تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
سعيد بن جبير في سطور
المؤلف:
المَجمع العلمي للقران الكريم
المصدر:
المدون الأول لعلم التفسير سعيد بن جبير
الجزء والصفحة:
ص17 - 41
2025-04-29
82
هو أبو عبدالله سعيد بن جبير بن هشام الأسدي الحبشي الوالبّي مولى والبة بن الحارث من بني أسد[1] ينتمي بأصوله إلى الكوفة مدينته الأولى، وهو عالِمٌ جليلٌ يُعدّ من مشاهير أئمة الفكر والعلم من الشيعة المتقدمين في العلوم الإسلاميّة، وكان تقيًا صالحًا معروفًا بالزهد، وتلك صفات لازمته لملازمة صحبته لسيد الساجدين الإمام زين العابدين (عليه السلام) وظل كذلك حتى ختم حياته بالشهادة.
وكان رضى الله عنه مثالًا أسمى لتابعي الرسالة المحمديّة العلويّة في حياته فهو من التابعين، وقد فتح الرحمن له أبواب الخير حتى وصفه المختلفون معه بأنَّ الصلاة كانت الأحّب لذاته، وهو البار بوالديه ووسموه بكلّ الصفات النبيلة وهو أعلم التابعين في زمانه[2].
وكان لآثاره الفكريّة السعيّ الجليل في ترسيخ علوم القرآن الكريم، إذ يُعدّ أول من ألّف في التفسير[3]، ولم يدّخر وسعًا في بيان رؤى القرآن وتقريب وجهات النظر الصائبة له؛ لذلك سعى نحو بيان المعانيّ القرآنية.
وتجلّت فرادته في شخصه وهو يتحلّى بقيم أولياء الله الصالحين ويهتدي بآثارهم، حتى بعد استشهاده كان صوته يلاحق الظالم الحجاج ويطارده في يقظته ونومه، ويسلبه عزّ هنائه، فينهض الظالم الطاغي من نومه مرعوبًا وهو يردد عبارة مالي ولسعيد[4] تلك العبارة التي ظلّ يلهج بها المستبد مترقبًا وهو خائفٌ مذعورٌ لتلازمه حتى النزع الأخير من حياته؛ لما تلطخت يداه بدماء الشهيد التابعيّ سعيد بن جبير رضوان الله تعالى عليه فلم يهنأ بحياته حتى لاقى مصرعه.
ولد سعيد بن جبير بن هشام الأسدي في الكوفة سنة 45 هجرية في زمن خلافة الإمام علي عليه السلام، وأكدت المصادر أنّه من الموالين، بل هنالك من رأى أنّه من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد حرص على أن يمضي بنهجه القويم حتى آخر المسار مهتديًا به ومقتديًا بالصالحين، وممّا كُنّيّ به أنّه كان يقال له أبو محمد[5] وقيل يُكنّى بأبي عبد الله، وهناك من مال إلى القول بأنّه يُكنّى بهما معاً؛ إذ إنّ عبد الله توفي شابًا ولعلّ ذلك كان السبب في تكنيته لاحقًا بأبي محمد، ولعلّ الذين قالوا بالكنيتين يريدون ذلك[6].
صَرّح العلامة الحلي في كتابه الخلاصة بتشيّع الفقيه الجليل سعيد بن جبير، ومثل ذلك فقد صرّح الكشيّ في رجاله، ولعلّ العلامة الدالة لذلك كون الفقيه من الموالين لأمير المؤمنين (عليه السلام) وأن سبب شهادته على يد الحجاج تكمن في ولائه لسيد الحق عليه السلام[7]، وقال الكشّي في ترجمة سعيد بن المسيب: قال الفضل بن شاذان: ولم يكن في زمن علي بن الحسين (عليه السلام) في أول أمره إلا خمسة أنفس: سعيد بن جبير، وسعيد بن المسيب، ومحمد بن جبير بن مطعم، ويحيى بن أم الطويل، وأبو خالد الكابلي[8]، وأنّما يُراد بذكرهم هذا بأنّهم الصفوة الذين وقع الاختيار لأسمائهم من دون سواهم، وأنّ الفقيه الجليل سعيد بن جبير في مقدمة هذه الأسماء.
وقال الكشّي في موضعٍ آخر في ترجمته عن سعيد بن جبير: عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله عليه السلام، قال: إن سعيد بن جبير كان يأتم بعلي بن الحسين عليه السلام، وكان علي (عليه السلام) يثني عليه، وما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الأمر وكان مستقيمًا[9].
أمّا الشيخ الطوسي فقد قال عنه إنّه : كان من أصحاب السجاد عليه السلام[10]، وكان من الشيعة الخلّص لأهل البيت عليهم السلام[11]وقال فيه حرز الدين: وكان شيعياً صلب الايمان والعقيدة[12].
وهو الرأي الذي قال به الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، إذ صرّح قائلًا: سعيد بن جبير بن هشام الكوفيّ الحافظ المقرئ المفسّر الشهيد وجهبذ العلماء، علمٌ شهيرٌ وقمةٌ شاهقةٌ وشخصيةٌ لامعةٌ فذةٌ، واسمٌ على كلّ لسانٍ، فلقد طبق صيته الآفاق، وتجاوز كلّ حدّ، أصله من الكوفة ومن خلاصة شيعتها، وكان من المتعلقين بأهل البيت (عليهم السلام) والمجاهرين بذلك والمنادين بوجوب اتّباعهم، فكان ذلك سببًا في استشهاده رضوان الله تعالى عليه قتله الحجاج بن يوسف لعنه الله تعالى في وقتٍ، وكما يقول أحمد بن حنبل، ما كان على الأرض أحدٌ إلاّ وهو محتاجٌ لعلمه[13].
هذه الخلاصات إذا ما أشارت فإنّما تشير إلى مقربة الفقيه الروحية من أهل البيت (عليهم السلام) والاهتداء بنهجهم والسير بخطاهم، إضافةً إلى أنّه نهل من علومهم وعمل بها، لذلك عُرف بالفقيه الثقة وهذا ما قال به علماء طوائف المسلمين جميعهم عن سعيد بن جبير رضوان الله تعالى عليه.
بل ممّا يترشح من هذه الدلائل إنّما تشير إلى وجود الفقيه الثابت الذي أحدثَ أثرًا طيبًا وجاد فكرًا منيرًا سيرًا على هدي أهل البيت عليهم السلام، وما تلك العلامات التي وسموه بها إلا ثوابت راسخة يُعتد بها ويؤخذ بمضامينها.
هنالك بعض كتب التاريخ تشير إلى أن مولد شهيد العقيدة سعيد بن جبير لم يُذكر بشكلٍ صريح، لكنّها تقاربت بالقول إلى أنَّ ولادته كانت في زمن حكومة الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الكوفة، وهو من أبوين مملوكين، أبوه جبير مولى بني والبة وأمه أمة تكنى بـ أم الدهماء[14]، كان عالماً من أعلام الإسلام[15]، اتّفق المسلمون على ثقته[16]، وهو أعلم التابعين في علم التفسير[17]، بل أعلم التابعين على الإطلاق[18]، حتى سُمي بجهبذ العلماء[19]، كان يؤمُّ الناس في شهر رمضان المبارك[20]، ويختتم القرآن الكريم في ليلتين[21]، عاش تواقاً للمعرفة عاملًا بها، متصدّرًا قائمة القّراء الذين يلهجون بذكر الله تعالى، إضافةً إلى أنّه من المواظبين على الدرس ومن الساعين إلى التحصيل الجيد لعلوم القرآن وتفسيره، تجلّى اجتهاده بمواظبته على حلقات الدراسة وترداده عليها، وقد أدرك المزيد من العلوم في رحاب دروس شيخه حبر الأمة ابن عباس حتى قال عنه: لا يلومني أحدٌ على حُبّ ابن عباس[22]، وظلّت ملامح السعي والاجتهاد تعيش في ذاته، وهو الذي تجسّدت سمات الإسلام في ذاته فتمثّلها في شخصيته لتتشكّل علامات التقوى والإيمان والورع لتكون الدال على سيرته ومنهاجه وفي حياته، لذلك ألزم على نفسه أن لا يتعرض لأحد في الكلام[23]، ولا شكّ فتلك صفات من حظي بصحبة أهل البيت (عليهم السلام) ومنهم الإمام زين العابدين عليه السلام، إذ كان يأتم به في الصلاة، وكان الإمام يثني عليه[24].
إنّ سيرة الفقيه الجليل -كلّها- تدعو القارئ إلى التأمّل في إيجاد الصلة المباشرة بين المرء وما يعيش به من واقع وما عليه أن يقدّمه من نفعٍ خدمةً لدينه الحنيف وتكريسًا لقيمه الإسلاميّة النبيلة، فلم تتوقف رسالته عند محيط قراءة النصّ القرآني بل راح يجد القرائن الدالة على تفسيره من خلال التعويل على الروايات الصحيحة مردفًا إياها بالأسانيد الصحيحة، وقد أفنى حياته في خدمة المشروع الإنسانيّ، وسخّر عمله عبر تاريخ طويل يدعو لإيضاح المعنى القرآنيّ وتقريب وجهة نظره في إقامة الوئام بين القرآن والعترة الطاهرة ليلتقيا خدمةً للمعنى الإنسانيّ الإسلاميّ القويم، وهذا السعي في هذا المنحى هو ما يكسبه تأكيدًا على عظيم جهده وتقواه.
من الثورات المناهضة للبلاط الأمويّ كانت ثورة عبد الرحمن بن الأشعث التي كان لـ سعيد بن جبير حالة رضا عنها كونها تسعى للقضاء على حكم الحجّاج، وإنّما كانت بسبب ازدياد جَوْر بني أمية وتجبّروا على العباد واستذلوا المسلمين وأماتوا الصلاة قاتلهم سعيد بن جبير مع ابن الأشعث وكان هذا حافزاً للحجّاج على قتله [25]، إذ انضمَّ سعيد بن جبير إلى ثورة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ضد الحجاج بن يوسف الثقفي، وكان يُعَبّئ الجماهير ضده ويحضُّ المقاتلين على الجهاد ومنازلة العدو بصرامة، فقد روي عن علي بن محمد عن أبي اليقظان قال: كان سعيد بن جبير يقول وهم يقاتلون: قاتلوهم على جورهم في الحكم وخروجهم من الدين وتجبّرهم على عباد الله وإماتتهم الصلاة واستذلالهم المسلمين[26] وقد عُرفت تلك المعركة بدير الجماجم[27].
لكنَّ هذه الثورة باءت بالفشل عندها لجأ سعيد إلى والبة[28] وهو موضع سكنى قبيلته، ممّا اضطر إلى مغادرة موطنه الأصلي الكوفة متوجّهًا نحو مكة ليمكث فيها طلبًا للعلم[29]، فقد لاذَ بجوار بيت الله، وهو الورع التقي الصالح متوسمًا بالدعاء ومتوسلًا به، وقد تجافت جنوبه عن المضاجع لملازمته القرآن، متمسكًا بأداء الفرائض في أوقاتها ساعيًا إلى عمل المعروف مبتعدًا عن المنكر ناهيًا عنه.
وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ الفقيه سعيد بن جبير كان ينشر علمه في الكوفة، مؤمنًا بزكاته وتعليمه لطالبيه؛ ولذا نراه يستثمر معرفته وكفاءته في القضاء والمعاملات وشؤون الكتابة، لذلك تنوّعت علومُه وكذا خبرتُه، فكان منها أنّه كان يعمل كاتباً لـعبد الله بن عتبة بن مسعود - وكان الأخير يشغل منصب قاضي الكوفة- [30].
لذلك امتهن الكتابة وصار يعمل كاتباً بعد انتهاء عمله مسخّرًا قلمه إلى باقي شيوخ التابعين من طبقته[31] ومنظّمًا لهم شؤون عملهم، إضافة إلى أنّه كان في كتابته موجّهًا ومعلماً وناقداً خبيراً[32]، متمرسًّا بعلوم القرآن من قراءة وتفسير ورواية وفقه[33]، واستمر كاتباً لابن مسعود حتى قدوم الحجاج والياً على العراق من لدن عبد الملك بن مروان.
تتلمذ الفقيه على يد شيخه ابن عباس وأخذ العلوم والمعارف عنه[34] فكان ابن عباس، إذا أتاه أهل الكوفة يستفتونه، يقول لهم : أليس فيكم ابن أُمّ الدهماء؟ يعني سعيداً[35]، وهذا إقرارٌ واضح ودلالة واضحة بإجازةالفتيا له لمكانته واجتهاده ومعرفته بالأحكام الشرعية ومداركها وأصولها، بل هنالك من عدّ سعيدًا بن جبير من تلامذة الإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) وأصحابه[36] وعنه أخذ العلوم والمعارف وصار عارفًا بهما.
وثمة مورد آخر نهل منه الفقيه الجليل بن جبير فذكروا شيخه أبا سعيد الخدريّ[37]، وقتادة بن النعمان بن زيد وهو أخ أبي سعيد الخدريّ[38]، والضحاك بن قيس الفهريّ [39]، وأنس بن مالك[40]، وأبي عبد الرحمن السلميّ[41].
ولأنّه التلميذ النبه فقد أخذ من علومهم ما يُنتفع به، وما يعزّز بها غايته المعرفيّة، وما يعينه على ردَّ السؤال، وما يوفر له الإلمام بالمسائل ويحيطها علمًا ودرايةً ليكون مستعدًا لرسالته القرآنيّة.
ختام حياته كانت على وفق ما كسبه من عظيم الأفعال وأحسنها اقتداءً بأهل البيت (عليهم السلام) فكانت تأكيدًا على عظيم سعيه، معزّزا إياها بعظيم مقصدها وبديع معانيها مبرّزًا ملامحها الراسخة التي تتضاعف فيها إشارات التمرّد ضد السلطة الجائرة، وهو المدرك لأهمية الكلمة في هذا الشأن، المشغول بالقضايا الإنسانية، وهو الذي قد جُبِلَ على رفض ما لا تقبله النفس الأبية، ولا ترتضي ما يلامس صميم إنسانيتها، لذا يتفق المؤرخون أن عمر سعيد بن جبير 49 عاماً حين قتله الحجاج[43]، لكن اختلف المؤرخون في تاريخ شهادته؛ فذهب فريق منهم إلى القول بأنّها كانت في شهر شعبان سنة 95هـ[44] وقيل في العاشر من شهر رمضان سنة 94 أو 95 هـ[45].
لقد مضى سعيد شهيدًا حين أمرَ الحجاج بضرب عنقه عندها برز رأسه الشريف وعليه كمّة بيضاء لاطية، فلمّا سقط رأسه هلّل - أي قال لا إله الا الله- ثلاثًا، أفصح بمرّة ولم يفصح بمرّتين[46]؛ ليكون ممثّلًا عن الحق في خطواته واختياره وثائرًا في وجه الباطل، وكان عالما تقيًا ومقرئًا ومفسّرًا ومفخرةً من مفاخر التابعين الذين خطّ التاريخ اسمهم في سجل زاخر بالعطاء وترجمان حافل بالمعرفة.
ظلت خطوات سعيد بن جبير تحدو على أثر الصالحين والأولياء والأئمة الأطهار، وهو يرتقب الشهادة فيقول لأصحابه: ما أراني إلا مقتولاً، وسأخبركم أني كنت أنا وصاحبين لي دعونا حين وجدنا حلاوة الدعاء، ثم سألنا الله الشهادة، فكلا صاحبيَّ رُزقها وأنا انتظرها[47]وهي خطوات واثقة تسير به الى النجاة، قتله الحجّاج بن يوسف بسبب خروجه مع عبد الرحمن بن الأشعث في ثورته على بني أمية، وكان ذلك في الحادي عشر من شهر رمضان في عام 95هـ[48].
وهي السنة التي قال عنها ابن جرير: وكان يقال لهذه السنة: سنة الفقهاء، لأنه مات فيها عامة فقهاء المدينة مات في أولها الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام، ثم عروة بن الزبير، ثم سعيد بن المسيب، وأبو بكر عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسعيد بن جبير من أهل مكة[49].
طرق الفقيه العلوم والمعارف حتى بلغ مقاماً عالياً وكبيرًا اجتماعيًا وفكريًا، وهو الذي أخذ علمه ومعارفه من ثقاة الصحابة والتابعين[50]، حتى صار المعلم الخبير بعلوم القرآن من قراءة وتفسير ورواية وفقه[51]، لذا توسّعت فنون المعرفة لديه حتى مضى به الأمر إلى أن يتولّى القضاء[52]، ولعل نصيبه في القبول إنّما نشأت من معاشرته للعلماء وخيار الصحابة، لاسيما صحبته لابن عباس، وأكثر من ذلك فهو ربيب فكر أهل البيت (عليهم السلام) حتى تبلورت شخصيته العلميّة ليملك زمام الاختيار في الإفتاء[53]، وهو الذي أثنى عليه الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) وأشاد به الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) كذلك أبدى تأسفه على قتل الظالم الحجاح
له[54]، فكان له الحظوة في الذكر الحميد عند كلّ الطوائف حتى ارتفع لولاية القضاء[55]، وإنّما وقع الاختيار لرجاحة فكره واتّساع رؤيته، وعميق ما جاد به من علوم حتى امتدت معطياته ليكون حاضرًا في أكثر من معطى علميّ، ولعل قطب وهو كبير الصحابة قد أجاز لـسعيد بوصفه أحد شيوخ التابعين[56]، وراح ابن حزم يصنّفه في الطبقة الثانية من التابعين بين أصحاب الفتيا من أهل الكوفة على أن مركزه بقي في الصدارة في علم التفسير[57].
ولم يقف الأمر عند ولاية القضاء والإفتاء بل أجاز ابن عباس للفقيهسعيد بن جبير أن يُحدّث الناس في حضرته وهو ما يسمى بعلم الحديث وبهذا نال ابن جبير بجهده الإجازة[58].
نخلص من ذلك أنّ للفقيه معارف متعدّدة حاز عليها بجهده واجتهاده وعزّزها بهمته ونباهته حتى جمعها في مستقر فكره ولم يدخرها بل جعلها في خدمة الإسلام والمسلمين.
دُفِن الفقيه الجليل سعيد بن جبير في مدينة واسط[59]. وفي عام 95هـ[60]، وبأمر من الحجاج بظهر واسط في مدينة الحي، وقد أشار ياقوت الحموي إلى مرقده في أثناء حديثه عن قرية برجونية يقول: هي قرية من شرقي واسط وبها قبرسعيد بن جبير الذي قتله الحجاج.[61] وقال حرز الدين: مرقده في ضواحي مدينة الحي بواسط العراق معروف مشهور عامر مشيد عليه قبة قديمة البناء وله حرم تزوره الناس [62].
وتشير المصادر إلى أنّ تشييد المرقد القديم يعود إلى العهد الصفوي في القرن الحادي عشر، وأٌعيد بناؤه سنة 1378هـ بمساعدة من الخيرين من أبناء المدينة[63]، ليظلّ قبره الشريف أكثر من 1300 عامًا يقارع زمنه ليثبت أنّه الحاضر أبدًا في وجود كلّ أمةٍ حيّةٍ. يشتمل مرقده الشريف على صحنٍ كبير وأربعة أبواب يقع الضريح في وسطها وتحيط الصحن مجموعة من الأيوانات المسقفة ويعلو الضريح قبة جميلة ومزينة. [64]
ويظلُّ سعيد منارةً يتخطى الأعوام والسنين، وذكرًا حميدًا سار بمنهاج الصالحين، واثقًا بخطواته، ومعتدّاً بما نهل منهم من سادة الحق من أهل البيت (عليهم السلام) فنال حظّه في البقاء.
[1] رجال الطوسي، الشيخ الطوسي: 114، الأنساب: 5/ 568. رجال ابن داود: 102. سـيـر أعـلام النبلاء، الذهبي: 4 /321، نقـد الرجال: 2/ 319. جـامـع الـرواة: 1/359. طرائـف الـمـقـال: 2/57. الطبقات الكبـرى: 6/256. تهذيب التهذيب: 4/11. التاريخ الكبير: 3/461. معجم رجال الحديث: 9/118.
[2] يُنظر: إيمان أبي طالب، فخار بن معد الحائريّت630هـ، ط: 1965م:321. وفيات الاعيان، ابن خلكان ت 681هـ : 2 /372.
[3] يُنظر تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام، حسن الصدر: 322.
[4] تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي: 10: 374. سير اعلام النبلاء : 5/193.
[5] الكاشف في من له رواية في كتب السنة: 1/433.
[6] يُنظر رجال العلامة، الحلي: 79.
[7] يُنظر اختيار معرفة الرجال، الطوسي: 139.
[8] المصدر السابق: 142-143.
[9] رجال الطوسي:114.
[10] المصدر نفسه:114.
[11] يُنظر أعيان الشيعة، محسن الأمين: 7 / 234.
5 مراقد المعارف، محم حرز الدين: 1/ 352 .
[13] أصل الشيعة وأصولها: 348.
[14] تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المزي: 10/ 364.
[15] يُنظر مجمع البيان، الحسن رضي الدين الطبرسي، ط :1382 هـ، طهران: 1/559.
[16] يُنظر مجمع البيان، الطبرسي، ط: 1382هـ، طهران: 10/ 559.
[17] المنتخب من كتاب ذيل المذيل، محمد بن جرير الطبري: 125.
[18] يُنظر إيمان أبي طالب عليه السلام، فخار بن معد الحائري: 321.
[19] يُنظر مناقب آل ابي طالب عليه السلام، محمد بن شهر آشوب المازندراني: 5/70.
[20] يُنظر مجمع البيان، الطبرسي:10/ 558.
[21] يُنظر الطبقات الكبرى، ابن سعد: 6/259.
[22] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ط: 1956م، القاهرة : 3/232.
[23] يُنظر ذكر أخبار اصبهان، أبو نعيم الاصبهاني، ط:1931م: 1/ 324.
[24] يُنظر: قاموس الرجال، محمد تقي التستري، طهران 1300هـ: 110. الاختصاص، الشيخ المفيد، ط: 1379هـ، طهران: 205. منتهى المقال، الشيخ ابي علي الحائري، ط:1300هـ، : 146. يذكر السيد الخوئي قدس في ترجمة سعيد بن جبير: «حدثني أبو المغيرة، قال: حدثني الفضل، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن عليه السلام، قال: إن سعيد بن جبير كان يأتّم بعلي بن الحسين عليه السلام، وكان عليه السلام يثني عليه، وما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الأمر وكان مستقيمًا».
[25] يُنظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد: 6/264، الكامل في التاريخ، ابن الاثير: 4/130.
[26] الطبقات الكبرى، ابن سعد: 8/383.
[27] يُنظر: وفيات الاعيان، ابن خلكان: 2/372.
[28] يُنظر معجم البلدان، الحموي، ط: 1376هـ -1957م، بيروت: 5/355.
[29] يُنظر: رجال الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي، ط: 1381هـ - 1961م، النجف الأشرف :90-91. مجمع البيان في تفسير القرآن، الطبرسي، ط:1382 هـ، طهران: 10/559. الأعلام، خير الدين الزركلي، ط :1345 هـ - 1927 م، القاهرة: 1/ 369.
[30] يُنظر: البيان والتبيين، الجاحظ: 3/63.
[31] يُنظر: جوامع السيرة، ابن حزم الاندلسي: 329.
[32] يُنظر: رجال الطوسي، الشيخ الطوسي:90.
[33] يُنظر: إيمان ابي طالب، الحائري: 321. الإتقان في علوم القرآن، السيوطي: 2/ 189.
[34] يُنظر: وفيات الاعيان، ابن خلكان: 2/371.
[35] يُنظر الطبقات الكبرى، ابن سعد: 8/375. سير أعلام النبلاء: 4/375.
[36] يُنظر: القرآني الفقيه سعيد بن جبير: 52.
[37] الإصابة في تمييز الصحابة: 3/ 225.
[38] سير أعلام النبلاء: 3/ 161.
[39] سير أعلام النبلاء: 3/161.
[40] تهذيب التهذيب: 4/11-12.
8سير أعلام النبلاء: 3/ 113.
[42] يُنظر: كتاب أَعلام السلف، أَحمد فريد: 16/9.
[43] يُنظر الطبقات الكبرى، ابن سعد: 6/266. المعارف، ابن قتيبة:197. الاحتجاج، الطبرسي:356. الفهرست، ابن النديم: 51.
[44] يُنظرمسالك الابصار في ممالك الأمصار، العمري: 5/ 615.
[45] يُنظر مستدرك سفينة البحار، النمازي: 5/211.
[46] يُنظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير: 4/58.
[47] حلية الاولياء، أبو نعيم الاصبهاني، ط:1354هــ-1935م، القاهرة:4/274.
[48] يُنظر: مروج الذهب، المسعودي، ط: القاهرة :3/ 105. رجال الطوسي:3/90-91. البيان والتبيين، الجاحظ، ط :1388هـ- 1968م، القاهرة: 3/63.
[49] يُنظر الفهرست، ابن النديم:12/463.
[50] يُنظر: إيمان أبي طالب، فخار بن معد الحائريّ: 321. سير أعلام النبلاء: 3/113.
[51] يُنظر: إيمان أبي طالب، فخار بن معد الحائريّ: 321. الإتقان للسيوطي: 2/ 189.
[52] يُنظر المعارف، ابن قتيبة:197.
[53] يُنظر ذيل الأماليّ والنوادر:480.
[54] يُنظر: الاختصاص للمفيد:205. رجال الكشي:110.
[55] يُنظر وفيات الأعيان، ابن خلكان، ط :1299 هـ، القاهرة: 2/112.
[56] يُنظر: سعيد بن جبير شيخ التابعين، سلام محمد علي البياتي، قسم الشؤون الفكرية، العتبة الحسينية المقدّسة، ط1، 1437 هـ- 2016م : 31.
[57] يُنظر: جوامع السيرة، ابن حزم الاندلسي، تحقيق د.إحسان عباس د.ناصر الأسد: 330.
[58] يُنظر: سعيد بن جبير شيخ التابعين وإمام القرّاء:28.
[59] يُنظر:الرجال، الطوسي، ط:1381هـ،1961م، النجف الأشرف: 3/ 91.
[60] يُنظر: مروج الذهب، المسعودي، طبع القاهرة، 3/ 105. رجال الطوسي: 3/90-91. البيان والتبيين، الجاحظ، ط :1388هــ، 1968م، القاهرة: 3/63.
[61] يُنظرمعجم البلدان، ياقوت الحموي: 1/374.
[62] مراقد المعارف، محمد حرز الدين: 1/350.
[63] يُنظر: سعيد بن جبير شيخ التابعين وإمام القرّاء: 13- 14.
[64] يُنظر: المصدر السابق: 14.