أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-04-2015
1815
التاريخ: 15-11-2014
2209
التاريخ: 24-04-2015
1838
التاريخ: 2023-04-04
1574
|
1- التفسير: يتداول الدارسون ثلاثة إصطلاحات قرآنية كثر النقاش حولها، وتجاذب الحديث فيها علماء اللغة والقرآن والأصول. وتداخلت الآراء فيها إلى درجة يصعب الإختيار بينها. ولا نجد ميزاناً ضابطاً لهذه الأقوال إلا بالرجوع إلى ركيزتين: القرآن نفسهُ، واصطلاح عصر النص (النبي وآلهِ وصحبه) وقد وجدنا تطابقاً إصطلاحا. وسوف نعرض بإختصار ما عرضوا لنخرج من هذا المخاض بنتيجة واقعية.
فالتفسير (لغةً): فيه ثلاثة إتجاهات: إما من الفسر، أو من التفسرة، أو مقلوب الجذر وهو السفر. فأما (الفسر): فهو الإبانة (البيان) والكشف، وهذا ما يراهُ ابن منظور والفيروز آبادي والفراهيدي[1]. وقيل مأخوذ من (التفسرة): وهي الماء القليل الذي ينظر فيه الأطباء، فيكشف عن علة المرضى، وقد نقل هذا المعنى إلى التفسير لأنه يكشف معنى الآية، ذكرهُ الزركشي وتابعهُ السيوطي في ذلك.[2]
وقيل هو مقلوب الجذر (سفر) يقال أسفرت المرآة إذا ألقت خمارها، وأسفر الصبح إذا أضاء. ذكرهُ الزركشي والسيوطي.[3]
وهناك محاولات للموازنة بين هذه الإشتقاقات – كما حاول الراغب الأصفهاني[4] وأمين الخولي[5]- ترجع كلها إلى نتيجة واحدة كما ذكرها الدكتور محمد حسين الصغير بقولِه: (وسواء أكان اللفظ على سلامة جذرهِ أم كان مقلوباً، فالدلالة واحدة في اللغة وهي: (كشف المغلق وتيسير البيان، والإظهار من الخفي إلى الجلي)[6].
أما التفسير (إصطلاحاً): ويمكن ردهُ إلى ثلاث مجاميع:-
المجموعة الأولى: التي يُمثلها الطوسي[7] والزركشي[8] والسيوطي[9]، وهؤلاء قد توسعوا في الإصطلاح فأدخلوا (كل مباحث علوم القرآن في التفسير مثل المكي والمدني وأسباب النزول والمحكم والمتشابه والعام والخاص، والمطلق والمقيد – وزاد آخرون – علم الحلال والحرام والوعد والوعيد والأمر والنهي والأمثال.
وزاد الطوسي علم القراءة والإعراب والجواب عن مطاعن الملحدين).
وهو تعريف من النوع التجريبي فإنهم بالتجربة عرفوا أنهم يحتاجون إلى هذه العلوم التي لا يستغني عنها المفسر، ولكنهُ تعريف غير مانع لدخول ما ليس تفسيراً في صياغة التعريف كما أنه مُغرق بالتفاصيل.
المجموعة الثانية: ويمثلها أبو حيان الأندلسي ومن تبعهُ فقد ذكر: الدلالة الموضوعية لألفاظ القرآن ومدلولاتها وأحكامها: إفراداً وتركيباً، فأدخل علم القراءة وعلم اللغة وعلم البيان والبديع والتصريف، وقوله (تتمات ذلك) لعله يشير إلى علوم القرآن من الناسخ والمنسوخ.. الخ كما فسرهُ السيوطي في الإتقان[10].
وهو أيضاً من نوع التعريف التجريبي إذ لا يستغني المفسر عن علوم العربية. لكنه أيضاً تعرض إلى الجزئيات والموضوعات الشخصية في حين أن التعريف – منطقياً – يجب أن يتسم بالكلية على نحو القضايا الحقيقية.
وفي الواقع هذه الجزئيات تدخل في التفسير إلا أنه لا يمكن إدراج عناوينها بهذا التفصيل ولابد من إقتراح مصطلحٍ جامع لها، لعلهُ من الأرجح أن نسميها (العلوم الآلية) ونقصد بها كل العلوم التي تخدم التفسير سواء كانت قرآنية أم لغوية أم أصولية.. الخ.
ومن جهة أخرى فإن من سمات التعريف المنطقي تحديد جنسهِ وفصلِه ثم العوارض الخاصة غير أن المجموعتين لم توضحا هذا المطلب.
المجموعة الثالثة: توفرت فيها شروط التعريف المنطقي وهي التي أعتمدها من القدماء الطبرسي[11] وأكثر المتأخرين كالزرقاني[12] والفناري[13]والطباطبائي[14] والصدر[15] والصغير[16] وعبد الأمير زاهد[17] حيث أوضحوا ذلك بقولهم والكلام للزرقاني (علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالتهِ على مراد الله تعالى، بقدر الطاقة البشرية).
فالجنس هنا هو (العلم) الذي يدخل تحته كل العلوم، فلابد من الفصل الذي يُميزهُ عن باقي العلوم وهو (البحث عن مراد الله تعالى في القرآن الكريم) الذي ترجمهُ الطباطبائي بقولِه (بيان معاني الآيات القرآنية والكشف عن مقاصدها ومداليلها) إذ أن أصل التفسير هو (الكشف والبيان) وهو المعنى اللغوي الذي أثبتناهُ وهو حقيقة التفسير، أما (بقدر الطاقة البشرية) فهو قيد إحترازي يفيد أن المحدود وهو الإنسان لا يحيط باللامحدود وهو الله.
لكن لم يُبين التعريف كيفية التوصل إلى بيان وكشف مراد الله تعالى؟
والجواب عن ذلك بواسطة (العلوم الآلية) الخادمة لعلم التفسير وتقسم إلى قسمين قسم يدخل في صلب علم التفسير (عوارضهُ الخاصة) مثل جميع علوم القرآن، وقسم يدخل في عوارضِه العامة كالعلوم العربية كدلالة الألفاظ وتراكيبها. أضافة إلى العلوم البلاغية والأصول وكل علم يساعد في تفسير القرآن يدخل تحت ما سميناه (العلوم الآلية).
إذن فالمجموعة الثالثة أقرب التعاريف إلا أننا نضيف إليها ما يسمى في الميزان المنطقي (العرض) لكي يكون التعريف جامعاً مانعاً فيكون التعريف كالآتي:
علم التفسير: (هو العلم الباحث عن بيان مراد الله تعالى في القرآن الكريم وفق منهج علمي يوظف العلوم الآلية لذلك حسب الطاقة البشرية).
فالعلم (جنس)، بيان مراد الله تعالى في القرآن هو (الفصل)، وبمساعدة العلوم الآلية هو (العرض) بحسب الطاقة البشرية قيد (إحترازي) وبالنتيجة إلتقى المعنى اللغوي مع المعنى الإصطلاحي للتفسير وهو (الكشف والبيان لمراد الله). ومن الجدير بالذكر أن القرآن الكريم قد استخدم لفظة البيان في معنى التفسير قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[18] وهذه وظيفة جميع الأنبياء قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللهَ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ}[19].
وراجعنا تفسير الآية الأولى[20] والآية الثانية[21] فوجدناهما يتوافقان على معنى (البيان) بالتفسير وكشف المراد وإيضاح المجمل والمشكل.
واضافة (وفق منهج علمي) اذ لابد لكل تفسير من قواعد ومناهج يعمل عليها، واما العلوم الالية فهي العلوم الخادمة للتفسير.
2- التأويل: ومن ملازمات الحديث عن التفسير، إيضاح مصطلح التأويل، الذي وإن تقاربت كلمةُ اللغويين على معناهُ إلا أن الإصطلاح تغير عبر العصور، ثم إنهم عقدوا مقارنة بينه وبين التفسير أوصلها بعضهم إلى ثلاثة عشر قولاً وللخروج من هذه المناقشة لابد من الرجوع إلى القرآن وإصطلاح عصر النص (النبي وآله وأصحابه).
فالتأويل (لغةً): إما مأخذوذ من الأُول: وهو الرجوع، قال ابن منظور والفيروز آبادي: آل إليه ومآلاً: أي رجع وعنه إرتد وأول الكلام تأويلاً، وتأولهُ: دبرهُ وقدرهُ وفسرهُ)[22]. ومعنى رابع هو المآل أي نهاية ما يقتضيه اللفظ من المعني أي نهايات الدلالة اللفظية.
وقيل مأخوذ من الإيالة وهي السياسة، فكأن المؤول ساس الكلام ووضعهُ موضوعه[23].
أما التأويل (إصطلاحاً): فقد ذُكر له ثلاثة معاني:-
المعنى الأول: الترادف بين التفسير والتأويل. وهو قول القدماء كمجاهد والطبري حيث يقول في تفسيرِه: القول في تأويلِهِ (كذ وكذا)[24].
المعنى الثاني: التأويل من باب الوجود العيني الخارجي، فإن كان المراد طلباً كان تأويله الفعل المطلوب نفسهِ، وإن كان خبراً كان تأويله الشيء المخبر به نفسهُ.
أما المعنى الثالث: صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل يقترن به.[25]
قال الطباطبائي والسبحاني عن المعنى الثالث بأنهُ مصطلح حديث بين العلماء لا يمت إلى القرآن بصلة ولا دليل عليه[26]. أما القول الأول والثاني فربما يتضح من خلال بحث التأويل قرآنياً. إلا أننا قبل ذلك نحاول معالجة المقارنة الطويلة بين التفسير والتأويل حتى تداخلت الأقوال وتعاكست – لعل أول من ذكرها الطبرسي في مقدمة تفسيرِهِ([27]) وصاحب كتاب كشف الظنون [28]وأوصلها الدكتور محمد حسين الصغير إلى إثنتي عشرة نقطة.[29] فلتراجع
إلا أن هذا الحجم الكبير من الفروقات يعد مؤشراً خطيراً لأنه يمس أصول القرآن المعرفية. ولعل هذا ناتج من تباين الخلفيات الثقافية للناظرين لهذه المسألة أولاً، واختلاف آليات العمل بينهما ثانياً.
فالبلاغي جعل التفسير للمعنى الظاهري والتأويل للمعنى المجازي، واللغوي جعل التفسير هو البيان، والتأويل هو الرجوع فهل هناك مقاربة بين البيان والرجوع؟
وذهب الأصولي بمصطلح حادث وهو صرف اللفظ عن المعنى الظاهري إلى المعنى المرجوح وذهب القدماء إلى الترادف بين التفسير والتأويل، وذهب آخرون إلى أن التفسير يخص الرواية وأسباب النزول والتأويل يخص الدراية – ومن الواضح أن بعض الروايات هي تأويلات باطنية – وبعضهم ربما أعطى آلية الكشف في كل منهما. فالتفسير حركة ظاهرية أفقية على سطح النص، تعمل في نطاق المتبادر والتأويل حركة عمودية في طبقات النص في نطاق ما بعد التبادر[30] وذهب السيد الشهيد الصدر الأول إلى أن التفسير يخص اللفظ، والتأويل يخص المعنى.[31] بعد أن عرض صورة إجمالية للفروقات بين التفسير والتأويل [32].
وللخروج بنتيجة حاسمة لابد من الرجوع إلى القرآن وإصطلاح عصر النص المتمثل بالنبي وأهل بيته وأصحابه: فعلينا أن ندرس كلمة التأويل كما جاءت في القرآن الكريم وهذه المحاولة قام بها كل من الطباطبائي والصدر والسبحاني وكذلك ابن تيمية[33] وكان الطباطبائي أكثر دقةً عندما لاحق كلمة التأويل وإستخداماتها السياقية في خمس عشرة آية: فخرج بالنتائج التالية:
1. إن التأويل يخص جميع القرآن ولا يقتصر على الآيات المتشابهة ودليلهُ الآية القرآنية الآتية {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى...} إلى أن قال:{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ... بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ}.[34] قال: والآيات كما ترى تضيف التأويل إلى مجموع الكتاب[35] وفي هذه لفتة رائعة للإهتمام بالسياق الكلي للنص.
2. إن التأويل هو الأمر العيني الخارجي الذي يعتمد عليه الكلام، وبعبارة أخرى أن القرآن هو الوجود اللفظي، والتأويل هو المقصود العيني الخارجي وهو في مورد الأخبار أي المخبرَ به من الواقع في الخارج – إما سابقاً كقصص الأنبياء والأمم الماضين، وإما لاحقاً كما في الآيات المخبرة عن صفات الله وأسمائِه ومواعيدِهِ وكل ما سيظهر يوم القيامة، وفي مورد الإنشاء كقوله تعالى: {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[36] تأويله فعلهم الخارجي من إيفاء الكيل وإقامة الوزن[37]. والدليل على أن التأويل يخص الأمور الخارجية منه ما مضى ومنه ما يأتي ومنه الحالي كما في مورد الإنشاء. كما سيأتي عن الامام علي(عليه السلام).
إن قصة موسى(عليه السلام) مع العبد الصالح كلها كانت أموراً خارجية حدثت كخرق السفينة وإقامة الجدار وقتل الغلام ثم جاء تأويلهما بعد ذلك بقولِهِ:{سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً} فكان تأويلها لاحقاً.
وكذلك في قصة يوسف هناك ثلاثة أنواع من الرؤيا، الرؤيا الأولى رؤية يوسف عندما رأى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر ساجدين جاء تأويلهما بعد حين وهكذا رؤيا عزيز مصر ورؤيا الفتيان. إذ وقع الفعل منهم أولاً في الخارج ثم جاء تأويل ذلك. وكذا التدبير في آيات القيامة يعطي أن المراد هو الأمور المتحققة لاحقاً لكنهم لما لم يعرفوا حقيقتها(تأويلها) كذبوا بها قال تعالى:{بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}[38] كما إن قصص الأنبياء جاء الأخبار بها لاحقاً لكن تأويلها حدث سابقاً فسبق التأويل التنزيل. بعبارة أخرى كان لها وجود حقيقي خارجي ثم تحول الى وجود لفضي
كذلك وصف القرآن عملية إرجاع المتشابه إلى المحكم عملية تأو[39] قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ}[40].
وهذا ما ذهب إليه بعض الباحثين أيضاً بعدما عرض لدراسة مفردة التأويل – دراسة موضوعية – إذ قال: (إن التأويل في القرآن هو ما ذكرنا من إرجاع الشيء إلى واقعهِ من دون فرق بين الكلام والفعل والحقيقة التكوينية كالرؤيا)[41] وهي كلمة جامعة ويقصد من الكلام المحكم والمتشابه، ويقصد من الفعل الأمور الخارجية بما فيها الأحلام. وهذا إصطلاح القرآن للتأويل. فالتفسير هو البيان، والتأويل هو التطبيق. فالتفسير هو معاني الالفاظ، والتأويل تجليات الالفاظ على أرض الواقع.
3- التنزيل: أما من جهة إصطلاح عصر النص (النبي وآله) فإنهم ميزوا بين التنزيل والتأويل ولم يلحظ ذلك عند المهتمين بهذه الإصطلاحات إذ طالما عقدوا المقارنة بين التفسير والتأويل.
فقد ورد عن الإمام علي(عليه السلام). قولهُ: (وأما ما في كتابه من معنى التنزيل والتأويل[42]:
فمنهُ ما تأويلهُ في تنزيله: فهو كل آية محكمة نزلت في تحريم شيء من الأمور ثم حرمها الإسلام مثل آية التحريم، وكل حلالٍ وحرام.
وأما الذي تأويلهُ قبل تنزيلهِ: مثالهُ كل أسباب النزول، فأن الحادثة تقع ثم يأتي التنزيل كتشريع لتلك الحادثة التي تعتبر هي التأويل وضرب مثال في الظهار.
تأويله بعد تنزيله: وهي الأمور المستقبلية مثل إخبار الساعة وصفات القيامة.
وأما ما تأويله مع تنزيله: قال: فيحتاج من سمع هذا التنزيل من رسول الله في مثل قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}[43] أن يعرف هؤلاء الصادقين الذين أمروا بالكينونة معهم ويجب على الرسول أن يدل عليهم. وذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}[44].
تأويلهُ حكاية في نفس تنزيله، كما في حكاية قول المنافقين في سورة المنافقين. نفهم من كل هذا أن التأويل يختص بالأمور الخارجية والمصاديق كما نطق به القرآن. والتنزيل هو ما نزل نجوماً في عصر النزول.
وفي رواية مختصرة عن الإمام الصادق(عليه السلام). يقول فيها: (ظهرهُ تنزيلهُ، وبطنهُ تأويله: منه ما مضى، ومنه ما يجيء بعد، يجري كما تجري الشمس والقمر)[45] ولهذا قيل أن التأويل في مقابل التنزيل لا التفسير (فالمصداق في عصر الوحي تنزيلهُ، والمصاديق المتحققة في الأجيال الآتية تأويلهُ حسب قاعدة الجري.[46] بمعنى أن الظاهر هو أول تدشين الآية على أرض الواقع، كأسباب النزول (تنزيلهُ) ولكنها لا تجمد بل تجري على كل المصاديق المتشابهة كما قال الباقر(عليه السلام): (ظاهرهُ الذي نزل فيهم وباطنهُ الذين عملوا بمثل أعمالهم)[47].
فالآيات التي نزلت في موسى وقومه ظاهرها تنزيلها(يعني في قوم موسى) وهذا من جنس تأويلهُ قبل(تنزيلهِ) في هذه المرتبة، وإذا أردنا أن نُجريها على الوقائع المشابهة فيكون تأويلها الثاني فيه وبهذا يكون القرآن في نزول مستمر ولعل هذا ما يفسر لنا قول القدماء إن هذه الآية نزلت في كذا وفي كذا كما أنه تأويل مستمر فهل التأويل والتنزيل هو التفسير؟
إذا قلنا أن التنزيل والتأويل كشفا المراد وبيّناه كما في الإصطلاح اللغوي والإصطلاحي للتفسير، نقول نعم التفسير هو (التنزيل والتأويل) إلا أن التفسير هو جامع عنواني لهذه العملية، والتنزيل والتأويل عملية ديناميكية تفعّل القرآن وتجعلهُ حيوياً وتبعثهُ من جديد والمعنى الذي ورد عن أهل البيت(عليهم السلام). نراهُ نفسه عند ابن مسعود كما سنرى في المبحث القادم (التأويل عند ابن مسعود)[48].
أي أن التأويل يغطي الوقائع الخارجية، وأما رد المتشابه إلى المحكم فهو تأويل بنص الآية والرد هنا هو الرجوع الذي هو المعنى اللغوي للتأويل، ومن هنا قالوا: أن التفسير يرادف التأويل إلا أن التفسير هو الجامع العنواني والتأويل هو العملية الحركية للنص. فهل التفسير الموضوعي ضرب من التأويل؟
إن ما نرصده من مناهج وآليات تدخل في التفسير الموضوعي تعدّ ضرباً من التأويل كما سنحققهُ لاحقا ً[49] إذ يعتمد على إرجاع النظير إلى نظيره.
[1] ابن منظور، لسان العرب: 6/361، الفيروز آبادي، القاموس 2/110، الخليل، كتاب العين 7/247.
[2] الزركشي، البرهان في علوم القرآن 2/147، السيوطي، الإتقان 4/161.
[3] المصادر نفسها.
[4] الراغب، المفردات، مادة (سفر).
[5] أمين الخولي، المعارف الإسلامية، مادة تفسير 5/348.
[6] د. محمد حسين الصغير، المبادئ العامة لتفسير القرآن، 17.
[7] ظ. الطوسي، التبيان في تفسير القرآن 1/2-3.
[8] الزركشي، البرهان 2/148.
[9] السيوطي، الإتقان 4/163.
[10] السيوطي، الإتقان 4/163.
[11] الطبرسي، مجمع البيان 1/13.
[12] الزرقاني، مناهل العرفان 1/334.
[13] نقلاً عن حاجي خليفة في كشف الظنون 1/427.
[14] محمد حسين الطباطبائي معرفة القرآن، 196.
[15] محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنية، رسالة في علوم القرآن، 298.
[16] د. محمد حسين الصغير، المبادئ العامة لتفسير القرآن 19.
[17] د. عبد الأمير زاهد، (إشكالية التأويل) بحث منشور في مجلة السدير العدد 4 السنة الثانية 3، جامعة الكوفة، النجف الأشرف.
[18] النحل /44.
[19] آل عمران /187.
[20] راجع أبو حيان الأندلسي (ت 745 هـ) البحر المحيط 5/479ط دار الكتب العلمية ط1 2001م، محمد حسين الطباطبائي، الميزان 12/258 ط الأعلمي، الطبرسي، مجمع البيان /6/159 ط الأعلمي.
[21] راجع أبو حيان الأندلسي / البحر المحيط 3/142 ط دار الكتب العلمية ط1 2001م، والقرطبي/ الجامع لأحكام القرآن 4/270 المكتبة التوفيقية مصر، الطبرسي (مجمع البيان /2/466 ط الأعلمي.
[22] ابن منظور، لسان العرب 1/171، الفيروزآبادي، القاموس المحيط 3/331.
[23] ن. م.
[24] انظر تفسير الطبري..
[25] هذه المعاني ذكرها ابن تيمية في تفسيره الكبير 2/108-114 ومقدمة البحر المحيط 1/10-11.
[26] محمد حسين الطباطبائي، معرفة القرآن في تفسير القرآن، ص132، السبحاني، المنهاج التفسيرية في علوم القرآن، ص173.
[27] الطبري، مجمع البيان /1.
[28] حاجي خليفة، كشف الظنون، 1/334.
[29] محمد حسين الصغير، المبادئ العامة للتفسير، ص20.
[30] عبد الأمير زاهد، إشكالية التأويل، بحث منشور في مجلة السدير عدد 4، السنة الثانية.
[31] محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنية، رسالة في علوم القرآن، ص303.
[32] محمد باقر الصدر، المدرسة القرآنية، رسالة في علوم القرآن، ص301.
[33] الطباطبائي في معرفة القرآن ص 128-131، السبحاني في مناهج التفسير ص179 والصدر في المدرسة القرآنية، ص303.
[34] يونس /39.
[35] محمد حسين الطباطائي، معرفة القرآن ص128، ص131.
[36] الإسراء /35.
[37] الكهف /78.
[38] يونس /39.
[39] لم يرتض الطباطبائي ذلك ولكن كل من بحث التأويل جعل رد المتشابه إلى المحكم من أنواع التأويل، أو سياق الآية يساعد عليه.
[40] آل عمران /7.
[41] السبحاني، المناهج التفسيرية في علوم القرآن، ص179.
[42] رسالة المحكم والمتشابه.
[43] التوبة /6.
[44] النساء /59.
[45] مرآة الأنوار /4.
[46] السبحاني، المناهج التفسيرية في علوم القرآن، ص181.
[47] مقدمة تفسير العياشي.
[48] المطلب الثاني: تاريخ التفسير الموضوعي.
[49] المطلب الثالث من هذا الفصل.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|