أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-08
1001
التاريخ: 10-02-2015
3599
التاريخ: 19-10-2015
43171
التاريخ: 29-01-2015
3275
|
روى المحبّ الطبري بإسناده عن أبي ذرّ ، قال : " سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعلي : " أنت أول من آمن وصدّق "[1].
روى الخوارزمي بأسناده عن عروة : " أسلم علي عليه السّلام وصدق بالنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو ابن ثمان سنين "[2].
روى محمّد بن طلحة عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، أنه قال : " سمعت علياً ينشد ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يسمع ، فقال :
أنا أخو المصطفى لا شكّ في نسبي * به ربيت وسبطاه هما ولدي
جدّي وجدّ رسول الله منفرد * وفاطم زوجتي لا قول ذي فند
صدقته وجميع الناس في بُهَم * من الضلالة والاشراك والنكد
قال : فتبسم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال : صدقت يا علي "[3].
أقول : تبين مما تقدم ، إنّ علي بن أبي طالب أول من آمن وصدق ، وكذلك والداه آمنا بالله وبرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم .
بعض الكلام في إسلام غيره من أصحاب النبي عليه وآله السلام
فهلمّ لنرى حال غيره من الصحابة متى آمنوا ، وكيف دخلوا في الاسلام ؟ .
1 - أبو بكر بن أبي قحافة
اسمه عبد الله - وكنيته أبو بكر - ابن عثمان المكنى بأبي قحافة ، أسلم أبو قحافة يوم الفتح فأتى به وكان رأسه ثغابة ، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم : " غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد "[4] وكان أبو قحافة معلماً للأطفال[5] ولما كفّ بصره صار أجيراً عند عبد الله بن جدعان[6] للنداء على طعامه[7] والى هذا أشار أمية بن الصلت في قصيدته التي يمدح بها عبد الله بن جدعان :
له داع بمكة مشمعل * وآخر فوق دارته ينادي[8]
واختلف في زمن اسلام أبي بكر ، روى محمّد بن جرير الطبري باسناده عن محمّد بن سعد قال : " قلت لأبي : أكان أبو بكر أوّلكم اسلاماً ؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ، ولكن كان أفضلنا اسلاماً "[9] وكان بزازاً[10] وقيل : كان خياطاً ومعلماً للأطفال[11].
وكانت ولاية أبي بكر سنتين وثلاثة أشهر وعشرين يوماً ، ويقال عشرة أيام ، وتوفي مساء ليلة الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة[12].
2 - عمر بن الخطاب
عمر بن الخطاب بن نفيل يكنى بأبي حفص ، أمه حنتمة[13] ، لم يؤمن الخطاب بالله وبرسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم .
قال عمر للعبّاس - لما أجار أبا سفيان واستأمنه في فتح مكة - : مهلا يا عبّاس ، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إليّ من اسلام الخطاب لو أسلم ، وما بي إلاّ أنني قد عرفت أن اسلامك كان أحب إلى رسول الله من اسلام الخطاب لو أسلم[14].
وروى أبو عبيدة بن سلامة : قطعت يد الخطاب للسرقة في سوق عكاظ[15].
وفي كيفية اسلام عمر ، روى ابن سعد باسناده عن أنس بن مالك قال : " خرج عمر متقلّداً السيف ، فلقيه رجل من بني زهرة قال : أين تعمد يا عمر ؟ فقال : أريد أن أقتل محمّداً ! قال : وكيف تأمن في بني هاشم وبني زهرة وقد قتلت محمّداً قال : فقال عمر : ما أراك إلا قد صبوت وتركت دينك الذي أنت عليه ، قال :
أفلا أدلّك على العجب يا عمر ! إنّ ختنك وأختك قد صبوا وتركا دينك الذي أنت عليه قال : فمشى عمر ذامراً حتى أتاهما وعندهما رجلٌ من المهاجرين يقال له خباب ، قال : فلما سمع خباب حسّ عمر توارى في البيت فدخل عليهما فقال : ما هذه الهينمة التي سمعتها عندكم قال : وكانوا يقرؤون طه ، فقالا : ما عدا حديثاً تحدثناه بيننا قال : فلعلكما قد صبوتما قال : فقال له ختنه : أرأيت يا عمر إن كان الحق في غير دينك ، قال : فوثب عمر على ختنه فوطئه وطئاً شديداً ، فجاءت أخته فدفعته عن زوجها فنفحها بيده نفحة فدمى وجهها فقالت وهي غضبى : يا عمر ، إنّ كان الحق في غير دينك ، أشهد أن لا إله إلاَّ الله ، واشهد إنّ محمّداً رسول الله ، فلما يئس عمر ، فقال : أعطوني هذا الكتاب الذي عندك فأقرأه قال : وكان عمر يقرأ الكتب فقالت أخته : إنك رجس ولا يمسه إلاَّ المطهرون ، فقم ، فاغتسل أو توضأ قال : فقام عمر فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأ طه حتى انتهى إلى قوله ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي )[16] قال فقال عمر : دلوني على محمّد "[17].
وقال : " أسلم عمر بعد خمسة وأربعين رجلا واحدى عشرة امرأة . . . وروى عن أسامة بن زيد بن اسلم عن أبيه عن جده ، قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول : ولدت قبل الفجار الأعظم الآخر بأربع سنين ، وأسلم في ذي الحجة السنة السادسة في النبوة وهو ابن ست وعشرين سنة "[18].
وقال الدميري : " ذكر التوحيدي في كتاب بصائر القدماء وسرائر الحكماء
صناعة كلّ من علمت صناعته من قريش فقال . . . وكان عمر دلالا يسعى بين البائع والمشتري "[19] ( 1 ) .
وقال ابن الأثير : " كان عمر في الجاهلية مبرطشاً وهو الساعي بين البائع والمشتري شبه الدلال ، ويروى بالسين المهملة بمعناه "[20] ( 2 ) .
وقال الزبيدي : " المبرطي " أهمله الجوهري ، وقال ابن دريد : هو " الذي يكتري للناس الإبل والحمير ويأخذ عليه جعلاً "[21] ( 3 ) .
وقال إسماعيل أبو الفداء : " وكان مرة في بعض حجاته فلما مر بضجنان[22] قال : لا إله إلاَّ الله ، المعطى ما شاء من شاء ، كنت أرعى إبل الخطاب في هذا الوادي في مدرعة صوف وكان فظاً يرعبني إذا عملت ، ويضر بني إذا قصرت وقد أصبحت وليس بيني وبين الله أحد "[23].
واستخلف عمر بعدما توفي أبو بكر مساء ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ، فاستقبل عمر بخلافته يوم الثلاثاء صبيحة موت أبي بكر[24] بوصيته ، وقال ابن أبي الحديد : دعا أبو بكر عمر يوم موته بعد عهده اليه فقال له : إني لأرجو أن أموت في يومي هذا . . . وقد رأيتني متوفى رسول الله كيف صنعت وتوفي[25]. فكانت ولاية عمر عشر سنين وخمسة أشهر واحدى وعشرين ليلة من متوفى أبي بكر على رأس اثنتين وعشرين سنة وتسعة أشهر وثلاثة عشر يوماً ، وطعن يوم الأربعاء لأربع ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين[26].
3 - عثمان بن عفان
عثمان - المكنى بأبي عبد الله - ابن عفان ، أمه أروى بنت كريز[27].
أسلم عثمان قبل دخول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دار الأرقم[28].
قال البلاذري : " ولما أسلم عثمان بن عفان أوثقه عمه الحكم بن أبي العاص - ابن أمية رباطاً وقال : أترغب عن دين آبائك إلى دين محدث ، والله لا أحلك أبداً ، فلما رأى صلابته في دينه تركه ، وحلفت أمه أروى بنت كريز ألا تأكل له طعاماً ولا تلبس له ثوباً ولا تشرب له شراباً حتى يدع دين محمّد ، فتحولت إلى بيت أخيها عامر بن كريز فأقامت به حولا فلما يئست منه رجعت إلى منزلها ، قالوا : وأتى عثمان أبا أحيحة فقال له : إنّي قد آمنت واتبعت محمّداً فقال : قُبّحتَ وقُبِّح ما جئت به ، ثم خرج من عنده وأتى أبا سفيان ابن حرب ، فأعلمه اسلامه فعنفه "[29].
وبويع عثمان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين واستقبل بخلافته المحرم سنة أربع وعشرين[30].
موقف عائشة وكبار الصّحابة من عثمان
قال اليعقوبي : " وكان بين عثمان وعائشة منافرة ، وذلك أنه نقصها مما كان يعطيها عمر بن الخطاب وصيّرها أسوة غيرها من نساء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم[31] فإن عثمان قام يوماً ليخطب إذ أدلت عائشة قميص رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ونادت يا معشر المسلمين هذا جلباب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لم يبل ، وقد أبلى عثمان سنته ، فقال عثمان " ربّ اصرف عنّي كيدهن إنّ كيدهن عظيم " . . . وكان أكثر من يؤلب عليه طلحة والزبير وعائشة "[32] وكانت تقول : " اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا "[33].
قال ابن الأثير : " ومنه حديث عائشة : اقتلوا نعثلا قتل الله نعثلا ، تعني عثمان وهذا كان منها لما غاضبته وذهبت إلى مكة[34] وقال الدميري : " كان أعداء عثمان يسمونه نعثلاً[35] تشبيهاً برجل من مصر كان طويل اللحية اسمه نعثل ، وقيل : النعثل الشيخ الأحمق "[36].
وقال الزبيدي : " ونعثل يهودي كان بالمدينة قيل : به شبه عثمان إذا نيل منه[37] ولما حصر عثمان في داره واشتد الأمر عليه " أمر مروان بن الحكم وعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فأتيا عائشة وهي تريد الحج ، فقالا لها : لو أقمت فلعل الله يدفع بك عن هذا الرجل .
فقالت : قد قرنت ركابي وأوجبت الحج على نفسي ووالله لا افعل ، فنهض مروان وصاحبه ومروان يقول :
وحرّق قيس عليَّ البلا * د حتى إذا اضطرمت أجذما
فقالت عائشة : يا مروان ، وددت والله انّه في غرارة[38] من غرائري هذه وإني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر "[39].
قال اليعقوبي : " قال مروان : فيدفع إليك بكل درهم أنفقته درهمين قالت : لعلك ترى إني في شك من صاحبك ، أما والله لوددت انه مقطع في غرارة من غرائري وإني أطيق حمله فاطرحه في البحر "[40].
ومر عبد الله بن عبّاس بعائشة وقد ولاه عثمان الموسم ، وهي بمنزل من منازل طريقها فقالت : يا ابن عبّاس ، إنّ الله قد آتاك عقلا وفهماً وبياناً فإياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية[41].
قال ابن حجر : " ولي عثمان اثنتي عشرة سنة فلم ينقم عليه النّاس مدة ست سنين ، بل كان أحب إلى قريش من عمر ، لأن عمر كان شديداً عليهم فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم ثمّ توانى في أمرهم ، واستعمل أقاربه وأهل بيته في الست الأواخر ، وأعطاهم المال متأولا في ذلك الصلة التي أمر الله بها وقال : إنّ أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما كان لهما وإني أخذته فقسمته في أقربائي ، فأنكر عليه ذلك "[42].
وقال : " كره ولايته نفر من الصحابة لأنه كان يحب قومه ، فكان كثيراً ما يوّلي بني أمية من لم يكن صحبة فكان يجيء من أمرائه ما تنكره الصحابة ، وكان يستعتب فيهم فلا يعزلهم ، فلما كان في الست الأواخر استأثر بني عمه فولاّهم دون غيرهم وأمرهم بتقوى الله ، فولى عبد الله بن أبي سرح مصر فمكث عليها سنين ، فجاء أهل مصر يشكونه ويتظلمون منه ، وقد كان قبل ذلك من عثمان هناة إلى عبد الله بن مسعود ، وأبي ذرّ ، وعمّار بن ياسر ، فكانت بنو هذيل وبنو زهرة في قلوبهم ما فيها ، وكانت بنو مخزوم قد حنقت على عثمان لحال عمار بن ياسر ، وجاء أهل مصر يشكون من ابن أبي سرح ، فكتب اليه كتاباً يتهدده فيه فأبى ابن أبي سرح أن يقبل ما نهاه عنه عثمان وضرب بعض من أتاه من قبل عثمان فقتله ، فخرج من أهل مصر سبعمائة رجل فنزلوا المسجد وشكوا إلى الصحابة في مواقيت الصلاة ما صنع ابن أبي سرح بهم ، فقام طلحة بن عبيد الله فكلم عثمان بكلام شديد ، وأرسلت عائشة اليه تقول له تقدم إليك أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم وسألوك عزل هذا الرجل فأبيت فهذا قد قتل منهم رجلا فانصفهم من عاملك ، ودخل عليه علي بن أبي طالب ، فقال : انما يسألونك رجلا مكان رجل وقد ادعوا قبله دماً فاعزله عنهم واقض بينهم ، فان وجب عليه حق فانصفهم منه فقال لهم : اختاروا رجلاً أوليه عليكم مكانه ، فأشار الناس عليه بمحمّد بن أبي بكر فكتب عهده وولاه ، وخرج معهم عدد من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بين أهل مصر وبين ابن أبي سرح ، فخرج محمّد ومن معه ، فلمّا كان على مسيرة ثلاث من المدينة إذ هم بغلام أسود على بعير يخبط البعير خبطاً كأنّه رجل يطلب أو يطلب ، فقال أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم : ما قضيّتك وما شأنك كأنك هارب أو طالب ؟ فقال لهم : أنا غلام أمير المؤمنين وجّهني إلى عامل مصر ، فقال له رجل منهم : هذا عامل مصر ، قال : ليس هذا أريد وأخبر بأمره محمّد بن أبي بكر ، فبعث في طلبه رجلا فأخذه وجاء به إليه ، فقال له رجل : غلام من أنت ؟ فأقبل مرة يقول : أنا غلام أمير المؤمنين ، ومرة يقول : أنا غلام مروان ، حتى عرفه رجل أنه لعثمان ، فقال له محمّد : إلى من أرسلت ؟ قال : إلى عامل مصر ، قال له : بماذا ؟ قال : برسالة ، قال : معك كتاب ؟ قال : لا ، ففتشوه فلم يجدوا معه كتاباً وكانت معه إداوة فإذا فيها كتاب من عثمان إلى ابن أبي سرح ، فجمع محمّد من كان عنده من المهاجرين والأنصار وغيرهم ثم فك الكتاب بمحضر منهم فإذا فيه : إذا أتاك محمّد وفلان وفلان فاحتل في قتلهم وأبطل كتابه وقِر على عملك حتى يأتيك رأيي ، واحبس من يجئ يتظلم إليّ منك حتى يأتيك رأيي في ذلك إنّ شاء الله تعالى .
فلمّا قرأوا الكتاب فزعوا ورجعوا إلى المدينة وختم محمّد الكتاب بخواتيم نفر كانوا معه ، ودفعوا الكتاب إلى رجل منهم وقدموا المدينة ، فجمعوا طلحة والزبير وعلياً وسعداً ومن كان من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ثم فضّوا الكتاب بمحضر منهم وأخبروهم بقصة الغلام وأقرأوهم الكتاب ، فلم يبق أحد من أهل المدينة إلاَّ حنق على عثمان ، وزاد ذلك من كان غضب لابن مسعود وأبي ذر وعمار حنقاً وغيظاً ، وقام أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم فلحقوا بمنازلهم ما منهم أحد إلاَّ وهو مغتّم لما قرؤوا الكتاب ، وحاصر الناس عثمان واجلب عليه محمّد بن أبي بكر بني تيم وغيرهم ، فلما رأى ذلك علي بعث إلى طلحة والزبير وسعد وعمّار ونفر من الصحابة كلهم بدري ، ثم دخل على عثمان ومعه الكتاب والغلام والبعير .
فقال له : أهذا الغلام غلامك ؟ قال : نعم ، قال : والبعير بعيرك ؟ قال : نعم ، قال : فأنت كتبت هذا الكتاب ؟ قال : لا وحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به ولا علم لي به .
قال له علي : فالخاتم خاتمك ، قال : نعم ، قال : فكيف يخرج غلامك ببعيرك وبكتاب عليه خاتمك لا تعلم به ، فحلف بالله ما كتبت هذا الكتاب ولا أمرت به ولا وجهت هذا الغلام إلى مصر قط ، فعرفوا انّه خط مروان ، وشكوا في أمر عثمان ، وسألوه أن يدفع إليهم مروان فأبى ، وكان مروان عنده في الدار ، فخرج أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم من عنده غضاباً وشكوا في أمره وعلموا أن عثمان لا يحلف بباطل إلا أن قوماً قالوا : لا يبرأ عثمان من قلوبنا إلاّ إنّ يدفع إلينا مروان حتى نبحثه ونعرف حال الكتاب ، وكيف يأمر بقتل رجلين من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم بغير حق ، فان يكن عثمان كتبه عزلناه ، وإن يكن مروان كتبه على لسان عثمان ، نظرنا ما يكون منا في أمر مروان ، ولزموا بيوتهم ، وأبى عثمان أن يخرج إليهم مروان وخشي عليه القتل ، وحاصر الناس عثمان ومنعوه الماء ، فأشرف على الناس فقال : أفيكم علي ؟ فقالوا : لا ، قال : أفيكم سعد ؟ قالوا : لا ، ثم قال : ألا أحد يبلغ علياً فيسقينا ماء ؟ فبلغ ذلك علياً فبعث إليه بثلاث قرب مملوءة ، فما كادت تصل إليه وجرح بسببها عدة من موالي بني هاشم وبني أمية حتى وصل الماء إليه فبلغ علياً أن عثمان يراد قتله ، فقال : انما أردنا منه مروان فأما قتل عثمان فلا ، وقال للحسن والحسين : اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا احداً يصل إليه ، وبعث الزبير ابنه وبعث طلحة ابنه ، وبعث عدة من أصحاب محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم أبناءهم يمنعون الناس إنّ يدخلوا على عثمان ويسألونه اخراج مروان ، فلما رأى ذلك محمّد بن أبي بكر إنّ يغضب بنو هاشم لحال الحسن والحسين فيثيرونها فتنة فأخذ بيد الرجلين ، فقال لهما : إن جاءت بنو هاشم فرأوا الدم على وجه الحسن كشفوا الناس عن عثمان وبطل ما تريدون ، ولكن مروا بنا حتى نتسور عليه الدار فنقتله من غير أن يعلم أحد ، فتسور محمّد وصاحباه من دار رجل من الأنصار حتى دخلوا على عثمان ولا يعلم أحد من كان معه لأن كل من كان معه كانوا فوق البيوت ولم يكن معه إلاّ امرأته ، فقال لهما محمّد : مكانكما فان معه امرأته حتى أبدأ كما بالدخول ، فإذا أنا ضبطته فادخلا فتوجاه حتى تقتلاه ، فدخل محمّد فأخذ بلحيته فقال له عثمان : والله لو رآك أبوك لساءه مكانك مني فتراخت يده ، ودخل الرجلان عليه فتوجاه حتى قتلاه وخرجوا هاربين من حيث دخلوا ، وصرخت امرأته فلم يسمع صراخها أحد لما كان في الدار من الجلبة ، وصعدت امرأته إلى الناس وقالت : إنّ أمير المؤمنين قد قتل ، فدخل الناس فوجدوه مذبوحاً ، فبلغ الخبر علياً وطلحة والزبير وسعداً ومن كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم للخبر الذي أتاهم حتى دخلوا على عثمان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا ، فقال علي لابنيه : كيف قتل أمير المؤمنين وأنتما على الباب ، ورفع يده فلطم الحسن وضرب صدر الحسين ، وشتم محمّد بن طلحة وعبد الله بن الزبير وخرج وهو غضبان حتى أتى منزله "[43].
وقال ابن كثير : " كانت مدّة حصار عثمان في داره أربعين يوماً على المشهور . . ثم كان قتله في يوم الجمعة بلا خلاف . . . لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين على الصحيح المشهور . . فكانت خلافته اثنتي عشر سنة إلاّ عشر يوماً . فأما عمره فإنه جاوز اثنتين وثمانين سنة . . . ودفن بحش كوكب شرقي البقيع "[44] .
4 - معاوية بن أبي سفيان
معاوية بن أبي سفيان ، واسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية[45] بن عبد شمس ، يكنى أبا عبد الرحمن[46] قال ابن حجر : أما اسلامه يوم فتح مكة فلا خلاف فيه كاسلام أمه وأبيه وأخيه يزيد يومئذ[47].
حياة أبي سفيان
قال الدكتور نوري جعفر : " . . . ولما انتقل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة استجمع الأمويون قواهم وألبوا مشركي قريش وحلفائهم اليهود على مقاومة الدين الجديد في شخص رسوله الكريم ، وكان قائدهم عتبة بن ربيعة أبو هند أم معاوية ، وصهره أبو سفيان ، وابن عمه الحكم بن أبي العاص ، فنشبت بدر وقتل من الأمويين عتبة وابنه شيبة وعقبة بن أبي معيط ، واسر منهم أبو العاص بن الربيع ، وعمرو بن أبي سفيان ، ونجا معاوية من القتل والأسر فهرب من المعركة . . .
كان أبو سفيان شيخ المؤلبين على حرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد بدر ، فعل ذلك أثناء جمعه جموعهم وأثناء تأليبه إياهم وفي اخراجه النساء معهم إلى أحد ، وقد مروا بالأبواء في طريقهم إلى أحد فاقترح عليهم أبو سفيان أن ينبشوا قبر آمنة بنت وهب أم الرسول ( وكانت قد توفيت هناك وهي راجعة بالرسول ، وعمره صلّى الله عليه وآله وسلّم سنتان إلى مكة بعد زيارتها لإخوانها من بني عدي بن النجار ) . وقال أبو سفيان لهم : فان يصب محمّد من نسائكم احداً قلتم هذه رمة أُمّك ، فإن كان باراً كما يزعم فلعمري ليفادينكّم برمة أمه ، وإن لم يظفر بإحدى نسائكم فلعمري فليفدينّ أمه بمال كثير ، فاستشار أبو سفيان أهل الرأي من قريش من ذلك فقالوا : لا تذكر من هذا شيئاً "[48].
وعندما اشتبك المسلمون مع المشركين في أحد ، صاح الشيطان : " إنّ محمّداً قد قتل " فقال أبو سفيان بن حرب : يا معشر قريش ، أيكم قتل محمّداً ؟ قال ابن قميئة : أنا قتلته ، قال : نسورك[49] كما تفعل الأعاجم بأبطالها ، وجعل أبو سفيان يطوف بأبي عامر الفاسق في المعركة هل يرى محمّداً بين القتلى . . . قال أبو سفيان : ما نرى مصرع محمّد ولو كان قتله لرأيناه ، كذب ابن قميئة[50] وقتل أبو سفيان من خيار أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سبعين ما بين مهاجري ، وأنصار ، منهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب بن هاشم[51].
ولما عزم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم على فتح مكة ، ولجأ أبو سفيان إلى العبّاس عم النبي مضطراً والتمسه إنّ يأخذه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والعبّاس أردفه على بغلة رسول الله وأتى به إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد ما مكث أبو سفيان عشرين سنة عدواً لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يهجو المسلمين ويهجونه[52] ويعاديه عداوة لم يعادها أحدٌ قط . قال العبّاس لأبي سفيان : ويحك اسلم واشهد أن لا إله إلاَّ الله وإن محمّداً رسول الله ، وإن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم حين عرض الاسلام على أبي سفيان قال له : كيف اصنع بالعُزّى ؟ فسمعه عمر من وراء القبة فقال له : تخرأ عليها ، فقال له أبو سفيان : ويحك يا عمر ، إنك رجل فاحش[53] فأسلم في الظاهر ، ولم يؤمن بقلبه ، وذلك لما رواه المقريزي باسناده إنّ أبا سفيان دخل على عثمان ، حين صارت الخلافة إليه ، فقال : قد صارت إليك بعد تيم وعدي ، فأدرها كالكرة واجعل أوتادها بني أمية فإنما هو الملك ولما أدري ما جنة ولا نار[54] أو قال : أهل في الدار أحد غير بني أمية ؟ وكان أعمى . فقيل له : لا ، فقال : تلقفوها يا بني أمية تلقف الصبيان للكرة ، فوالله ما من جنة ولا نار ولا حساب ولا عقاب[55].
أم معاوية هند بنت عتبة
كانت هند من أعداء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، قال معاوية : لما أسلمت قالت لي : إنّ هاجرت قطعنا عنك النفقة[56].
بعد ما أسلم أبو سفيان ظاهراً ودخل مكة ، انتهى إلى هند بنت عتبة فأخذت برأسه فقالت : ما وراءك ؟ قال : هذا محمّد في عشرة آلاف عليهم الحديد ، وقد جعل لي من دخل داري فهو آمن ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن طرح السلاح فهو آمن قالت : قبحك الله رسول قوم . . . وجعلت هند تقول : اقتلوا وافدكم هذا ، قبحك الله وافد قوم ، ويقول أبو سفيان : ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم[57] ( 1 ) .
وقال ابن الطقطقي : " وكانت في وقعة أحد ، لما صرع حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه عم رسول الله صلّى الله عليه وآله من طعنة الحربة التي طعنها جاءت هند ، فمثلت بحمزة وأخذت قطعة من كبده فمضغتها حنقاً عليه لأنه كان قد قتل رجالا من أقاربها ، فلذلك يقال لمعاوية ، ابن آكلة الأكباد . ولما فتح النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم مكة حضرت إليه متنكرة في جملة نساء من نساء مكة أتين ليبايعنه ، فلما تقدمت هند لمبايعته اشترط صلوات الله عليه وآله شروط الاسلام عليها ، وهو لا يعلم إنها هند ، فأجابته بأجوبة قوية على خوفها منه فممّا قال لها وقالت ، قال لها صلّى الله عليه وآله وسلّم : " تبايعنني على إنّ لا تقتلن أولاد كن " وكانوا في الجاهلية يقتلون الأولاد ، فقالت هند : أما نحن فقد ربيناهم صغاراً وقتلتهم كباراً يوم بدر فقال " وعلى إنّ لا تعصينني في معروف " قالت : ما جلسنا هذا المجلس وفي عزمنا إنّ نعصيك ، قال : " وعلى إنّ لا تسرقن " قالت : وما سرقت عمري شيئاً ، اللهم إلا إنني كنت آخذ من مال أبي سفيان شيئاً في بعض الوقت وكان أبو سفيان زوجها حاضراً فحينئذ علم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إنها هند ، فقال : هند ؟ قالت : نعم يا رسول الله ، فلم يقل شيئاً لأن الاسلام جبّ ما قبله ثم قال : " وعلى إنّ لا تزنين " قالت : وهل تزني الحرة ؟ قالوا : فالتفت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى العبّاس رضي الله عنه وتبسم "[58].
مما قال رسول الله في آل أبي سفيان
روى نصر بن مزاحم باسناده عن علي بن الأرقم قال : " وفدنا على معاوية وقضينا حوائجنا ثم قلنا : لو مررنا برجل قد شهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وعاينه ، فأتينا عبد الله بن عمر فقلنا : يا صاحب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حدّثنا ما شهدت ورأيت ، قال : إنّ هذا أرسل إلي - يعني معاوية - فقال : لئن بلغني إنك تحدث لأضربّن عنقك ، فجثوت على ركبتي بين يديه ثم قلت : وددت أن أحد سيف في جندك على عنقي ، فقال : والله ما كنت لأقاتلك ولا أقتلك . وأيم الله ما يمنعني إنّ أحدثكم ما سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال فيه . رأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أرسل اليه يدعوه - وكان يكتب بين يديه - فجاء الرسول . فقال : هو يأكل ، فقال : لا أشبع الله بطنه فهل ترونه يشبع ؟ قال : وخرج من فج فنظر رسول الله إلى أبي سفيان وهو راكب معاوية وأخوه ، أحدهما قائد والآخر سائق ، فلما نظر إليهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : " اللهم العن القائد والسائق والراكب " قلنا : أنت سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟ قال : نعم ، والا فصمتا أذناي كما عميتا عيناي "[59].
وباسناده عن الحسن قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم : " إذا رأيتم معاوية على منبري يخطب فاقتلوه "[60].
وقال : " فحدّثني بعضهم قال : قال أبو سعيد الخدري : فلم نفعل ولم نفلح "[61].
وعن زر بن حبيش وعبد الله بن مسعود قالا : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : " إذا رأيتم معاوية بن أبي سفيان يخطب على منبري فاضربوا عنقه . قال الحسن : فما فعلوا ولا أفلحوا "[62].
وعن خيثمة قال : قال عبد الله بن عمر : إنّ معاوية في تابوت في الدرك الأسفل من النار ، ولولا كلمة فرعون : " أنا ربكم الأعلى " ما كان أحد أسفل من معاوية[63].
وباسناده عن أبي حرب بن أبي الأسود عن رجل من أهل الشام عن أبيه قال : " إني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : شر خلق الله خمسة : إبليس ، وابن آدم الذي قتل أخاه ، وفرعون ذو الأوتاد ، ورجل من بني إسرائيل ردهم عن دينهم ، ورجل من هذه الأمة يبايع على كفره عند باب لد ، قال الرجل : إني لما رأيت معاوية بايع عند باب لد ، ذكرت قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلحقت بعلي فكنت معه "[64].
وباسناده عن عبد الله بن عمر قال : " قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : يموت معاوية على غير الإسلام " .
وبإسناده عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : " يموت معاوية على غير ملتي " .
وباسناده عن البراء بن عازب ، قال : أقبل أبو سفيان ومعه معاوية ، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : " اللّهم العن التابع والمتبوع ، اللهم عليك بالأقيعس " فقال ابن البراء لأبيه : من الأقيعس ؟ قال معاوية "[65].
وكتاب المعتضد في شأن بني أمية ، الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية ، مشهور .
روى ابن جرير الطبري " . . وكان من عانده ونابذه ، وكذبه وحاربه من عشيرته العدد الأكثر والسواد الأعظم ، يتلقونه بالتكذيب والتثريب ، ويقصدونه بالأذية والتخويف ، ويبادونه بالعداوة ، وينصبون له المحاربة ، ويصدون عنه من قصده وينالون بالتعذيب من اتبعه ، وأشدهم في ذلك عداوة وأعظمهم له مخالفة ، وأولهم في كل حرب ومناصبة ، لا يرفع على الاسلام راية إلا كان صاحبها وقائدها ورئيسها في كل مواطن الحرب من بدر واحد والخندق والفتح . . أبو سفيان بن حرب وأشياعه من بني أمية الملعونين في كتاب الله ثمّ الملعونين على لسان رسول الله في عدة مواطن وعدة مواضع لماضي علم الله فيهم وفي أمرهم ونفاقهم وكفر أحلامهم ، فحارب مجاهداً ودافع مكابداً ، وأقام منابذاً حتى قهره السيف وعلا أمر الله وهم كارهون ، فتقوّل بالاسلام غير منطو عليه واسرَّ الكفر غير مقلع عنه ، فعرفه بذلك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والمسلمون ، وميز له المؤلفة قلوبهم فقبله وولده على علم منه . فمما لعنهم الله به على لسان نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنزل به كتاباً قوله : ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَاناً كَبِيراً )[66] ولا اختلاف بين أحد أنه أراد بها بني أمية .
ومنه قول الرسول عليه السّلام وقد رآه مقبلا على حمار ومعاوية يقود به ويزيد ابنه يسوق به : " لعن الله القائد والراكب والسائق " .
ومنه ما يرويه الرواة من قوله : " يا بني عبد مناف تلقفوها تلقف الكرة فما هناك جنة ولا نار . وهذا كفر صراح يلحق به اللعنة من الله كما لحقت ( الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ )[67].
ومنه ما يروون من وقوفه على ثنية أحد بعد ذهاب بصره ، وقوله لقائده : ها هنا ذببنا محمّداً وأصحابه ، ومنه الرؤيا التي رآها النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم فوجم لها فما رئي ضاحكاً بعدها فأنزل الله ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ )[68] فذكروا انه رأى نفراً من بني أمية ينزون على منبره .
ومنه طرد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الحكم بن أبي العاص لحكايته إياه ، وألحقه الله بدعوة رسوله آية باقية حين رآه يتخلج فقال له : " كن كما أنت " فبقي على ذلك سائر عمره إلى ما كان من مروان في افتتاحه أول فتنة كانت في الاسلام ، واحتقابه لكل دم حرام سفك فيها أو أريق بعدها .
ومنه ما أنزل الله على نبيه في سورة القدر : ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْر )[69] من ملك بني أمية .
ومنه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دعا بمعاوية ليكتب بأمره بين يديه فدافع بأمره واعتل بطعامه فقال النبي : " لا أشبع الله بطنه " فبقي لا يشبع ويقول : والله ما أترك الطعام شبعاً ولكن إعياء .
ومنه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : " يطلع من هذا الفج رجل من أمتي يحشر على غير ملتي " ، فطلع معاوية .
ومنه أن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال : " إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه " .
ومنه الحديث المرفوع المشهور أنه قال : " إنّ معاوية في تابوت من نار في أسفل درك منها ينادي : يا حنان يا منان ، الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين " .
ومنه إنبراؤه بالمحاربة لأفضل المسلمين في الاسلام مكاناً وأقدمهم إليه سبقاً وأحسنهم فيه أثراً وذكراً ، علي بن أبي طالب ، ينازعه حقه بباطله ويجاهد أنصاره بضلاله وغواته ، ويحاول ما لم يزل هو وأبوه يحاولانه ، من اطفاء نور الله وجحود دينه ، أو يأبى الله إلاّ إنّ يتم نوره ولو كره المشركون ، يستهوي أهل الغباوة ، ويموه على أهل الجهالة بمكره وبغيه ، الذين قدم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الخبر عنهما فقال لعمار : " تقتلك الفئة الباغية تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار " مؤثراً للعاجلة كافراً بالآجلة ، خارجاً من ربقة الاسلام مستحلاً للدم الحرام ، حتى سفك في فتنته وعلى سبيل ضلالته دم ما لا يحصى عدده من خيار المسلمين الذابين عن دين الله والناصرين لحقه ، مجاهداً لله مجتهداً في إنّ يعصى الله فلا يطاع ، وتبطل احكامه فلا تقام ، ويخالف دينه فلا يدان ، وأن تعلو كلمة الضلالة ، وترتفع دعوة الباطل وكلمة الله هي العليا ودينه المنصور ، وحكمه المتبع النافذ ، وأمره الغالب وكيد من حاده المغلوب الداحض ، حتى احتمل أوزار تلك الحروب وما اتبعها وتطوق تلك الدماء وما سفك بعدها وسن سنن الفساد التي عليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة ، وأباح المحارم لمن ارتكبها ومنع الحقوق أهلها ، واغتره الإملاء واستدرجه الامهال ، والله له بالمرصاد .
ثم مما أوجب الله له به اللعنة ، قتله من قتل صبراً من خيار الصحابة والتابعين وأهل الفضل والديانة ، مثل عمرو بن الحمق وحجر بن عدي فيمن قتل ] من [ أمثالهم في أن تكون له العزة والملك والغلبة ، ولله العزة والملك والقدرة والله عزّوجلّ يقول : ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )[70].
ومما استحق به اللعنة من الله ورسوله : ادعاؤه زياد بن سمية ، جرأة على الله والله يقول ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ )[71] ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : " ملعون من ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه " ويقول : " الولد للفراش وللعاهر الحجر " فخالف حكم الله عزّوجلّ وسنة نبيه صلّى الله عليه وآله وسلّم جهاراً ، وجعل الولد لغير الفراش . وللعاهر لا يضرّه عهره ، فادخل بهذه الدعوة من محارم الله ومحارم رسوله في أم حبيبة زوجة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وفي غيرها من سفور وجوه ما قد حرمه الله ، وأثبت بها قربى قد باعدها الله وأباح بها ما قد حظره الله مما لم يدخل على الاسلام خلل مثله ، ولم ينل الدين تبديل شبهه .
ومنه ايثاره بدين الله ودعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد المتكبر الخمير صاحب الديوك والفهود والقرود ، وأخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهدد والرهبة وهو يعلم سفهه ويطلع على خبثه ورهقه ، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره فلما تمكن منه ما مكنه منه ووطأه له ، وعصى الله ورسوله فيه طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين ، فأوقع بأهل الحرة الوقيعة التي لم يكن في الاسلام أشنع منها ولا أفحش مما ارتكب من الصالحين فيها ، وشفى بذلك كيد نفسه وغليله وظن أن قد انتقم من أولياء الله ، وبلغ النوى لأعداء الله ، فقال مجاهداً بكفره ومظهراً لشركه :
ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل
قد قتلنا القرم من ساداتكم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل
فأهلّوا واستهلّوا فرحاً * ثم قالوا : يا يزيد لا تشل
لست من خندف إنّ لم انتقم * من بني أحمد ما كان فعل
ولعت هاشم بالملك فلا * خبر جاء ولا وحيٌ نزل
هذا هو المروق من الدين ، وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله ولا يؤمن بالله ولا بما جاء من عند الله .
ثمّ من أغلظ ما انتهك وأعظم ما اخترم ، سفكه دم الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مع موقعه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل ، وشهادة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة اجتراء على الله وكفراً بدينه ، وعداوة لرسوله ومجاهدة لعترته ، واستهانة بحرمته ، فكأنما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كفار أهل الترك والديلم ، لا يخاف من الله نقمة ، ولا يرقب منه سطوة ، فبتر الله عمره واجتث أصله وفرعه ، وسلبه ما تحت يده واعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه من الله بمعصيته .
هذا إلى ما كان من بني مروان من تبديل كتاب الله وتعطيل احكامه واتخاذ مال الله دولا بينهم ، وهدم بيته واستحلال حرامه ، ونصبهم المجانيق عليه ورميهم إياه بالنيران ، لا يألون له إحراقاً وإخراباً ، ولما حرم الله منه استباحة وانتهاكاً ، ولمن لجأ إليه قتلا وتنكيلا ، ولمن أمنه الله به إخافة وتشريداً حتى إذا حقت عليهم كلمة العذاب واستحقوا من الله الانتقام ، وملأوا الأرض بالجور والعدوان وعموا عباد الله بالظلم والإقتسار ، وحلت عليهم السخطة ونزلت بهم من الله السطوة ، أتاح الله لهم من عترة نبيه وأهل وراثته من استخلصهم منهم بخلافته ، مثل ما أتاح الله من أسلافهم المؤمنين وآبائهم المجاهدين لأوائلهم الكافرين ، فسفك الله بهم دماءهم مرتدين ، كما سفك بآبائهم دماء آباء الكفرة المشركين ، وقطع الله دابر القوم الظالمين ، والحمد لله رب العالمين "[72].
وقال : " بايع أهل الشام معاوية بالخلافة في سنة سبع وثلاثين في ذي القعدة حين تفرق الحكمان ، وكانوا قبل بايعوه على الطلب بدم عثمان ثم صالحه الحسن بن علي عليه السّلام وسلّم له الأمر سنة إحدى وأربعين لخمس بقين من شهر ربيع الأول ، فبايع الناس جميعاً معاوية ، فقيل عام الجماعة ، ومات بدمشق سنة ستين يوم الخميس لثمان بقين من رجب[73].
وكانت ولايته تسع عشرة سنة وثلاثة أشهر وسبعة وعشرين يوماً .
قال : ويقال : كان بين موت علي عليه السّلام وموت معاوية تسع عشرة سنة وعشرة أشهر وثلاث ليال "[74].
واختلفوا في مدة عمره وكم عاش ، فقال بعضهم : مات يوم مات وهو ابن خمس وسبعين سنة ، وقال آخرون : مات وهو ابن ثمان وسبعين سنة ، وقال آخرون : مات وهو ابن خمس وثمانين سنة[75].
[1] ذخائر العقبى ص 58 .
[2] المناقب ، الفصل الرّابع ص 21 .
[3] مطالب السّؤل في مناقب آل الرّسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ص 28 مخطوط ، ورواه الحمويني في فرائد السّمطين ج 1 ص 226 ، رقم 176 .
[4] تاج العروس ج 6 ، ص 217 .
[5] الأنساب عن الكبي .
[6] وكان عبد الله بن جدعان نخّاساً يبيع الجواري ، حياة الحيوان ج 1 ص 194 .
[7] الأنساب ص 2 .
[8] الأغاني ج 8 ص 4 . وتاج العروس ج 5 ص 295 كلمة جدع .
[9] تاريخ الطبّري ج 2 ص 316 .
[10] حياة الحيوان للدميري ج 1 ص 194 .
[11] الأنساب ، مخطوط .
[12] تاريخ الطّبري ج 3 ص 420 و 422 .
[13] الطّبقات لكاتب الواقدي ج 3 ق 1 ص 190 .
[14] سيرة ابن هشام ج 4 ص 45 وعيون الأثر ج 2 ص 169 .
[15] الأنساب ص 4 مخطوط .
[16] سورة طه : 14 .
[17] الطبقات ج 3 ق 1 ص 191 .
[18] المصدر ، ص 193 .
[19] حياة الحيوان ج 1 ص 194 .
[20] النّهاية ج 1 ص 119 ، والقاموس في صفحة 364 ، مخطوط تحت كلمة ( المبرطش ) .
[21] تاج العروس ج 4 ص 107 .
[22] قال ياقوت : " قال الواقدي : بين ضجنان ومكّة خمسة وعشرون ميلا " معجم البلدان ج 3 ص 453 ، ونقله الزّبيدي عن الزّمخشري ج 9 ص 263 .
[23] المختصر في أخبار البشر ج 1 ص 165 ، وابن سعد في الطبقات ج 3 ق 1 ص 190 وص 191 مع فرق يسير.
[24] الطبّقات ج 3 ص 196 ق 1 .
[25] شرح نهج البلاغة ج 1 ص 55 .
[26] الطبقات ص 265 .
[27] الإصابة في تمييز الصّحابة ج 2 ص 462 .
[28] صفة الصّفوة ج 1 ص 294 .
[29] أنساب الأشراف ج 5 ص 2 .
[30] المصدر ص 23 .
[31] قال البلاذري : " كتب لعائشة في اثني عشر الفاً وكتب لسائر أزواج النبي عشرة آلاف " ( فتوح البلدان ص 435 ) .
[32] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 165 .
[33] ابن أبي الحديد ج 2 ص 77 .
[34] النّهاية ج 5 ص 80 ، وتاج العروس ج 8 ص 141 .
[35] حياة الحيوان ج 2 ص 359 .
[36] النهاية لابن الأثير ج 5 ص 80 .
[37] تاج العروس ج 8 ص 141 .
[38] الجوالق .
[39] أنساب الأشراف ج 5 ص 75 .
[40] تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 165 .
[41] أنساب الأشراف ج 5 ص 75 .
[42] الصواعق المحرقة ص 69 .
[43] الصّواعق المحرقة ص 69 - 71 .
[44] البداية والنّهاية ج 7 ص 190 .
[45] قال عماد الدّين الطبري : ] أميّة لم يكن من العرب [ إنّ أميّة كان غلاماً روميّاً لعبد شمس ، ولما رأى فطنته وكياسته تبنّاه ودعاه ابناً له فاشتهر بأميّة بن عبد شمس " الكامل للبهائي ج 2 ص 180 . وقال الخالصي : " إنّ أمية ليس من صلب عبد شمس ، وإنّما هو غلام رومّي استلحقه عبد شمس " . العروبة في دار البوار ص 110 .
[46] الاستيعاب ج 3 ص 1416 رقم 2435 .
[47] تطهير الجنان واللّسان ص 8 .
[48] الصراع بين الأمويين ومبادئ الاسلام ص 23 ، والعروبة في دار البوار ص 113 .
[49] سوره : ألبسه السّوار .
[50] المغازي للواقدي ج 1 ص 236 .
[51] النّزاع والتخاصم للمقريزي ص 17 .
[52] راجع المغازي للواقدي ج 2 ص 807 .
[53] السّيرة الحلبية ج 3 ص 18 والصّراع بين الأمويين ومبادئ الاسلام ص 27 .
[54] النّزاع والتّخاصم ص 20 ، والنّصائح الكافية ص 85 .
[55] العروبة في دار البوار 112 .
[56] تطهير الجنان واللسان لابن حجر الهيتمي ص 7 طبع مكتبة القاهرة .
[57] المغازي للواقدي ج 2 ص 822 .
[58] الفخري في الآداب السلطانيّة والدّول الاسلاميّة ص 103 .
[59] وقعة صفين ص 220 وص 216 وص 217 .
[60] وقعة صفين ص 220 وص 216 وص 217 .
[61] وقعة صفين ص 220 وص 216 وص 217 .
[62] وقعة صفين ص 220 وص 216 وص 217 .
[63] وقعة صفين ص 220 وص 216 وص 217 .
[64] وقعة صفين ص 220 وص 216 وص 217 .
[65] وقعة صفين ص 217 .
[66] سورة الإسراء : 60 .
[67] سورة المائدة : 78 .
[68] سورة الإسراء : 60 .
[69] سورة القدر : 3 .
[70] سورة النّساء : 93 .
[71] سورة الأحزاب : 5 .
[72] تاريخ الطّبري ج 10 ص 57 - 61 .
[73] وقيل غير ذلك .
[74] المصدر ج 5 ص 324 و 325 .
[75] تاريخ الطبري ج 5 ص 324 و 325 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|