المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9117 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



[وديعة المصطفى إلى جنّة المأوى]  
  
3903   09:31 صباحاً   التاريخ: 28-3-2016
المؤلف : باقر شريف القرشي .
الكتاب أو المصدر : حياة الامام الحسين
الجزء والصفحة : ج1, ص270-275.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /

توالت الأمراض على وديعة النبي (صلّى الله عليه وآله) وفتك الحزن بجسمها النحيل المعذّب حتّى انهارت قواها وأصبحت لا تقوى على النهوض من فراشها وأخذت تذوي كما تذوي الأزهار عند الظمئ فقد مشى إليها الموت سريعاً وهي في شبابها الغضّ الإهاب وقد حان موعد اللقاء القريب بينها وبين أبيها الذي غاب عنها وغابت معه عواطفه الفيّاضة , ولمّا بدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة طلبت حضور ابن عمّها الإمام أمير المؤمنين فعهدت إليه بوصيّتها وقد جاء فيها : أن يواري جثمانها المقدّس في غلس الليل البهيم وأن لا يشيّعها أحد من الذين هضموها ؛ لأنهم أعداؤها وأعداء أبيها ـ على حدّ تعبيرها ـ كما عهدت إليه أن يتزوّج من بعدها بابنة اُختها اُمامة ؛ لأنها تقوم برعاية ولديها الحسن والحسين اللذَين هما أعزّ عندها من الحياة وعهدت إليه أن يخفي موضع قبرها ليكون رمزاً لغضبها غير قابل للتأويل على مرّ الأجيال الصاعدة وضَمِن لها الإمام جميع ما عهدت إليه وانصرف عنها وهو غارق في الأسى والشجون ؛ وأسرّت بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) إلى أسماء بنت عميس فقالت لها : إنّي قد استقبحت ما يصنع بالنساء بعد موتهنّ ؛ فقد كانت العادة أن يدرج على المرأة ثوب فيصفها لمَن رأى وقد كرهتْ ذلك فأحبت أن يصنع لها سرير لا يبدو فيه جسدها فعملت لها أسماء سريراً يستر مَن فيه قد شاهدته حينما كانت في الحبشة فلمّا نظرت إليه سرّت به وابتسمت وهي أوّل ابتسامة شوهدت لها منذ أن لحق أبوها بالرفيق الأعلى.

وفي آخر يوم من حياتها أصبحت وقد ظهر بعض التحسّن على صحّتها وكانت بادية الفرح والسرور فقد علمت أنها في يومها تلحق بأبيها وعمدت إلى ولديها فغسّلت لهما وصنعت لهما من الطعام ما يكفيهم يومهم وأمرت ولديها بالخروج لزيارة قبر جدّهما وهي تلقي عليهما نظرة الوداع وقلبها يذوب من اللوعة والوجد وخرج الحسنان وقد هاما في تيّار من الهواجس وأحسّا ببوادر مخيفة أغرقتهما بالهموم والأحزان والتفتت وديعة النبي إلى سلمى بنت عميس وكانت تتولّى تمريضها وخدمتها فقالت لها : يا اُمّاه.

ـ نعم يا حبيبة رسول الله.

ـ اسكبي لي غسلاً.

فانبرت وأتتها بالماء فاغتسلت فيه وقالت لها ثانياً : ايتيني بثيابي الجُدد.

فناولتها ثيابها وهتفت بها مرّة اُخرى : اجعلي فراشي وسط البيت ؛ وذعرت سلمى وارتعش قلبها فقد عرفت أنّ الموت قد حلّ بوديعة النبي (صلّى الله عليه وآله) وصنعت لها سلمى ما أرادت فاضطجعت على فراشها واستقبلت القبلة والتفتت إلى سلمى قائلة بصوت خافت : يا اُمّه إنّي مقبوضة الآن وقد تطهّرت فلا يكشفني أحد ؛ وأخذت تتلو آيات من الذكر الحكيم حتّى فارقت الحياة وسمت تلك الروح العظيمة إلى بارئها لتلتقي بأبيها الذي كرهت الحياة بعده.

لقد ارتفعت تلك الروح إلى جنان الله ورضوانه فما أظلّت سماء الدنيا في جميع مراحل هذه الحياة مثلها قداسةً وفضلاً وشرفاً وعظمةً وقد انقطع بموتها آخر مَن كان في دنيا الوجود من نسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؛ وقفل الحسنان إلى الدار فلم يجدا فيها اُمّهما فبادرا يسألان سلمى عن اُمّهما ففاجأتهما وهي غارقة في العويل والبكاء قائلة : يا سيدَيَّ إنّ اُمّكما قد ماتت فاخبرا بذلك أباكما ؛ فكان ذلك كالصاعقة عليهما فهرعا مسرعين إلى جثمانها فوقع عليها الحسن (عليه السّلام) وهو يقول : يا اُمّاه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني , وألقى الحسين (عليه السّلام) نفسه عليها وهو يعجّ بالبكاء قائلاً : يا اُمّاه أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن ينصدع قلبي , وأخذت أسماء توسعهما تقبيلاً وتعزّيهما وتطلب منهما أن يسرعا إلى أبيهما فيخبراه فانطلقا إلى مسجد جدّهما رسول الله وهما غارقان في البكاء فلمّا قربا من المسجد رفعا صوتهما بالبكاء فاستقبلهما المسلمون وقد ظنّوا أنهما تذكّرا جدّهما فقالوا : ما يبكيكما يا بنَي رسول الله؟ لعلّكما نظرتما موقف جدّكما فبكيتما شوقاً إليه؟

ـ أوَ ليس قد ماتت اُمّنا فاطمة؟.

واضطرب الإمام أمير المؤمنين وهزّ النبأ المؤلم كيانه وطفق يقول : بمَن العزاء يا بنت محمد؟ كنت بك أتعزّى ففيم العزاء من بعدك؟ وخفّ مسرعاً إلى الدار وهو يذرف الدموع ولمّا ألقى نظرة على جثمان حبيبة رسول الله أخذ ينشد :

لكلِّ اجتماعٍ من خليلينِ فرقةٌ        وكلّ الذي دون الفراقِ قليلُ

وإن افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ         دليلٌ على أن لا يدوم خليلُ

وهرع الناس من كل صوب نحو بيت الإمام وهم يذرفون الدموع على وديعة نبيّهم فقد انطوت بموتها آخر صفحة من صفحات النبوة وتذكّروا بموتها عطف الرسول وحدبه عليهم وقد ارتجّت يثرب من الصراخ والعويل ؛ وعهد الإمام إلى سلمان الفارسي أن يعرّف الناس أنّ مواراة بضعة النبي (صلّى الله عليه وآله) تأخر هذه العشيّة وتفرّقت الجماهير وأقبلت عائشة وهي تريد الدخول إلى بيت الإمام لتلقي نظرة الوداع على جثمان بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) فحجبتها أسماء وقالت لها : لقد عهدتْ إليّ أن لا يدخل عليها أحد ؛ ولمّا مضى من الليل شطره قام الإمام فغسّل الجسد الطاهر ومعه أسماء والحسنان (عليهما السّلام) وقد أخذت اللوعة بمجامع قلوبهم وبعد أن أدرجها في أكفانها دعا بأطفالها الذين لم ينتهلوا من حنان اُمّهم ليلقوا عليها النظرة الأخيرة وقد مادت الأرض من كثرة صراخهم وعويلهم وبعد انتهاء الوداع عقد الإمام الرداء عليها ولمّا حلّ الهزيع الأخير من الليل قام فصلّى عليها وعهد إلى بني هاشم وخُلّص أصحابه أن يحملوا الجثمان المقدّس إلى مثواه الأخير ولم يخبر أيّ أحد بذلك سوى تلك الصفوة من أصحابه وأهل بيته وأودعها في قبرها وأهال عليها التراب , ووقف على حافة القبر وهو يروي ثراه بدموع عينيه واندفع يؤبّنها بهذه الكلمات التي تمثّل لوعته وحزنه على هذا الرزء القاصم قائلاً : السّلام عليك يا رسول الله عنّي وعن ابنتك النازلة في جوارك السريعة اللحاق بك ؛ قلَّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري ورقّ عنها تجلّدي إلاّ أنّ في التأسّي بعظيم فرقتك وفادح مصبيتك موضع تعزٍّ ؛ فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك وفاضت بين نحري وصدري نفسك إنّا لله وإنّا اليه راجعون ؛ لقد استُرجعت الوديعة واُخذت الرهينة ؛ أمّا حزني فسرمد ؛ وأمّا ليلي فمسهّد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم وستنبئك ابنتك بتضافر اُمّتك على هضمها فاحفها السؤال واستخبرها الحال ؛ هذا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر والسّلام عليكما سلام مودع لا قالٍ ولا سئم ؛ فإن انصرف فلا عن ملالة وإن اُقم فلا عن سوء ظنٍّ بما وعد الله الصابرين .

وطفحت هذه الكلمات بالألم الممض والحزن العميق فقد أعلن فيها شكواه للرسول على ما ألمّ بابنته من الخطوب والنكبات ويطلب منه أن يلحّ في السؤال منها ؛ لتخبره بما جرى عليها من الظلم والضيم في تلك الفترة القصيرة الأمد التي عاشتها ؛ كما أعلن (سلام الله عليه) عن شجاه المرهق على بضعة النبي (صلّى الله عليه وآله) فهو في حزن دائم لا تنطفئ فيه نار اللوعة حتّى يلتحق إلى جوار الله ؛ وينصرف الإمام عن قبر الصدّيقة لكن لا عن سأم ولا عن كراهية وإنما استجابةً لتعاليم الإسلام الآمرة بالخلود إلى الصبر ؛ وعاد الإمام (عليه السّلام) إلى بيته كئيباً حزيناً ينظر إلى أطفاله وهم يبكون على اُمّهم أمرّ البكاء وأشجاه فتهيج أحزانه ؛ وقد آثر (عليه السّلام) العزلة عن الناس وعدم الاشتراك بأيّ أمر من اُمورهم ؛ فقد أعرض عن القوم وأعرضوا عنه لا يشاركونه بأيّ أمر من اُمورهم اللّهمّ إلاّ إذا حلّت في ناديهم مشكلة لا يهتدون إلى حلّها فزعوا إليه لينتهلوا من نمير عمله ؛ وقد قطع الحسين (عليه السّلام) دور الطفولة في هذه المرحلة المحزنة وقلبه قد أترع بالأحزان والآلام فقد فَقَدَ في تلك الفترة الحزينة جدّه الذي كان يفيض عليه بالعطف والحنان وفَقَدَ اُمّه الرؤوم التي عاشت في هذه الدنيا وعمرها كعمر الزهور وفاجأها الموت وهي في شبابها الغضّ الإهاب , ومن الطبيعي أنّه ليس أكثر حزناً ولا أقوى صدمة على الطفل من فَقْد اُمّه العطوف ؛ فإنه يفقد معها جميع آمال حياته ؛ لقد رأى الإمام الحسين (عليه السّلام) وهو في سنّه المبكّر ما عانته اُمّه من عظيم الرزايا والخطوب فكان لها أعمق الأثر وأقساه في نفسه وقد أعطته هذه الأحداث دراسة عن ميول الناس واتّجاهاتهم وأنهم لا يندفعون نحو الحق وإنّما ينسابون وراء أطماعهم وشهواتهم.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.