علاقة الجغرافيا بالعلوم المستقلة- تميز الجغرافيا عن العلوم المستقلة:

يمكننا أن ننطلق في فهمنا لعلاقة الجغرافيا بالعلوم المستقلة" من تأكيدنا على ترابط جميع العلوم وانتمائها إلى وحدة علمية عظيمة. فالحقيقة العلمية هي واحدة، لأن العلم في جوهره هو البحث عن الحقيقة.

ورغم كل ما يدور حول مفهوم الجغرافيا كونها "علما أم لا؟ فأن ما تبحثه الجغرافيا وما جاءت به من الكشف عن التباين المكاني" وتفردها بهذا عن بقية العلوم، واعتمادها منهجاً علميا متميزاً، ودراسة "اقليمية" خاصة بها، جعلها كل ذلك أن تكون في مصاف العلوم.

إن الجغرافيا من الحقول التي تظهر وحدتها في طريقة دراستها، وهذه الطريقة تتمثل في دراسة التباينات المكانية Spatial Variations) )على سطح الأرض. إن وجهة النظر هذه هي احدى الصفات التي قد تميز الجغرافيا عن الحقول الأخرى.

كما أننا لا ننكر لحظة واحدة أن جميع العلوم متصل بعضها بالبعض ترابطا قويا. فهي من ناحية استجابة طبيعية لرغبة الإنسان في دراسة كل شيء يراه، وليس الأمر متعلقا من حيث التفاصيل باستعارة الجغرافيا مادتها من علوم أخرى. بل أن كل العلوم يستعير بعضها من بعض، أو بعبارة أخرى كما يقول "منشل": فان هناك مجالات مشتركة لكثير من العلوم، ومن ثم فان وسيلة البحث والتحليل والتركيب والمعالجة واحدة في جميع العلوم.

إن الجغرافي مضطر إلى الاستعانة بعلوم عديدة، كما أنه بدوره يضيف ببحوثه الخاصة ما يساعد على تقدم المعرفة، فهو يتناول الحقائق التي يهيؤها "الجيولوجي" و "المتروبولوجي (علم الظواهر الجوية) و "الفيزياوي" و الثروبولوجي ويدرسها في ضوء تأثيرها في مناطق واسعة من الأرض وتأثيرها على المجتمعات البشرية.

إن جميع العلوم المستقلة تقوم بدراسة كل عنصر على حده في هذا الحقل المعقد، وتقوم الجغرافيا بالربط بين دراسات تلك العلوم المستقلة، كما تقوم بتفسير وتنظيم معلوماتها مستخدمة أساليبها الدراسية الخاصة باللجوء إلى الخرائط والأشكال البيانية وذلك لغرض اعطاء صورة منظمة لأنواع التضاريس المعقدة وللنشاط البشري المتنوع على سطح هذه الأرض" هناك علاقة حتمية صميميه بين كل فرع من فروع الجغرافية الأصولية وفروع العلوم الأصولية المماثلة، لكن للجغرافيا وجهة نظر في العلم تتقاطع مع جميع العلوم الاصولية، لذلك ليس هناك خط يفصل الجغرافية الاصولية عن العلوم الاصولية. ولكن هناك اختلاف اساسي من وجهة النظر التي لابد أن يحافظ عليها الجغرافي الذي يرغب في انجاز عمل جغرافي وليس عملا آخر في فرع آخر من فروع العلم.

وبمعنى آخر أن العلاقة بين العلوم الأصولية والجغرافيا هو في التميز في وجهة النظر، فوجهة نظر العلوم الأصولية مركزة على الظواهر المعينة التي تدرس في ضوء توزيعها ، أما وجهة نظر الجغرافيا، فهي مركزة على الجزء الذي يلعبه ذلك التوزيع في تكوين تباين مكاني فالجغرافيا لا تميز أي نوع من الحقائق باعتبارها ( حقائق جغرافية) وكما أصر باروز (Barrows) دائما أن أي حقيقة معينة - ويقصد حقيقة أولية – وليس علاقة تعتبر بصورة فضفاضة حقيقية، وليس استنتاجا من علاقات هي ليست (حقيقة كيماوية) أو (حقيقة جيولوجية) أو (حقيقة اقتصادية) بل هي  مجرد حقيقة، ويمكن أن يستعملها أي فرع من العلوم . ولما كانت الجغرافيا تأخذ من العلوم الأصولية جميع المعرفة التي يمكن أن تستثمر في صياغة أوصافها للظواهر وتفسيرات علاقاتها المتبادلة بقدر ما يمكن من اليقينية والدقة. وقد تتمثل هذه المعرفة في مفاهيم عامة أو تصانيف نماذجية قد طورت في العلوم الأصولية، ولكن حيثما وجدت هذه غير مناسبة للأغراض الجغرافية ينبغي أن تطور الجغرافيا مفاهيمها العامة وأنظمة التصنيف الخاصة بها.

ولكي لا تضيع الهوية الجغرافية فان كل فرع من فروع الجغرافيا سيستقطب ما يتلائم معه من علوم أخرى ويعمل على ربطها بالبيئة، إن علم الجغرافيا لا يمكن أن ينافس وحده كل العلوم، بل أن الجغرافيا يجب أن تكون علما مستقلا له اسلوبه وطريقته ولا يمكن أن يعيش على نتائج العلوم الأخرى.