مشروع الإمام الخميني للمصالحة بين الأنساق المعرفية الكبرى (الفيلسوف والعارف والفقيه) |
6571
06:56 مساءاً
التاريخ: 10-05-2015
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-05-2015
5659
التاريخ: 2023-05-19
1130
التاريخ: 26-11-2014
5660
التاريخ: 14-11-2014
5509
|
لم تطرأ فكرة التوفيق بين النقل والعقل والقلب أو بين الشريعة
والفلسفة والعرفان عند الإمام فجأة، ومن ثمّ من الخطأ أن نعيد اصول مشروعه إلى
لحظة الإعلان عنه أثناء دروسه القرآنية في تفسير سورة الفاتحة عام 1400 ه بعد
عودته الظافرة إلى إيران. فلهذه الفكرة جذورها التي تمتد إلى أوّل كتاب وضعه
الإمام سنة 1347 هـ، وصدر بالعربية تحت عنوان «شرح دعاء السحر» حيث كان لا يزال في
سنّ السابعة والعشرين.
إذا
أخذنا بهذا التحديد يكون للمشروع الخميني عمقه الذي يمتدّ به على مدار خمسين عاما
بين لحظة البدء ووضع الخطوط العريضة، وبين الإعلان عنه باسمه وبعنوان كونه مشروعا.
لقد كان من حسن التقدير أن يتفق معنا في هذا التحديد الشيخ جوادي آملي في دراسة عن
الإمام بعنوان «معراج السالكين من منظور إمام العارفين» وصف فيها منهجه في أوّل
كتبه الموسوم ب «شرح دعاء السحر»، بقوله : «في ذلك الكتاب أوجد الإمام الفة جذّابة
بين (المشهود)، (المعقول) و(المنقول)؛ وبتعبير أدلّ وأوفى أزاح الستار عن التوافق
والانسجام الكائن بينها» (1).
لا
تقتصر أهمّية هذا النص على كونه شهادة علمية على الخلفية العريقة التي يحظى بها
مشروع الإمام للتوفيق وحسب، بل له مغزاه العميق أيضا على قلب المعادلة في هذا
المضمار، فالأصل الموضوعي الذي يحكم العلاقة بين العرفان والفلسفة والنقل برأيه هو
الانسجام والتوافق، وحالة الاعتراك والصراع والقطيعة هي الاستثناء الذي ينبغي أن
يعالج ويزول.
و إذ لا
يسعنا أن نستعرض محتويات كتاب «شرح دعاء السحر»، فيكفينا أن نشير إلى أنّ المؤلّف
حرص في منهجه على الجمع بين المعطيات التالية :
1-
العلوم النقلية ، من خلال الاستنباط من النصوص والظواهر الدينية.
2-
العلوم العقلية ، من خلال استخدام البرهان بمعناه الخاص في المنطق
والفلسفة
الذي يعني استعمال مقدّمات يقينية ضرورية أو نظرية تنتهي إلى الضروري، للوصول إلى
نتائج يقينية.
3- كما
استعمل أحيانا بعض المشاهدات القلبية والكشوفات المعرفية لعرفاء بارزين في الطليعة
منهم ابن عربي.
حرص
الإمام على أن يقدّم هذا المزيج في مركّب منسجم يخدم الفكرة التي يعالجها، ليوفّر
لها بذلك قواعد عريضة تستقطب إليها جميع الفئات والأنساق والأذواق. ففي بحث قصير
نسبيا عن أسماء اللّه والاسم الأعظم، وظّف المؤلّف معطيات النقل والعقل والشهود
على نحو مكثّف لكي يقدّم الفكرة التي يريدها، وجمع رموز من مختلف الأنساق المعرفية
لتعزيزها، فإلى جوار نصوص حديثية جمّة من كتاب «الكافي» أدخل في السياق أفكار
ونظريات لابن عربي وصدر الدين القونوي وعبد الرزّاق الكاشاني وصدر الدين الشيرازي
والفيض الكاشاني والقاضي سعيد والسيد علي خان الشيرازي ومحمد رضا قمشئي وملكي
تبريزي والمحدّث الشيخ عباس القمّي (2).
الإعلان
عن المشروع
ذكرنا
غير مرّة أنّ الإمام شرع بدروس أسبوعية في تفسير القرآن الكريم بعد عودته من منفاه
إلى إيران عام 1979م ، وفي إطار هذه الدروس أعلن عن مشروعه التوفيقي. فقبل أن
يواصل تفسيره المتسلسل في سورة الفاتحة، افتتح الدرس الخامس، بالقول : «قبل أن
أواصل البحث ثمّ مطلب مهمّ ينبغي أن أعرض له؛ ربّما
كان
مفيدا وضروريا أيضا. يتمثّل هذا المطلب بما يلحظ من بروز اختلافات أحيانا بين أهل
النظر؛ وأهل العلم».
لم يشأ
الإمام أن يثير حفيظة مستمعيه مرّة واحدة، لذلك اختار التدرّج في إثارة الفكرة،
ومن ثمّ التعبير عن المشكلة بمثال عرفي. ففي البدء أعاد الاختلاف العلمي الذي ينشأ
بين مختلف أنساق النظر الفكري، إلى اختلاف لغة كلّ نسق عن الآخر، وغربة كلّ فئة من
أهل العلم عن لغة الطرف الآخر وعدم الفتها بمصطلحاتها، ممّا يدفع إلى النزاع
والقطيعة والإلغاء. يقول في تعليل الاختلافات الناشئة، بأنّها تبرز «نتيجة عدم
معرفة كلّ طرف بلغة الآخر. فلكلّ فئة لغة خاصّة بها». ثمّ لا يلبث أن يوضّح ذلك
بالمثال العرفي التالي : «لا أدري إذا كنتم قد سمعتم بهذا المثال. لقد اجتمع ثلاثة
أحدهم فارسي والثاني تركي والثالث عربي، وعند ما حلّ وقت تناول طعامهم اختلفوا
فيما يأكلونه، فقال الفارسي : نأكل (انگور)، وقال العربي : لا بل نأكل (العنب)،
على حين بادر التركي للاعتراض قائلا : كلا، لا نأكل (انگور) ولا (العنب)، بل نأكل
(ازوم). لقد وقع الاختلاف بين هؤلاء لأنّ كلّ واحد منهم يجهل لغة الآخر. وعند ما
ذهب أحدهم وعاد بالعنب، انتبه الجميع إلى أنّهم كانوا يتحدّثون عن شيء واحد، لكن
بلغات مختلفة. أجل، فالمطلب واحد واللغات مختلفة» (3).
يعود
الإمام لتطبيق هذه الفكرة بحذافيرها على الخلاف الناشئ بين الفلاسفة والعرفاء
والفقهاء، فكلّ هؤلاء يتحرّكون صوب مقصد واحد، لكن باصطلاحات ومفاهيم تتفاوت بين
حقل معرفي وآخر، وبتعبير سماحته : «للفلاسفة مثلا لغة خاصّة بهم واصطلاحات ترتبط
باختصاصهم، وللعرفاء أيضا لغة واصطلاحات خاصّة بهم، كذا حال الفقهاء الذي تدور
لغتهم حول اصطلاحات خاصّة بهم أيضا، وللشعراء كذلك لغتهم الشعرية الخاصّة. كما أنّ
للأئمّة المعصومين عليهم السّلام أداء ولغة على نحو خاص. والمطلوب هو أن ننظر أيّ
هذه الفئات الثلاث أو الأربع التي تختلف فيما بينها، هي أقرب في لغتها وأدائها إلى
لغة أهل العصمة، وإلى لغة الوحي» (4).
هنا
النص تحدّث عن مقياس للتفاضل ، وعن معيار به نزن وسائل الأداء المعرفي ، واليه نحتكم
في الرفض والقبول، هو لغة أهل العصمة وأسلوب الوحي في الأداء. فالمسألة ليست أن
نتعصّب للفلسفة أو لطريقة العرفان أو لمنهج التفكير الفقهي ، إنّما المطلوب أن
نعرف أيّها أقرب إلى المرجعية الإسلامية المتمثّلة بالكتاب والسنّة، فنميل إليه
ونأخذ به. فأنماط التفكير وأنساقه هي وسائل تقرّبنا إلى القرآن والسنّة زلفى.
____________________
(1)-
بنيان مرصوص : 147.
(2)-
شرح دعاء السحر : 71- 87.
(3)-
تفسير سورة الفاتحة : 175- 176، ولفظ «انگور» بالفارسية و«ازوم» بالتركية يعني
العنب.
(4)-
نفس المصدر : ص 176 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|