المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9093 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
{ان أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه}
2024-10-31
{ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا}
2024-10-31
أكان إبراهيم يهوديا او نصرانيا
2024-10-31
{ قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله}
2024-10-31
المباهلة
2024-10-31
التضاريس في الوطن العربي
2024-10-31



مصطلح الأربعين في الثقافة الشيعيّة  
  
275   11:54 مساءً   التاريخ: 2024-08-22
المؤلف : السيد محمد محسن الطهراني
الكتاب أو المصدر : الأربعين في التراث الشيعية
الجزء والصفحة : ص31-55
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /

بسم الله الرحمن الرحيم‏

وقع معنى «الأربعين» و مفهومه -في جميع هويّاته المتفاوتة و مصاديقه الخارجيّة- محطّا للبحث و النظر، بين سائر الأقوام و الملل المختلفة و الأديان منذ قديم الزمان؛ و لكلّ قوم و أمّة من حيث ثقافتها أنس خاصّ بهذا المصطلح -تقريبا- و ألفة معيّنة معه. و بعبارة أخرى: تمثّل هذه العبارة رفيقا حميما لآداب أيّة مدرسة و أدبيات أيّ منهج، و حسب قول الخواجة الشيرازيّ:

فهذا المصطلح قد ترك بصماته على مساحة واسعة جدّا؛ فقد وجد و تداول ضمن دائرة العقائد الساذجة و مناهج العوام، وصولا إلى أعلى اللطائف و أدقّ الإشارات و أحذقها، و ذلك ضمن عبارات أصحاب المقام الرفيع من ذوي الكشف و أهل المعنى و العرفان.

 هناك آثار تكوينيّة و تشريعيّة لعدد الأربعين في الثقافة الإسلاميّة

و في الثقافة الإسلاميّة أيضا، كان لهذه الكلمة مكانة خاصّة في موارد متعدّدة -سواء في المسائل و الأحكام الفقهيّة، أم المباحث الأخلاقيّة و المطالب العرفانيّة أو المباني الاعتقاديّة- بنحو يمكن أن يدّعى وجود نوع ارتباط تكوينيّ و تشريعيّ لهذا المفهوم في الثقافة الإسلاميّة، و هذه العلاقة و الارتباط يمكن أن يقعا مورد بحث في كلّ من الميدانين: التكوينيّ و التشريعيّ؛ و بعبارة أخرى: إنّ حقيقة هذا المفهوم و عينيّته الخارجيّة تحاكي عمليّة الإفاضة و النزول إلى عالم الكثرة و التربية، قد أبرزها الشارع المقدّس بصورة سلسلة من الأحكام و القوانين التكليفيّة أو السلوكيّة و التربويّة النفسانيّة.

فبالنسبة لخلقة آدم أبي البشر، جاءت هذه الحقيقة كمبيّن للحيثيّات الاستكماليّة و الفعليّة لمقام خلافته الإلهيّة، كما في كتاب إحياء العلوم حيث يروي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أنّه قال:

إنّ الله خمّر طينة آدم بيده أربعين صباحا[1].

و كذلك ما جاء برواية مرصاد العباد:

خمّرت طينة آدم بيدي أربعين صباحا[2].

و في كتاب عوارف المعارف يقول كذلك:

فمن التراب كوّنه و أربعين صباحا خمّر طينته‏ ليبعد بالتخمير أربعين صباحا بأربعين حجابا من الحضرة الإلهيّة، كلّ حجاب هو معنى مودع فيه، يصلح به لعمارة الدنيا و يتعوّق به عن الحضرة الإلهيّة و مواطن القرب‏[3].

إذا، خلق الله تعالى الإنسان من التراب، و شرّف طينته بأن عمل على إعدادها مدّة أربعين يوما، حتّى أوجد فيه -بواسطة ذلك- أربعين حجابا من مراتب أسمائه و صفاته، و بذلك صار حائزا على مراتب الوحدة في عين الكثرة، و صار جامعا بين نقطتي الأحديّة و الواحديّة. و مع عين القرب و الانمحاء و الفناء في الذات البحتة و الصرفة للحضرة الأحديّة، صار متّصفا باجتماع الآثار المتكثرة و مجمعا لصفات حضرة ربّ الأرباب. و بذلك، صار هبوطه مبرّرا، و أصبح لائقا للورود في عالم المادّة و التوطّن فيه، و مع حفظ الربط و الانتساب إلى الحضرة الإلهيّة فإنّ مراتب الكثرة و الفعليّة تتحقّق فيه.

الإنسان يصل إلي مرحلة البلوغ العقلاني في سنّ الأربعين

و تلاحظ هذه النكتة في مسألة تكامل العقلانيّة لدى الإنسان، و ذلك بعد بلوغه سنّ الأربعين من العمر في عالم الدنيا، و القرآن الكريم يشير إلى هذه المسألة فيقول:

﴿حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَ عَلى‏ والِدَيَّ وَ أَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَ أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَ إِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾‏[4].

تعتبر هذه الآية الشريفة أنّ بلوغ الإنسان مرتبة الرشد العقليّ و الاستقامة النفسيّة في جادّة التدبير، و رعاية المصالح و المفاسد، إنّما يتحقّق في سنّ الأربعين من العمر.

و بعد ذلك يأخذ الإنسان من تجاربه و ذخائره السابقة، فيستفيد منها لاستكمال روحه و طيّ طريق السعادة و الصلاح، دون أن يضاف إليه سعة و ظرفيّة و عقلانيّة جديدة.

و لهذا يروي في الخصال عن الإمام الصّادق عليه السلام فيقول:

إنّ العبد لفي فسحة من أمره ما بينه و بين أربعين سنة؛ فإذا بلغ أربعين سنة أوحى الله عزّ و جلّ إلى ملائكته: إنّي قد عمّرت عبدي عمرا فغلّظا و شدّدا و تحفّظا، و اكتبا عليه قليل عمله و كثيره و صغيره و كبيره‏[5].

أي إنّ العبد يقع محلّا لعفو مولاه و مغفرته حتّى سنّ‏ الأربعين؛ و حينما يبلغ هذا السنّ يوحي الله إلى الملكين «رقيب» و «عتيد» الموكّلين بأعماله و أفعاله. و يخاطبهما: إنّي قد عمّرت عبدي عمرا كافيا لكسب المعرفة، و وصوله إلى مرحلة بلوغه العقلي، فمن الآن ليس هناك تهاون بالنسبة لضبط أعماله و أفعاله، شدّدا و غلّظا عليه و اضبطا كلّ شي‏ء يصدر منه كثيره و قليله.

و ورد نظير هذه الرواية أيضا في كتاب الخصال عن الإمام الصّادق عليه السلام:

إذا بلغ العبد ثلاثا و ثلاثين سنة فقد بلغ أشدّه، و إذا بلغ أربعين سنة فقد بلغ منتهاه‏[6].

و حيث أنّه لم يحصّل على استعداد الصلاح و الهداية إلى سنّ الأربعين، فسوف يصعب عليه بلوغ مرحلة الفوز و السعادة؛ كما قد صرّح بذلك في كتب الشيعة، و كذلك في كتاب إحياء العلوم أنّه:

إذا بلغ الرجل أربعين سنة و لم يتب مسح الشيطان وجهه بيده و قال: بأبي وجه من لا يفلح![7]

لا تقبل صلاة شارب الخمر حتّى أربعين يوما

كذلك هناك رواية عن الإمام الرضا عليه السلام قد أوردها المرحوم الصدوق في كتاب علل الشرائع:

عن الحسين بن خالد قال: قلت للرّضا عليه السلام: إنّا روينا عن النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم: أنّ من شرب الخمر لم تحسب صلاته أربعين صباحا. فقال: صدقوا، فقلت: و كيف لا تحسب صلاته أربعين صباحا لا أقلّ من ذلك و لا أكثر؟ قال: لأنّ الله تبارك و تعالى قدّر خلق الإنسان فصيّر النطفة أربعين يوما، ثمّ نقلها فصيّرها علقة أربعين يوما، ثمّ نقلها فصيّرها مضغة أربعين يوما، و هكذا إذا شرب الخمر بقيت في مثانته على قدر ما خلق منه، و كذلك يجتمع غذاؤه و أكله و شربه تبقى في مثانته أربعين يوما[8].

و نستفيد من هذا البيان: أنّ عمليّة هضم المأكولات و جذبها في بدن الإنسان، و استفادة الأعضاء و الجوارح منها، ثمّ مرحلة دفعها، كلّ ذلك يستغرق أربعين يوما، و حيث أنّ وظيفة الكلية دفع الموادّ الزائدة عن حدّ الاستفادة و كذلك بعد الاستفادة، فإنّ هذه المواد بواسطة عمل الكلى‏ تتجمّع في المثانة، لذلك يمكن أن يقال: إنّ الغذاء الذي يستفيد منه الإنسان، يتجمّع لمدّة أربعين يوما في مكان واحد، ثمّ تتمّ عمليّة الجمع و الدفع بشكل تدريجيّ؛ و على هذا الأساس، فإنّ الشخص الذي ما زالت آثار الخمر في بدنه سوف لا يقبل الله صلاته.

من يغتب مسلما لا تقبل صلاته و لا صومه إلى أربعين يوما

و كذلك نقل نظير هذه الرواية في جامع الأخبار عن رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم أنّه قال:

من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله تعالى صلاته و لا صيامه أربعين يوما و ليلة إلّا أن يغفر له صاحبه‏[9].

و في مقابل ذلك، فإنّ لهذا العدد تأثيرا معنويا و ملكوتيّا في العديد من الحالات، و سوف تتمّ الإشارة إلى بعضها، فقد جاء في كثير من الروايات أنّه:

قراءة الحمد أربعين مرّة على الماء تشفي من الحمّى‏

من قرأ الحمد أربعين مرّة في الماء ثمّ يصبّ على المحموم، شفاه الله‏[10].

شهادة أربعين مؤمن على جنازة المسلم توجب المغفرة له‏

و كذلك في الخصال بإسناده المتّصل عن عبد الله بن مسكان عن الإمام الصّادق عليه السلام يروي أنّه قال:

إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا: اللهمّ إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا و أنت أعلم به منّا! قال الله تبارك و تعالى: إنّي قد أجزت شهادتكم و غفرت له ما علمت ممّا لا تعلمون‏[11].

و كذلك يروي في كتاب عدّة الداعي عن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه قال:

كان في بني إسرائيل عابد فأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام أنّه مراء، قال: ثمّ إنّه مات، فلم يشهد جنازته داود عليه السلام، قال: فقام أربعون من بني إسرائيل فقالوا: اللهمّ إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا و أنت أعلم به منّا فاغفر له! قال: فلمّا غسّل أتى أربعون غير الأربعين الأول و قالوا: اللهمّ إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا و أنت أعلم به منّا فاغفر له! فلمّا وضع في قبره قام أربعون غيرهم فقالوا:

اللهم إنّا لا نعلم منه إلّا خيرا و أنت أعلم به منّا فاغفر له! قال: فأوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام: ما منعك أن تصلّي عليه؟ فقال داود: بالذي أخبرتني من أنّه مراء، قال:

فأوحى الله إليه أنّه شهد له قوم فأجزت لهم شهادتهم‏

و غفرت له ما علمت ممّا لا يعلمون‏[12].

و كذلك يمكن أن نشاهد خصوصيّة آثار هذا العدد في المسائل الأخلاقيّة و الآداب الشرعيّة و الحقوق الإسلاميّة، كما يروي المرحوم الكلينيّ بإسناده إلى الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال:

حدّ الجار إلى أربعين منزل من كلّ جهة

حدّ الجوار أربعون دارا من كلّ جانب: من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله‏[13].

و في رواية أخرى يروي عقبة بن خالد عن الإمام الصّادق عليه السلام أنّه قال:

قال أمير المؤمنين: حريم المسجد أربعون ذراعا و الجوار أربعون دار من أربعة جوانبها[14].

و أمّا على صعيد الأمور العباديّة و المسائل السلوكيّة و الروحانيّة، و كيفيّة تأثير العدد في الارتقاء المعنويّ و كسب الفضائل الروحيّة، و العبور عن مقامات النفس، فهناك مطالب لا تسعها طاقة هذا الكتاب المختصر، و لكلّ من الفريقين آراء و أحاديث و إشارات تتعلّق بذلك، و سوف نشير إلى بعضها فيما يأتي.

ينقل في البحار عن تفسير عليّ بن إبراهيم، ... إلى المحلّ الذي يقول فيه:

انقطاع الوحي عن رسول اللّه مدّة أربعين يوما

أتى جماعة من اليهود إلى أبي طالب و قالوا: يا أبا طالب! إنّ ابن أخيك يزعم أنّ خبر السماء يأتيه، و نحن نسأله عن مسائل، فإن أجابنا عنها علمنا أنّه صادق، و إن لم يخبرنا علمنا أنّه كاذب، فقال أبو طالب: سلوه عمّا بدا لكم، فسألوه عن الثلاث مسائل، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم: غدا أخبركم، و لم يستثن، فاحتبس الوحي عنه أربعين يوما حتّى اغتمّ النبيّ صلّى الله عليه و آله و سلّم، و شكّ أصحابه الذين كانوا آمنوا به ..[15].

و المراد بقوله «و لم يستثن»: أنّه لم يقل: إن شاء الله، لذلك فإنّ الله تعالى قطع الوحي عن رسول اللّه أربعين يوما، حتّى أصيب النبيّ بالغمّ و انكسار القلب، و أثّر ذلك على أصحابه فشكّوا فيه و برسالته ...

و هذه الرواية تفيد أنّه حتّى مع كون النفس المباركة لرسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم قد وصلت إلى مرحلة الوحي، و تلقّي المعاني و الحقائق الربوبيّة من قبل الله، إلّا أنّ حقيقة التوحيد و ظهورها بتمام معنى الكلمة -بحيث يكون لها في عين انحفاظ هويّتها في مقام الجامعيّة و الكثرة، انسجام و ائتلاف كامل- لم تتحقّق بعد. فانقطاع الوحي مدّة أربعين يوما، كان في الواقع تنبيها و إيقاظا للنبيّ، كي لا يغفل عن الارتباط بالمقام الربوبيّ، و لا يسهو عن أنّ تلقّي الوحي بشكل مستمرّ إنّما يتنزّل من مبدئه و أصل منشئه، و أنّ إرادة الله سارية و جارية في جميع الظروف و كلّ العوالم الربوبيّة، و كي لا يصبح هذا الأصل -لا قدّر الله- كحالة عاديّة، و يكون هناك توقّع زائد على أصل العبوديّة، أو يشعر بالوساطة و الشراكة مع الله، فمقام كبريائيّة حضرة الحقّ و غيرته و عزّته لا تجيز ذلك لأيّ كان من مخلوقاته، حتّى خاتم الرسل صلّى الله عليه و آله و سلّم.

و بعد تحقّق هذا التنبيه و هذه التربية لحضرة النبيّ، و ذلك بشكل انقطاع للوحي، أصبحت هذه الحقيقة الرفيعة و الظريفة -التي لا توصف و لا تتصوّر- مشهودة و محسوسة و ملموسة لحضرة النبيّ بشكل كامل و واضح و جليّ، و ذلك بواسطة التكامل الحاصل في نفسه المباركة طيلة هذه الأربعين يوما؛ و من هنا عاد الوحي يتدفّق ثانية من سرّه المبارك، و برز مجدّدا فيضان مطر الرحمة الإلهيّة على قلبه المنوّر، و تجدّد نزول المعارف الربوبيّة و لطائف أسرار عالم الغيب على روحه و سرّه، و هذا من خواصّ عدد الأربعين.

بقي حضرة النبيّ يونس عليه السّلام في بطن الحوت أربعين يوما

و نظير هذه المسألة ما نشاهده في قصّة النبيّ يونس عليه السلام، ففي سورة الأنبياء الآية 87 و 88 يقول:

﴿وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى‏ فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ، فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾.

و المعنى: أنّ الله يأمر أن نعتبر من قصّة حضرة النبيّ يونس عليه السلام مع الحوت، و ذلك حينما كان في حالة الغيظ و الغضب من قومه، ثمّ تنحّيه عنهم، و زعمه بأنّ إرادتنا القاهرة و مشيئتنا المتقنة لا تناله و لا تصل إليه -و أنّ خصومتنا و غضبنا لا ينزل إلّا على أهل تلك المدينة و قومه- لذلك وضعناه في بطن الحوت .. فذكر في تلك الظلمات الإلهيّة: أنّه لا معبود و لا مؤثّر في عالم الوجود غير ذاتك المقدّسة! فأنت منزّه عن كلّ حمدنا و ثنائنا و شكرنا، و أرفع من كلّ أفكارنا و خيالنا و وهمنا و إدراكنا لحقيقة الذات المجلّلة، فنحن ندعوك و نطلب منك بأفكارنا و نيّاتنا الناقصة، و عقلنا الضعيف و حسب سعتنا الوجوديّة المحدودة، و الحال أنّك أنت أشرف و أعلى ممّا تناله أوهامنا، و يدركه خيالنا، لذلك فنحن من الخاسرين، و نحن ظالمون لأنفسنا بنفس هذه التوهّمات.

فرحمناه و استجبنا له، و أخرجناه من غمّ عالم الاعتبار و كدورته و آلامه، و أدخلناه في عالم الحقائق و واقعيّة التوحيد، و أريناه سرّ هذه الحقيقة، و كذلك نفعل و نجازي كلّ المؤمنين و الصالحين ...

في هذه الحادثة، يكشف الله تعالى النقاب عن شي‏ء من الأسرار التوحيديّة، و كيفيّة نفوذ مشيئته الذاتيّة، و تنزّلها في عالم الكثرات، و يبدي غيرته بالنسبة إلى إرادته المطلقة، و المستوية بين جميع مخلوقاته، من حيثيّة الارتباط و الانتساب بالذات الربوبيّة؛ و يفصح عن عدم انحصار الإرادة الذاتيّة و مشيئته، بقالب خاصّ أو أسلوب مخصوص أو عادة محدّدة، و إنّما ذات الحقّ الأقدس فعّال لما يشاء و حاكم بما يريد، و ليس لأحد بل و لا لموجود متشخّص أن يحدّده في قالب خاصّ، أو أن يتوقّع منه أسلوبا و طريقة خاصّة. و لم يكن حضرة النبيّ يونس عليه السلام قد بلغ هذه النكتة، بل كان يتوهّم طبقا لحدسه و ظنّه الخاصّ، أنّ المسألة -فيما يرتبط بقومه و أهالي بلدته- قد انتهت و تمّت ..

و أنّه قد طبع عليهم ختم الزوال و الهلاك، و كان يخال أنّ حالهم بلغ حدّا جعلهم يتمرّدون على أوامر رسول اللّه تعالى المبعوث إليهم و ينالون من دستوراته، و أصبح هو موردا للطعن و عدم الاحترام و الاستخفاف، و بالتالي فهم مستحقّون للعقاب و العذاب، و ليس أمام الله إلا أن يلبّي طلبه، و يستجيب دعاءه بإنزال العذاب عليهم! و أنّه من الواجب الحتميّ أن يحلّ بالقوم أشدّ العذاب الذي يستحقّوه، و ليس هناك سبيل آخر لله، و لا خيار لهؤلاء القوم و هؤلاء العباد.

لأجل ذلك، وضعه الله في بطن الحوت، و طبقا لبعض الروايات، قد مكث النبيّ يونس عليه السلام أربعين يوما في بطن الحوت، و كان مشغولا بهذا الذكر المبارك: ﴿لا إِلهَ‏ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾‏[16]، و ببركة هذه الأربعينيّة، أزاح الله تعالى الستار عن ناظري النبيّ يونس، و أطلعه على واحد من أسرار توحيده و تقديراته و إرادته.

علّة تنبيه الله النبيّ لأجل ترقّيه و هو لا ينافي العصمة

و من الممكن أن يطرأ السؤال لدى بعضهم من أنّه كيف يمكن لنبيّ مع كونه معصوما لا يحتمل منه صدور المعصية و الخطأ أن ينبّهه الله و يذكّره بمثل ذلك؟

و لأجل توضيح هذه المسألة، يجب الالتفات إلى أنّ ما ذكر عن عصمة الأنبياء عليهم السلام، و عدم وقوعهم في المعصية و اجتنابهم عن الخطأ، مرتبط بمقام الظاهر و عالم الكثرات و علاقتهم مع الناس، و هو يعني: أنّه ينبغي أن لا يصدر من الرسول أيّ خلاف من ناحية عمله و فعله و معاشرته مع الناس، و ينبغي أن لا يرتكب أيّ معصية أو خطيئة، و كذلك ينبغي أن لا يخالف قوله الواقع المتحقّق خارجا؛ و بعبارة أخرى: لا بدّ و أن يكون النبيّ محفوظا من الخطأ في ثلاث مراحل: تلقّي الوحي، و حفظه، و إبلاغه، فيكون مصونا عن الخطأ و الزلل في كلّ ذلك.

و أمّا في ما هو أعلى من عالم الظاهر و المثال -أي عوالم الملكوت و السرّ و النفس و الروح- فليس من اللازم أن يكون خاليا من أيّ نوع من القلق و التردّد أو إدراك الخلاف، فهذا غير ثابت، بل الثابت من خلال الشواهد و الآثار العقلية و النقلية و الشهودية هو خلاف ذلك، إذ من الممكن أن يكون لنبيّ من الأنبياء مراتب عديدة، و مراحل متفاوتة تنتظره -بينه و بين حضرة ربّ العزّة- كي يصل إلى سرّ ديار المعبود؛ فبلوغ شخص مرتبة النبوّة و الرسالة ليس دليلا على كماله و تماميّة جوانبه الوجوديّة، و هذه المسألة ملموسة و محسوسة بوضوح، من خلال الآيات الشريفة و الروايات الشيعيّة، و هذا المختصر لا يتحمّل التحقيق و البحث في ذلك.

الروايات تصرّح بتأثير عدد «الأربعين» على بزوغ الاستعدادات‏

هناك رواية ينقلها المرحوم الكلينيّ عن الإمام الباقر عليه السلام، بالنسبة لعدد الأربعين و مدخليّته في كيفيّة ارتقاء النفس و رشدها، و حصول فعليّة استعدادها، حيث يقول الإمام الباقر عليه السلام:

ما أخلص العبد الإيمان بالله عزّ و جلّ أربعين يوما (أو قال: ما أجمل عبد ذكر الله عزّ و جلّ أربعين يوما) إلّا زهّده‏ الله عزّ و جلّ في الدنيا، و بصّره داءها و دواءها، فأثبت الحكمة في قلبه، و أنطق بها لسانه‏[17].

و كذلك في إحياء العلوم ينقل عن كتب العامّة فيقول:

قال رسول اللّه صلّى الله عليه و آله و سلّم: ما من عبد يخلص لله العمل أربعين يوما، إلّا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه‏[18].

و قد ورد مثل هذه الرواية في كتب العامّة مع تغيير مختصر في كيفيّة تعبيرها. و على هذا الأساس فإنّ علماء الأخلاق و مربّي النفوس يرون أنّ «الأذكار الأربعينيّة» أحد الشروط المهمّة و الأساسيّة للتكامل و السير إلى الله أثناء طيّ مدارج السلوك، و لا مناص للسالك عن ذلك و لا مفرّ له.

كلام المرحوم السيّد بحر العلوم فيما يتعلّق بعدد «الأربعين»

يقول المرحوم السيّد مهدي بحر العلوم رضوان الله عليه في رسالة السير و السلوك المنسوبة إليه:

و قد شاهدنا عيانا و علمنا بشكل بيّن أنّ هذه المرحلة الشريفة من مراحل العدد لها خاصية و تأثير متفردين، في ظهور القابليات و تتميم الملكات و في طيّ المنازل و قطع المراحل. و مع كثرة منازل الطريق، إلا أن في كل منزل منها مقصدا؛ و مع زيادة المراحل، فإنّك إذا دخلت في هذه المرحلة فقد أتممت عالما[19].

كما أنّ زمن طيّ عالم الدنيا و ظهور القابلية و نهاية التكميل في هذا العالم إنّما يتمّ في أربعين سنة، حيث ورد أنّ عقل الإنسان يكمل في سنّ الأربعين حسب قابلية ذلك الإنسان. و الإنسان في نموّ منذ بدء دخوله في هذا العالم حتى يبلغ سنّ الثلاثين، ثم إن بدنه يقف في هذا العالم عشر سنين، فإن هو أتمّ الأربعين انتهى سفره في عالم الطبيعة، و بدأ سفره في عالم الآخرة، و في كلّ يوم و في كلّ سنة يطوي مسافة من ذاك السفر، و يحزم مقدارا من حمولته و يرحل عن هذا العالم. و تضمحلّ قوّته سنة بعد سنة، و يتناقص نور سمعه و بصره، و القوى المادّية في انحطاط، و البدن يسير نحو الذبول؛ حيث‏ إنّ مدّة سفره و إقامته في هذا العالم قد انتهت في أربعين سنة[20] ...

و كذلك ورد في حديث أنّ حدّ الجوار أربعون بيتا من الجهات الأربع، و حين يتمّ هذا العدد كأنها انفصلت عن العالم. و تأويل ذلك في المناسبة و الجوار من جهات القوى الأربعة: العقليّة، و الوهميّة، و الشهويّة، و الغضبيّة. و ما لم تبتعد هذه المراحل عن بعضها بأربعين مرحلة، فإنها لن تكون قد تخطّت عالمها خارجا، و ستكون مجاورة لبعضها البعض‏[21].

تذييل المرحوم العلامة الطهراني علي كلام السيد بحر العلوم

و المرحوم والدنا، سماحة العلّامة السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ قدّس الله نفسه، له تذييل على هذه الفقرات في رسالة السير و السلوك المنسوبة إلى بحر العلوم حيث يقول:

إنّ مراد المصنّف أنّ الإنسان أسير لقوى أربع تحيط به من جوانبه الأربعة: القوّة العقليّة و الوهميّة و الغضبيّة و الشهويّة، و ما لم يبتعد عن كلّ منها أربعين‏ منزلا، فإنّه لن يصل إلى مقام الفناء في الله. ذلك أنّ مجرّد الخروج من مرحلة الشهوة مثلا، لا يخرج الإنسان من تلك المرحلة بتمام معنى الكلمة، لأنّ حقيقة مرحلة الشهوة تلك لا زالت كامنة في وجود الإنسان، و ما لم يبتعد أربعين مرحلة عن المرحلة الأولى فإنّ آثارها لن تزول بشكل كلّي، فالخروج من إحدى تلك المراحل بشكل كلّي إنّما يتحقّق بالخروج عن تمام المراحل الأربعين اللاحقة، و بغير ذلك فإنّ الإنسان لن يكون قد خرج من تلك المرحلة بتمام المعنى، و قد يتعرّض بمجرّد طروء طارئ عليه للعودة إلى المرحلة الأولى. و الأمر كذلك بالنسبة إلى عوالم العقل و الغضب و الوهم؛ فالمرء سيكون قد خرج حقّا من مرحلة الغضب الأولى حين يخرج من مرحلة الأربعين و سيكون قد خرج حقا من مرحلة العقل الخامسة حين يخرج من مرحلة الأربعين أيضا، و هكذا عليه في كلّ مرحلة مفترضة أن يتخطاها بأربعين مرحلة ليتخلّص منها تماما[22] ...

انتهى كلام المرحوم الوالد قدّس سرّه.

ثمّ بعد ذلك يتابع المرحوم السيّد كلامه فيقول:

و على أية حال فإنّ خاصّية الأربعين في ظهور الفعليّة و بروز القابلية و القوّة و حصول الملكة أمر مصرّح به في الآيات و الأخبار، و مجرّب لدى أهل الباطن و الأسرار، و هو ما أخبر عنه في الحديث الشريف بأنّ حصول آثار الخلوص أي بنوع عين المعرفة و الحكمة في هذه المرحلة. و لا ريب أنّ أيّ مخطوط طوى هذه المنازل الأربعين بأقدام الهمّة، و بلغ بقابليّات الأرض إلى فعليتها، فإنّ نبع المعرفة ستبدأ بالتدفق و الفوران من أرض قلبه.

و تقع المنازل الأربعين في عالم الخلوص و الإخلاص، أما منتهاها فعالم فوق عالم المخلصين، و هو عالم: «أبيت عند ربّي يطعمني و يسقيني»، حيث إنّ الطعام و الشراب الربّانيّين عبارة عن المعارف و العلوم الحقيقيّة غير المتناهية[23].

انتهى كلام المرحوم السيّد بحر العلوم رضوان الله عليه.

لأجل ذلك، سوف لا يخفى على أحد أنّ لهذا العدد تأثير عجيب، و فعّالية لا تقبل الإنكار، في مسائل مختلفة و موضوعات متفاوتة -سواء في عالم الخلق و التكوين أم في موطن التربية و التشريع- و إن أردنا أن نتوسّع أكثر من هذا المقدار الذي بيّنا، و ننقل و نشرح كلمات العلماء فيما يتعلّق بهذا الباب، و نسلّط الضوء على نتائجها، نكون قد ابتعدنا عن هدفنا و غرضنا.

 

[1]  تفسير ابن عربي، ج 1، ص 54؛ و جامع البيان، ابن جرير الطبري، ج 3، ص 306؛ و كذلك في كتاب إحياء علوم الدين، ج 4، ص 277.

[2]  عوالي اللئالي، ابن أبي جمهور الأحسائي، ج 4، ص 98؛ و شرح الأسماء الحسنى، الملا هادي السبزواري، ج 1، ص 81؛ و شرح فصوص الحكم، محمّد داود قيصري رومي، ص 334؛ و مرصاد العباد، ص 65 و 211.

[3]  عوارف المعارف، (ملحق إحياء علوم الدين)، ج 5، ص 122.

[4]  سورة الأحقاف، ذيل الآية 15.

[5]  الخصال، أبواب الأربعين و ما فوقه، ص 545، ح 24.

[6]  الخصال، أبواب الأربعين و ما فوقه، ص 545، ح 33.

[7]  سفينة البحار (مع اختلاف يسير)، ج 2، ص 332؛ و إحياء العلوم، ج 3، ص 28.

[8]  علل الشرا،:ئع، ج 2، ص 345؛ و قد ورد نظير هذه الرواية فيما يتعلّق بأكل مال الحرام و لقمة الحرام.

[9]  جامع الأخبار، الفصل 109، ص 171.

[10]  بحار الأنوار، ج 104، ص 62، ح 35.

[11]  الخصال، أبواب الأربعين و ما فوقه، ص 538، ح 4.

[12]  عدّة الداعي، ص 136.

[13]  الكافي، كتاب العشرة، باب الجوار، م 2، ص 669، ح 1؛ و كذلك وسائل الشيعة، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، باب 90، م 12، ص 132، ح 1.

[14]  الخصال، أبواب الأربعين و ما فوقه، م 2، ص 554، ح 20؛ و كذلك وسائل الشيعة، كتاب الحجّ، أبواب أحكام العشرة، باب 90، م 12، ص 132، ح 4.

[15]  بحار الأنوار، كتاب النبوّة، ج 14، ص 423.

[16]  مناقب آل أبي طالب، ج 4، ص 139؛ و تفسير البرهان، ج 4، ص 37؛ و بحار الأنوار، ج 14، ص 402.

[17]  أصول الكافي، ج 2، ص 16، ح 6.

[18]  إحياء علوم الدين، ج 4، ص 376.

[19]  رسالة السير و السلوك المنسوبة إلى بحر العلوم، ص 24.

[20]  م. ن، ص 25.

[21]  م. ن، ص 33.

[22]  م. ن، ص 33 في الحاشية.

[23]  م. ن، ص 37.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.