المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 5716 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
لا عبادة كل تفكر
2024-04-27
معنى التدليس
2024-04-27
معنى زحزحه
2024-04-27
شر البخل
2024-04-27
الاختيار الإلهي في اقتران فاطمة بعلي (عليهما السلام)
2024-04-27
دروس من مدير ناجح
2024-04-27

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


المبادرة بالعمل.  
  
727   12:37 صباحاً   التاريخ: 2023-04-08
المؤلف : الحسن بن أبي الحسن محمد الديلميّ.
الكتاب أو المصدر : إرشاد القلوب
الجزء والصفحة : ج1، ص 113 ـ 132.
القسم : الاخلاق و الادعية / الفضائل / التفكر والعلم والعمل /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-11 737
التاريخ: 21-7-2016 2051
التاريخ: 21-7-2016 1361
التاريخ: 17-8-2020 1899

يقول مصنّف هذا الكتاب رحمه الله: انتبه أيّها الإنسان من رقدتك، وافق من سكرتك، واعمل وأنت في مهل قبل حلول الأجل، وجد بما (1) في يديك لما بين يديك (2)، فإنّ أمامك عقبةً كؤوداً لا يقطعها الاّ المخفّون، فأحسن الاستعداد لها من دار تدخلها عرياناً وتخرج منها عرياناً، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94].

 وقال النبي (صلى الله عليه وآله): "اعملوا في الصحّة قبل السقم، وفي الشباب قبل الهرم، وفي الفراغ قبل الشغل، وفى الحياة قبل الموت، وقد نزل جبرئيل (عليه السلام) اليّ وقال لي: يا محمد ربّك يقرئك السلام ويقول لك: كل ساعة تذكرني فيها فهي لك عندي مدّخرة، وكل ساعة لا تذكرني فيها فهي منك ضائعة"

وأوحى الله إلى داود (عليه السلام): [ياداوود] (3) كل ساعة لا تذكرني فيها عدمتها من ساعة.

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): ان امرىء ضيّع من عمره ساعة في غير ما خلق له لجدير أن يطول عليها حسرته يوم القيامة (4).

وقد روي انّ شاباً ورث من أبيه مالاً جزيلاً، فجعل يخرجه في سبيل الله، فشكت اُمّه ذلك إلى صديق كان لأبيه وقالت: انّي أخاف عليه الفقر، فأمره ذلك الصديق أن يستبقي لنفسه من الأموال (5).

فقال له الشاب: ما تقول في رجل ساكن في ربط البلد، وقد عزم على أن يتحوّل إلى داخل المدينة، فجعل يبعث غلمانه برحله ومتاعه إلى داره بالمدينة، فذلك خير أم من كان يرحل بنفسه ويترك متاعه خلفه لا يدري يُبعث به إليه أو لا؟ فعرف الصديق انّه صادق في مثاله، فأمره بإنفاقه في الصدقات.

فعليك يا أخي بدوام الصدقات، فدوامها من دليل سعادات الدنيا والآخرة، ولا تحقرنّ قليلها فذلك القليل ينتظم إلى قليل مثله فيصير كثيراً.

وبادر بإخراج الزكاة إذا وجبت من المال أو كانت تطوّعاً، فإنّ الصدقة لا تخرج من يد المؤمن حتّى يفك بها سبعين شيطاناً، كلّهم [قد عضّ على قلب ابن آدم] (6) ينهونه عن اخراجها، ولا تستكثر يا أخي ما تعطيه في الصدقة، وطاعة الله إذا استكثرها المؤمن صغرت عند الله، وإذا صغرت عند المؤمن كبرت عند الله.

وفي خبر انّ موسى (عليه السلام) قال لإبليس: أخبرني بالذنب الذي إذا عمله ابن آدم استحوذت عليه، فقال ابليس: إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله وصدقته، ونسي ذنوبه، استحوذت عليه (7).

وايّاك ثم ايّاك أن تنهر سائلاً أو تردّه خائباً ولو بشق تمرة، وان ألحّ في السؤال لا تسأم بل ردّه ردّاً جميلاً إذا لم يكن عندك شيء تعطيه، فانّه أبقى لنعمة الله عليك، فانّه ربّما كان السائل ملكاً بعثه الله إليك في صورة بشر، يختبرك به ليرى كيف تصنع بما رزقك وأعطاك. ففي الحديث انّ الله تعالى لمّا ناجى موسى قال: يا موسى أنل السائل ولو باليسير والاّ فردّه ردّاً جميلاً، فانّه يأتيك من ليس بإنس ولا جان، بل ملك من ملائكة الرحمان يسألونك عمّا خوّلك، ويختبرونك فيما رزقك.

وروي انّ بعض العلماء كان جالساً في المسجد وحوله أصحابه، فدخل مسكين فسأل شيئاً فقال لهم العالم: أتدرون ما يقول لكم هذا المسكين؟ يقول: أعطوني أحمله لكم إلى دار الآخرة يكون لكم ذخيرة، تقدمون عليه غداً في عرصة المحشر.

فيا أخي يجب عليك أن تبعث معهم شيئاً جزيلاً من مالك إلى دار البقاء، ليكون ثوابك غداً الجنّة في دار النعيم الباقي الدائم.

ولله درّ القائل حيث يقول:

يا صاح انّك راحل فتزوّد *** فعساك في ذا اليوم ترحل أو غد

لا تغفلنّ فالموت ليس بغافل (8) *** هيهات بل هو للأنام بمرصد

فليأتينّ منه عليك بساعة *** فتود انّك قبلها لم تولد

ولتخرجنّ إلى القبور مجرّداً *** ممّا شقيت (9) بجمعه صفر اليد

قال الخليل بن أحمد لصديق له من الأغنياء: انّما تجمع مالك لأجل ثلاثة أنفس كلّهم أعداؤك، اما زوج امرأتك بعدك، واما زوج ابنتك، أو ولدك، وكل يتمنّى موتك ويستطيل عمرك، فان كنت عاقلاً ناصحاً لنفسك فخذ مالك معك زاداً لآخرتك، ولا تؤثر أحد هؤلاء على نفسك.

ولقد أجاد الشاعر حيث قال:

تورّع ما حرّم الله وامتثل *** أوامره وانظر غداً ما أنت عامله

فأنت بذي الدار لا شك تاجر *** لدار غد فانظر غداً من تعامله

وقال رجل صالح لبعض العلماء: أوصني، قال: اوصيك بشيء واحد، اعلم انّ الليل والنهار يعملان فيك فاعمل أنت فيهما.

وهذا القول إذا تدبّره العاقل علم انّه أبلغ العظات، وقيل لعالم: ما أحمد الأشياء وأحلاها في قلب المؤمن؟ قال: شيء واحد وهو ثمرة العمل الصالح، قيل له: فما نهاية السرور؟ قال: الأمن من الوجل عند حلول الأجل، ثم تمثّل بهذين البيتين:

ولدتك إذ ولدتك امّك باكياً *** والناس حولك يضحكون سروراً

فاجهد لنفسك أن تكون إذا بكوا *** في يوم موتك ضاحكاً مسروراً

وقال رجل للصادق (عليه السلام): "أوصني، قال له: أعد جهازك، وأكثر من زادك لطول سفرك، وكن وصيّ نفسك، ولا تأمن غيرك أن يبعث إليك بحسناتك إلى قبرك، فانّه لن يبعثها أحد من ولدك إليك"(10).

ما أبين الحق لذي عينين *** انّ الرحيل أحد اليومين

تزوّدوا من صالح الأعمال *** وتصدّقوا من خالص الأموال

                فقد دنى الرحلة والزوال

خرجت من الدنيا فقامت قيامتي *** غداة أقل الحاملون جنازتي

وعجّل أهلي(11) حفر قبري فصيّروا *** خروجي عنهم من أجل كرامتي

يجب على العاقل أن يحافظ على أوّل أوقات الصلاة، ويسارع إلى فعل الخيرات، فيكثر من أعمال البر والصدقات، فإنّ العمر لحظات، يقال: فلان قد مات، فإذا عاين في قبره الأهوال والحسرات قال: أعيدوني إلى الدنيا لأتصدّق بمالي، فيقال: هيهات.

فاغتنم أيّها اللبيب ما بقي لك من الأوقات، فإنّ بقيّة عمرك لا بقاء لها فاستدرك بها ما فات، واجتهد أن تجعل بصرك لاُخراك، فهو أعود عليك من نظرك إلى دنياك، فإنّ الدنيا فانية والاُخرى باقية، والسعيد من استعد لما بين يديه، وأسلف عملاً صالحاً يقدم عليه قبل نزول المنون، يوم لا ينفع مال ولا بنون.

وبادر شبابك أن يهرما ***وصحّة جسمك أن يسقما

وأيّام عزّك قبل الممات *** فما كل من عاش أن يسلما

وقدّم فكل امرىء قادم *** على كل ما كان قد قدما

أقول في جمع المال والبخل به على نفسه وانفاقه في مرضات الله تعالى كما قال تعالى في كتابه: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180]

وفي الخبر عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "يصوّر الله مال أحدكم شجاعاً أقرع، فيطوق في حلقه ويقول: أنا مالك الذي منعتني أن تتصدّق به، ثم ينهشه بأنيابه، فيصيح عند ذلك صياحاً عظيماً".

ثم عليك يا طالب الجنّة ونعيمها بترك حب الدنيا وزينتها؛ لأنّ الله تعالى قد

ذمّها في كتابه العزيز فقال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} [هود: 15] أي لا ينقصون من المال والجاه، ثم قال تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 16] والإحباط هو ابطال أعمالهم في الدنيا.

وقال الله تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء: 18]

وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشورى: 20] وحرث الآخرة هو العمل للآخرة الذي يستحق به العبد دخول الجنّة، لأنّ الحرث هو زرع الأرض.

وقال بعض الصالحين:

وما الناس الاّ هالك وابن هالك *** وذو نسب في الهالكين عريق

إذا امتحن الدنيا لبيب تكشّفت *** له عن عدوّ في ثياب صديق

وقال آخر:

كأحلام نوم أو كظل زائل *** إنّ اللبيب بمثلها لا يخدع

وقال النبي (صلى الله عليه وآله): "انّ أهل الجنّة لا يندمون على شيء من امور الدنيا الاّ على ساعة مرّت بهم في الدنيا لم يذكروا الله تعالى فيها".

وقال (صلى الله عليه وآله): "ما من يوم يمر الّا والباري (عز وجلّ) ينادي: عبدي ما أنصفتني أذكرك وتنسى ذكري، وأدعوك إلى عبادتي وتذهب إلى غيري، وأرزقك من خزانتي وآمرك لتتصدّق لوجهي فلا تطيعني، وأفتح عليك أبواب الرزق واستقرضك من مالي فتجبهني (12)، واذهب عنك البلاء وأنت معتكف على فعل الخطايا، يا ابن آدم! ما يكون جوابك لي غداً إذا جئتني؟

وقال بعض العلماء: يا أخي! انّ الموتى لم يبكوا من الموت؛ لأنّه محتوم لا بد منه، وانّما يبكون من حسرة الفوت، كيف لا يتزوّدون من الأعمال الصالحة التي يستحقون بها الدرجات العلى، بل ارتحلوا من دار لم يتزوّدوا منها، وحلّوا بدار لم يعمروها ولم يتزوّدوا لها، فيقولون حينئذ: يا حسرتا على ما فرّطنا في جنب الله.

وقال (صلى الله عليه وآله): "ما من ليلة الّا وملك ينادي: يا أهل القبور بِمَ تغتبطون اليوم وقد عاينتم هول المطلع، فيقول الموتى: انّما نغبط المؤمنون في مساجدهم؛ لأنّهم يصلّون ولا نصلّي، ويؤتون الزكاة ولا نزكّي، ويصومون شهر رمضان ولا نصوم، ويتصدّقون بما فضل عن عيالهم ونحن لا نتصدّق، [ويذكرون الله كثيراً ونحن لا نذكر، فواحسرتنا على ما فاتنا في دار الدنيا] (13).

وقال لقمان لابنه: يا بني! ان كنت تحب الجنّة فإنّ ربّك يحب الطاعة، فأحبّ ما يحبّ [ليعطيك ما تحبّ] (14)، وان كنت تكره النار فإنّ ربّك يكره المعصية، فأكره ما يكرهه لينجيك ممّا تكره.

واعلم انّ من وراء الموت ما هو أعظم وأدهى، قال الله تعالى في محكم كتابه: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68].

وقد روت الثقات... : إنّ الصور قرن عظيم له رأس واحد وطرفان، وبين الطرف الأسفل الذي يلي الأرض إلى الطرف الأعلى الذي يلي السماء مثل ما بين تخوم الأرضين السابعة إلى فوق السماء السابعة. فيه أثقاب بعدد أرواح الخلائق، ووسْع فمه ما بين السماء والأرض، وله في الصور ثلاث نفخات: نفخة الفزع، ونفخة الموت، ونفخة البعث.

فإذا فنيت أيام الدنيا أمر الله (عزّ وجل) اسرافيل أن ينفخ فيه نفخة الفزع، فإذا رأت الملائكة اسرافيل وقد هبط ومعه الصور قالوا: قد أذن الله في موت أهل السماء والأرض، فيهبط اسرافيل عند بيت المقدس مستقبل الكعبة، فينفخ في الصور نفخة الفزع.

قال الله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ * وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ * مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل: 87 ـ 89].

وتزلزلت الأرض وتذهل كلّ مرضعة عمّا أرضعت، وتضع كلّ ذات حمل حملها، ويصير الناس يميدون، ويقع بعضهم على بعض كأنّهم سكارى، وما هم بسكارى ولكن من عظيم ما هم فيه من الفزع، وتبيضّ لحى الشبان من شدّة الفزع.

وتطير الشياطين هاربة إلى أقطار الأرض، ولولا انّ الله تعالى يمسك أرواح الخلائق في أجسادهم لخرجت من هول تلك النفخة، فيمكثون على هذه الهيئة ما شاء الله تعالى، ثم يأمر الله تعالى اسرافيل ان ينفخ في الصور نفخة الصعق، فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض، فلا يبقى في الأرض انس ولا جن ولا شيطان ولا غيرهم ممن له روح الاّ صعق ومات.

ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماء، فلا يبقى في السماوات ذو روح الاّ مات، قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} وهو جبرئيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل فأولئك الذين شاء الله، فيقول الله تعالى: يا ملك الموت من بقي من خلقي؟ فقال: يا رب أنت الحي الذي لا يموت، بقي جبرئيل وميكائيل واسرافيل وبقيت أنا.

فيأمر الله بقبض أرواحهم فيقبضها، ثم يقول الله: يا ملك الموت من بقي من خلقي؟ فيقول ملك الموت: يا رب بقي عبدك الضعيف المسكين ملك الموت، فيقول الله له: مت يا ملك الموت بإذني، فيموت ملك الموت ويصيح عند خروج روحه صيحة عظيمة لو سمعها بنو آدم قبل موتهم لهلكوا، ويقول ملك الموت: لو كنت أعلم انّ في نزع أرواح بني آدم هذه المرارة والشدّة والغصص لكنت على قبض أرواح المؤمنين شفيقاً.

فإذا لم يبق أحد من خلق الله في السماء والأرض، نادى الجبّار جلّ جلاله: يا دنيا أين الملوك وأبناء الملوك؟ أين الجبابرة وأبناؤهم؟ وأين مَن ملك الدنيا بأقطارها؟ أين الذين كانوا يأكلون رزقي ولا يخرجون من أموالهم حقّي؟، ثم يقول: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} فلا يجيبه أحد، فيجيب هو عن نفسه فيقول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر: 16].

ثم يأمر الله السماء فتمور أي تدور بأفلاكها ونجومها كالرحى، ويأمر الجبال فتسير كما تسير السحاب، ثم تبدل الأرض بأرض اُخرى لم يكتسب عليها الذنوب ولا سفك عليها دم، بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرّة، وكذا تبدل السماوات كما قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48].

ويعيد عرشه على الماء، كما كان قبل خلق السماوات والأرض، مستقلاً بعظمته وقدرته، ثم يأمر الله السماء ان تمطر على الأرض [أربعين يوماً] (15) حتّى يكون الماء فوق كل شيء اثني عشر ذراعاً، فتنبت به أجساد الخلائق كما ينبت البقل.

فتساق أجزاؤهم التي صارت تراباً بعضها إلى بعض بقدرة العزيز الحميد، حتّى انّه لو دفن في قبر واحد ألف ميت وصارت لحومهم وأجسادهم وعظامهم النخرة كلّها تراباً مختلطة بعضها في بعض، لم يختلط تراب ميت بميت آخر، لأنّ في ذلك القبر شقيّاً وسعيداً، جسد ينعم بالجنّة وجسد يعذّب بالنّار (نعوذ بالله منها).

ثم يقول الله تعالى: ليحيى جبرئيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل وحملة العرش، فيحيون بإذن الله. فيأمر الله اسرافيل أن يأخذ الصور بيده، ثم يأمر الله أرواح الخلائق فتأتي فتدخل في الصور، ثم يأمر الله اسرافيل أن ينفخ في الصور للحياة، وبين النفختين أربعين سنة.

قال: فتخرج الأرواح من أثقاب الصور كأنّها الجراد المنتشر، فتملأ ما بين السماء والأرض، فتدخل الأرواح في الأرض إلى الأجساد وهم نيام في القبور كالموتى، فتدخل كل روح في جسدها، فتدخل في خياشيمهم فيحيون بإذن الله تعالى، فتنشق الأرض عنهم كما قال: {يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [المعارج: 43، 44].

وقال تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] ثم يدعون إلى عرصة المحشر، [فإذا دخلوا عرصة القيامة أمر] (16) الله الشمس أن تنزل من السماء الرابعة إلى السماء الدنيا قريب حرّها من رؤوس الخلائق، فيصيبهم من حرّها أمر عظيم حتّى يعرفون من شدة حرّها كربها، حتّى يخوضون في عرقهم.

ثم يبقون على ذلك حفاة عراة عطاشا، وكل واحد دالع لسانه على شفتيه، قال: فيبكون عند ذلك حتّى ينقطع الدمع، ثم يبكون بعد الدموع دماً...

وفي تفسير قوله تعالى آخر سورة المؤمنين: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 99، 100] يعني فيما تركته ورائي لورّاثي، فأتصدّق به وأكون من الصالحين فيقول له ملك الموت: {كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا} [المؤمنون: 100].

أي كلاّ لا رجوع لك إلى دار الدنيا، وقوله: انّها كلمة هو قائلها، أي قال هذه الكلمة لمّا شاهد من شدّة سكرات الموت، وأهوال ما عاينه من عذاب القبر وهول المطلع، ومن هول سؤال منكر ونكير.

قال الله تعالى: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 28] أي لو ردّوا إلى دار الدنيا، ومددنا لهم في العمر لعادوا إلى ما كانوا عليه من بخلهم بأموالهم فلم يتصدّقوا، ولم يطعموا الجوعان، ولم يكسوا العريان، ولم يواسوا الجيران، بل يطيعون الشيطان في البخل وترك الطاعة.

ثم قال تعالى: {وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: 100] والبرزخ في التفسير القبر.

ثم قال تعالى: {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ} [المؤمنون: 101 - 104]

قوله: فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم، ففي الخبر الصحيح عن النبي (صلى الله عليه وآله): "انّ الخلائق إذا عاينوا القيامة ودقّة الحساب وأليم العذاب، فإنّ الأب يومئذ يتعلّق بولده فيقول: أي بني كنت لك في دار الدنيا، ألم اُربّك واُغذّيك واُطعمك من كدّي، وأكسيك واعلّمك الحكم والآداب، واُدرّسك آيات الكتاب، واُزوّجك كريمة من قومي، وأنفقت عليك وعلى زوجتك في حياتي، وآثرتك على نفسي بمالي بعد وفاتي؟

فيقول: صدقت فيما قلت يا أبي، فما حاجتك؟ فيقول: يا بني انّ ميزاني قد خفّت ورجحت سيّئاتي على حسناتي، وقالت الملائكة: تحتاج كفّة حسناتك إلى حسنة واحدة حتّى ترجح بها، وانّي اُريد أن تهب لي حسنة واحدة أثقل بها ميزاني في هذا اليوم العظيم خطره.

قال: فيقول الولد: لا والله يا أبت، إنّي أخاف ممّا خفته أنت، ولا اُطيق أعطيك من حسناتي شيئاً. قال: فيذهب عنه الأب باكياً نادماً على ما كان أسدى إليه في دار الدنيا.

وكذلك قيل انّ الاُمّ تلقي ولدها في ذلك اليوم فتقول له: يا بني ألم يكن بطني لك وعاءً؟ فيقول: بلى يا اُمّاه، فتقول: ألم يكن ثديي لك سقاءً؟ فيقول: بلى يا اُماه، فتقول له: انّ ذنوبي أثقلتني فاُريد أن تحمل عنّي ذنباً واحداً، فيقول:

إليك عنّي يا اُمّاه، فانّي مشغول بنفسي فترجع عنه باكية، وذلك تأويل قوله تعالى: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101].

قال: ويتعلّق الزوج بزوجته، فيقول: يا فلانة! أيّ زوج كنت لك في الدنيا؟ فتثني عليه خيراً وتقول: نعم الزوج كنت لي، فيقول لها: أطلب منك حسنة واحدة لعلّي أنجو بها ممّا ترين من دقّة الحساب، وخفّة الميزان، والجواز على الصراط، فتقول له: لا والله، انّي لا اُطيق ذلك، وانّي أخاف مثل ما تخافه أنت، فيذهب عنها بقلب حزين حيران في أمره.

وذلك ورد في تأويل قوله تعالى: {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } [فاطر: 18]، يعني انّ النفس المثقلة بالذنوب تسأل أهلها وقرابتها أن يحملوا عنها شيئاً من حملها وذنوبها، فانّهم لا يحملونه بل يكون حالهم يوم القيامة نفسي نفسي، كما قال تعالى: {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس: 34 - 37].

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أخبرني جبرئيل قال: بينما الخلائق وقوف في عرصة القيامة إذ أمر الله تعالى ملائكة النار أن يقودوا جهنّم، فيقودوها سبعون ألف ملك في سبعين ألف زمام، فيجد الخلائق حرّها ووهجها من مسيرة شهر للراكب المجد، وقد تطاير شررها وعلا زفيرها.

فإذا دنت من عرصة القيامة صارت ترمي بشرر كالقصر، فلا يبقى يومئذ من نبي ولا وصي نبي ولا شهيد الاّ وقع من قيامه جاثياً على ركبتيه وغيرهم من سائر الخلائق إلاّ ويخرّ على وجهه، وكل منهم ينادي بأعلى صوته: يا رب نفسي نفسي الّا أنت يا نبي الله، فانّك قائم تقول: يا رب نجّ ذريتي وشيعتي ومحبّ ذريتي. قال: فيطلب النبي أن تتأخّر عنهم جهنّم، فيأمر الله تعالى خزنتها أن يرجعوها إلى حيث أتت منه، وذلك في تفسير قوله تعالى في سورة الفجر: {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى} [الفجر: 23]، معني يومئذ: أي يوم القيامة، ومعنى يتذكّر: أي ابن آدم يتذكّر ذنوبه ومعاصيه، ويندم كيف ما قدم ماله ليقدم عليه يوم القيامة، وقوله تعالى (وأنّى له الذكرى) أي أنّى له الذكرى يوم القيامة حيث ترك الذكرى في دار الأعمال، وما تذكر حاله في دار الجزاء، فما عاد تنفعه الذكرى يومئذ.

وقوله يحكي عن ابن آدم: {يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي} [الفجر: 24] أي قدّمت أمامي، فتصدّقت به لوجه ربي، وتزيّدت من عمل الخير والصلاة والعبادات والتسبيح، وذكر الله تعالى حتّى نلت به في هذا اليوم درجات العلى في الآخرة، والنعيم الدائم في أعلى الجنان مع الشهداء والصالحين.

وانّما سمّى الله الآخرة الحياة، لأنّ نعيم الجنّة خالد دائم لا نفاد له، باق ببقاء الله تعالى، بخلاف الدنيا فإنّ الحياة فيها منقطعة، مع انّه مشوب بالهم والغم والمرض والخوف والضعف والشيب والدين وغير ذلك.

فاستيقظ يا أخي من نومك، واخرج من غفلتك، حاسب نفسك قبل يوم الحساب، واخرج من تبعات العباد، وصالح الذين أخذت منهم الربا، واعتذر إلى من قذفته بالزنا واغتبته ونلت من عرضه، فإنّ العبد مادام في الدنيا تقبل توبته إذا تاب من ذنوبه، وإذا اعتذر من غرمائه رحموه وعفو عنه وأسقطوا عنه حقوقهم الذي عليه، فأمّا في الآخرة فلا حق يوهب، ولا معذرة تقبل، ولا ذنب يغفر، ولا بكاء ينفع] (17).

وقال (عليه السلام): "ما فرغ امرىء فرغة الا كانت فرغته عليه حسرة (18) يوم القيامة، فما خلق امرؤ ليلهوا" (19).

وانظروا إلى قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة: 36]

وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115].

واعلموا أيّها الإخوان انّ العمر متجر عظيم الربح، وكلّ نَفَس منه جوهرة، وكيف لا يكون ذلك وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من قال "أشهد أن لا اله الاّ الله، وحده لا شريك له، الهاً واحداً أحداً فرداً صمداً، لم يتخذ صاحبة ولا ولداً"، كتب الله له بكلامه خمساً وأربعين ألف ألف حسنة، ومحى عنه خمساً وأربعين ألف ألف سيّئة، ورفع له خمساً وأربعين ألف ألف درجة في علّيين (20).

وقال له جبرئيل: يا رسول الله (صلى الله عليك وآلك)، كل شيء يحصى ثوابه الاّ قول الرجل: "لا إله الّا الله وحده وحده لا شريك له" فانّه لا يحصي ثوابه الاّ الله تعالى، فإنّ الله تعالى ادخر لك ولاُمّتك قوله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]

وانّه سبحانه يقول: أهل ذكري في ضيافتي، وأهل طاعتي في نعمتي، وأهل شكري في زيادتي، وأهل معصيتي لا اؤيسهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن مرضوا فأنا طبيبهم، اُداويهم بالمحن والمصائب لاُطهّرهم من الذنوب والمعايب (21).

وقال علي بن الحسين (عليه السلام): "العقل دليل الخير، والهوى مركب المعاصي، والفقه وعاء العمل، والدنيا سوق الآخرة، والنفس تاجر، والليل والنهار رأس المال، والمكسب الجنّة، والخسران النار، وهذه والله هي التجارة التي لا تبور، والبضاعة التي لا تخسر".

سوق مثله (22) (صلوات الله عليه وآله)، وسوق الفائزين من شيعته وشيعة آبائه وأبنائه (عليهم السلام)، ولقد جمع الله هذا كلّه بقوله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون: 9].

وقال سبحانه: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور: 37]

وقال سبحانه: {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى} [النجم: 29، 30]

وقال سبحانه: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28].

وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): "انّ الله سبحانه جعل الذكر جلاءً للقلوب، تسمع به بعد الوقرة، وتبصر به بعد الغشوة، وتنقاد به بعد المعاندة، وما برح لله عزّت أسماؤه في البرهة بعد البرهة، وفي أزمان الفترات عباد ناجاهم في فكرهم (23)، وكلّمهم في ذات عقولهم، فاستصبحوا بنور يقظة في الأسماع والأبصار والأفئدة.

يذكّرون بأيّام الله، [ويخوّفون مقامه] (24)، بمنزلة الأدلّة في الفلوات (25)، مَنْ أَخَذ القصد حمدوا إليه الطريق، وبشّروه بالنجاة، ومَنْ أَخَذ يميناً وشمالاً ذمّوا إليه الطريق، وحذّروه من الهلكة.

كانوا لذلك مصابيح تلك الظلمات، وأدلّة تلك الشبهات، وانّ للذكر أهلاً أخذوه بدلاً من الدنيا فلم تشغلهم تجارة ولا بيع، يقطعون به أيّام الحياة، ويهتفون بالزواجر عن محارم الله في أسماع الغافلين.

يأمرون بالمعروف ويأتمرون به، وينهون عن المنكر ويتناهون عنه، فكأنّما قطعوا الدنيا إلى الآخرة وهم فيها فشاهدوا ما وراء ذلك، وكأنّما اطلعوا على عيوب أهل البرزخ في طول الإقامة فيه، وحقّقت القيامة عليهم عذابها، فكشفوا غطاء ذلك لأهل الدنيا حتّى كأنّهم يرون ما لا يرى الناس، ويسمعون ما لا يسمعون.

فلو مثّلتهم بعقلك (26) في مقاماتهم المحمودة، ومجالسهم المشهودة، قد نشروا دواوين أعمالهم، ففزعوا لحساب أنفسهم على كل صغيرة وكبيرة اُمروا بها فقصّروا عنها، أو نُهوا عنها ففرّطوا فيها، وحملوا ثقل أوزارهم

على ظهورهم فضعفوا عن الاستقلال بها، فنشجوا نشيجاً (27)، وتجاوبوا نحيباً، يعجّون إلى الله من مقام ندم واعتراف بذنب، لرأيت أعلام هدى، ومصابيح دجى.

قد حفّت بهم الملائكة، ونزلت عليهم السكينة، وفتحت لهم أبواب السماء، واُعدّت لهم مقاعد الكرامات في مقعد اطلع الله عليهم فيه فرضى سعيهم، وحمد مقامهم، يتنسّمون بدعائه روح التجاوز، رهائن فاقة إلى فضله، واُسارى ذلّة لعظمته.

جرح طول الأذى قلوبهم، وأقرح طول البكاء عيونهم، لكل بابِ رغبة إلى الله منهم يدٌ قارعة، يسألون من لا تضيق لديه المنادح، ولا يخيب عليه السائلون، فحاسب نفسك لنفسك، فإنّ غيرها من النفوس لها حسيب غيرك (28).

 وروي انّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال: "ارتعوا في رياض الجنّة، فقالوا: وما رياض الجنّة؟ فقال: الذكر غدوّاً ورواحاً، فاذكروا" (29).

ومن كان يحب أن يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده، فإنّ الله تعالى ينزل العبدَ حيث أنزل اللهَ العبدُ من نفسه، ألا انّ خير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها عند ربكم في درجاتكم، وخير ما طلعت عليه الشمس ذكر الله سبحانه وتعالى، وقد أخبر عن نفسه وقال: "أنا جليس من ذكرني" وأي منزلة أرفع منزلة من جليس الله تعالى (30).

وروي انّه ما اجتمع قوم يذكرون الله الاّ اعتزل الشيطان عنهم والدنيا، فيقول الشيطان للدنيا: ألا ترين ما يصنعون؟ فتقول الدنيا: دعهم فلو قد تفرّقوا أخذت بأعناقهم (31).

وقال النبي (صلى الله عليه وآله): "يقول الله تعالى: من أحدث ولم يتوضّأ فقد جفاني، ومن أحدث وتوضّأ ولم يصلّ ركعتين (32) فقد جفاني، ومن أحدث وتوضّأ وصلّى ركعتين ودعاني فلم أجبه فيما يسأل من أمر دينه ودنياه فقد جفوته، ولست بربٍّ جاف" (33).

وروي انّه إذا كان آخر الليل يقول الله سبحانه: هل من داع فأجيبه؟ هل من سائل فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ (34).

وروي انّ الله تعالى أوحى إلى داود (عليه السلام): "يا داود! من أحب حبيباً صدّق قوله، ومن آنس بحبيب قبل قوله ورضى فعله، ومن وثق بحبيب اعتمد عليه، ومن اشتاق إلى حبيب جدّ في المسير إليه. يا داود! ذكري للذاكرين، وجنّتي للمطيعين، وزيارتي للمشتاقين، وأنا خاصّة المحبّين" (35).

وقال (عليه السلام): "على كل قلب جاثم من الشيطان، فإذا ذكر الله تعالى خنس، وإذا ترك الذكر التقمه، فجذبه وأغواه واستزلّه وأطغاه" (36).

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "انّ الملائكة يمرّون على مجالس الذكر، فيقفون على رؤوسهم ويبكون لبكائهم، ويؤمّنون على دعائهم، وإذا صعدوا إلى السماء يقول الله: ملائكتي أين كنتم؟ وهو أعلم بهم. فيقولون: ربنا أنت أعلم، كنّا حضرنا مجلساً من مجالس الذكر، فرأيناهم يسبحونك ويقدّسونك ويستغفرونك، يخافون نارك، ويرجون ثوابكفيقول سبحانه: اُشهدكم انّي قد غفرت لهم، وآمنتهم من ناري، وأوجبت لهم الجنّة، فيقولون: ربنا تعلم انّ فيهم من لا يذكرك؟! فيقول سبحانه: قد غفرت له بمجالسته أهل ذكري، فإنّ الذاكرين لا يشقى بهم جليسهم" (37).

وروي عن بعض الصالحين انّه قال: نمت ذات ليلة فسمعت هاتفاً يقول: أتنام عن حضرة الرحمن وهو يقسم الجوائز بالرضوان، بين الأحبّة والخلاّن، فمن أراد منّا المزيد فلا ينامن ليله الطويل، ولا يقنع من نفسه بالقليل (38) ...

وجاء في قوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102] قال: يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر.

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأبي ذر: يا أباذر! أقلل من الشهوات يقلل عليك الفقر، وأقلل من الذنوب يخف عليك الحساب، واقنع بما اُوتيته يسهل عليك الموت، وقدّم مالك أمامك يسرّك اللحاق به، وانظر العمل الذي تحب أن يأتيك الموت وأنت عليه فاعمله، ولا تتشاغل عمّا فرض عليك بما ضمن لك، واسع لملك لا زوال له في منزل لا انتقال عنه (39).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1.  في "ب": وخذ مما.
  2. في "ج": بعد موتك.
  3. أثبتناه من "ب" و"ج".
  4.  عنه معالم الزلفى: 245.
  5. من هنا إلى ص 126 لم يرد في "الف" و"ب"، بل أثبتناه من "ج" و"د".
  6. أثبتناه من "د".
  7. البحار 13: 350 ح39؛ عن قصص الأنبياء.
  8. في "د": الموت يأتيك بغتة.
  9.  في "د": سعيت.
  10.  البحار 78: 270 ح111 نحوه.
  11.  في "د": عجّلوا.
  12. في "د": فتبخلني.
  13.  أثبتناه من "د".
  14. أثبتناه من "د".
  15. أثبتناه من "د".
  16.  
  17. أثبتناه من "د".
  18. إلى هنا تمّ ما نقلناه من "ج" و"د".
  19. في "ج": ما فزع امرؤ فزعة الاّ كانت فزعته.
  20. عنه معالم الزلفى: 245.
  21. التوحيد للصدوق: 30 ح35؛ عنه البحار 93: 206 ح5.
  22. راجع البحار 77: 42 ح10.
  23. كذا، وفي "ج": وقال مثله.
  24. في "ج": قلوبهم.
  25. أثبتناه من نهج البلاغة.
  26. في النسخ: القلوب، وأثبتنا قوله: "الفلوات" من نهج البلاغة.
  27.  في "ب": بقلبك.
  28. نشج الباكي ينشج نشيجاً: غصّ بالبكاء في حلقه.
  29. نهج البلاغة: الخطبة 222؛ عنه البحار 69: 325 ح39.
  30. عنه مستدرك الوسائل 5: 301 ح5920.
  31. راجع البحار 93: 163 ضمن حديث 42؛ عن عدة الداعي.
  32. عنه مستدرك الوسائل 5: 287 ح5876؛ وأورده في أعلام الدين: 273.
  33. زاد في "ج": ولم يدعني.
  34. عنه البحار 80: 308 ح 18.
  35. راجع البحار 87: 167 ح 9؛ عن عدة الداعي؛ وأورده في أعلام الدين: 277.
  36. عنه البحار 14: 40 ح 23; وأورده في أعلام الدين: 279.
  37. راجع البحار 70: 61 ح 42; عن عدّة الداعي; وفي أعلام الدين: 279
  38.  البحار 75: 468 ح 20; وأورده في أعلام الدين: 280.
  39.  أورده المصنّف في أعلام الدين: 281.



جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.






قسم الشؤون الفكرية يقيم برنامج (صنّاع المحتوى الهادف) لوفدٍ من محافظة ذي قار
الهيأة العليا لإحياء التراث تنظّم ورشة عن تحقيق المخطوطات الناقصة
قسم شؤون المعارف يقيم ندوة علمية حول دور الجنوب في حركة الجهاد ضد الإنكليز
وفد جامعة الكفيل يزور دار المسنين في النجف الأشرف