العوامل التاريخية

ويقصد بالعوامل التاريخية وجود مدن معينة كانت في بداية ظهورها مدن بالغه القوة، ثم بعد ذلك بدأ نفوذها يقل وقوتها تضمحل مما أدى إلى انتهاء وجودها السياسي واضمحلالها ، وهناك بعض المدن الأخرى التي كان يطلق عليها منذ نشأتها مدينة ولكن جميع مظاهر العمران بها لا تدل سوى على أنها مجرد قرية ، ويرى بعض الكتاب، مثل " ماكس سور Max Sorre أن التاريخ يمدنا بتعريف واف للمدينة، فالآثار التاريخية الموجودة في أية مستوطنة عمرانية كافية لشرح وجودها أكثر من عدد سكانها . ومن ثم يجب على الباحث التعمق في تحديد تاريخ المستوطنة لكي يستخرج عناصر التحديد ، خاصة وأن كل مستوطنة بشرية علم فرد بشخصيتها وتاريخها المميز، وطبقا لهذا التحديد فإن المستوطنات الريفية تتصف بأنها لم تلعب دورا هاما في تاريخ المنطقة التي توجد فيها على عكس المدينة ، وهو ما يؤكد على أن للعوامل التاريخية دورة كبيرة ومؤثرة لا يمكن تجاهله في نشأة المحلة العمرانية ونموها وتطورها بعد ذلك ، فقد تكون المدينة شيدت في الماضي لتقوم بغرض معين ثم نمت واتسع عمرانها فيما بعد، وقد تكون في الأصل عبارة عن قرية ثم تطورت واصبحت مدينة ، ومن هنا يرى أصحاب هذا الرأي أن التاريخ يمدنا بتعريف وافي للمدينة وبالتالي يمكن تميزها عن القرى وذلك من خلال الآثار التاريخية .

كما أن ظهور الحدود السياسية في العصر الحديث قد أدي إلى اضمحلال مدن تاريخية، كما أن ظهور الحدود السياسية في العصر الحديث قد أدي إلى انكماش مدن كانت لها أهميتها في الماضي، بل أن تغير حدود الوحدات الإدارية الصغرى قد يحدث ذلك ، هذا إلى جانب أن ظهور الدول المركزية قد أدي إلى ضعف بعض مدن المقاطعات القديمة ، وكمثال على ذلك فإننا نجد قرية صغيرة في مركز أسيوط تدعي شطب كان سكانها في تعداد 1960 في حدود 7000 نسمة يعمل 90% منهم بالزراعة على الرغم من أنها كانت مدينة هامة في مصر الفرعونية وكانت عاصمة لأحدى المقاطعات التي لعبت دورا هاما في تاريخ مصر القديمة حين ثارت بعض المقاطعات على الحكم المركزي ، وكذلك الحال في كل أتريب التي كانت مدينة هامة في العصر اليوناني الروماني ولكنها انحدرت إلى قرية صغيرة حتي امتد العمران الحديث إليها أخيرا .

وفي العصر الحديث نجد أمثلة لمدن فقدت أهميتها وفي الولايات المتحدة نجد أن بعض المدن التي نشأت في عصر العجلة والحصان ، وخاصة تلك التي كانت مراكز للراحة في المسافة بين الشرق والغرب ، ولم تلبث أن انكمشت في عصر القطار والسيارة ، بل أن بعضها قد اختفي تماما ولم تحل مكانة حتى قرى صغيرة ، على الرغم من أنها مؤسسات جارية كبرى ، وعلى أي حال فإن الأساس التاريخي يكون ضرورية لفهم النمو العمراني في حالة الدراسات المنفردة للمدن ولكنه يكون محدود الأهمية في التصنيف .

تعرف المدن بأنها تتميز بتاريخ قديم ، مهما كان حجم السكان وكثافتهم ووظائفهم ، إلا أن هذا التعريف شكلي وغير موضوعي ، فتبقى المدن التاريخية تحتفظ بآثارها وقلاعها وحقوقها ، وهناك بعض المدن الأخرى التي كان يطلق عليها منذ نشأتها مدينة ولكن جميع مظاهر العمران بها لا تدل سوى على أنها مجرد قرية (مثل الإسكندرية القديمة التي كان عدد سكانها لا يزيد عن 8000 .نسمة وكانت جميع الشواهد العمرانية وحرف سكانها ونشاطهم الاقتصادي لا تدل إلا على أنها قرية) ، وكذلك مدن معسكرات الحاميات الرومانية ، التي نمت وازدهرت بسرعة كبيرة ، لكنها سرعان ما انتهى وجودها مع انتهاء وجود تلك الحاميات ، وهناك كذلك ما يعرف بمدن الأشباح Ghost Towns في الولايات المتحدة وهي تلك المدن نشأت نتيجة قدوم المغامرون إلى الجزء الغربي من الولايات المتحدة بحثا عن الذهب، وتجمعهم في مدن أقيمت في مناطق وجود الذهب ، ولكن بعد نفاذ كميات الذهب الموجودة في تلك المناطق رحل هؤلاء المغامرون تاركين تلك المدن خالية تماما من السكان .

حيث أن المدن الكبرى كانت قري في الغالب و تحولت إلى مدينة و لكن هناك مخالفات في التاريخ و هو أن بعض العواصم الكبرى تتنقل من مكان لآخر مثل (منف۔ طيبة- أخيناتون- الإسكندرية - الفسطاط) ولكن الشيء الطبيعي هو أن يكون هناك مستقر ويزداد حتى تتكون المدينة و لذا فالأساس التاريخي ضروري في فهم النمو العمراني للمدن و تأكيد صفة المكان .

وطبقا لما سبق عرضة فإن المدينة تمر بعدة مراحل تاريخية للنمو العمراني هي :

مرحلة النشأة : والتي استغرقت معظم القرون الماضية ، وقد نما السكان في هذه المرحلة في كل من الريف والمدن معا.

مرحلة التكوين : وهي مرحلة انتقالية بين القرنين التاسع عشر والعشرين وامتازت بزيادة معدلات النمو السكاني في المدن عنها في الريف.

مرحلة التضخم المديني : وقد صاحبت عصر التصنيع حيث زاد عدد السكان في المدن زيادة كبيرة وخاصة في المدن الكبيرة ومدن العواصم.