أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-07
272
التاريخ: 8/9/2022
1653
التاريخ: 2024-02-06
1092
التاريخ: 2024-05-09
771
|
قال تبارك وتعالى في محكم كتابه: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37].
أحد أركان التمدن :
إن تعديل الميول النفسية وترويض الغرائز هما من الأركان الرئيسية للتمدن ، والشروط الأساسية لسعادة الإنسان وهنائه ، وهذا ما أجمعت عليه كل الأديان السماوية وكافة العلماء والمفكرين.
فالإنسان الذي يود أن يكون إنساناً حقيقياً على الصعيد المعنوي ، ويبلغ الكمال الحقيقي في ظل التعاليم الإلهية السمحاء، وأن يعيش حياة هانئة متمتعاً بكل الصفات الأخلاقية والإنسانية، ينبغي على مثل هذا الإنسان أن يسعى إلى تحديد غرائزه وأهوائه النفسية بالمقدار الصحيح ، والحيلولة دون تمردها وإفراطها، لأن الانجرار دون وعي وراء هوى النفس، يجرد الإنسان من إنسانيته، ويرمي به إلى مستنقع الرذيلة والفجور .
كان ابو عبد الله الإمام الصادق (عليه السلام) يقول: لا تدع النفس وهواها فإن هواها رداها(1).
وبغض النظر عن البعد المعنوي والإيماني، يتوجب على المرء تحديد غرائزه وشهواته النفسية إذا ما أراد أن يكون إنساناً متمدناً يتمتع بكل مظاهر المدنية، وأن يكون فرداً من أفراد المجتمع من الناحية المادية.
«يتجه الكثير من الناس إلى معارضة المدنية لأنها تحد من عمل غرائزهم، ويجب الالتفات إلى أن هذه المعارضة مرفوضة بتاتاً، لأن مسألة تحديد الغرائز هي من المسائل الضرورية جدً من الناحية الفنية التي تعتمدها المدنية لبلوغ أهدافها ومراميها.
إذن ، فالإنسان الذي يتوقع أن ينعم بالأمن والاستقرار في ظل المدنية دون أن يفرط بحريته الشخصية ، يكون توقعه أجوف، لأنه إذا ما أراد أن يعيش في مجتمعه عليه أن يصرف النظر عن حريته الطبيعية التي كان يتمتع بها قبل نشوء المدنية».
«إن الرغبة في الرجوع إلى الوضع السابق ، لإطلاق الغرائز ومنحها حريتها ، خطأ كبير، لأن توقع العيش وسط مجتمع متمدن مع الحفاظ على الحرية الشخصية الكاملة ، يشكلان وجهين متضاربين، ويؤديان إلى سلب الآخرين حريتهم».
«إن الحد من الاعتداءات والتجاوزات يعتبر ضرورة اجتماعية ، وواضح جداً أن الإنسان الذي يسمح لدوافع العدوان أن تتفاعل في نفسه بشكل غريزي (كحب القتل أو الاعتداء الجنسي) ، لا يمكنه أن يقيم أية علاقة اجتماعية)).
وباختصار نقول: إن جميع العلماء وكافة المؤسسات العلمية في العالم يلتقون في آرائهم عند ضرورة تحديد الغرائز وتعديل الميول النفسية في حياة الإنسان. فالإنسان مضطر للحد من حرية ميوله النفسية وإرضاء غرائزه وفق معيار سليم، وذلك تحقيقاً لسعادته في الحياة، أو على الأقل تأميناً لحياة مدنية سالمة.
وهنا ربما يتساءل البعض، كيف يمكن كبح الشهوات والغرائز الجامحة للإنسان؟، وبأية وسيلة يمكن تحذير الإنسان من مخاطر طغيان الرغبات والأهواء النفسية؟، وما هي القدرة التي يمكنها أن تضمن مسألة تعديل الميول النفسية للإنسان؟.
إن من أهم العوامل المؤثرة في تعديل الرغبات والميول النفسية، وكبح غرائز الإنسان، العقل.
إن العقل باستطاعته وفق حسابات دقيقة تحديد حرية الإنسان، وتحديد كل ما هو مباح وغير مباح له في مسيرته الحياتية، وكذلك يستطيع العقل قياس شهوات الإنسان ورغباته، وتوفير الأرضية المناسبة لتعديلها، والعقل قادر أيضاً على هداية غرائز الإنسان إلى سبيل الخير والصلاح، ومنعها من التمرد والطغيان، وهو بالتالي الهادي إلى الفلاح والرشاد.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام) : فكرك يهديك إلى الرشاد(2).
طغيان الغرائز:
إن المشكلة الأساس التي تعترض العقل في مسيرته لهداية الإنسان، هي قوة الشهوات والدوافع الغريزية في أعماق الإنسان، فعندما تهيج هذه الشهوات والغرائز، ويستولي الغضب على الإنسان، يضعف نور العقل ويخفت، ويفقد العقل قدرة المقاومة أمام هذا السيل العارم من الشهوات والنزوات التي تتغلب على الإنسان وتتملك كل كيانه وأحاسيسه، وتدفعه بجنون إلى ارتكاب الموبقات.
قال امير المؤمنين علي (عليه السلام) : الغضب يفسد الألباب ويبعد عن الصواب(3).
وعنه (عليه السلام) أنه قال: أكثر مصارع العقول تحت بروق المطامع(4).
ونستشف مما ورد أن للعقل دوراً مؤثراً في الحالات الطبيعية في كبح الغرائز وتعديل الميول النفسية، وهو قادر على تحديد حرية الإنسان وفق إطارها الصحيح، ولكنه في حالات هياج الأحاسيس وطغيان الغرائز يصبح عاجزاً تماماً عن تسكين فورة هذه الأحاسيس والغرائز.
من العوامل الاخرى القادرة على تعديل الميول النفسية وكبح الغرائز في أعماق الإنسان، هو العلم. فالعلم هو كالشعلة المنيرة التي تنير للإنسان دربه المظلم في الحياة، لتصونه من الانزلاق في متاهات الحياة. ومما لاشك فيه أن للعلم دوراً مؤثراً جداً في تنمية طاقات الإنسان واستعداداته ، وهو قادر على تحديد غرائز الإنسان ، ولفت انتباهه لصلاح نفسه ، ومنعه من الإتيان بما تمليه عليه أهواؤه النفسية.
قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): كلما زاد علم الرجل زاد عنايته بنفسه وبذل في رياضتها وصلاحها جهده(5).
يتساوى العلم رغم كل ما يحمله من آثار عظيمة مع العقل في مواجهة فورة الأحاسيس، ويفقد مقاومته أمام هياج الغرائز. فالدراسات العليا لا يمكنها أن تصون الإنسان من الحرص والجشع والغرور والتكبر وحب الجاه، ولا يمكنها أن تكبح شهوته وتهدئ غضبه ، أو أن تجعله إنساناً محباً للتضحية والإيثار.
لو تفحصنا تاريخ العلم والعلوم قليلا ، لرأينا كيف أن العالم المشهور غاليلو الذي تعرض لانتقادات وضغوط شديدة ووجهت إليه دعوة للمثول أمام مجلس الكنائس للتحقيق في النظريات ، بسبب نظريته حول حركة الأرض ، كيف تراجع عن نظريته وأعلن عن توبته لينقذ نفسه من التهلكة إرضاء لغريزة حب الذات.
«كان مكتب الأب المقدس منهمكاً في إعداد الحكم ، وفي العشرين من حزيران عام 1633 اقتيد غاليلو إلى المكتب واجبر في الثاني والعشرين منه في نفس العام على توقيع اعتراف أعد مسبقاً جاء فيه : إنني غاليلو البالغ من العمر 70 عاماً ، أقسم أمامكم أيها الحضرات بهذا الكتاب المقدس على أنني أنفي ما ورد في ادعائي حول حركة الأرض نفيا قاطعا ، وأرفض هذه النظرية رفضاً لا رجعة فيه))(6).
______________________________
(1) الكافي ج2 ، ص 336.
(2و3و4) غرر الحكم، ص 516 و49 و 15.
(5) مستدرك الوسائل ج 2 ، ص 310 .
(6) تاريخ العلوم، ص193.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|