أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-11-2016
1842
التاريخ: 2-2-2017
2278
التاريخ: 18-1-2017
6944
التاريخ: 2024-01-13
1114
|
البدوي الشريف تأبى نفسه أشغال اليد، أما الأشغال التي يعتبرها جديرة به فهي تربية المواشي، والتجارة، والصيد، والغزو. ونحن نذكر هنا كلًّا من هذه الأشغال الأربعة على ما هي معروفة عند أهل البادية، وعلى ما يتعاطونها. وأما الزراعة والبحارة فهما عندهم من الأشغال التي تصغُر بجانب الأربعة الشريفة، ولقد كان بنو تميم يُعَيِّرون الأزد بالنوتية؛ لأن إخوانهم العمانيين كانوا يسافرون على البحار ويشتغلون في السفن. وكانت قريش تحتقر أهل المدينة؛ لأنهم كانوا يعنون بالزراعة. أما أكثر عناية أهل البادية فهو تربية المواشي ورعاية الأغنام؛ لأن معيشتهم متوقِّفة عليهما؛ فمن الأغنام والمواشي يستخرجون اللبن الحليب، وهم يُخرِجون ما فيه من المائية، فيخثرونه ويحفظونه إلى وقت الحاجة، فإذا أرادوا أكله خلطوا به ماء، وهم يتخذونه كثيرًا في أسفارهم، واسمه لاقط (وقد صحَّفوا هذه الكلمة في عهدنا هذا فيدعونه: القطي)، والمريسة، والمضير. وهم يستخرجون الزُّبد ويحفظونه بعد أن ينفوا عنه مائيته. وصنع الجبن غير معروف عند أغلب البدو، وهم لا يأكلون اللحم بمنزلة طعام لهم يُعتمد عليه؛ لأنهم لا يذبحون إلا في أيام الأعياد والمواسم، اللهم إلا في فرص متعددة يضطرُّون فيها إلى الذبح قيامًا بمقتضى الأحوال، كقِرى الضيف، أو غيره من الأمور. فينتج من هذا أن أكل اللحم يكاد يكون في كل يوم وفي كل بيت. ومن العناية بالمواشي يحصل للبدوي صوف وأنسجة من شعر العنز أو من وبر الجمال، فيذهب بها إلى المدينة ليبيعها مع الزُّبد والسمن، وقد يبيع شيئًا من غنمه ومواشيه التي ربَّاها. وإذا كان ممن يُحسن تربية الخيل فهو يبيع من الحصن بقدر ما يحتاج إليه من الدراهم، وقد لا يبيع هذه الأشياء كلها بل يُبدلها بالتمر والحبوب والثياب وأدوات البيت. وكان كبار الأعراب قبل الإسلام يشترون الخمر ويشربونها ولو كلَّفتهم أثمانًا باهظة، أما اليوم فإنهم قد أبدلوها بشُرب القهوة أو ابنة البُن، أو يتعاطى التبغ المعروف بالدخان، حتى أصبح هذان الحاصلان من أهم ما يحتاج إليه البدوي. ومن عجيب تصرُّف الزمان بأبناء العصر أن أهل البادية أنفسهم اضطرُّوا إلى إبدال شيءٍ من الأمور العائدة إلى العادات، وهو اتخاذ البارودة، أو البندقية، وطرح القوس والنشَّاب اللَّذين ما كانا يُفارقانه، وهما اليوم لا وجود لهما البتة في خيمته. والتدخين مُحرَّمٌ عند الوهابيين؛ ولهذا ما كان يستطيع البدوي أن يُدخِّن في أيام عز هؤلاء المسلمين المصلحين؛ أي في القبائل التي كانت مُحتمية بهم. ولم يُعْنَ الأعراب بالتجارة عناية خاصة، إنما كانت عنايتهم من باب المساعدة لأصحابها، بمعنى أنهم كانوا ينقلون البضائع والأموال على أباعرهم، ويُحامون عن القوافل التي كانت تنقل تلك البياعات، وهذا كان دأبهم منذ أقدم الأزمان، وكان أصحاب القوافل يدفعون إلى هؤلاء المبذرقة أجرة يُسمونها «الخفارة»، وهذه العادة جارية إلى يومنا هذا عند الأعراب النازلة على طُرُق النقل، فإنهم يتقاضون مبالغ من الحكومة تُعرف باسم «الصُّرَّة»، وإذا أراد أصحاب المدن أن يمُرُّوا بأرض قبيلة، يضطرون إلى دفع بدل لمرورهم يسمونه «الخوة» على ما تقدَّمَت الإشارة إليه، وهذه الخوة يدفعها أيضًا كلٌّ من القبائل الضعيفة المحتمية بالقبائل الكبيرة. والبدو مغرومون بالصيد أو القنص، وهم يصطادون باستعمال الكلاب المعروفة بالسلوقية، أو باتخاذ الصقورة، وأغلب صيدهم يكون للغزال، والأروى، والمها، أو بقر الوحش (وهو ضرب من الحيوان يشبه البقر له قرون طويلة مستقيمة، وهو على ما يظن العلماء العصريون أنه هو الذي كان يُسميه الأقدمون: الوحيد القرن)، وحُمر الوحش أو الفراء، وهذه الحُمر من أسرع الحيوانات عَدْوًا؛ ولهذا يتنافس الأعراب في صيدها، ومنه المثل «كلُّ الصيد في جوف الفرا.» وأما الصيد الصغير فهو: الحجل والأرانب واليرابيع والضباب. وهم يصطادون النعام أيضًا، وأغلب صائديه بنو هتيم والصلبة، إلا أن هذا الطير العظيم أخذ بالتناقُص بل بالانقراض من بادية شمالي جزيرة العرب. والغزو من أهم أمور معيشة الأعرابي، وإذا لم يتيسَّر له غزو قبيلة من القبائل النازلة في أنحائه غزا مَن كان من أقربائه، هذا ما جرى في سابق الزمن وما يجري إلى يومنا هذا. فالغزو عنده يتوقَّف على سلب ما لعدوه من الإبل والماشية، وبعض الأحيان ما له من النساء والأولاد، بدون أن يُريق دم أحد إن أمكنه؛ لكي لا ينشأ من ذلك الغزو دية، فهذه هي أقصى أماني البدوي، وإذا تمَّ الغزو فقد تُفتَدى النساء والأولاد، وأما الأسلاب فتُقَسَّم بمُقتضى أصول معروفة عندهم، فالشيخ يأخذ الحصة الكُبرى لِما له من المنزلة الرفيعة في قومه، ولِما يقوم بالنفقات التي ينفقها قيامًا بالواجبات. وإذا وقعت خسارة في قبيلة وُضع على كل فردٍ من أفرادها شيء بحيث لا يشعر أحد بتلك الخسارة، وعلى الشيخ أن يتحمَّل قسمًا صالحًا منها. والبدو يُربُّون جيادهم العِراب توصُّلًا للغزوات. وأكثر ما يكون الغُزاة على الأباعر، أما إذا حاربوا أو قاتلوا أو أرادوا الهرب والفِرار ركبوا جيادهم وانسلُّوا؛ ولهذا يُعتبر الجواد فخر سيده ومولاه، لكنه يكلِّفه نفقة باهظة؛ إذ يضطر إلى ادِّخار ماء لشربه. والغزوات هي من أجلِّ أسباب فقر أهل البادية، فكثيرًا ما يذهبون إلى المنازل البعيدة، فتكلفهم عناءً عظيمًا لهم ولدوابهم، وإذا غزَوا قبيلة يحثون مطاياهم خوفًا من أن يتأثرهم المغزوون، فيُضَرُّ في هذه الغزوات الغازي والمغزوَّ والدواب. وإذا نجح المغزوون في استرداد أسلابهم فلا أقلَّ من أن يكون قد نالهم مشقَّة هُم ودوابهم، ومثل هذا الضرر يلحق الغازين، وعليه تضطر القبائل الضعيفة إلى مجاورة القبائل الضخمة دفعًا لمثل هذه المصائب التي لا بُد منها في تلك القِفَار والفلوات، وإذا سبَّبَت تلك الغزوات قتلًا في القبيلة فالبلية أعظم؛ لأنها تُوَلِّد في الصدور ضغائن وأحقادًا لا يغسل أدرانها إلا إراقة الدماء من جديد، إن لم تفصل بين القبيلتين قضية الدم المسفوك، إما بالمراضاة، وإما بدفع الدية؛ ولهذا قد تضمحلُّ القبيلة كلها بعد حدوث مثل هذه الغزوات التي لا يُتفق فيها على سفك الدم الذي وقع عندهم.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|