أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-1-2023
791
التاريخ: 15-10-2019
1876
التاريخ: 8-8-2021
1989
التاريخ: 26/9/2022
1629
|
يميز الحضر جغرافية العمران في أوروبا سواء تلك المدن الصغيرة التي تمثل مراكز للتسويق الريفي أو الحواضر العظيمة الحجم، وتحتوي أوروبا عدداً عظيماً من كبريات المدن في العالم، ففيها أكثر من ربع مدن العالم المليونية، وعلى الرغم من نشوء المدن وارتقائها منذ زمن بعيد، فإنها تحوي الكثير من الأحياء الجديدة التي نشأت منذ أواسط القرن التاسع عشر نتيجة للتوسع الذي أحدثته الثورة الصناعية.
وحين نلقي نظرة على تاريخ أوروبا المدني كي نستخلص منه أضواء نلقيها على جغرافية مدنها حالة، ينبغي أن نضع في أذهانها عدة اعتبارات نختص بموضع المدينة وموقعها الجغرافي، ونموها، وتعداد سكانها ثم وظائفها المتعددة صناعية أو تجارية أو إدارية أو دفاعية أو سكنية، وتدين أوروبا بتأسيس مدنها الحقيقية في أشكالها الحضرية الواضحة كمجتمع منظم خاص أو كمجتمع سكني الى الإغريق القدامى، ومن بعدهم الى الرومان، وقد كانت المدينة إيوان الحضارة الإغريقية والرومانية، وقبل أن يظهر الرومان كقوة مؤثرة في عالم البحر المتوسط بزمن طويل كانت هناك مدن عدة تأسست وتطورت ونمت قبل أن تخضع لسلطانهم، من بينها أثينا والاسكندرية ومرسيليا، ورغم هذا فان الفضل يرجع اليهم في انشاء المدن لأول مرة وانتشارها في أوروبا فيما وراء اقليم البحر المتوسط.
وقد تسبب اختلاف طبيعة مظاهر السطح المحلية في تعدد أشكال المدن الرومانية رغم أن انشاءها كان يتم بحسب خطة معينة، وكانت تحيط بها عادة أسوار عالية، وإذا ما استثنينا قليلاً من المدن الرومانية وجدنا معظمها كان صغير الحجم جداً بالنسبة لمقاييسنا الحالية، مثال ذلك مدينة Londinium التي شيدها الرومان عند رأس مصب نهر التيمز الخليجي لاستخدامها كميناء، كانت تشغل مساحة لا تزيد على كيلو متر مربع واحد، رغم أنها كانت حينئذ أكبر مدن بريطانيا، وتطاول في الحجم أكبر مدن القارة حينئذ مثل كولونيا ومينز Mainz. أما المدن الأخرى فكانت أصغر من ذلك حجماً، ولم يكن في القارة سوى المدن الحواضر الامبراطورية كروما والقسطنطينية وليون (عاصمة غاليا) التي كانت تقف في مقدمة كبريات المدن.
وكانت المدن الرومانية تتمتع ببعض وسائل الرفاهية كالتدفئة في المنازل ومياه الأنابيب، وقد اشتغل كثير منها بالتجارة والصناعة ولكن في مجال محدود، كما اقتصرت وظيفة البعض الآخر على كونها محطات على طول الطرق الرئيسية، أو مراكز للأرواء مثل فيس بادين Wiesvaden (بألمانيا) وباث Bath (بانجلترا)، وفضلا عن ذلك فقد كانت هناك المدن مثل Ostia ميناء روما، ومرسيليا التي أسسها الاغريق في القرن السادس قبل الميلاد، ثم الموانئ القديمة التي كانت تتحكم في حركة المرور في القنال الانجليزي والتي حلت محلها الآن كاليه وبولوني، وهناك عدد من المدن التاريخية في غرب أوروبا وجنوبها احتلت مواقع مدن رومانية سالفة أو نمت بالقرب منها، نذكر من بينها ميلانو ونابلي وليون وبوردو وكوبلنتز وسان ألبان st. Albans ولينكولن وكانتر بوري Canterbury وفيينا وبلغراد وصوفياونيس ودوبروفنيك Dubrofnik وسبليت Split وسالونيكا.
وعلى الرغم من صعوبة العثور على الأدلة الكافية لإثبات استمرار هذه المدن وأمثالها كمجتمعات منظمة منذ العصر الروماني حتى وقتنا الحالي، الا أنه قد أمكن الاستدلال على ذلك لبعض على الأقل من مدن الرومان في ايطاليا وغاليا Galia. وترجع هذه الصعوبة الى وجود فترة مظلمة في تاريخ الحياة الحضرية تتفق مع فترة الاضطراب التي أعقبت سقوط الامبراطورية الرومانية في الغرب، ففي أثناء تلك الفترة تدهورت المدن، ولم يهتم بها أحد – لا الغزاة المهاجرون، ولا الرعاة المتجولون، ولا حتى الزراع المستقرون الذين كانوا عاجزين عن مجرد حماية أنفسهم، وبعد انتهاء فترة الاضطراب ولدت المدن من جديد في ظل ظروف أنسب واستجابة لحاجات اجتماعية معينة، وفي البداية قنع المستوطنون الجدد بركن صغير من موضع المدينة الرومانية المخربة، ينهبون مبانيها المحطمة، ويقتطعون منها الأحجار لبناء كنائسهم كما حدث مثلاً قرب Nimes وAutun في جول. وفي بعض المدن مثل فيينا وبلغراد وريجنزبورج Regensburg تبين أن دور العبادة المسيحية قد شيدت على أنقاض المعابد الرومانية، كما اتضح أن أنماط الشوارع الرومانية 0 والتي كانت أشبه بلوحة الداما- قد بقيت الى عصور متأخرة، وفي مدن أخرى مثل لندن طمر مظهر العمران الروماني أسفل السطح بعدد قليل من الأمتار.
وحينما مرت الفترات المظلمة، وتكاثر السكان في أواخر العصور الوسطى، بدأت المدن في الظهور والنمو سواء في نفس مواضع المدن القديمة أو في مواقع جديدة، وعمرتها مجتمعات صناعية وتجارية قوية ناضلت من أجل الحصول على حقوقها الشرعية من التاج أو من السادة الاشراف والعلمانيين، وقد كونت تلك المجتمعات روابط تجارية وأسست حكومات ذاتية، وكانت العلامات المميزة لهذه المدن تتمثل في براءة قيامها، وسوق بداخلها، وأسوار تحيط بها، وقد ازداد عدد المدن ونمت في أوروبا على أساس اقتصادي خصوصاً في القرن الثالث عشر، وكانت بمثابة المراكز للتجارة والصناعة، واستطاعت أن تبرز في عصر كانت فيه القوة والغلبة لملاك الأرض، ويساعد تحليل مواضع المدن ومواقعها الجغرافية في تفسير ظهور العمران الحضري واستمراره ونموه، فقد أنشئت المدن مثلا عند نقط عبور وملاحة على المجاري المائية، أو على امتداد المسالك البرية، أو لأسباب اقتصادية أخرى واجتماعية كاختيار موقع ليكون مقراً ليكون، أو مؤسسة دينية، أو قصراً لأسقف، أو قلعة إقطاعية.
ولقد أنشئ الكثير من المدن فيما بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر فوق أرض هولندا وبلجيكا تبعاً لخطط خاصة وفي حماية قلعة أو مؤسسة دينية، وفي الغالب على امتداد سد dyke أو على ضفاف نهر ملاحي مثل مدينة بروج Brugge (بلجيكا)، وقد انتعش الكثير من المدن الفرنسية أثناء القرنين الثاني عشر والثالث عشر مثل تروي Troyes على نهر السين وشالون سير مارن Chalons. Sur- Marne وبارسيرأوب Bar- Sur- Aube بسبب اجتذابها للتجار الأجانب الذين كانوا يردون اليها بالطرق البرية من أقطار بعيدة كايطاليا ومصر وسوريا وإيران، وحينما افتتح الطريق البحري بين إيطاليا والقنال الانجليزي (عام 1317) انفتح المجال أمام أسواق مدن أخرى مثل بروج وجنت Ghent وأنتويرب في بلجيكا لتقوم بوظائف المدن الفرنسية كمخازن للبضائع المتنوعة من مختلف الجهات.
أما المدن التي أنشئت بأوامر ملكية عادة لأغراض الحماية والدفاع (المدن القلاع) فقد فشل معظمها في استمرار الحياة نظراً لافتقارها للنشاط الاقتصادي، ومثال المدن الملكية مدينة Winchelsea ومدينة Kingston- upon- Hull في انجلترا، وقد أمر بانشائهما الملك ادوارد الأول، وفي أثناء القرنين الثالث عشر والرابع عشر أنشئ في جنوب فرنسا عدد من المدن بناء على خطط هندسية معينة أحدها Villeneuve- sur- Lot وأنشئت مدينة ميونيخ في جنوب ألمانيا في القرن الثاني عشر بالإضافة الى مدن أخرى كانت قد تأسست أصلا في العصر الروماني، وقد تطور الكثير من المراكز السلافية المحصنة في سهول روسيا الفسيحة، وتحول الى مدن في القرن العاشر نتيجة للنشاط السياسي والتجاري المتزايد الذي قام به الاسكنديناويون؛ وعلى الرغم من بروز فترات معينة في التاريخ الحضري لأوروبا كفترة أواخر العصور الوسطى وفترة القرنين الأخيرين حيث كثر نشوء المدن وأزدهارها، الا أن المدن في الواقع كانت تقوم هنا وهناك في كل الأوقات مثال ذلك ميناء Le Havre ومدينة مأنهايم Mannheim وقد نشأ في القرنين السابع عشر والثامن عشر على التوالي، ومدريد التي تأسست في القرن السادس عشر، وأصبحت عاصمة لأسبانيا بدلاً من العاصمة الكاستيلية توليدو.
ويرجع الفضل في التوزيع الأساسي للمدن في وسط أوروبا وشرق وسطها الى الجهود الاستعمارية الألمانية خلال الفترة الممتدة من بداية القرن العاشر الميلادي الى نهاية القرن الرابع عشر، وعادة ما كان يقع اختيار الألمان لبناء المدن على مراكز السلاف الاقليمية، أو أماكن الاستقرار التي كانت تتخذ مراكز للصيد، وتسترجع هذا الارتباط أسماء بعض المدن الألمانية التي تنتهي بنهايات سلافية مثل (Berlin) in و (Leibzing) zig، أما المدن الألمانية الجديدة الى الشرق من نهر الراين فقد جرى توزيعها فوق النطاقات المتباينة في مظاهر سطحها في شمال القارة ووسطها، وقد أنشئ بعضها على طول ساحل بحر الشمال وبحر البلطيق عند رؤوس المصبات الخليجية مثل همبورج وبريمين، أو عند رؤوس الخلجان مثل لوبيك Luebeck ودانزيج، أو في حماية اللاجونات مثل كونجزبيرج Koenigsberg.
وكانت المدن تقل في الداخل في نطاق تلال البلطيق القليلة السكان التي كانت تغطيها الأعشاب والحشائش والأدغال وتكثر بها المستنقعات، هذا فيما عدا حيث تشق الأنهار الرئيسية كالألب والأودر فتحات خلال التلال في طريقها الى الشمال، وفي النطاق الذي يقع الى الجنوب من ذلك، وهو نطاق رديء الصرف، نشأت بعض المدن على امتداد أودية نهرية غربية شرقية ومثلها براندين بورج Brandenburg على نهر هافل Habel، وبرلين على نهر Spree وبوزنان على نهر فارتا، وكان التركز الحضري والريفي أيضاً ملحوظاً في نطاق اللوس الذي يقع حيث تقترب السهول الشمالية من الكتل الهرسينية، وفيه تجري خطوط المواصلات الرئيسية من الغرب الشرق، وفيه نشأت دور تموند Dortmund، ومجدى بورج، وهانوفر، وبرونزويك، وليبتزيج، وكراكاو، وحتى أواخر العصور الوسطى لم تكن معظم مدن وسط أوروبا لتزيد في أحجامها عن القرى المركزية الحالية، وكانت وظيفة المدينة الأساسية حينئذ تتمثل في كونها سوقاً يقصده الفلاحون من مجال دائرة تحيط بها نصف قطرها يتراوح بين 10-20 كيلو متراً، وقد نجح كثير من هذه المدن وانتعش كثيراً في أواخر القرون الوسطى، تلك المدن التي ساعدتها مواقعها الممتازة على طرق مائية وبرية هامة كي تصبح موانئ ومراكز تجارية ذات اتصالات واسعة.
ويتضح من قراءة خرائط المدن الأوروبية القديمة أنها كانت تتسع خلال العصور الوسطى عن طريق البناء الجديد المستمر الذي يصاحبه بناء الأسوار، وتبدور كثير من المدن الحالية العملاقة صغيرة ضئيلة فوق خرائط القرن السادس عشر ومنها المدن العواصم كباريس وموسكو، وعلى الرغم من أن معظم عمائر القرون الوسطى قد اندثر بما في ذلك الأسوار المتينة التي قويت أثناء القرنين السادس عشر والسابع عشر كي تقوى على تحمل قذائف المدافع، فإن المواقع القديمة كما يتضح من الخرائط كانت النوايات التي نمت من حولها المدن الأوروبية واتسعت منذ أواسط القرن التاسع عشر، ويرتبط التطور العظيم الذي أدى الى نمو المدن العملاقة الحالية بتزايد السكان وسهولة المواصلات أثناء القرنين التاسع عشر والعشرين، وفي بداية القرن الثامن عشر كانت أوروبا تحوي نحو أربع عشرة مدينة كبيرة، كانت كلها تقريباً عواصم لأقطار مستقلة، وكانت لندن أكبر مدينة أوروبية في عام 1801 حين بلغ عدد سكانها نحو 959000، وفي نفس العام كانت أوروبا تشتمل على تسع عشرة مدينة أخرى يزيد تعداد كل منها عن 100000 شخص، وكان تعداد كل من يس بار والقسطنطينية يناهز 500,000، وقد كانت بداية القرن الثامن عشر بداية مرحلة نمو وازدهار سريع لكثير من أكبر المدن الحالية مثل لندن وباريس وبرلين وفيينا ومرسيليا واستامبول وموسكو ولننجراد (سان بطرس بيرج)، وهناك من المدن ما ارتبط نموها على الخصوص بانتعاش الصناعة منذ أواسط القرن التاسع عشر مثل إسين Essen و Duisburg و Duesseldorf وبودابست وأوديسا وبلفاست وكارديف وبرمنجهام وغيرها كثير.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|