف شروطاً أو اعتبر موانع من الصحّة، فعلى ذلك فيمكن استكشاف ما هو المؤثر عند الشارع من خلال ما هو المؤثر عند العرف (إلاّ إذا دلّ الدليل على عدم التطابق). إذ لو كان المؤثر عنده غير ما هو المؤثر عند العرف لزمه البيان لئلاّ يلزم نقض الغرض ولغوية الأدلّة الإمضائيّة.

وبعبارة أُخرى: انّ أسماء المعاملات التي وقعت مورد الإمضاء سواء أكانت اسماً للسبب كما في قوله: «أوفوا بالعقود» أم كانت اسماً للمسبب أي العلقة الحاصلة من الايجاب والقبول كما في قوله سبحانه : «أحلّ اللّه البيع»( البقرة:275.) وقوله: «الصلح جائز بين المسلمين»(6) ألفاظ واضحة المعاني عند العرف غير انّ الشارع تصرّف فيها بإضافة قيد أو شرط أو غير ذلك، فإذا كان كذلك يكون الفهم العرفي في هذه الألفاظ طريقاً شرعياً إلى ما هو المعتبر عند الشارع إلاّ ما خرج وذلك أخذاً بمقتضى الإطلاق، إذ لو كان ما هو السبب المؤثر عنده غير ما هو المرتكز في أذهان العرف كما في بيع المنابذة (7)، أو كان المسبب المعتبر عنده غير المعتبر عند العرف كما في نكاح الشغار.(8) كان عليه البيان و إلاّ تلزم لغوية هذه الإمضاءات التي تصبح مجملات.

وإلى هذا الوجه يشير الشيخ الأنصاري في آخر تعريف البيع حيث يقول:

«وأمّا وجه تمسّك العلماء بإطلاق أدلّة البيع ونحوه، فلأنّ الخطابات لما وردت على طبق العرف حمل لفظ البيع وشبهه في الخطابات الشرعية على ما هو الصحيح المؤثر عند العرف فيستدل بإطلاق الحكم بحله أو بوجوب الوفاء، على كونه مؤثراً في نظر الشارع.(9)

الثانية : عدم صحّة التمسّك بالبراءة على الصحيح.

انّ الثمرة الثانية للبحث هي انّ الفقيه إذا شكّ في شرطية شيء أو جزئيّته للمسمّى، فعلى القول بالوضع للصحيح يكون الشكّ في شرطية شيء أو جزئيته ملازماً للشكّ في صدق المسمّى، ومعه يجب الاحتياط حتى يعلم أنّه أتى بالمسمّى. بخلاف ما إذا قلنا بالوضع للأعمّ فإنّ الفاقد للمشكوك يكون مصداقاً للمسمّى ويعود الشكّ إلى الشكّ في شرطية شيء زائد على المسمى أو جزئيته، فيكون الشكّ من قبيل الشكّ في تكليف أمر زائد. ويقع مجرى للبراءة ، وهذا بخلاف ما إذا قلنا بالوضع للصحيح.

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يصحّ إذا كان الموضوع له أمراً بسيطاً حاصلاً من الأجزاء والشرائط كعنوان «الناهي عن الفحشاء» فعندئذ يرجع الشكّ في جزئية شيء أو شرطيته إلى صدق الناهي عن الفحشاء وعدمه، وأمّا إذا كان الموضوع له أمراً مركباً ذا أجزاء وشرائط وذا مراتب ـ كما مرّ ـ فيصدق الجامع على الفاقد من الجزء المشكوك و يكون الشكّ في وجوب أمر زائد والمرجع عندئذ البراءة.

والحاصل انّه إذا كان الجامع ذا أبعاض وكان تعلّق التكليف بالمقدار المتيقن معلوماً وبغيره مشكوكاً ، يكون المرجع هو البراءة لانحلال العلم الإجمالي.

الثالثة: صدق الوفاء بالنذر على الأعم.

إذا نذر الرجل أن يعطي درهماً للمصلّي فعلى القول بوضعها للصحيح لا يُجزى ولا تبرء ذمّته إلاّ بإعطائه لمن صلّـى صلاة صحيحة، بخلافه على القول بالأعم فيجزى مطلقاً، كانت صلاته صحيحة أم فاسدة.

يلاحظ عليه : انّ الاجزاء وبراءة الذمة تابع لكيفية النذر، لا للوضع فلو نذر أن يعطى لمن صلّى صلاة صحيحة فلا يجزى الدفع لغيره وإن كان الوضع للأعم، ولو نذر أن يعطى الأعم ممّن صلّى صلاة صحيحة، يجزى وإن كان الوضع للصحيح.

الرابعة: صحّة صلاة الرجل عند المحاذاة مع المرأة.

ربما يقال: انّه تظهر الثمرة فيما إذا ورد النهي عن محاذاة المرأة للرجل في حال الصلاة وعلمنا بفساد صلاة المرأة، فعلى القول بوضعها للصحيح، تصحّ صلاة الرجل ولا يشملها النهي، بخلاف ما إذا قلنا بأنّها للأعم، فيشملها النهي.(10) ومثلها إقامة صلاتي جمعة في أقلّ من فرسخ مع بطلان إحداهما.

يلاحظ عليه :ـ  مضافاً إلى أنّ النهي في هذه المقامات منصرف إلى الصلاة الصحيحة، سواء كان لفظ الصلاة موضوعاً للصحيح منها أو للأعمّ ـ أنّه ليس ثمرة للمسألة الأُصولية إذ غاية ذلك هو البحث عن إمكان تطبيق الحكم الكلّي، على هذا المورد و ليس ذلك ثمرة لها.

ومنه تظهر حال الثمرة الثالثة أيضاً فلاحظ.

_________________

1و2-[مبحث الحقيقة الشرعية :ص67].

3. هو أبو بكر محمد الطيب بن محمد القاضي المعروف بـ«ابن الباقلاني» وليد البصرة، وساكن بغداد، متكلم على مذهب أبي الحسن الأشعري معاصر للشيخ المفيد، توفي عام 403هـ و له كتاب «اعجاز القرآن» و«التمهيد» و «الانصاف» لاحظ ترجمته في كتابنا «بحوث في الملل والنحل»:2/311ـ314.

4. ومن ذلك يعلم ضعف ما ربما يقال من عدم إمكان تصوير النزاع على القول بأنّ المعاملات موضوعة للمسببات، وذلك لأنّها من الأُمور البسيطة التي يدور أمرها بين الوجود والعدم فلا يتأتى على هذا الفرض النزاع السابق، لأنّ الملكية إمّا موجودة أو غير موجودة، والزوجية إمّا متحقّقة أو غير متحقّقة، فلا معنى للزوجية أو الملكية الفاسدتين.

وجه الضعف فإنّ المتصوّر الذهني للمسبب وإن كان أمره دائراً بين الوجود والعدم، لكن الكلام في أمر آخر، وهو: هل ذلك المعنى البسيط ـ بعد الاتيان به ـ على نحو ينطبق عليه عنوان الصحيح شرعاً، أو ينطبق عليه الأعم منه ومن الفاسد.

5. تهذيب الأُصول: 1/77ـ78.

6. الوسائل: الجزء 13، الباب 3 من أبواب كتاب الصلح، الحديث 2.

7. وهو بيع القاء الحجر أو بيع الحصاة فيحضر الرجل قطيع الغنم فينبذ الحصاة ويقول لصاحب الغنم انّ ما أصاب الحجر فهو لي بكذا.

8. نكاح الشغار: أن يزوج الرجل ابنته أو أُخته ويتزوج ابنة المتزوج أو أُخته ولا يكون بينهما مهر غير التزويجين لاحظ الوسائل: الجزء 14، الباب 27 من أبواب عقد النكاح الحديث2.

9. المتاجر: آخر تعريف البيع.

10.المحاضرات:1/193.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.