أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-04
909
التاريخ: 22-10-2019
992
التاريخ: 22-10-2019
1488
التاريخ: 12/12/2022
2847
|
رواد فن المقال- عباس محمود العقاد
عندما نقرأ تاريخ الصحافة العربية، وأبرز كتاب المقال فيها، نرى أن عباس محمود العقاد واحدا من القمم الأدبية العالية، التي احتلت مكانا مرموقة في الريادة المقالية. وقد سجلت عديد الكتب والدراسات هذه الريادة، وتناولت هذه الشخصية التي جمعت بين الفكر والأدب والنقد والفلسفة والشعر. فكان العقاد الموسوعي، الذي كانت الصحافة إحدى ساحاته في الكتابة بنوعيها الأدبي والفكري والسياسي.
ويقول (د. محمود السمرة): إن عباس محمود العقاد الذي ما عرف إلا البيئة المصرية، ولكنه بذكائه ومواهبه وقدراته الذهنية الفائقة، حقق في عالم الفكر والأدب ما لم يحققه معاصروه من الأساتذة الكبار. إنه العصامي الذي استوعب ما في الفكر الغربي من فلسفات معقدة، وهضم ما استوعب، وأضاف إليه، وعدل فيه، ثم قدمه لنا معرفة سائغة، فأنار أفكارنا، وعقد بيننا وبين هذا الفكر الجديد صلة، طورت من معارفنا. والعقاد موسوعي المعرفة، ولا أدري كيف استطاع أن يتمثل كل هذا الكم الهائل من المعرفة، وأن يقرأ كل هذا العدد الضخم من الكتب التي من العسير فهمها، فكيف بتصويب آرائها، وتقديم آراء جديدة فيها.
لقد عاش العقاد حياته جادة وقورة، إنساني النزعة، حاد المزاج، معتدا بكرامته، مؤمن بالعقل. ونحن نجد كل هذه الصفات واضحة في آثاره الكبيرة التي تركها. وتقوم آراء العقاد على ركنين أساسيين هما: الإيمان بكرامة الإنسان الشخصية، والإيمان بحرية الرأي والفكر.
والعقاد راسخ العقيدة الإسلامية، مؤمن بوطنه وعروبته، ونستطيع أن نقول إن من خصائصه البارزة ثباته على آرائه الأدبية. وأبرز آراء العقاد، كما تبدو لنا من خلال كتبه ومقالاته، دفاعه عن الحرية، حتى لقد جعل الجمال والحرية شيئاً واحداً، فالفكر الجميل هو الفكر الحر. وزاد بأنه يجب أن تنبع مطالبنا بالحرية من ضميرنا لا من محاكاتنا لغيرنا من الغربيين.
ومن العبث أن يحاول أحد القول، أن العقاد ليس علامة هامة من علامات تطورنا الفكري والثقافي، فما لاشك فيه أنه من أكثر ادبائنا ثقافة بل لعلنا لا نعدو الحق إذا قلنا إن العقاد القارئ هو سر بقاء العقاد الأديب، وأنه لو كف عن القراءة والاطلاع، وتزويد العقل بكل ما يستحدث من جديد الآراء في النقد والأدب، لما استطاع أن يعطي هذا العطاء الضخم من الإنتاج، بل ولا نصفه. وفي سيرة العقاد وحياته، لفت للأجيال القادمة من الأدباء إلى جدوى القراءة والاطلاع، ومقدرتها على تجديد حياة الأديب، وإطالة أمد إنتاجه وتوسيعه.
والعقاد هو كاتب المقال الأول في العربية بلا شك، والمقال فن أدبي محدث، قد تربطه بالفصول والامالي رابطة من النسب البعيد، ولكنه أقرب إلى الثقافة الأوروبية منه إلى التراث العربي، وقد ساعد العقاد على إجادة كتابة المقال أنه التقى بالمدرسة الأنجلوسكسونية، في أول لقائه مع الغرب، والمقال فن تقليدي موروث في التراث الإنجليزي. ومقال العقاد مبني بناء هندسياً وفكرياً صارماً، وقل أن تجد في مقالاته في (ساعات بين الكتب) أو (الفصول) او غيرها من كتبه نداوة الفن ورقته، واسلوبه فيها مبين واضح ولكنه أجرد، بلا زينة ولا تفنن. ومما
لا شك فيه أن العقاد قد ساعد بمقالاته المتوالية على تجديد اللغة العربية، وتوسيعها، ولكي تستطيع احتمال المعاني الجديدة وأداءها، وتؤديهما إلى القارئ، وتحفل بنوع من الموسيقى الصلبة القوية، إلا في كتبه عن العبقريات، وبخاصة عبقرية عمر. وكتب العبقريات ذاتها، مكتوبة على صورة مقالات ذات عناوين مستقلة، تجمع بينها رابطة الشخصية التي يتحدث عنها الكاتب. ومعظم هذه المقالات يرتفع إلى مستوى أدبي وفني يذكر بالقمم الشوامخ في فن المقالة، مثل جونسون وهازلت وغيرهما.
ولا جدال - على الاقل في أوساط المثقفين من جيلنا- في أن العقاد عبقرية متعددة الجوانب نكاد نقرؤها في كل ما أضافه للمكتبة العربية من مؤلفات. فهو في النقد الأدبي فارسه الذي لا يشق له غبار، وهو في الدراسات التاريخية والفكرية والفلسفية خيمة كبرى تأوي إليها أجيال الباحثين، وهو إلى ذلك رجل وطني من الطراز الأول، لا يختلف اثنان على صدق هذه الوطنية او شموخها فيه، كما أنه رجل سياسة فذ، طالما أرهب خصومه، وخضد شوكتهم، وأسقطهم، في بعض الأحيان، عن كراسيهم. فإذا أضفنا إلى بعض خصائصه النفسية مثل الإباء والعصامية والقدرة الفائقة على الحب، تبين لنا أي معدن قد منه هذا العملاق، وأي سمت هو فيه. وتراءت لنا من خلال ذلك طائفة من الصفات التي نتمنى ان تتوافر في كل صاحب قلم من معاصرينا.
أما روافد المقالة عند العقاد، من خلال عصره، فقد ساهم في تشكيلها عدد من العوامل، منها: العوامل السياسية والاجتماعية، والعوامل الأدبية. وقد أخذت أنواع المقالة الادبية عند العقاد الأشكال الآتية: الصورة الشخصية (القلمية)، المقالة الوصفية، المقالة الملحمية (النزالية)، المقالة الثقافية، المقالة التأملية، مقالة الدراسة الأدبية، ومقالة الدراسة لشخصيات الأدباء.
اما الخصائص العامة لفن المقال عند العقاد فيمكن رصدها فيما يلي:
- التوسع في شكل المقال.
- موسوعية العقاد.
- كانت السياسة طابعاً، والصحافة وعاءً.
- طابع العنف في أسلوب المقال عند العقاد، ولعل هذا العنف يرجع إلى سجية كامنة في العقاد، أساسها حدة مزاجه وتشبثه بما يؤمن به من مبادئ وآراء.
- الدفاع عن القيم والتراث مع الإنتفاع بتجارب الآخرين.
- الطابع العقلي.
- أما فيما يتصل (بالألفاظ والأساليب) فقد كان لها (خصائص متميزة في مقال العقاد) يمكن بيانها كما يلي:
- الإيجاز والقصد في العبارة.
- تصدير ما يكتب بالقاعدة العامة، أو المبدأ.
- جزالة الألفاظ، والتأنق في تخيرها.
- أسلوب السخرية في معالجة أفكار المقال.
- أسلوب العقاد يتوخى اللغة الفصحى.
- غزارة الحجج والبراهين في مقال العقاد.
- الخيال والصور البلاغية.
- المحسنات البديعية.
الاتجاه في الأسلوب إلى نوع من الرمزية.
- استخدام الأساليب الدالة على التوكيد.
- الإكثار من الاستشهاد بالآيات القرآنية.
ولعل ما أشير إليه من (طابع العنف في أسلوب المقال عند العقاد) أدى إلى أن يوصف أسلوب
العقاد بأنه:
كاتب متجهم القلم، ذو طبيعة جدية، يكتب كمن يحمل أعباء التاريخ على كاهله، أو كمن وكل بعقول الناس يتناولونها بالتشذيب والتهذيب. لا يعبث بموضوعه ولا يحيله إلى مهرجان من السخرية والضحك، يعيش في برجه العاجي، ويرود افاقه سامية نبيلة ولا يتدنى إلى العادي من مشكلات الحياة اليومية، وهو إن أراد أن يزيح عن كاهله نير الجد، وأن يطلق أساريره بالبشاشة والمرح، أو إذا ألحت عليه نزعة التظرف الذي عرف عنه في مجالسه الخاصة وندواته الأدبية، لجأ إلى الشعر، فأحاله إلى عبث عابر سبيل. وعندما تجيل نظرك في مجموعات مقالاته، لا تقع عينك إلا على كل رصين متزمت من الموضوعات. وعنوانات كتبه توحي بهذا العبوس الدائم."
وإلى جانب هذه القراءة النقدية لفن المقال الأدبي عند العقاد، فقد تمت دراسة العقاد في كتاباته
السياسية والصحفية.
وإذا كان للعقاد تاريخ حافل في ميدان الفكر والأدب فإن له في ميدان الصحافة والكتابة السياسية أيضا تاريخ حافلا ضخمة، فقد كتب العقاد، مئات المقالات في السياسة منذ عام 1922م، في عشرات من الصحف. وكان أسلوب العقاد في كتاباته السياسية بالغ العنف حتى وصف بالصواعق، وكانت مقالاته تنشر دون أن يراجعها رئيس التحرير أو يحذف منها، وإلا فالويل له من غضبه.
وقد أخذ على العقاد أنه لم يكن ذا منهج سياسي واضح. وربما كان ديموقراطية على الطريقة الغربية. ومع ذلك فقد هاجم العقاد مذاهب أربعة هي: الفاشية والنازية والشيوعية والصهيونية. وله في السياسة مقالات ساخرة.
وقد صور العقاد الصحافة في رأيه، فقال إنها جمعت بين الخير والشر، فمن خيرها أنها سريعة الفعل في نشر المعرفة وبث الدعوات القوية واستنهاض العزائم لمكافحة السيطرة الأجنبية وترقية اللغة ودوام التفريق بين لغة العلم ولغة البيت والسوق. ومن شرها ولا ريب أنها شغلت الناس بسفاسف الأمور وطلبت الرواج والانتشار بإثارة الفضول وتزويد القراء بما يرضيهم دون ما ينفعهم من الآراء والأنباء، وأنها سلمت زمام الجماهير لمن يستطيع أن يشتري أقلامها أو يسخرها، وأن الإقبال عليها يصرف القراء عما هو أفضل منها وأولى بالانصراف من أنواع المطالعة والتحصيل المفيد.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|