أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-6-2020
1392
التاريخ: 8-8-2016
1516
التاريخ: 9-8-2016
1805
التاريخ: 31-8-2016
1512
|
عرّف المجاز غير واحد من الاُدباء بأنّه استعمال اللفظ في غير ما وضع له بعلاقة معتبرة وقرينة معاندة .
وشذّ عنهم السكّاكي في قسم واحد من أقسامه ـ وهو الاستعارة ـ ورأى أنّ ذلك حقيقة لغوية ، وأنّ التصرّف إنّما هو في أمر عقلي ; وهو جعل ما ليس بفرد فرداً . واستدلّ عليه بأنّه لولاه لما صحّ التعجّب في قوله :
قامت تظلّلني ومن عجب شمس تظلّلني من الشمس
ولما كان للنهي عن التعجّب مورداً في قول الشاعر :
لا تعجبوا من بلى غلالته قد زر أزراره على القمر(1)
وما ربّما يقال في ردّه : من أنّ التعجّب والنهي عنه مبنيان على نسيان التشبيه ; قضاءً لحقّ المبالغة(2) ، مردود بأنّه لولا الادّعاء لما كان لنسيان التشبيه معنى ، ولا يقضي حقّ المبالغة ، بل الادّعاء هو الذي يصحّح نسيانه ، ويؤدّي به الغرض من المبالغة .
فهذا القول يشترك مع قول المشهور في كون الاستعمال في غير الموضوع له ; لوضوح أنّ استعمال اللفظ في المصداق الحقيقي للموضوع له بخصوصه مجاز ، فكيف بالفرد الادّعائي ؟ ! فما ذهب إليه : من أنّ الادّعاء المزبور يجعله حقيقة لغوية غير تامّ .
ويرد عليه ـ مضافاً إلى ما ذكر ـ أ نّه وإن كان أقرب من قول المشهور إلى الذوق السليم إلاّ أ نّه لا يتمّ في الأعلام الشخصية ، مثل «حاتم» و«مارد» ، إلاّ بتأويل بارد .
ثمّ إنّك قد عرفت : أنّ استعمال اللفظ الموضوع للطبيعة اللابشرط ، المعرّاة عن كلّ قيد في مصاديقها الواقعية مجاز ; فضلا عمّا جعل مصداقاً بالادّعاء . ولا ينتقض هذا بمثل «زيد إنسان» ; إذ المحمول مستعمل في الماهية المطلقة لا في الفرد الخاصّ ، والهيئة الحملية تفيد الاتّحاد والهوهوية .
ثمّ إنّي أرى خلاف الإنصاف أن أرتضي رأياً في هذا المقام ، غير ما وقفت على تحقيقه من العلاّمة أبي المجد الشيخ محمد رضا الأصفهاني ـ قدس سره ـ في «وقايته» ، واستفدت منه شفاهاً .
وملخّص ما أفاده : أنّ اللفظ في عامّة المجازات ـ استعارة كانت أو مجازاً مرسلا ، مفرداً كانت أو مركّباً ، كناية كانت أو غيرها ـ لم يستعمل إلاّ فيما وضع له ، غاية الأمر : ما هو المراد استعمالا غير ما هو مراد جدّاً(3) .
وإن شئت قلت : إنّه لتطبيق ما هو الموضوع له على غيره إمّا بادّعاء كونه مصداقاً له كما في الكلّيات ، أو كونه عينه كما في الأعلام . والفرق بين المذهبين ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ المستعمل فيه بالإرادة الاستعمالية هو نفس الموضوع له على رأي شيخنا ـ قدس سره ـ ; وإن كان الجدّ على خلافه ، دون ما ذهب إليه السكّاكي ، فإنّ المتعلّق للإرادة عنده ; استعمالية كانت أو جدّية شيء واحد ـ أنّ الادّعاء على المذهب الأخير وقع قبل الإطلاق ، ثمّ اُطلق اللفظ على المصداق الادّعائي ، ولكن على ما رآه شيخنا وقع بعد استعمال اللفظ حين تطبيق الطبيعة الموضوع لها على المصداق .
وبالجملة : أنّ حقيقة المجاز ليست إلاّ تبادل المعاني والتلاعب بها ، لا باستعارة الألفاظ وتبادلها، وإنّما حسن المجازات من جهة توسعة المفاهيم إلى ما لا يسعه وضع ألفاظها ، ولا يشمله نفس تلك المفاهيم ابتداءً ، ولكن بعد ادّعاء كون هذا منه تشمله حكماً .
مثلا في قوله تعالى : {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31] ليس حسن المجاز المستعمل فيه من جهة إعارة لفظ «الملك» خلواً عن معناه لوجود يوسف ، وجعلهما متّحدين في الاسم ، بل لأنّ «الملك» استعمل في الماهية المعهودة من الروحانيين واُطلق اللفظ عليها واستعمل فيها ، وادّعي انطباقها على المصداق الادّعائي .
وقس عليه قولنا : «رأيت أسداً وحاتماً» ; فإنّ لفظي الحاتم والأسد استعملا في معناهما ، ولكن ادّعي أنّ زيداً هو الحاتم أو الأسد .
ثمّ لا يخفى عليك : أنّ ما اختاره ـ قدس سره ـ لا ينحصر بالاستعارة ، بل المجاز المرسل وهو ما تكون العلاقة فيه غير التشبيه من سائر العلاقات ـ أيضاً من هذا الباب ; أعني أنّ اللفظ فيه أيضاً لم يستعمل إلاّ فيما وضع له ، وجعل طريقاً إلى الجدّ بدعوى من الدعاوي .
فإطلاق العين على الربيئة ليس إلاّ بادّعاء كونه عيناً باصرة بتمام وجوده ; لكمال مراقبته ، وإعمال ما هو أثر خاصّ لها لا بعلاقة الجزئية والكلّية .
وقس عليه إطلاق الميّت على المشرف للموت بدعوى كونه ميّتاً ، وإطلاق القرية على أهلها بتخيّل أنّها قابلة للسؤال ، أو أنّ القضية بمثابة من الشهرة حتّى يجيب عنها القرية والعير ، كما في قول الفرزدق : «هذا الذي تعرف البطحاء وطأته . . .» القصيدة .
وجعل هذا وأشباهه من المجاز بالحذف يوجب انحطاطه من ذَروة البلاغة إلى حضيض الابتذال
وتجد تحقيق الحال في المجاز المركّب ممّا ذكرنا أيضاً ; فإنّك إذا قلت للمتردّد : «أراك تقدّم رِجلا وتؤخّر اُخرى» ، وعلمت : أنّ مفرداتها لم تستعمل إلاّ في معانيها الحقيقية ، وأنّه ليس للمركّب وضع على حدة ; ليكون أجزاؤه بمنزلة حروف الهيجا في المفردات ليستعمل في معنى لم يوضع له ، تعرف أنّك لم تتفوّه بهذا الكلام إلاّ بعد ادّعاء ذوقك : أنّ هذا الرجل المتردّد المتحيّر شخص متمثّل كذلك ، وأنّ حاله وأمره يتجلّى في هذا المثل كأنّه هو .
هذه قضاء الوجدان وشهادة الذوق السليم ، بل ما ذكرنا في المركّبات من أقوى الشواهد على المدّعى ، وبه يحفظ لطائف الكلام وجمال الأقوال في الخُطب والأشعار ، وبذلك يستغنى عن كثير من المباحث الطفيف الفائدة ، مثل أنّ المجاز هل يحتاج إلى الرخصة من الواضع أولا ؟ وأنّ وضع العلائق شخصي أو نوعي ؟ لما قد عرفت : من أنّ الاستعمال في جميع المجازات ليس إلاّ في الموضوع له ; وإن كان صحّة الادّعاء وحسن وقوعه أمراً مربوطاً بالذوق السليم .
_____________
1 ـ مفتاح العلوم : 156 .
2 ـ المطوّل : 362 .
3ـ وقاية الأذهان : 103 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|