x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

تاريخ الامريكتين

التاريخ : التاريخ الاسلامي : الدولة الاموية : الدولة الاموية * :

الصراع بين الامويين ومبادئ الدين الإسلامي

المؤلف:  الدكتور نوري جعفر

المصدر:  الصّراع بين الأمويين ومبادئ الإسلام

الجزء والصفحة:  132- 181

8-11-2017

3483

نشير بشيء من الايجاز غير المخل ، إلى جوانب أخرى من ذلك الصراع الرهيب أتاح للامويين ، من الاسف الشديد ، أن يسيروا في حكمهم على سياسة جاهلية مكشوفة ، هي والدين الاسلامي على طرفي نقيض . وتتلخص تلك السياسة بجملة واحدة : هي الانصراف الكلي للحياة الدنيا ـ بأبشع صورها ـ والتكالب على موبقاتها وملاذها الرخيصة على حساب الدين . نقول :

 « الانصراف الكلي إلى الحياة بأبشع صورها » ولا نقول :

 الانصراف إلى الحياة لأننا لا نجد تعارضا بين المثل العليا التي جاء بها الدين ـ وبخاصة الجوانب الاخلاقية منها ـ وبين الحياة التي يمكن أن يحياها الناس . ذلك لأن الدين يسعى ـ في جوانبه الخلقية ـ إلى رفع مستوى الحياة ليسمو بها فوق المستوى البهيمي الذي ينغمس فيه كثير من الناس .

 إي أن الدين ، بعبارة أخرى ، لا يتعارض إلا مع الجوانب المنحطة من الحياة . فإذا سمت الحياة إلى المستوى الخلقي الذي يريده الدين زالت جوانب التعارض بينهما، وعلى هذا الاساس يمكن الجمع بين الدين والدنيا، وعلى الاساس نفسه يمكن الفصل بينهما، فقد جمع الرسول بينهما وسار علي على منواله .

وسار الامويون على نقيض ذلك . فخسروا دينهم ـ كما سنرى ـ كما خسروا دنياهم كذلك .

 دنياهم في جوانب المثلى من الناحية الخلقية الانسانية . وقد عبر عن خسران الامويين دينهم ودنياهم ـ أحدهم ـ أحسن تعبير حين قال :

نرقع دنيانا بتمزيق ديننا *** فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع

 وفي معرض التحدث عن جوانب التعارض بين الدين والحياة : ذكر القرآن في سورة البقرة }أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ{  [البقرة/86] وجاء في سورة الاعراف : } الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ{ [الأعراف/51].

 وجاء في سورة يونس :} الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَجْحَدُونَ { [الأعراف/51].

 وجاء في سورة هود :} مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{ [هود/15، 16].

 وأعيد المعنى السابق نفسه ـ حيث الاساس ـ في سورة الحديد :

 }اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ{ [الحديد/20].

 لقد أعطى الامويون ، على ما يذكر ابن خلدون ( 1 ) : « الملك والترف حقه وانغمسوا في الدنيا وباطلها ونبذوا الدين وراءهم ظهريا . » وكان ذلك برأيه السبب في سلب الله عزهم وتقويض ملكهم . وقد استشهد ابن خلدون على ذلك بقصة عبد الله بن مروان ـ مع ملك النوبة ـ عند هروبه من السفاح :

 « قال عبد الله بن مروان أقمت مليا . ثم أتاني ملكهم فقعد على الارض ؛ وقد بسطت لي فرش ذات قيمة . فقلت :

 ما منعك عن القعود على ثيابنا . فقال : إني ملك وحق لكل ملك أن يتواضع . ثم قال لي :

 لم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم في كتابكم ؟ فقلت اجترأ على ذلك عبيدنا واتباعنا . قال :

 فلم تلبسون الديباج والذهب والحرير وهو محرم عليكم في كتابكم ؟ قلت : ذهب منا الملك وانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا .

 فأطرق ينكث بيده في الارض ويقول : عبيدنا واتباعنا وأعاجم دخلوا في ديننا . ثم رفع رأسه إلي وقال : ليس الامر كما ذكرت . بل أنتم قوم استحللتم ما حرم الله عليكم وأتيتم ما عنه نهيتم وظلمتم فيما ملكتم .»

 فالتحلل من الدين ـ وهو الجانب الايجابي للتكالب على الملذات الدنيوية الرخيصة ـ إذن هو الطابع العام للأخلاق الاموية . وقد اتخذ ذلك التحليل اشكالا عديدة نجملها فيما يلي :

1 ـ قتل النفس

  قتل النفس البشرية بشكل لا يجيزه الاسلام جاء في سورة آل عمران}  إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ { [آل عمران/21، 22]، وجاء في سورة النساء }وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا{ [النساء/93]، وجاء في سورة الانعام }قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{ [الأنعام/151] » وفي سورة الفرقان .}وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69){  [الفرقان/68-70] وذكر مسلم بن الحجاج ( 3 ) عن انس بن مالك بأسانيده المختلفة في الكبائر « قال الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وقول الزور . » والتاريخ الاموي يعج بالفحش، وقتل النفس بغير حق، وبالظلم ، ونكث العهد ، وقول الزور وغيرها من الكبائر .

 لقد كان السير وفق ما حرم الله ـ من الكبائر والموبقات ـ هو القاعدة العامة للأسرة الاموية كلما كان ذلك السير بنظرهم ـ وسيلة من وسائل تثبيت حكمهم الممقوت .

ولم يلتزم الامويون ببعض مظاهر الدين إلا حين استلزمت مصالحهم الاموية ذلك . وبقدر ما يتعلق الامر بقتل النفس التي حرم الله ـ إلا بالحق ـ فإن في تاريخهم عن مثلة على ذلك الشيء الكثير .

 فقد ذهبت أرواح الاف من المسلمين ضحايا غدرهم وعدوانهم , ولم يسجل التاريخ الاسلامي ـ على ما فيه من حوادث كثيرة من هذا القبيل ـ إلا جزءاً يسيرا مما ارتكبوه في هذا الباب .

 وهنا تتوارد للذهن مأساة حجر بن عدي ، ومصرع الحسين بن علي ، ومقتل مصعب وعبد الله ابني الزبير ، واضحة للعيان .

 هذا سوى مئات المسلمين الذين فتك بهم بسر بن أبي أرطاة.

 ترى لماذا قتل الامويون هؤلاء ؟ لأنهم ثاروا على ظلم الامويين ؟

 هل الثورة على الظلم خارجة عن نطاق الاسلام ؟

 هل يجيز الاسلام موبقات الامويين ؟

 هل الحكم الاموي متفق مع القرآن وسنة الرسول ؟

 ما حق الامويين في الاستيلاء على مقاليد الحكم في البلاد الاسلامية ؟

 هل جاء الامويون للحكم بأسلوب يجيزه الاسلام ؟

 هل يبرر الاسلام وراثة الحكم في الاسرة الاموية خلفا عن سلف ؟

 هل يعتبر قتل النفس ـ التي حرم الله ـ حقا

 إذا كانت تلك النفس تدعو الناس إلى اتباع الحق ؟ وتحاسب السلطان على موبقاته ؟ تلك أسئلة تعتبر الاجابة عنها في إدانة الامويين من اسهل الامور .

2 ـ شرب الخمر

  كان ولع الامويين شديدا بتعاطي شرب الخمر ، وما يتصل به من خلاعة وتبذل وغناء .

 والخمر ـ كما لا يخفى ـ محرمة من الناحية الشرعية . جاء في سورة المائدة :

 }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{  [المائدة/90] ولم يكتف الامويون بشرب الخمر بل اسرفوا وأدمنوا وأطلقوا لأنفسهم الشريرة العنان في هذا الضرب من ضروب العبث وما يتصل به من موبقات .

 وكان ملوكهم ـ في الشام والاندلس « باستثناء عمر بن عبد العزيز » يكثرون من شربه حتى بلغ بعضهم في شربه حدا يفوق الوصف .

فيزيد بن معاوية كان مدمنا ، وكان لا يمسي إلا سكران ولا يصبح إلا مخموراً .

كان عبد الملك بن مروان يسكر في كل شهر مرة حتى لا يعقل في السماء هو أو في الماء .

وكان الوليد بن عبد الملك يشرب يوما ويدع يوما .

وكان سليمان بن عبد الملك يشرب في كل ثلاث ليال ليلة .

وكان هشام يسكر في كل جمعة .

وكان يزيد بن الوليد والوليد بن يزيد يدمنان اللهو والشرب .

فأما يزيد بن الوليد فكان ـ دهره ـ بين حالين : سكر وخمار . ولا يوجد ابدا إلا ومعه إحدى هاتين .

وكان مروان بن محمد يشرب ليلة الثلاثاء وليلة السبت ( 4 ) . »

 للخمر كما لا يخفى مضار يتعدى أثرها شخص من يتعاطاها فينتظم الاخرين من ذوي العلاقة ـ من طرف قريب أو بعيد ، وبصورة مباشرة . ويتسع مجال ذلك الضرر باتساع مجال علاقات ذلك الشخص بغيره من الناس .

 فكيف به إذا كان « امير المؤمنين » و « خليفة للمسلمين » !!!

 لقد مر بنا القول أن من ملازمات الخمر الغناء والتبذل والخلاعة . والملوك السابقين ـ على يحدثنا الجاحظ ـ : تقاليد خاصة في هذا الباب .

 غير أن الامويين قد أدخلوا على بعضها تحويراً استلزمته طبيعة استهتارهم بالدين وبالأخلاق . فمن أخلاق الملك عند الشرب : « أن يجعل ندماءه طبقات ومراتب ، وأن يخص ويعم ويقرب ويباعد ويرفع ويضع .. وليس من حق الملك أن يبرح مجلسه إلا لقضاء حاجة ... وليس له أن يختار كمية ما يشرب ولا كيفيتها . إنما هذا إلى الملك ... فلما ملك يزيد بن عيد الملك ساوى بين الطبقة العليا والسفلى من الندماء وأفسد أقسام المراتب .. وغلب عليه اللهو ... وهو أول من شتم في وجهه من الخلفاء على جهة الهزل والسخف ( 5 ) . »

 ومن المحزن حقا أن يشجع « خليفة المسلمين » المساواة في التبذل والدعارة ويمنعها في المعاملة وتطبيق أسس الشريعة السمحاء . فلم يساو « الخليفة » بين المسلمين في العطاء ، ولكنه ساوى بين ندمائه في الموبقات ليرفع عن نفسه حواجز التبذل والاستهتار .

 وروى الجاحظ كذلك ـ في معرض الموازنة بين تبذل الامويين بالنسبة لبعضهم ـ أنه سأل اسحق بن ابراهيم فيما إذا كان ملوك بني أمية يظهرون للندماء والمغنين فقال له اسحق : « أما معاوية بن أبي سفيان ، ومروان بن الحكم ، وعبد الملك بن مروان وسليمان وهشام ، ومروان بن محمد فكان بينهم وبين الندماء ستارة، وكان لا يظهر أحد من الندماء على ما يفعله الخليفة إذا طرب للمغني والتذه حتى ينقلب ويمشي ويحرك كتفيه ويرقص ويتجرد حتى لا يراه إلا خواص جواريه، وأما الباقون ـ من خلفاء بني أمية ـ فلم يكونوا يتحاشون أن يرقصوا ويتجردوا ، ويحضروا عراة بحضرة الندماء والمغنين .

 وعلى ذلك لم يكن أحد منهم في مثل حال يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد في المجون والرفث بحضرة الندماء والتجرد ما يباليان ما صنعا ( 6 ) ».

 هذا نموذج من تبذل الامويين في اخلاقهم وفي دينهم ـ وهو شيء يمجه ـ دون شك ـ الذوق السليم ويأباه الخلق الرفيع ولا يجيزه الاسلام . هذا إذا كان المتبذل من عامة الناس .

 فكيف به إذا كان « خليفة المسلمين » و « أمير المؤمنين » ونائب رسول الله في تطبيق مبادئ الدين على شئون الحياة !!!

 لقد انغمس الامويون ـ باستثناء عمر بن عبد العزيز ـ بالموبقات إلى الاذقان « ومع ذلك فقد كان يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد أكثرهم تبذلا ـ على ما تروي كتب التاريخ والادب ـ . وحديث الاول منهما مع سلامة وحبابة معروف لدى الكثيرين .

ذكر المسعودي ( 7 ) إنه كان يغلب « على يزيد بن عبد الملك حب جارية يقال لها سلامة القس ، وكانت لسهيل بن عبد الرحمن بن عوف الزهري . فاشتراها يزيد بثلاثة آلاف دينار . فأعجب بها وغلبت على أمره .

 وفيها يقول عبد الله بن قيس الرقيات :

لقد فتن الدنيا وسلامة القسا *** فلم يتركا لقس عقلا ولا نفسا

 فاحتالت ام سعيد العثمانية ـ جدته ـ بشراء جارية يقال لها حبابة ـ قد كان في نفس يزيد بن عبد الملك قديما منها شيء . فغلبت عليه ووهب سلامة لام سعيد . فعذله مسلمة بن عبد الملك لما عم الناس من الظلم والجور باحتجابه وإقباله على الشرب واللهو ... فاظهر الاقلاع والندم . فغلظ ذلك على حبابة فبعث إلى الاحوص الشاعر ومبعد المغني : أنظرا ما أنتما صانعان !!

 فقال الاحوص : في أبيات له :

ألا لا تلمــــه اليــــــــــوم إن يتبلــدا *** فقــد غلب المحـــــزون ان يتجلــدا

إذا كنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى *** فكن حجرا من يابس الصخر جلــدا

فمــا العيش إلا مـــا تلــذ وتشتهــي *** وإن لام فيـــــه ذو الشنــان وفنــدا

وغناه معبد وأخذته حبابه فلما دخل عليها يزيد قالت ـ يا أمير المؤمنين ـ اسمع مني صوتا واحدا . ثم افعل ما بدا لك . وغنته . فلما فرغت منه جعل يردد قولها :

فما العيش إلا ما تلذ وتشتهي *** وعاد بعد ذلك إلى لهـوه ( 8 )

وذكر اسحق بن ابراهيم الموصلي قال حدثني ابن سلام قال ذكر يزيد قول الشاعر :

صفحنــا عـن بني ذهل *** وقلنا القوم إخــوان

عسى الايام أن يرجعـن*** قومـا كالذي كانــوا

فلمــا صــرح الشــــر *** فأمسـى وهو عريان

مشينـــا مشيـة الليث *** غـدا والليث غضبان

بضــرب فيــه توهين *** وتخضيع وإقــران

وطعـن كفـــم الـــزق *** وهـي والـزق ملآن

وفي الشــــر منجــاة *** حين لا ينجيك إحسان

 وهو شعر قديم يقال أنه للفند في حرب البسوس . فقال لحبابة غني به بحياتي ! فقالت يا أمير المؤمنين هذا شعر لا أعرف أحدا يغني به الا الاحول المكي . فقال نعم قد كنت سمعت ابن عائشة يعمل فيه ويترك .

 قالت إنما آخذه عن فلان بن أبي لهب وكان حسن الاداء . فوجه زيد إلى صاحب مكة : إذا أتاك كتابي هذا فادفع إلى فلان بن أبي لهب ألف دينار لنفقه طريقه وأحمله على ما شاء من دواي البريد . ففعل . فلما قدم عليه قال غن بشعر الفند . فغناه فأجاد وأحسن . وقال أعده فأعاده فأجاد وأحسن وأطرب يزيد . فقال له ممن أخذت هذا الغناء ؟ فقال يا أمير المؤمنين أخذته عن ابي ، وأخذه أبي عن أبيه ، فقال لو لم ترث إلا هذا الصوت لكان أبو لهب قد ورثكم خيراً كثيراً .

 فقال يا أمير المؤمنين إن أبا لهب مات كافرا مؤذيا لرسول الله .

 فقال قد اعلم ما تقول ، ولكن دخلتني له رقة إذ كان مجيد الغناء . ووصله وكساه ورده إلى بلده مكرما ...

 واعتلت حبابة فأقام يزيد أياما لا يظهر الناس . ثم ماتت فأقام اياما لا يدفنها جزعا عليها ... فقيل له إن الناس يتحدثون بجزعك وان الخلافة تجل عن ذلك . فدفنها واقام على قبرها فقال :

فان تسل عنك النفس او تدع الهوى *** فباليأس تسلوا النفس لا بالتجلد

   ثم أقام بعدها أياما قلائل ومات ...

 وحدث ابو عبد الله محمد بن ابراهيم عن أبيه عن اسحق الموصلي عن ابي الحويرث الثقفي قال : لما ماتت حبابة حزن عليها يزيد بن عبد الملك حزنا شديدا ، وضم إليه جويرية كانت تحدثها فكانت تخدمه . فشملت الجارية يوما :

كفى حزنا للهائم الصب أن يرى *** منــازل لمن يهوي مطلة ففرا

فبكى ... ولم تزل جويرية معه يتذكر بها حبابة حتى مات . »

 وفي معرض التحدث عن الوليد بن يزيد يقول صاحب الاغاني ( 9 ) أنه كان فاسقا خليعا متهما في دينه مرميا بالزندقة . وشاع ذلك من امره وظهر حتى أنكره الناس فقتل .

 وله اشعار تدل على خبثه وكفره .»     

 وكان الوليد وليا للعهد أثناء خلافة هشام .

وكان مكرما عنده « حتى طمع هشام في خلعه وعقد العهد لابنه مسلمة ... فولاه الحج ليظهر فسقه بالحرمين فيسقط . فحج الوليد وظهر منه فعل كثير مذموم . وتشاغل بالمغنين وبالشراب وأمر مولى له فحج بالناس ...

 فدعا هشام الناس إلى خلعه والبيعة لمسلمة ، وكان يكنى أبا شاكر ـ .

 وكتب هشام إلى الوليد : إنك ما تدع شيئا من المنكر إلا أتيته وارتكبته غير متحاش ولا مستتر . فليت شعري ما دينك ؟ ... فكتب إليه الوليد ـ معرضا بابنه مسلمة ـ  

أيهــا الســائل عـــن ديننــا *** نحــن على دين أبي شاكر

نشر بها صرفا وممزوجــة *** بالسخن أحيـــانا وبالفاتر ( 10 )

ومن طريف ما يرويه ( 11 ) الطبري عن الوليد أثناء توليته الحج انه عندما ولاه هشام الحج في عام 119 هـ حمل « معه كلابا في صناديق . فسقط منها صندوق ـ فيما يذكر علي بن محمد عمن سميت من شيوخه ـ عن البعير وفيه كلب ...

 وحمل الوليد معه قبة عملها على قدر الكعبة ليضعها على الكعبة . وحمل معه خمراً . وأراد أن ينصب القبة على الكعبة ويجلس فيها . فخوفه أصحابه وقالوا لا نأمن الناس علينا معك . فلم يحركها . »

ومن أقذر ما يؤثر عن الوليد أنه عندما سمع بنعي هشام ـ على ما يذكر ابن شبة ( 12 ) ـ قال « والله لا تلقين هذه النعمة بسكرة قبل الظهر وأنشأ يقول :

طــاب يومي ولذ شرب السلافـة *** إذ أتاني نعـي من بالرصافـة

وأتانـــا البريد ينعــــى هشـامــا *** واتـــانــا بـخـــــاتـم للخلافة

فاصطحبنا من خمر عانة صرفا *** ولهونــــا بقيـنـــــه عزافــة

واقذر من ذلك أنه قال ـ حين سمع صياحا «فسأل عنه فقيل له هذا من دار هشام يبكيه بناته »:

إنــي سمــعت بليــل *** وراء المصلى ـ برنه

إذ بـنــــــات هشــام *** يندبــــــن والدهـنــه

يندبــن قرمــا جليلا *** قــد كـــان يعضدهنه

أنــا المخنــث حقــا *** إن لــم أنـيـكـهنــــــه

ومن مجونه أيضا ـ على شرابه ـ قوله لساقيه :

أسقني يــا يزيد بالقرقاره *** قد طربنا وحنت الزماره

أسقني أسقني فان ذنوبي *** قد أحاطت فما لها كفاره

والخلاصة : فان الوليد ـ في معرض الغرام والتبذل ـ كان كما وصفه ابن عبد ربه ( 13 ) عاكفا « على البطالة وحب القيان والملاهي ، والشراب ومعاشقة النساء .

 فتعاشق سعدى ابنة سعيد بن عمرو بن عثمان بن عفان فتزوجها .

ثم تعاشق أختها سلمي . فطلق أختها سعدي وتزوج سلمي . فرجعت سعدي إلى المدينة فتزوجت بشر بن الوليد بن عبد الملك .

 ثم ندم الوليد على فراقها . وكلف بحبها . فدخل عليه أشعب المضحك . فقال له الوليد :

 هل لك على أن تبلغ سعدي مني رسالة ولك عشرون ألف درهم ؟ قال هاتها . فدعها إليه . فقبضها وقال ما رسالتك ؟ قال : إذا قدمت المدينة فأستأذن على سعدي وقل لها يقول لك الوليد :

أسعـدي ما إليك من سبيل *** ولا حتى القيامة من تلاق

بل ولعـل دهراً أن يؤاتـى *** بموت خليــك أو فـــــراق

فأتاها أشعب فقال يا سيدتي : أرسلني إليك الوليد برسالة . قالت : هاتها فأنشدها البيتين.

 فقالت : ما جرأك على مثل هذه الرسالة !! قال : إنها بعشرين ألفا معجلة مقبوضة . قالت : والله لأجلدنك أو لتبلغنه كما بلغتني !! قال فأجعلي لي جعلا. قالت : بساطي هذا .

 قال فقومي عنه . فقامت . فطواه وضمه ، ثم قال هاتي رسالتك فقالت قل له :

أتبكي على سعدي وأنت تركتها *** فقد ذهبت سعدي فما أنت صانع ؟

فلما بلغه الرسالة ـ هدده بالقتل ـ

 فقال أشعب: يا سيدي ما كنت لتعذب عينين نظرتا إلى سعدي . فضحك وخلى سبيله . » (14)

أما في معرض الشراب ـ فالوليد كان ـ بالإضافة إلى ذكرناه ـ كما وصفه علي بن عباس (15) حين قال :

 « إني عند الوليد بن يزيد في خلافته إذ أتى بابن شراعة من الكوفة . فو الله ما سأله عن نفسه ولا عن مسيره حتى قال له :

 يا ابن شراعة أنا والله ما ابعث اليك لا سألك عن كتاب الله وسنة رسوله. قال : لو سألتني عنهما لوجدتني حمارا !! قال : إنما أرسلت إليك لأسألك عن القهوة .

 قال : دهقانها الخبير ولقمانها الحكيم وطبيبها العليم قال :

 خبرني عن الشراب !! قال : يسال امير المؤمنين عما بدا له . قال :

 ما تقول في الماء ؟ قال لا بد لي منه . والحمار شريكي فيه . قال : ما تقول في اللبن ؟ قال ما رأيت قط إلا استحييت من أمي لطول ما أرضعتني به .

 قال ما تقول في السويق قال : شراب الحزين والمستعجل والمريض . قال :

 فنبيذ التمر ؟ قال سريع الإمتلاء سريع الانفشاش . قال فنبيذ الزبيب ؟ قال : حاموا به على الشراب . قال ما تقول في الخمر ؟ قال اواه تلك صديقة روحي .

 قال : وأنت ـ والله ـ صديق روحي ( 16 ) . »

وأما سبب قتله فقد رواه اسحق بن محمد الازرق حين قال: على ما يروي ابن عبد ربه ( 17 ) دخلت على منصور بن جهور الازدي ـ بعد قتل الوليد ابن يزيد ـ وعنده جاريتان من جواري الوليد . فقال لي : اسمع من هاتين الجاريتين ما يقولان . قالتا قد حدثناك !! قال حدثاه كما حدثتماني .

 قالت إحداهما : كنا أعز جواريه عنده . فنكح هذه وجاء المؤذنون يؤذنونه بالصلاة . فأخرجها ـ وهي سكرى جنبة ـ متلثمة فصلت بالناس . »

 ولا ندري فيما إذا كان من المستطاع ان يبلغ الاستهتار بالدين وبالأخلاق عند « خليفة المسلمين » حدا يتعدى ما وصل إليه عند الوليد !!

 ترى لماذا استهتر الامويون بالإسلام إلى هذا الحد ؟

 تارة بالخروج على تعاليمه ، وأخرى بقتل الداعين إلى إتباعه .

 وطورا عن طريق هدم الكعبة واستباحة المدينة الخ !!!

 أهو من باب التشفي من قتلاهم في عهد الرسول ؟

 ذلك ما نجنح إلى قبوله والتسليم بوجاهته .

 روى ابو خليفة ـ الفضل بن الحباب الجمحي القاضي ـ عن محمد بن سلام الجمحي « قال : حدثني رجل من شيوخ أهل الشام عن ابيه . قال :

 كنت سميرا للوليد بن يزيد فرأيت ابن عائشة القرشي عنده وقد قال له :

إنــي رأيت صبيحـــة النحــر *** حورا تفين عزيمة الصبر

مثــل الكـواكـب فـي مطالعها *** عنـد العشاء أطفن بالبدر

وخرجت أبغي الاجر محتسبا *** فرجعت موقورا من الوزر

فقال الوليد أحسنت والله ... أعد بحق عبد شمس . فأعاد .

 فقال : أحسنت والله أعد بحق أمية فأعاد .

 فجعل يتخطى من أب إلى أب ويأمره بالإعادة حتى بلغ نفسه .

 فقال أعد بحياتي . فأعاد . فقام إلى ابن عائشة فأكب عليه . ولم يبق عضوا من أعضائه إلا قبله . وأهوى إلى أيره .

 فجعل ابن عائشة يضم ذكره بين فخذيه . فقال الوليد ـ والله ـ لا زلت حتى أقبله . فقبل رأسه .

 وقال : واطرباه !! واطرباه !!

 نزع ثيابه فألقاها على ابن عائشة وبقى مجرداً إلى أن اتوه بثياب غيرها .

 ودعا بألف دينار فدفعت إليه . وحمله على بغلة وقال أركبها على بساطي وانصرف فقد تركتني على أحر من جمر الغضى ...

 قد كان ابن عائشة غنى بهذا الشعر يزيد بن عبد الملك ـ أباه ـ فاطربه وقيل : إنه ألحد وكفر في طربه ...

 وذكر محمد بن يزيد المبرد أن الوليد ألحد في شعر له ذكر فيه النبي وأن الوحي لم يأته من ربه .. ومن ذلك الشعر :

تلعب بالخلافـة هاشمــي *** بلا وحي أتاه ولا كتاب ( 18 ) »

3 ـ الزنى

من الموبقات التي كانت منتشرة بكثرة ، بين العرب في جاهليتهم . وقد حاربه الاسلام محاربة لا هوادة فيها ولا شفقة .وقد مر بنا ذكر بعض الآيات التي ورد فيها موقف الاسلام والصارم من هذا التصرف الفاسد . ولسنا في معرض التدليل على أخطار الزنى ومضاره ، القريبة والبعيدة ، المباشرة وغير المباشرة ، في الفرد وفي المجتمع الذي ينتمي إليه .

 ويكفي التدليل على ذلك : أن نتذكر أن الاسلام قرن الزنى بقتل النفس التي حرم الله ، فحرمه ومنعه ووضع عقوبة صارمة على من يتعاطاه .

 إستمع إلى ما جاء في سورة الانعام :

 }قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَوَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ{ [الأنعام/151].

 وجاء في سورة الاعراف :

 {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف/33].

 وفي سورة بني اسرائيل : {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء/32]. وقرنه القرآن ـ في موضع آخر ـ مع الشرك « وهو أكبر الموبقات بنظر الاسلام » فقال في سورة الفرقان : {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}  [الفرقان/68، 69]

 وبقدر ما يتعلق الامر بشيوع موبقة الزنى عند الامويين فإن بامكان الباحث ان يعثر على تأصله ـ في هذه الاسرة العربية الكريمة ـ منذ عهد الجاهلية ، عند رؤوس الاسرة من الرجال والنساء .

 فقد مر بنا وصف ما صنعه امية بن عبد شمس « وجد معاوية بن أبي سفيان » في الجاهلية عندما زوج إبنه عمرا إحدى نسائه في حياته فولدت ابا معيط .

 وقد ورث أبو سفيان عن جده هذه الخصلة الجاهلية .

 وحوادث زناه معروفة لدى الكثيرين ، نذكر منها ـ على سبيل التمثيل لا الحصر ـ علاقاته الجنسية بالنابغة والدة عمرو بن العاص ، وبسمية ام زياد .

 « فأما النابغة فقد ذكر الزمخشري في كتاب « ربيع الابرار » فقال :

 كانت النابغة ـ ام عمرو ـ أمة لرجل من عنزة . فسبيت .

 فأشتراها عبد الله بن جدعان التيمي بمكة . فكانت بغيا . ثم أعتقها .

 فوقع عليها أبو لهب وأمية بن خلف الجمحي وهشام بن المغيرة .

 وأبو سفيان والعاص بن وائل السهمي .. فولدت عمروا » . فأدعاه كل منهم فحكمت أمه فيه فقالت هو من العاص . فقال أبو سفيان :

 اما أني لا اشك أني وضعته في رحم أمه . فأبت الا العاص .

 فقيل لها : ابو سفيان أشرف نسبا . فقالت :

إن العاص كثير النفقة عليّ ...

 وفي ذالك يقول حسان بن ثابت لعمرو :

ابوك ابو سفيــان لا شــــك قد بـدت *** لنــــا فيك منــــه بينات الدلائــل

ففاخـــر به أمــا فخـــرت ولا تكـــن *** تفاخر بالعاص الهجيـن بن وائل

وإن التـي في ذاك يا عمـرو حكمت *** فقالت رجـــاء عنـــد ذاك لنـــائل

من العاص عمرو تخبر الناس كلما *** تجمعت الاقوام عند المحــــــافل ( 19 )

وأما علاقات أبي سفيان بسمية فاشهر من أن تذكر .

 فقد ذكر ابو مريم السلولي أنه جمع بين أبي سفيان وسمية على زنى .

 « وكانت سمية من ذوات الرايات بالطائف تؤدي الضريبة إلى الحرث ابن كلدة .

 وكانت تنزل في الموضع الذي ينزل فيه البغايا بالطائف ـ وخارجا عن الحضر ـ في محلة يقال لها حارة البغايا ( 20 ) . » وإلى هذا المعنى يشير يزبد بن مفرع الحميري في هجائه معاوية ( 21 ) :

ألا ابلــغ معاويـة بن حـرب *** مغلغلة مـن الرجل اليماني

أتغضب أن يقال أبوك عف *** وترضى أن يقال ابوك زان

فأشهـد أن رحمك من زياد *** كرحـم الفيل من ولد الإتان

أما أخبار الزنى عند الامويين بعد ذلك وبخاصة عند يزيد بن معاوية ويزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد فمشهورة .

 وقد ذكرنا طرفا منها عند البحث في الخمر .

 ذلك ما يتعلق بالزنى عند رجال الامويين .

 أما ما يتصل بالزنى عند نسائهم فيكفي أن نذكر حمامة ام ابي سفيان ـ جدة معاوية ـ التي كانت بغيا في الجاهلية وكانت صاحبة راية ، وهند ـ أم معاوية .

 والزرقاء : جدة مروان بن الحكم لأبيه . فقد كانت هند ـ على ما يذكر الرواة ـ تذكر في مكة بعهر وفجور .

 ذكر الزمخشري ( 22 ) أن معاوية كان مشكوكا في أبيه . فكان يعزي إلى أربعة :

 الى مسافر بن أبي عمرو .

 وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة .

 وإلى العباس بن عبد المطلب .

 والى الصباح مغن كان لعمارة بن الوليد بن المغيرة .

 وكان الصباح عسيفا ـ أجيرا ـ لأبي سفيان ، شابا وسيما . فدعته هند إلى نفسها فغشيها .

 وكان ابو سفيان دميما قصيراً .

وقيل : إن عتبة بن ابي سفيان من الصباح أيضا .

 وقيل أنها كرهت ان تدعه في منزلها فخرجت إلى اجياد فوضعته هناك .

 وفي هذا المعنى يقول حسان أيام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة الرسول قبل عام الفتح :

لمن الصبي بجانب البطحـاء *** فـي الترب ملقى غير ذي نهد

نجلــت بــــه بيضـــاء آنسة *** عن عبـــد شمس صلبـــة الخد

ومما تجدر الاشارة إليه في هذا الصدد ان ابن حجر العسقلاني ( 23 ) قد ذكر « إن معاوية كان طويلا أبيض . »

 وقد ذكرنا ان ابا سفيان على ما يصفه المؤرخون كان دميما قصيرا .

 وان الصباح ـ مغني عمارة بن الوليد بن المغيرة كان وسيما .

 فهل توجد علاقات ـ فسلجية ـ موروثة بين الصباح ومعاوية ؟

 وإذا كان الامر كذلك فإن العلم الحديث يلقي بعض الضوء على ما ذهب اليه المؤرخون في هذا الباب .

 وهناك روايات أخرى تتصل بعهر السيدة هند نذكر منها ما رواه أبو عبيدة معمر بن المثنى حين قال :

 إن السيدة « هند كانت تحت الفاكة بن المغيرة المخزومي ، وكان له بيت ضيافة يغشاه الناس ... فخلا ذلك البيت يوما فاضطجع فيه الفاكة وهند . ثم قام الفاكة وترك هند في البيت ـ لأمر عرض له . ثم عاد إلى البيت فاذا رجل خرج ...

 فأقبل الفاكه إلى هند فركلها برجله وقال : من الذي كان عندك ؟ فقالت :

لم يكن عندي أحد ، وإنما كنت نائمة . فقال : ألحقي بأهلك .

 فقامت من فورها الى اهلها وتكلم في ذلك الناس ( 24 ) .

 وأما الزرقاء ـ جدة مروان بن الحكم لأبيه ـ فهي بنت وهب .

 وكانت من ذوات الرايات التي يستدل بها على ثبوت البغاء ( 25 ) .

 وكان يقال لأولاد عبد الملك بن مروان : « أولاد الزرقاء » في معرض الذم .

4 ـ الغدر

وهو: صفة ممزوجة دينياً وإجتماعياً . ويتضمن الغدر ، في كثير من الاحيان جبن الشخص الذي يستعين به للإيقاع بخصومه ومناوئيه .

 وللغدر آثار خلقية سيئة ، وله إضرار مادية ومعنوية ، قريبة وبعيدة ، فردية وإجتماعية من الناحيتين المباشرة وغير المباشرة .

 وقد حرم الاسلام الغدر ونهى عنه. استمع إلى الآيتين التاليتين : سورة البقرة :

 }الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ{ [البقرة/27] .

وجاء في سورة الرعد :

 }وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّار{ [الرعد/25]

 لقد برزت ظاهرة الغدر في الاسرة الاموية بين النساء والرجال على السواء، ضد بعضهم بعضا أحيانا ، وضد غير الامويين أحيانا حسبما تستلزم الظروف السياسية القائمة .

غير ان الامويين ـ مع هذا لا يبعدون عن عصبيتهم الاموية في هذا الباب ، ومن الممكن أن تفسر خصوماتهم الداخلية بأنها ناتجة عن إختلافهم في أساليب تثبيت تلك العصبية . ومهما يكن من شيء فإن ظروف الحاكم الاموي القائم إذا استلزمت الغدر بأموي آخر ـ أو البطش به ـ فإنه يتراجع به إنتهاء مهمته تلك فيرعى ذوي الاموي المغضوب عليه .

 وفي التاريخ الاموي من ذلك شيء كثير: من ذلك مثلا موقف عبد الملك بن مروان من يحي وعنبسه ـ ابني سعيد ـ بعد أن قتل أخاهما عمرو بن سعيد الاشدق .

 فقد أمر عبد الملك بقتل يحي « فقام إليه أخوه عبد العزيز فقال : جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين اترك قاتلا بني أمية في يوم واحد . !! فأمر عبد الملك بيحي فحبس . ثم أتى بعنبسة بن سعيد . فأمر به أن يقتل . فقام إليه عبد العزيز فقال : أذكرك الله يا أمير المؤمنين في استئصال بني أمية وهلاكها !! فأمر بعنبسة فحبس ( 26 ) »

 فقد اعتبر عبد العزيز قتل يحي قتلا للأمويين فناشد أخاه ان يصفح عنه ففعل . وتظهر تلك العصبية كذلك في موقف عبد الملك بن مروان من أولاد عمرو ابن سعيد الاشدق . فقد وفد هؤلاء عليه ـ بعد مقتل أبيهم ـ ، فرق لهم رقة شديدة ... وقال : إن اباكم خبرني بين أن يقتلني أو أقتله ، وأما انتم فما أرغبني فيكم وأوصلني لقرابتكم وأرعاني لحقكم !! فأحسن جائزتهم ووصلوهم وقربهم ( 27 ) .

لقد مر بنا القول بأن صفة الغدر كانت متفشية بين الامويين من النساء والرجال على السواء وبقدر ما يتعلق الامر ، بالغدر عند النساء الامويات يمكننا ان نقول :

 لقد غدرت ام خالد ـ ابنة ابي هشام ـ ارملة يزيد بن معاوية بزوجها مروان بن الحكم فخنقته بالوسادة حتى قتلته . وتفصيل ذلك على ما رواه الطبري ( 28 ) :

 إن معاوية بن يزيد « عندما حضرته الوفاة أبى أن يستخلف أحداً . وكان حسان بن مالك بن بجدل ـ خال يزيد بن معاوية ـ يريد أن يجعل الامر بعد معاوية بن يزيد ، لأخيه : خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان .

 وكان خالد صغيرا . فبايع لمروان بن الحكم على ان يجعل الامر من بعده لخالد . فلما بايع لمروان وبايعه اهل الشام قيل لمروان تزوج ام خالد حتى تصغر شأنه فلا يطلب الخلافة . فتزوجها . فدخل خالد يوما على مروان وعنده جماعة كثيرة .

 فقال مروان لخالد تعال يا ابن الرطبة الاست ـ يقصر به ليسقطه من أعين اهل الشام ـ فرجع خالد إلى أمه فأخبرها . فقالت له : أنا اكفيكه ...

 ثم أن مروان نام عندها فغطته بالوسادة حتى قتلته . » ويحدثنا الطبري كذلك ( 29 ) عن منشأ العداوة بين عبد الملك بن مروان وعمرو بن سعيد الاشدق فيعزو. إلى حقد قديم منطو على الغدر الذي اتصفت به ام مروان بن الحكم ......

5 ـ الظلم

  وقد مر بنا ذكره ضمنا في النقاط السابقة . فالغدر والزنى وقتل النفس كلها امور تقع من الظلم في الصميم . والظلم ـ بمختلف صنوفه ـ من الموبقات التي حاربها الاسلام » .

 جاء في سورة الزمر :

 }وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ{  [الزمر/47].

 وذكر مسلم بأن عبيد الله بن زياد عاد معقل بن يسار المزني في مرضه الذي مات فيه . فقال معقل : إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله لو علمت ان لي حياة ما حدثتك :

 إني سمعت رسول الله يقول : ما من يسترعيه الله رعيته يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة . »

ولعل الحادثة التالية تكشف جانبا من جوانب الظلم عند الامويين :

 ذكر الطبري : عن ابي عبيدة « عن رؤية بن الحجاج قال :

 حج سليمان بن عبد الملك وحج الشعراء معه وحججت معهم . فلما كان بالمدينة راجعا تلقوه بنحو أربعمائة اسير من الروم . فقعد سليمان ...

 فقدم بطريقهم ـ فضرب عنقه ـ . وجعل سليمان يدفع البقية إلى الوجوه وإلى الناس يقتلونهم حتى دفع إلى جرير منهم فدست إليه بنو عبس سيفا في قراب أبيض . فضربه فأبان رأسه .

ودفع إلى الفرزدق أحد الاسرى فلم يجد سيفا . فدسوا له سيفا ددنا متيناً لا يقطع . فضرب به الاسير ضربات فلم يصنع شيئا . فضحك سليمان والقوم . وشمت الفرزدق بنو عبس ـ أخوال سليمان . فألقى السيف وأنشأ يقول ويعتذر إلى سليمان :

إن يـك سيف خــان او قـــدر أتـى *** بتأخير نفس حتفها غيــر شاهد

فسيف بني عبس وقد ضربوا به *** نبا بيدي ورقـاء عن راس خالد

كذلـك سيوف الهند تنبـو ظباتهـا *** وتقطــع أحيــــــانـا مناط القلائد ( 30 )

وإذا أمعنا النظر في قضية سليمان بن عبد الملك « خليفة » المسلمين مع أولئك الروم المساكين ـ الذين ساقهم سوء الطالع إلى الوقوع أسرى بين يديه ويبعث ـ ويمرح ـ بأرواح أولئك البشر .

 وإذا كان الذوق الانسان ـ والدين بالطبع ـ لا يستسيغان العبث ـ بهذا الشكل ـ بحياة الحيوان ، فكيف جاز « الخليفة » أن يفعل ذلك بالبشر !! ولكنها الاخلاق الاموية على كل حال .

 ويظهر ظلم الامويين ـ بأبشع اشكاله ـ في تصرفات ولاتهم القساة وفي مقدمتهم الحجاج بن يوسف الثقفي .

 وإلى القارئ هذا الجانب المخيف من تلك القسوة .

 كتب عبد الملك بن مروان (31) للحجاج أن يعرض أسرى دير الجماجم على السيف وقال له :

 فمن أقر منهم بالكفر بخروجه علينا فخل سبيله، ومن زعم أنه مؤمن فاضرب عنقه . ففعل . فلما عرضهم أتى بشيخ وشاب .

 فقال للشاب : أمؤمن أنت ام كافر ؟ قال بل كافر .

 فقال الحجاج لكن الشيخ لا يرضى بالكفر . فقال الشيخ أعن نفسي تخادعني يا حجاج !! والله لو كان شيء أعظم من الكفر لارتضيت به .

 فضحك الحجاج وخلى سبيلهما . ثم قدم إليه رجل فقال له على دين من أنت ؟ قال على دين ابراهيم حنيفا وما كان من المشركين . فقال أضربوا عنقه .

 ثم قدم آخر فقال له : على دين من أنت ؟ قال على دين ابيك الشيخ يوسف ... فقال : خل سبيله يا غلام، فلما خلى عنه انصرف إليه فقال له يا حجاج سألت صاحبي على دين من أنت فقال على دين ابراهيم حنيفا وما كان المشركين . فأمرت به فقتل .

 وسألتني على دين من انت فقلت : على دين أبيك الشيخ يوسف فأمرت بتخلية سبيلي !! والله لو لم يكن لأبيك من السيئات إلا أنه ولد مثلك لكفاه . فأمر به فقتل .. ثم أتى بعامر الشعبي ومطرب بن عبد الله بن الشخير وسعيد بن جبير ...

 فلما قدم له الشعبي قال : أكافر انت ام مسلم ؟ قال :

 أصلح الله الأمير بنا بنا المنزل واجدب بنا الجناب واستحلنا الخوف واكتحلنا السهر وخبطتنا فتنة لم نكن فيها بررة أتقياء ولا فجرة أقوياء .

 قال الحجاج صدق والله . خليا عنه .

 ثم قدم إليه مطرف بن عبد الله فقال له أكافر انت ام مؤمن ؟ قال :

 اصلح الله الامير إن من شهر العصا ونكث البيعة، وفارق الجماعة ، وأخاف المسلمين لجدير بالكفر فقال صدق . خليا عنه .

 ثم أتى بسعيد بن جبير . فقال له . أنت سعيد بن جبير ؟ قال نعم : قال لا بل شقي بن كسير . قال : أمي أعلم باسمي منك . فقال : شقيت وشقيت أمك . قال : الشقاء لأهل النار .

 قال اكافر انت ام مؤمن ؟ قال ما كفرت بالله منذ آمنت به . قال : أضربوا عنقه . »

 خبرونا على أي شيء يدل سلوك الحجاج وخليفته ؟!!

 هل الخروج على أئمة الكفر ـ لإرجاعهم إلى حضيرة الدين ـ كفر بالله ؟

يعاقب عليه بالقتل ؟ هل فعل الرسول ـ بأسرى قريش من المشركين، ما فعله الامويون بهؤلاء المسلمين ؟

 الواقع : إن تلك أمثلة ـ كسابقاتها ـ « يسند بعضها بعضا » تدل على جاهلية القوم وتمردهم على الدين .. ويلوح لي : إن أسرى دير الجماجم كان يتنازعهم خوف ذو جانبين :

 خوف من الله وخوف من « الوهية » الامويين ، والحجاج على حساب الله . وتنعكس الاية في الجانب الثاني . نقول :

 الوهية الحجاج والامويين ونحن غير متجنين عليهم .

 فقد مر بنا ما قاله عبد الملك للحجاج بشأن الاسرى : فمن أقر منهم بالكفر بخروجه علينا فخل سبيله . ومن زعم أنه مؤمن فاضرب عنقه . »

 وقد استلزم موقفهم من الله ان يطوحوا بحياتهم ، كما استلزم موقفهم من الطاغوت أن يطوحوا بدينهم وخلقهم . فاختار بعضهم الموقف الاول فعرضوا على السيف .

 وجنح آخرون نحو الموقف الثاني فأرتاح لهم الحجاج وعفا عنهم .

 كل ذلك والحجاج امير المسلمين يحكم بأسم « امير المؤمنين » نيابة عن رسول الله !! .

6 ـ شهادة الزور

  وهي : موبقة لا تقل شناعة عما سبقها . وقد استبشعها الاسلام ومنعها وعاقب عليها . ولشهادة الزور نتائج وخيمة ، مادية ومعنوية ، قريبة وبعيدة ، مباشرة وغير مباشرة . وتتعلق شهادة الزور ـ اشد التعلق ـ بالموبقات التي ذكرناها فتكون سببا لبعضها ونتيجة لبعض آخر . وفي معرض التحدث عن شهادة الزور قال مالك بن أنس (32) قيل لرسول الله ما الكبائر ؟ فقال : « الشرك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور . » أي ان شهادة الزور ـ بنظر النبي ـ كالشرك بالله ، وهو أعظم منكر في الاسلام وكقتل النفس التي حرم الله .

 ولم يتردد الامويون من الاستعانة بهذا السلاح ـ الخطر ـ للتنكيل بخصومهم لا لذنب إقترفوه بل لأنهم يطالبون الامويين ، الذين يحكمون باسم الدين ، الا يخرجوا عليه .

 ويرتكب الامويون ـ عند إستعانتهم بشهادة الزور ـ موبقتين في آن واحد : تلفيق الشهادة ، والعقاب على جرم ملفق .

 وفي تاريخ الامويين من ذلك الشيء كثير . ولعل أشهر شهادات الزور في التاريخ الاموي تلك الشهادة التي يلفقوها ضد حجر بن عدي وأصحابه، وإلى القارئ نصها (33) :

هذا ما شهد عليه أبو بردة بن أبي موسى الاشعري لله رب العالمين . شهد أن حجر بن عدي خلع الطاعة وفارق الجماعة . وجمع إليه الجموع يدعوهم إلى نكث البيعة وخلع امير المؤمنين ـ معاوية بن أبي سفيان ـ وكفر بالله عزوجل كفرة صلعاء .

 فقال زياد بن سمية : على مثل هذه الشهادة فأشهدوا .. فشهد اسحق بن طلحة ابن عبيد الله وموسى بن طلحة واسماعيل بن طلحة والمنذر بن الزبير والسري بن وقاص الحارثي ـ كتبت شهادته وهو غائب في عمله ـ ..

والهيثم بن الاسود النخعي ـ وكان يعتذر إليهم ـ ... وكتب في الشهود شريح بن الحارث القاضي وشريح بن هانئ الحارثي .

 فأما شريح القاضي فقال : سألني عن حجر فأخبرته أنه كان صواما قواما .

 وأما شريح بن هانئ الحارثي فكان يقول: ما شهدت . ولقد بلغني أن كتبت شهادتي فأكذبته ولمته . »

 فهل يجيز الخلق الكريم شهادة الزور ؟

 وهل يستسيغها الاسلام ؟ يهون الامر ـ على فظاعته ـ لو كان فاعله من عامة المسلمين . فكيف به وهو أمير من أمرائهم !!

 وفي هذه الشهادة تزوير مضاعف :

 فقد لفقت صيغتها بمجموعها كما لفقت شهادة من لم يكن حاضرا أثناء التلفيق .

 وقد لفق تلك الشهادة حاكم يزعم أنه يحكم باسم « خليفة السلمين » و « امير المؤمنين » الذي ينوب في حكمه عن رسول الله .

 أما الشهود ففي مقدمتهم ـ كما يلاحظ القارئ ـ : أبناء رجال يعتبرهم كثير من المسلمين من خيار صحابة الرسول . وقد قدم بعضهم شهادته الكاذبة ـ وأبوه ما زال حيا ـ ولم يمض على وفاة الرسول نصف قرن . فأبو بردة بن أبي موسى الاشعري بطل التحكيم الذي « خلع » معاوية يعتبر معاوية ـ الذي خلعه ابوه ـ اميرا للمؤمنين واسحق وموسى ، واسماعيل أبناء طلحة والمنذر بن الزبير يشهدون على حجر أنه خلع الطاعة وفارق الجماعة وجمع إليه الجموع ويدعوهم إلى نكث البيعة وخلع « امير المؤمنين » معاوية بن ابي سفيان .

وقد نسى السادة : اسحق وأخواه ـ موقف أبيهم طلحة من امام زمانه ونكثة البيعة وخروجه الى البصرة مع جمل السيدة عائشة ام المؤمنين .

 كما نسي المنذر موقف أبيه الزبير .

 وهذا من مفارقات التاريخ الاسلامي المملوء بالمفارقات ...

7 ـ نقض العهد

  وهو موبقة من أبشع الموبقات التي حاربها الاسلام لما يترتب عليها من فقدان الثقة بين الناس ومن نتائج مادية ومعنوية على جانب كبير من الوخامة والضرر .

 وتتجسم بشاعته إذا صدر من صاحب النفوذ ـ فكيف به إذا كان « اميرا » للمؤمنين !! ولهذه الموبقة علاقة وثقى بالموبقات التي ذكرناها .

 جاء في سورة الفرقان : « وأوفوا العهد إن العهد كان مسؤولا . »

 وذكر البخاري : بأسانيده المختلفة ( 34 ) عن حذيفة بن اليمان أنه « قال : ما منعني ان اشهد بدرا ، إلا أني خرجت أنا وأبي حيل . فأخذنا كفار قريش . فقالوا : إنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريده . نريد المدينة . فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه . فأتينا رسول الله فأخبرناه الخبر . فقال : إنصرفا . نفى لهم بعهدهم ونستعين الله عزوجل . »

 وقد ضرب الرسول للمسلمين أسمى مثل في المحافظة على العهد في القضية المذكورة . فقد أمر هذين الرجلين ـ اللذين ساقهما تفادي ما لا تحمد عقباه أن يعطيا ميثاقا للكفار بعدم الالتحاق بالنبي ـ بالمحافظة على ذلك الميثاق ـ للكفار الذين لا مواثيق عندهم ـ .

وفي وقت كان النبي أحوج ما يكون لنصرتها للمحافظة على بيضة الدين، غير أن « خلفاء » الامويين قد ساروا ـ كما جرت عادتهم ـ سيرا يناقض سير النبي تمام المناقضة .

 ويلوح للباحث أنهم ـ قد ورثوا ـ هذه الموبقة ـ من جاهليتهم كما ورثوا موبقاتهم الاخرى .

 ذكر ابن هشام ( 35 ) موقف ابي سفيان « عندما اسر المسلمون في بدر إبنه عمرا » من المسلمين الذين تعاهد معهم بعدم التعرض لهم والاعتداء عليهم . إذ بينما كان عمرو محبوسا في المدينة خرج سعد بن النعمان بن أكال « أخو بني عمرو بن عوف » معتمرا . وكان شيخا مسلما، فعدا عليه أبو سفيان فحبسه بابنه عمرو . وأنشد مفتخراً .

ارهط بن أكال أجيبوا دعـاءه *** تعاقدتـم لا تسلموا السيد الكهلا

فــــان بني عمرو لئـام أذلــة *** لئن لم يكفوا عن أسيرهم الكبلا

أما الامثلة الاخرى على نكث الامويين عهودهم وهم حكام المسلمين فكثيرة . وقد مر قسم كبير منها في الفقرات السابقة .

 ويلوح للباحث بأن الوفاء بالعهد ركن من أهم الاركان الخلقية التي بنى عليها الاسلام . فقد نص عليه القرآن ـ كما رأينا ـ .

 والتزم به رسول الله في أقواله وأفعاله على السواء .

 وفي تاريخ النبي أمثلة كثيرة تؤيد ما نقول . وقد مر بنا ذكر بعضها .

 أما الامثلة الاخرى فتشير إلى وفاء رسول الله بعهده للمسلمين والمشركين على السواء . ولا نظن أن موقفه في الحديبية ـ مع سهيل بن عمرو زعيم المشركين ـ غريب على كثير من القراء

 فقد اشترط سهيل ـ النبي كما هو معروف ـ « من جملة ما اشترط » أن يرد الرسول من يلتحق به من المشركين إلى أهله . ولا عكس .

 وقد وافق الرسول على ذلك . !! فأقبل أبو جندل ـ بن سهيل عمرو ـ يحمل في القيود . وكان أسلم فأشفق أبوه اين يلحق بمحمد فقيده . فأقبل ابو جندل حتى ألقى نفسه بين رجال المؤمنين وقال :

 أنشدكم الله والاسلام أن لا تردوني الى الكفار . فحماه ناس من أصحاب رسول الله فقال سهيل : للنبي أذكرك عهدك . فأمر رسول الله بابن سهيل ان يدفع إليه ( 36 ) . » ولم يغب وفاء الرسول بالعهد ـ وفق مستلزمات الاسلام ـ حتى عن ذهن خصومه .

 فهذا ابو سفيان ـ اشد خصوم النبي والاسلام ـ لم يستطع نكران ذلك عند محاورته مع هرقل حول النبي ـ خصمه اللدود ـ . قال الواقدي ( 37 ) : « وكان ابو سفيان عند هرقل في تجارة . فقال هرقل : يا ابا سفيان لقد كان يسرني ان القى رجل من اهل بلدك يخبرني عن هذا الرجل الذي خرج منكم .

 فقال ابو سفيان : على الخبير سقطت . سلني عما شئت من أمره .

 فقال هرقل : حدثني عنه ابني هو ام كذاب ؟ فقال ابو سفيان : هو كذاب . قال هرقل : ما الذي يأمركم به ؟ وما الذي ينهاكم عنه ؟

قال ابو سفيان : يأمرنا ان ننحني طرفي النهار كما تنحني النساء ، وأن نعطيه خراجا من اموالنا كل عام . وينهانا عن الميتة والدم ..

 قال هرقل : أخبرني هل يغدر إذا واثق ؟ قال ابو سفيان لا . ما غدر قط . »

8 ـ ولاة السوء

  استعان الامويون بطائفة ضخمة من الولاة القساة الفجرة في تصريف شئون المسلمين ( 38 ) . فكان هؤلاء لا يقلون ـ عن أسيادهم الامويين ـ جفاء لروح الدين وخروجا سافرا على مقاوماته وتعاليمه .

 وقد اشترك هؤلاء ـ مع الامويين ـ في جميع الموبقات التي ذكرناها بشكل مباشر أحيانا وبشكل غير مباشر أحيانا اخرى .

 واشهر هؤلاء الولاة ـ وهم كثيرون ـ عمرو بن العاص وزياد بن سمية والحجاج بن يوسف الثقفي .

 فعمرو وهو ابن العاص بن وائل السهمي «أحد المستهزئين برسول الله والمكاشفين له بالعداوة والبغضاء والاذى » .

 وكان العاص يدعى الابتر وفيه نزل قوله : « إن شانئك هو الابتر » .

 قال ابن اسحق : ( 39 )

 « وكان خباب بن الارت ـ صاحب رسول الله ـ قينا ، أي حدادا بمكة يعمل السيوف وكان قد باع من العاص بن وائل سيوفا عملها له . حتى اذا كان عليه مال فجاء يتقاضاه فقال له : يا خباب أليس يزعم محمد صاحبكم ـ هذا الذي انت على دينه ـ ان في الجنة ما ابتغى اهلها من ذهب او فضة او ثياب او خدم ؟

 قال خباب بلى . قال انظرني الى يوم القيامة يا خباب حتى ارجع الى تلك الدار فأقضيك هنالك حقك . فو الله : لا تكون انت ـ وصاحبك ـ يا خباب آثر عند الله مني .

 فأنزل الله فيه : }أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآَيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا (77) أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا (78) كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا{  [مريم/77-80].

 اما ام عمرو بن العاص فهي النابغة التي مر بنا ذكر جانب من فجورها وعهرها عندما تحدثنا عن ابي سفيان .

 وأما زوج عمرو فقد اتهمت هي الاخرى بالاجتماع على زنى مع عمارة ابن الوليد بن المغيرة ـ اخى خالد بن الوليد .

 فقد ذكر ذلك ابن اسحق في كتابه : عن عمارة بن الوليد وعمرو بن العاص ـ عند خروجها الى الحبشة للإيقاع بالمسلمين هناك ـ .

 وكان عمارة جميلا وسيما تهواه النساء . وهو صاحب محادثة لهن . فركبا البحر . ومع عمرو بن العاص امرأته . حتى إذا صاروا في البحر أصابا من خمر معما . فلما انتشى عمارة قال لامرأة عمرو بن العاص : قبليني .

 فقال لها عمرو قبلي بن عمك : فهويها عمارة وجعل يراودها عن نفسها . » ( 40 )

 وأما عمرو نفسه فقد كان اشد خصوم الرسول في بدر واحد .

وكان عمرو أحد الذين تعقبوا زينب بنت النبي حين خرجت مهاجرة ـ من مكة إلى المدينة ـ وقرعوا هودجها بكعوب رماحهم حتى اجهض جنينا ميتا من بعلها ابي العاص بن الربيع قبل إسلامه . وقد روى الواقدي وغيره من الرواة .

 إن عمروا هجا رسول الله واتهم بالتعاون مع آخرين امثال : عقبة بن ابي معيط كانوا يؤذون رسول الله بأيديهم ويلقون القاذورات في مصلاه والعوسج على رأسه .

 وعمرو هو القائل يوم أحد عندما حارب النبي في صفوف المشركين :

لما رأيت الحرب ينزو *** شرها بـالرضف نزوا

أيقنت ان المـوت حق *** والحيــاة تكــون لغوا

حملـت أثوابـــي على *** عتد يبذ الخيـل رهـوا

فلما يئس عمر، من الانتصار على النبي في الحرب لجأ إلى الغدر والدس والتواري عن الانظار.

 قال عمرو نفسه على ما يذكر ابن هشام ( 41 ) : « لما انصرفنا من الاحزاب عن الخندق جمعت رجالا من قريش كانوا يرون رأي ويسمعون مني فقلت لهم : إني أرى أمر محمد يعلو الامور علوا منكرا ... فأرى ان نلحق بالنجاشي فنكون عنده . فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشي . فإما ان نكون تحت يديه أحب الينا من ان نكون تحت يدي محمد فإن ظهر قومنا فنحن من عرفوا . »

 وكان عمرو من أكبر المؤلبين على عثمان بن عفان والمخذولين عن نصرته لأنه عزله عن ولاية مصر .

« فكان يؤلب الناس عليه ويحرضهم ما وسعه ذلك سرا . على أنه لم يتردد ان قال لعثمان جهرة في المسجد : إنك ركبت بالناس أمورا وركبناها معك فتب إلى الله نتب .

 وتلقى عثمان ذلك اسوأ لقاء . فلما اشتدت وعرف أنها منتهية إلى غايتها أثر ان يعتزلها في طورها ذاك . فخرج إلى أرض كان يملكها بفلسطين فأقام فيها يتنسم الاخبار .

 وكان عمرو وابناه على ما هم عليه بفلسطين حتى جاءهم النبأ بقتل عثمان . فقال عمرو لابنه عبد الله أنا ابوك ما حككت قرحة إلا أدميتها ـ يريد أنه مهد للفتنة والثورة بعثمان فأحكم التمهيد وانتهى الامر إلى غايته ( 42 ) . » ويحدثنا عمرو نفسه عن بعض ما فعله من التأليب على عثمان وهو في طريقه إلى فلسطين فيقول على ما يذكر البلاذري ( 43 ) :

 « والله أني كنت لألقى الراعي فأحرضه على عثمان . » أما موقفه الدنيء في التحكيم فلا يحتاج إلى شرح .

 فقد أغفل ابا موسى الاشعري ـ ابتداء ـ وألقى في روعه أن موضوع التحكيم ينحصر في تعيين خليفة للمسلمين ـ كأن خلع علي من الخلافة قد بات أمراً مفروغا .

 ولما اطمأن عمرو إلى ثبوت ذلك في ذهن ابي موسى جعل موضوع البحث ينحصر في الاتفاق على مرشح جديد .

ولما ظهر أنهما لم يتفقا على شخص معين طلب عمرو من أبي موسى ان يوجد حلا للخروج من ذلك المأزق الحرج الذي يتوقف عليه مصير المسلمين آنذاك .

 فتقدم ابو موسى باقتراح جديد ظنه كسبا له واندحارا لابن العاص . فقد خيل اليه انه سينتصر إذا ما وافق عمرو على « خلع » معاوية بعد أن بات على خلع « علي » أمرا متفقا عليه . فوافق عمرو ـ في الظاهر ـ على الفكرة وأغرى صاحبه أن يعلنها للناس . ثم عاد فغدر به . فبرز عمرو ـ في ذلك كله ـ بأبشع ما يبرز فيه الرجل من الخداع والدس والتدني عن مستويات الاخلاق الرفيعة .

 ومن طريف ما يروي عن عمرو قوله لعائشة . « كنت أود أنك قتلت يوم الجمل .

 قالت : ولم لا أبا لك !! قال كنت تموتين بأجلك وتدخلين الجنة ونجعلك أكبر التشنيع على علي بن أبي طالب . »

 و« روى ابن مزاحم قال : حدثني يحيى بن يعلى قال حدثني صباح المزني عن الحرث بن حصن عن زيد بن أبي رجاء عن أسماء بن حكيم الفزاري قال : كنا بصفين مع علي تحت راية عمار بن ياسر ارتفاع الضحى وقد استظللنا برداء أحمر إذ أقبل رجل يستقري الصف حتى انتهى الينا وقال :

 أيكم عمار بن ياسر ؟ فقال عمار : أنا عمار . قال ابو اليقظان ؟ قال نعم ـ قال إن لي اليك حاجة . قال : أفأنطق بها سرا او علانية ؟ قال اختر لنفسك ايهما شئت . قال . لا بل علانية . قال : فانطق بها . قال إني خرجت من اهلي مستبصرا حتى ليلتي هذه . فإني رأيت في منامي مناديا تقدم فأذن وشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ونادى بالصلاة ونادى مناديهم مثل ذلك . ثم اجتمعت الصلاة فصلينا صلاة واحدة وتلونا كتابا واحدا ودعونا دعوة واحدة .

فأدركني الشك في ليلتي هذه فبت بليلة لا يعلهما الا الله حتى اصحبت فأتيت امير المؤمنين فذكرت ذلك له . فقال : هل لقيت عمار بن ياسر ؟ قلت لا ..

 قال : فألقه فانظر ماذا يقول لك عمار فاتبعه . فجئتك لذلك .

 قال عمار : تعرف صاحب الراية السوداء المقابلة لي ؟ فإنها راية عمرو بن العاص قاتلها مع رسول الله ثلاث مرات وهذه الرابعة . فما هي بخيرهن ولا أبرهن بل شرهن وأفجرهن .

 أشهدت بدراُ واحداً ويوم حنين او شهدها اب لك فيخبرك عنها ؟ قال لا . قال : فإن مراكزنا اليوم على مراكز رايات رسول الله يوم بدر ويوم احد ويوم حنين ، وإن رايات هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الاحزاب .

 فهل ترى هذا المعسكر ومن فيه ؟

 والله لوددت ان جميع من فيه ممن مع معاوية يريد قتالنا مفارقا للذي نحن عليه كانوا خلقا واحدا فقطعته وذبحته . والله لدماؤهم جميعا أحل من دم عصفور .

 أفتراني بينت لك !! قال قد بينت لي. قال : فاختر أنى ذلك احببت . فانصرف الرجل فدعاه عمار ثم قال : اما إنهم سيضربونكم بأسيافهم حتى يرتاب المبطلون منكم فيقولوا لو لم يكونوا على حق ما أظهروا علينا . والله ما هم من الحق على ما يقذي عين ذباب . لو ضربونا بأسيافهم حتى يبلغونا سعفان هجر لعلمنا انا على حق وانهم على باطل ( 44 ) . »

أما زياد بن سمية والحجاج بن يوسف فلم يدركا النبي ليساهما في إيذائه . ولكنهما نالا من تعاليمه ودينه بقدر ما نال ابن العاص من شخصه الكريم .

 فقد عاث هذان الاميران الفاجران في الارض فسادا وعبثا بأرواح المسلمين وممتلكاتهم وعقائدهم .

 فقتلا من قتلا وحبسا ونفيا وعذبا من المسلمين عددا كبيرا .

 وقد مر بنا ذكر جانب من تصرفات ابن سمية وطرفا من سلوك امه التي كانت من ذوات الرايات .

 ذكر الطبري : أن زياد بن أبيه حينما كان واليا على البصرة « كان يؤخر صلاة العشاء .. ثم يأمر صاحب شرطته بالخروج فيخرج . ولا يرى إنسانا إلا قتله . قال : فلقى ليلة إعرابيا فأتى به زياداً فقال : هل سمعت النداء ؟ قال لا والله . قدمت بحلوبة لي وغشيني الليل فاضطررتها إلى موضع . فأقمت لأصبح ولا علم لي بما كان من الامر . قال : اضنك ـ والله ـ صادقا ولكن في قتلك صلاح هذه الامة . ثم أمر به فضربت عنقه .

 كان زياد اول من شد امر السلطان وأكد الملك لمعاونه والزم الناس لطاعته وتقدم في العقوبة وجرد السيف وأخذ بالظنة وعاقب على الشبهة ( 45 ) .

 والغريب في الامر إن ابسط العقوبات الشائعة في العهد الاموي هي القتل . وكان ينبغي ان تكون تلك العقوبة آخر العقوبات حسب تعاليم الدين والعرف السياسي الشائع . وأغرب من ذلك ان القتل كان يجري على التهمة ودون محاكمة او سماع لوجهة نظر المتهم .

ونود في ختام هذا الجانب من جوانب الدراسة ان نعرض على القارئ طرفا من تصرفات الحجاج الذي ملأ اسمه أسماع الناس مقرونا بالظلم والبغي والخروج على تعاليم الاسلام .

 هذا إلى ان الحجاج قد ساهم في جميع الموبقات الاموية التي ذكرناها ، وأسرف في قتل النفس التي حرم الله .

 « وكان الحجاج يخبر عن نفسه ان اكثر لذاته سفك الدماء وارتكاب امور لا يقدم عليها غيره ولا سبق إليها سواه ( 46 ) .

 وقد سأل الحجاج يوما بعض كتابه عن رأي الناس فيه فاستعفاه الكاتب فلم يعفه . « فقال : يقولون إنك علوم ، غشوم ؛ قتال ، عسوف ، كذاب ( 47 ) .

 وقد سأل يوما عبد الملك بن مروان ان يصف نفسه على حقيقتها .

 فقال اعفني يا امير المؤمنين : قال لتفعلن .

 قال : أنا لجوج ، حقود ، حسود .

 قال عبد الملك ما في الشيطان شر مما ذكرت ( 48 ) .

لقد مر بنا القول ان اسم الحجاج مقرون في العادة ـ عند كثير من الناس ـ بالشدة والقسوة المتناهيتين . حتى اصبح اسمه يضرب فيه المثل في اخذ الرعية بسياسة الشدة بإبشع صورها .

 وقد يخيل لبعض الناس ان هذه الشدة تدل على الرجولة والشجاعة . غير اني ارى انها تدل على الجبن والتخاذل . لان الشجاعة إنما تظهر عند الرجل في مواقفه مع من هم في منزلته « من الحياء والسطوة والنفوذ او القوة الجسمية » أو مع من هم فوقه في ذلك .

 أما ان يستعمل المرء ضروب القسوة والشدة مع من هم دونه ، في السطوة والنفوذ ، او مع العزل من الناس فأمر ان دل على شيء فإنما يدل على الخسة والجبن وضعة النفس ، خاصة إذا ما كانت مواقف ذلك الشخص ـ مع من هم أعلى منه ـ تنطوي على الجبن والتهافت .

 وإلى القارئ موقف الحجاج مع عبد الملك بن مروان في قضيتين هامتين :

 عندما اسرف الحجاج في قتل اسارى دير الجماجم وعلم بذلك عبد الملك بن مروان كتب اليه يزجره وذيل كتابه بالأبيات التهديدية التالية :

إذا أنت لـم تطـلب امورا كرهتهـا *** وتطلب رضائي بالذي انت طالبه

وتخشى الذي يخشاه مثلي هاربا *** إلـى الله منـه ضيع الدير حـــالبه

فـــإن ترمنــي غفلـــــة قرشيــة *** فيـا ربما قـد غص بالماء شـاربه

وإن ترمنـــي وثبــــة امـــــويـة *** فهذا وهــذا كـــل ذا أنـــا صاحبه

فـال لا تلمنـي والحوادث جـمــة *** فإنـــك مجـزي بمــا أنت كــاسبه

ولا تعد ما يأتيـك منــي وإن تعـد *** يقــوم بهـا يومــا عليــــك نـوادبه ( 49 )

والحجاج إنما اسرف في القتل خدمة للعرش الاموي لا شك في ذلك عنده او عند عبد الملك او عند الاخرين .

 فلما قرأ الحجاج كتاب عبد الملك أجابه متخاذلا متراجعا ذليلا متهافتا ، طفحت وضاعة نفسه على لسانه ، وذيل كتابه بالأبيات التالية :

إذا أنا لــــم اتبـع رضــــــاك واتــق *** أذاك فيومــي لا تـــــــزول كواكبـه

ومـا لا مـــرئ ـ بعـد الخليفة ـ جنة *** تقية مــن الامـــر الذي هو كاسبــه

أسالـم مــن سالمت من ذي قرابــة *** ومن لــم تسالمـــه فأنـــي محاربـه

إذا قــارف الحجــاج منـك خطيئــة *** فقـامت عليه فـــي الصيــاح نوادبه

إذا أنــا لـــم أدن الشفــق لنصحـه *** واقص الذي تسرى إلــــى عقاربــه

فمن ذا الـذي يرجو نوالي ويتقــي *** مصـــاولتــي والـــدهــر جم نوائبه

فقف بي على حد الرضا لا اجوزه *** مدى الدهر ـ حتى يرجع الدر حالبه

هناك ـ على ما يبدو ـ حجاجان . حجاج القسوة والشدة مع العزل والضعفاء والابرياء . والحجاج التخاذل والجبن مع القساة الفجرة من الحكام والامراء .

 حجاج « يرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها : يعصب الناس عصب السلمة حتى يذلوا ويضربهم ضرب غرائب الابل حتى يذروا العصيان وينقادوا »

 وحجاج آخر جبان متخاذل إذا لم يبع رضا الخليفة ويتق إذاه فليله لا تزول كواكبه . حجاج يقوله :

وما لأمرئ بعد الخليفة ـ جنة *** تقيه من الامر الذي هو كاسبه

حجاج يخاطب الخليفة متضرعا :

فقف بي على حد الرضــا لا أجـوزه *** مدى الدهر ـ حتى يرجع الدر حالبه

أما المثال الثاني ـ الذي يتخاذل الحجاج فيه امام سيده عبد الملك « بعد أن  تعالى وتجبر على فرد أعزل من رعاياه » فقد ذكره ابن الاثير ( 50 ) حين قال : فحين دخل على الحجاج أنس بن مالك قال له الحجاج : لا مرحبا ولا اهلا بك يا ابن الخبيثة ، شيخ ضلالة ، جوال في الفتن .. أما والله لا جردنك جرد القضيب ، ولأعصبك عصب السلمة ، ولأقلعنك قلعة الصمغة .

 فقال أنس : من يعني الامير ؟ قال إياك أعني أصم الله صداك . فرجع أنس فكتب إلى عبد الملك كتابا يشكو فيه الحجاج ...

 فكتب عبدالملك الى الحجاج : إنك عبد طمت بك الامور فعلوت حتى عدوت طورك ، وجاوزت قدرك . يا ابن المستضرمة بعجم الزبيب لأغمزنك غمزت كبعض غمزات الليوث والثعالب ، ولأخبطنك خبطة تود لها أنك رجعت في مخرجك من بطن أمك .

 أما تذكر حال آبائك في الطائف حيث كانوا ينقلون الحجارة على ظهورهم ويحتفرون الابار بأيديهم في أوديتهم ومياههم ؟ !

 أنسيت حال آبائك في اللؤم والدناءة ، في المروءة والخلق ؟ وقد بلغ امير المؤمنين الذي كان منك إلى انس بن مالك ...

 فعليك لعنة الله من عبد أخفش العينين ، أصك الرجلين ، ممسوح الجاعرتين ...

 أكرم أنسا واهل بيته ، واعرف حقه ولا تقصر في شيء من حوائجه .

 وبعث بالكتاب مع اسماعيل بن عبد الله « مولى بني مخزوم ، فأتى اسماعيل بكتاب امير المؤمنين فقرأه. وأتى الحجاج بالكتاب إليه فجعل يقرؤه ووجهه يتغير وجبينه يرشح عرقا ويقول : يغفر الله لأمير المؤمنين . ثم اجتمع بأنس . فرحب الحجاج به واعتذر اليه . »

ونود أن نختم هذا البحث بعرض آراء طائفة من أجلة المسلمين في « تزكية » الحجاج . قال ابن عبد ربه :  « حدثنا هشام بن يحيى عن أبيه قال : حدثنا عمر بن عبد العزيز قال : لو جاءت كل أمة بمناقبها وجئنا بالحجاج لفضلناهم . »

 وذكر ميمون بن مهران عن الاجلح « قال : قلت للشعبي يزعم الناس ان الحجاج مؤمن !! قال مؤمن !! بالجبت والطاغوت كافر بالله .

 وقال علي بن عبد العزيز عن اسحق بن يحيى عن الاعمش قال :

 اختلفوا في فقالوا بمن ترضون ؟ قالوا بمجاهد . فأتوه فقالوا إنا اختلفنا في الحجاج .

 فقال أجئتم تسألونني عن الشيخ الكافر !!!

 وقال محمد بن كثير عن الاوزاعي قال : سمعت القاسم بن محمد يقول :

 كان الحجاج بن يوسف ينقض عرى الاسلام عروة عروة . » .

____________

(1) مقدمة ابن خلدون ص 307 .

(2) يلاحظ أن الله لعن هؤلاء فأوجب بذلك على المسلمين لعنهم وقد ورد ذلك في أكثر من موضع في القرآن ، راجع سورة النساء ـ في موضعين ـ ، وسورة المائدة وهود ـ في موضعين وسورة الحجر وسورة ص ، وسورة محمد .

(3) صحيح مسلم : 1 49 .

(4) الجاحظ « التاج في أخلاق الملوك » ص 151 ـ 154 .

(5) المصدر نفسه » ص 21 ـ 30 .

(6) الجاحظ « التاج في أخلاق الملوك » ص 32 .

(7) مروج الذهب ومعادن الجوهر | 3 | 131 ـ 134 .

(8) ومن طريف ما يروي عن يزيد بن عبد الملك أن حبابة غنته يوما :

          بين التراقي واللهاة حرارة *** ما تطئن ولا تسوغ فتبرد

فأهوى يزيد ليطير . فقالت يا أمير المؤمنين لنا بك حاجة . فقال والله لأطيرن .. وقد قورن موقفه هذا بموقف أبيه عندما خاطب زوجته عاتكة « لما أرادت منعه من الخروج إلى قتال مصعب بن الزبير » قائلا قاتل الله كثير عزة كأنه شاهد هذا حين قال :

إذا ما أراد الغزو لـم يثن همــه *** حصــان عليهـا تظم در يزينها

نهتـه فلما لم تر النهــي نافعــا *** بكت فبكى ـ مما شجاها ـ قطينها

(9) الاصبهاني « الأغاني » 6 | 99 ـ 106 .

(9) فغضب هشام على ابنه مسلمة . فأغرى مسلمة شاعرا يمدحه فقال :

أيها السائــل عن ديننا *** نحن على دين أبي شاكر

الواهب البـزل بارسانها *** ليس بزنديـق ولا كافر

(10) تاريخ الامم والملوك | 7 | 289 .

(12) الاغاني | 6 | 105 ـ 106 .

(13) العقد الفريد 4 | 181 .

(14) ابن عبد ربه العقد الفريد 3 | 184 .

(15) ويروي أن الوليد قال : ـ في سلمى ـ قبل تزويجه بها ـ .

لعل الله يجمعنــي بسلمى *** اليس الله يفعل ما يشــاء !!

ويأتي بي ويطرحني عليها *** فيوقظنـي وقد قضى القضاء

ويرسل ديمـة من بعد هذا *** فتفسلنـا وليس بنا عنــاء

(16) « أمير المؤمنين » يستفسر عن مراتب الشراب وأوصافه ، وليس له حاجة ـ باعترافه ـ أن يستفسر عن الكتاب او السنة . يفعل ذلك على مرأى ومسمع من المسلمين .

(17) العقد الفريد 3 | 161 .

(18) المسعودي ، مروج الذهب 3 | 149 . ومما يحكي ان الوليد استفتح فالا في المصحف فخرج : واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد . فألقى المصحف ورماه بالسهام وأنشد :

تهددني بجبــار عنيـد *** وهـا أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر *** فقـل يا رب مزقني الوليد

(19) ابن ابي الحديد : شرح نهج البلاغة 2 | 100 ـ 101 الطبعة الاولى بمصر .

(20) المسعودي ، « مروج الذهب ومعادن الجوهر » ، | 2 | 310 ـ 312 .

(21) ابن الاثير « الكامل في التاريخ » 3 | 257 . ومن طريف ما يروى عن ابن مفرغ هذا أنه كان مع عباد بن زياد بن سمية بسجستان فانشغل عنه بحرب الترك فاستبطأه ابن مفرغ ، وأصاب الجند الذي مع عباد ضيق في علوفات دوابهم . فقال ابن مفرغ :

ألا ليت اللحى كانت حشيشا *** فنعلفـهـا دواب المسلمينـا

وكان عباد عظيم اللحية فقيل له ما أراد غيرك . فطلبه فهرب وهجاء :

إذا أودى معاوية بن حرب *** فبشر شعب رحلك بالصداع

وأشهد أن أمك لم تباشــر *** أبا سفيــان واضعة القناع

ولكن كان أمرا فيــه لبس *** على وجــل شديد وارتياع

(22) ابن ابي الحديد ، « شرح نهج البلاغة » 1 | 110 ـ 113 الطبعة الاولى .

(23) الاصابة في تميز الصحابة 3 | 412 .

(24) ابن ابي الحديد « شرح نهج البلاغة » 1 | 313 الطبعة الاولى .

(25) ابن الاثير ، « الكامل في التاريخ » 2 | 3 . تلك جدة عبد الملك ومواقف جده وأبيه من النبي معروفة . أما جده لأمه فهو ـ أبو عائشة ـ معاوية بن المغيرة بن أبي العاص الذي جدع أنف حمزة في أحد ومثل به . راجع المقريزي ، النزاع والتخاصم ص 20 .

(26) الطبري : « تاريخ الامم والملوك » 7 | 178 .

(27) تاريخ الامم والملوك 7 | 180 .

(28) تاريخ الامم والملوك 7 | 83 ـ 84 .

(29) المصدر نفسه : 7 | 180 .

(30) ورقاء بن زهير ـ من جذيمة العبسي ـ ضرب خالد بن جعفر بن كلاب ، وخالد مكب على أبيه زهير فسد ضربه بالسيف وصرعه . فأقبل ورقاء بن زهير فضرب خالدا فلم يصنع شيئا : فقال ورقاء :

رأيت زهيـرا تحت كلكل خالد *** فأقبلت أعسـى كالعجول أبادر

فشلت يميني يوم أضرب خالدا *** ويحصنه مني الحديد المظاهر

راجع الطبري : « تاريخ الامم والملوك » | 8 | 127 .

(31) ابن عبد ربه « العقد الفريد » 3 | 256 ـ 257 .

(32) صحيح مسلم بن الحجاج : 1 | 49 .

(33) الطبري ، تاريخ الامم والملوك 6 | 149 ـ 155 .

(34) صحيح البخاري 2 | 89 .

(35) سيرة النبي محمد 2 | 294 .

(36) الواقدي « مغازي رسول الله » ص 310 .

(37) المصدر نفسه ص 223 .

(38) أما القواد الذين اعتمد عليهم الامويون فقد كانوا اشد من الولاة واقسى . وقد مر بنا طرف من اخبارهم وخاصة بسر بن أرطأة .

(39) ابن هشام « سيرة النبي محمد » 1 | 380 .

(40) ابن ابي الحديد ، « شرح نهج البلاغة » 2 | 107 الطبعة الاولى بمصر .

(41) سيرة النبي محمد 3 | 317 .

(42) الدكتور طه حسين : « الفتنة الكبرى » : علي وبنوه ص 67 ـ 68 .

(43) أنساب الاشراف : 5 | 74 .

(44) ابن ابي الحديد : « شرح نهج البلاغة » 1 | 506 . لقد ضرب عمار ـ في ذلك أروع مثال في التضحية في سبيل الاسلام وجهاد الخارجين عليه . وقد مر بنا ذكر صور أخرى من ذلك في مقدمة الكتاب .

(45) « تاريخ الامم والملوك 7 | 217 .

(46) المسعودي : « مروج الذهب » 3 | 67 . ومن الطريف ان نذكر هنا ان ظلم الرعية من اسهل الامور التي يستطيع ان يقوم بها الحاكم إذا توافرت لديه عناصر القوة في جهازه الحكومي . وأن غالبية الناس ـ في العادة ـ يتحملون الذل ويألفون الانقياد تفاديا التعذيب او القتل . وإذا رأينا بعض الحكام لا يميلون الى الشدة ـ رغم توافر الامكانيات المادية لاستعمالها ـ فان مرد ذلك على ما نرى . ليس هو الخوف من الرعية و من انتفاضها بقدر ما هو الخوف من وخز الضمير وعقاب النفس .

(47) الجهشياري : « الكتاب والوزراء » ص 42 .

(48) ابن قتيبة : « عيون الاخبار » مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة . الطبعة الاولى .

(49) المسعودي : « مروج الذهب ومعادن الجوهر » 3 | 74 ـ 76 .

(50) الكامل في التاريخ 4 | 39 .