أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-01-2015
3411
التاريخ: 10-02-2015
3727
التاريخ: 31-01-2015
3883
التاريخ: 5-5-2016
3648
|
من ذاتيات إمام المتّقين ومن أبرز عناصره الزهد التامّ في الدنيا والرفض الكامل لجميع مباهجها وزينتها لقد سيطر على نفسه وعوّدها البؤس والحرمان وحمّلها من أمره رهقا فلم يستجب لأي متعة من متع الحياة ولم ينعم بأي نعمة من نعيمها فكان أزهد الناس كما يقول عمر بن عبد العزيز ؛ ولمّا آلت إليه الخلافة وأشرقت الدنيا بحكومته التي هي امتداد لحكومة الرسول (صلى الله عليه وآله) طلّق الدنيا ثلاثا وعاش في أرباض يثرب والكوفة عيشة البؤساء والفقراء فلم يبن له دارا ولم يلبس من أطائب الثياب وإنّما كان يلبس لباس الفقراء ويأكل أكلهم وقد قيل له في ذلك فأجاب : « لئلا يتبيّغ بالفقير فقره! » وهكذا انصرف عن الدنيا ولم يعد لملاذها ومنافعها أي ظلّ عليه.
وذكر المؤرّخون والرواة صورا رائعة ومذهلة من زهد الإمام (عليه السلام) كان منها ما يلي :
١ ـ لباسه : ولم يعن الإمام (عليه السلام) بلباسه وإنّما كان يلبس أخشن الثياب وهذه بعض البوادر التي حكيت عنه :
أ ـ روى عمر بن قيس قال : رئي عليّ وعليه إزار مرقوع فعوتب عليه فقال : يقتدي به المؤمن ويخشع له القلب .
ب ـ روى أبو إسحاق السبيعي قال : كنت على عنق أبي وأمير المؤمنين عليّ ابن أبي طالب يخطب وهو يتروّح بكمّه فقلت : يا أبه أمير المؤمنين يجد الحرّ؟ فقال : لا يجد حرّا ولا بردا ولكنّه غسل قميصه وهو رطب ولا له غيره فهو يتروّح به .
ج ـ روى أبو حيّان التميمي عن أبيه قال : رأيت عليّا على المنبر يقول : من يشتري منّي سيفي هذا؟ فلو كان عندي ثمن إزار ما بعته ؛
فقام إليه رجل فقال له : أنا اسلفك ثمن إزار وعلّق على ذلك عبد الرزاق فقال : لقد فعل الإمام ذلك وكانت الدنيا إذ ذاك بيده إلاّ الشّام .
د ـ روى عليّ بن الأقمر قال : رأيت عليّا وهو يبيع سيفا له في السوق ويقول : من يشتري منّي هذا السّيف فو الّذي فلق الحبّة لطالما كشفت به الكرب عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته .
هـ ـ ذكر الرواة أنّه لم يكن للإمام إلاّ قميص واحد لا يجد غيره في وقت الغسل .
و ـ أتى الإمام (عليه السلام) سوق البزّازين ليشتري ثوبا له فوقف على تاجر فعرفه فأراد مسامحته ليتقرّب إليه فانصرف عنه ولم يشتر منه ووقف على غلام لم يعرفه فاشترى منه ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم والآخر بدرهمين فقال لقنبر : خذ الّذي بثلاثة دراهم .
فقال له قنبر : أنت أولى به إنّك تصعد المنبر وتخطب الناس فردّ عليه الإمام وقال له : أنت شابّ ولك شرخ الشّباب وأنا أستحي من ربّي أن أتفضّل عليك .
ز ـ اشترى الإمام (عليه السلام) قميصا بثلاثة دراهم وقال : الحمد لله هذا من رياشه أي من ستره .
ح ـ روى هارون بن عنترة قال : دخلت على عليّ في الخورنق وهو يرعد من البرد وعليه سمل قطيفة فقلت : يا أمير المؤمنين إنّ الله قد جعل لك ولأهل بيتك نصيبا في هذا المال وأنت تصنع بنفسك ما تصنع؟ فقال : والله! ما أرزؤكم شيئا من مالكم وإنّها لقطيفتي الّتي خرجت بها من منزلي بالمدينة .
ط ـ اشترى الإمام (عليه السلام) ثوبا فأعجبه فكره أن يلبسه وبادر فتصدّق به .
ي ـ خطب الإمام (عليه السلام) على أهل الكوفة فقال لهم : دخلت بلادكم بإسمالي هذه وراحلتي هذه فإذا خرجت من بلادكم بغير ما دخلت فإنّي من الخائنين .
ك ـ ذكر الرواة أنّ الإمام في أيام خلافته لم يكن عنده قيمة ثلاثة دراهم ليشتري بها إزارا أو ما يحتاج إليه ثمّ يدخل بيت المال فيقسّم كلّ ما فيه على الناس ثمّ يصلّي فيه ويقول : الحمد لله الّذي أخرجني منه كما دخلته .
هذه بعض البوادر من زهده في لباسه وقد توفّي وليس عنده من الثياب غير الثوب الذي عليه ... ومن الجدير بالذكر أن نلقي نظرة على ما تركه ملوك بني العباس فقد توفّي هارون الرشيد وخلّف أربعة آلاف عمامة مطرّزة ما عدا الثياب التي خلّفها فضلا عن الأموال التي خلّفها في خزائنه وهكذا غيره من ملوك الأمويّين والعبّاسيّين الّذين لا يمثّلون إلاّ جانب الترف والنهب لأموال المسلمين ومن المؤكّد أنّهم لا علاقة لهم بالسياسة الاقتصادية التي تبنّاها الإسلام .
٢ ـ طعامه : وامتنع الإمام (عليه السلام) من تناول ألوان الأطعمة واقتصر على ما يسدّ الرمق من الأطعمة البسيطة كالخبز والملح وربّما تعدّاه إلى اللبن أو الخلّ وكان في أيام رسول الله (صلى الله عليه وآله) يربط الحجر على بطنه من الجوع وكان قليل التناول للحم وقد قال : لا تجعلوا بطونكم مقابر للحيوانات ويقول ابن أبي الحديد : إنّه ما شبع من طعام قطّ وقد اتي له بفالوذج فلمّا وضع بين يديه قال : إنّه طيّب الرّيح حسن اللّون طيّب الطّعم ولكن أكره أن أعوّد نفسي ما لم تعتد ؛ وقد روى الإمام أبو جعفر(عليه السلام) قال : أكل عليّ من تمر دقل ثمّ شرب عليه الماء وضرب يده على بطنه وقال : من أدخله بطنه النار فأبعده الله ثمّ تمثّل :
فإنّك مهما تعط بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذّمّ أجمعا
وروى عبد الملك بن عمير قال : حدّثني رجل من ثقيف أنّ عليّا (عليه السلام) استعمله على عكبرا قال : ولم يكن السواد يسكنه المصلّون وقال لي : إذا كان عند الظّهر فرح إليّ ؛ فرحت إليه فلم أجد عنده حاجبا يحبسني عنه دونه فوجدته جالسا وعنده قدح وكوز من ماء فدعا بظبية فقلت في نفسي : لقد أمنني حتى يخرج إليّ جواهرا ولا أدري ما فيها فإذا عليها خاتم فكسر الخاتم فإذا فيها سويق فأخرج منها فصبّ في القدح فصبّ عليه ماء فشرب وسقاني فلم أصبر فقلت : يا أمير المؤمنين أتصنع هذا بالعراق وطعام العراق أكثر من ذلك؟
قال : أما والله! ما أختم عليه بخلا ولكنّي ابتاع قدر ما يكفيني فأخاف أن يفنى فيصنع من غيره وإنّما حفظي لذلك وأكره أن ادخل بطني إلاّ طيّبا .
وهكذا كان رائد العدالة الإسلامية متحرّجا في طعامه كأشدّ ما يكون التحرّج وقد تحدّث الإمام (عليه السلام) عن زهده وإعراضه عن الدنيا بقوله : فو الله ما كنزت من دنياكم تبرا ولا ادّخرت من غنائمها وفرا ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا ولا حزت من أرضها شبرا ولا أخذت منه إلاّ كقوت أتان دبرة ؛ ومن المؤكّد أنّ الإمام (عليه السلام) لم ينل من أطائب الطعام حتى وافاه الأجل المحتوم فقد أفطر في آخر يوم من حياته في شهر رمضان على خبز وجريش ملح وأمر برفع اللبن الذي قدّمته له بنته الزكية أمّ كلثوم وهو في نفس الوقت كان يدعو اليتامى فيطعمهم العسل حتى قال بعض أصحابه : وددت أنّي كنت يتيما وروى عبد الله بن رزين قال : دخلت على عليّ بن أبي طالب يوم الأضحى فقرّب إلينا حريرة فقلت : أصلحك الله لو قرّبت إلينا من هذا البطّ يعني الوزّ فإنّ الله عزّ وجلّ قد أكثر الخير فقال : يا ابن رزين إنّي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : لا يحلّ للخليفة من مال الله إلاّ قصعتان قصعة يأكلها هو وأهله وقصعة يضعها بين يدي النّاس ؛ وقد سار على هذا المنهج المشرق لأنّه إمام المسلمين وله خطته الخاصّة في الزهد لا يشاركه فيها أحد من أبناء الشعب ومن أمثلة ذلك أنّه شكا إليه الربيع بن زياد الحارثي أخاه قائلا : اعدني على أخي عاصم.
فقال (عليه السلام) : ما باله؟.
فقال : لبس العباءة يريد النسك ؛ فأمر الإمام بإحضاره فلمّا مثل بين يديه رآه الإمام مؤتزرا بعباءة مرتديا باخرى شعث الرأس واللحية فعبس الإمام بوجهه وقال له بعنف : أما استحييت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟ أترى أنّ الله أباح لك الطّيّبات ، وهو يكره أن تنال منها شيئا بل أنت أهون على الله أما سمعت الله يقول في كتابه : {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ * فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ * وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ * بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ} [الرحمن: 10 - 22] أفترى أنّ الله أباح هذه لعباده إلاّ ليبتذلوه ويحمدوا الله تعالى عليه فيثيبهم وإنّ ابتذالك نعم الله بالفعل خير منه بالمقال ؛ وبادر عاصم قائلا : فما بالك في خشونة مأكلك وخشونة ملبسك فإنّما تزيّنت بزينتك؟ فردّ عليه الإمام قائلا : ويحك إنّ الله فرض على أئمّة الحقّ أن يقدّروا أنفسهم بضعفة النّاس .
لقد زهد الإمام (عليه السلام) في الدنيا في جميع فترات حياته خصوصا لمّا تولّى السلطة العامّة للمسلمين فقد تجرّد تجرّدا تامّا من جميع رغباتها ومن أمثلة زهده ما رواه صالح بن الأسود قال : رأيت عليّا قد ركب حمارا وأدلى رجليه إلى موضع واحد وهو يقول : أنا الّذي أهنت الدّنيا أجل والله يا رائد العدل لقد أهنت الدنيا واحتقرت جميع مباهجها وزينتها فقد أتتك الدنيا وتقلّدت أسمى مركز فيها فلم تحفل بها ولم تعر لسلطتها أي بال فسلام الله عليك يا إمام المتّقين .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|