المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
أنـواع اتـجاهـات المـستهـلك
2024-11-28
المحرر العلمي
2024-11-28
المحرر في الصحافة المتخصصة
2024-11-28
مـراحل تكويـن اتجاهات المـستهـلك
2024-11-28
عوامـل تكويـن اتـجاهات المـستهـلك
2024-11-28
وسـائـل قـيـاس اتـجاهـات المستهلـك
2024-11-28

الفوسفات الموجودة في البلازما Plasma Phosphate
15-2-2021
الحموضة الطبيعية Natural Acidity
19-4-2019
مذهب الفلاسفة في كيفية علمه تعالى
5-08-2015
بعض احوال يزيد بن عبد الملك
23-11-2016
هل لحالة التربة تأثير في الأدغال؟
20-12-2021
حساسية للشمام Cantaloupe Allergy
24-9-2017


نظرية النشأت الثلاث والعلوم الثلاثة عند الامام الخميني  
  
6437   01:13 صباحاً   التاريخ: 6-05-2015
المؤلف : جواد علي كسار
الكتاب أو المصدر : فهم القران دراسة على ضوء المدرسة السلوكية
الجزء والصفحة : ص631-640.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / العقائد في القرآن / مقالات عقائدية عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-10-2014 5093
التاريخ: 22-12-2015 5054
التاريخ: 9-06-2015 5002
التاريخ: 26-09-2014 5193

أنّ المسألة ستكتسب وضوحا أكبر من خلال نصوص تفصيلية للإمام يلجأ فيها إلى مكوّنات الرؤية الوجودية التي ترى الإنسان موازيا للعالم من جهة وللقرآن من جهة اخرى، وأنّ لكلّ واحد من هذه الموجودات الثلاثة نشآت وعوالم ومراتب ودرجات، وظاهرا وباطنا، وغيبا وشهادة إلى آخر ما مرّ معنا تفصيلا، في‏ مواضع متعدّدة سابقة. فعند ما يصل إلى الحديث النبوي الشريف : «إنّما العلم ثلاثة :

آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنّة قائمة، وما خلاهنّ فهو فضل» (1) ينفذ إليه من الرؤية الوجودية أو العرفانية للإنسان التي ترى أنّ له نشآت أو عوالم أو مراتب أو درجات ثلاث، وأنّ لكلّ درجة كمالها الخاص بها وعملها الذي يتناسب مع مقام الإنسان في تلك النشأة أو الدرجة أو المرتبة، وبهذا صارت العلوم بمقياس الشريعة ثلاثة بحسب نشآت الإنسان وعوالمه وحاجاته في كلّ نشأة من تلك النشآت والعوالم.

محور هذا التفسير لتنوّع العلوم والمعارف أنّنا بإزاء واقع وجودي متعدّد المراتب، يترتب عليه تنوّع في العلم والمعرفة بحيث يتسق كلّ ضرب من العلم والمعرفة مع مرتبة من مراتب الإنسان وعوالمه الوجودية، ويشبع حاجته للعلم والمعرفة في تلك النشأة أو العالم.

بإزاء هذا التصوّر الوجودي سيغدو تعدد العلوم والمعارف طبيعيا، بحيث تكون كلّها صحيحة- مع افتراض صحة بقية الضوابط- كلّ في مرتبته، وهذا هو الأساس المنطقي للتفسير الأوّل الذي يستند إليه مشروع الإمام في التوفيق والمصالحة، بين الفلاسفة والعرفاء والفقهاء ومنهجياتهم في الفهم.

لكي تتّضح الرؤية أكثر خاصّة في طبيعة العلاقة بين تعدّد نشآت الإنسان ومراتبه أو عوالمه الوجودية وتنوّع العلوم، وما يترتب على ذلك من تصحيح العلوم الثلاثة؛ البرهان والعرفان والفقه أو الظواهر النقلية على نحو أعم، نسعى إلى عرض بعض نصوص الإمام الدالّة على هذا المعنى، انطلاقا من شرحه للحديث‏ النبوي الشريف.

يقول : «اعلم أنّ للإنسان- كما تقدّم ذلك سابقا (2) - إجمالا وعلى نحو عام ثلاث نشآت وله ثلاثة مقامات وثلاثة عوالم، هي :

الاولى : نشأة الآخرة وعالم الغيب، ومقام الروحانية والعقل.

الثانية : نشأة البرزخ والعالم المتوسّط بين العالمين، ومقام الخيال.

الثالثة : نشأة الدنيا، ومقام الملك وعالم الشهادة.

إنّ لكلّ واحد منها كمالا خاصا وتربية خاصّة وعملا يتناسب مع نشأته ومقامه».

ثمّ يضيف موضّحا : «فإذن جميع العلوم النافعة تنقسم إلى هذه العلوم الثلاثة :

علم راجع للكمالات العقلية والوظائف الروحية، وعلم راجع إلى الأعمال القلبية ووظائفها، وعلم راجع إلى الأعمال القالبية [الخارجية والسلوكية] والنشأة الظاهرة للنفس» (3).

ينتقل بعد ذلك لشرح الحقل الذي يتحرّك به كلّ علم من هذه العلوم وما يتصل به من معارف، ومن ينهض ببيان حقائقه، ليفيد ما يلي :

1- بالنسبة للعلم الأوّل الذي يشمل معرفة الذات المقدّسة وصفات الجلال والجمال، والعوالم الغيبية التجرّدية كالملائكة وأصنافها، ومعرفة الأنبياء والأولياء ومقاماتهم، والعلم بالكتب المنزلة وكيفية نزول الوحي وتنزّل الملائكة والروح، والعلم بالنشأة الآخرة ورجوع الموجودات إلى عالم الغيب، وحقيقة البرزخ‏ و القيامة، أو ما يعرف بالجملة بعلم المبدأ والمعاد؛ بالنسبة إلى هذا العلم فإنّ الذي يتكفّل به أصالة هم الأنبياء والأولياء، ثمّ ينهض به بعدهم «الفلاسفة والأعاظم من الحكماء وأصحاب المعرفة والعرفان» (4).

2- أمّا العلم الثاني الذي يتحرّك في مدار تربية القلب وإعداده وترويضه ويتكفّل بالأعمال القلبية، ويشمل العلم بالمنجيات والمهلكات الخلقية، والسبيل إلى تحصيل الاولى والحذر من الوقوع في الثانية؛ فينهض به بعد الأنبياء والأوصياء عليهم السّلام «علماء الأخلاق وأصحاب الرياضة والمعرفة» (5).

3- ثمّ تأتي العلوم ذات الصلة بإصلاح الظاهر وتقويمه، وتشمل علم الفقه، وعلم آداب المعاشرة وتدبير المنزل وسياسة المدن، وهي التي يضطلع بها بعد الأنبياء والأوصياء «علماء الظاهر من فقهاء ومحدثين» (6).

من الواضح أنّ هذه الخريطة في توزيع العلم تبعا لعوالم الإنسان ونشآته الوجودية وحاجاته في مراتب تلك النشآت والعوالم، تنتهي تلخيصا للإقرار بثلاثة حقول معرفية، هي :

1- العلوم البرهانية والفلسفية، ورادتها الفلاسفة والحكماء.

2- العلوم الأخلاقية والمعنوية، ورادتها العرفاء وأهل المعرفة والسلوك.

3- العلوم التي ترتبط بالسلوك الإنساني الخارجي وتدبير الحياة، ورادتها الفقهاء والمحدّثون.

و كلّ فئة من هذه العلوم وأهلها ترتبط بعالم أو نشأة أو مرتبة من مراتب‏ الإنسان، ومن ثمّ لا معنى أن يكون أحدها بديلا عن الآخر، أو أن نتصوّر أنّ الإنسان يستغني ببعضها عن بعض، بل هو بحاجة إليها كلّها، بخاصّة حين نأخذ بنظر الاعتبار الترابط العضوي القائم بين تلك المجالات الوجودية. فالحديث حين يدور عن مراتب وجودية، فهو لا يقصد الإشارة إلى مجالات منفصلة أو عوالم مغلقة ودوائر متقاطعة مع بعضها، بل يعني أنّ العوالم على تعدّدها فهي مترابطة مندمجة ومتداخلة، يؤثّر بعضها ببعض، وبتعبير الإمام نفسه : «لا بدّ من معرفة أنّ كلّ واحدة من هذه المراتب الإنسانية الثلاث المذكورة، مترابطة على نحو بحيث تسري آثار كلّ واحدة منها على البقية، من دون فرق في ذلك بين تجاه الكمال أو تجاه النقص» (7).

يسهب الإمام بعد ذلك في بيان ترابط هذه المجالات الوجودية وكيف يؤثّر بعضها في بعض سلبا وإيجابا، فمن يؤدّي عباداته وتكاليفه الظاهرية، فإنّ هذا الالتزام يؤثّر من جهة في روحه وقلبه إيجابيا، ويؤدّي من جهة اخرى إلى تكامل عقيدته. وكذلك إذا أهمل العبادات والتكاليف العبودية الظاهرية، فسيقود ذلك إلى خلل في الوضع المعنوي والروحي، وإلى اضطراب في البنية العقيدية، وهكذا بالنسبة للمراتب الاخرى.

انطلاقا من هذا الترابط الوجودي، وحاجة الإنسان إلى العلوم بأجمعها وعدم استغنائه بمعارف مرتبة عن معارف بقية المراتب، اتجه الإمام إلى نقد الفئات التي بذرت التوتر بين المجالات المعرفية الثلاثة (البرهان، العرفان، النقل) بالتعصب لأحدها ومناوأة البقية أو التقليل من شأنها، بحيث يشنّع الفيلسوف على الفقيه‏ و المحدّث، ويشهّر الفقيه بالفيلسوف والعارف، ويحمل العارف على الفقيه وهكذا، مع أنّ الإنسان يحتاج في رحلته إلى اللّه وسيره على صراط الإنسانية المستقيم إلى الالتزام الكامل بهذه «المراتب الثلاث» والعناية بها بدقّة، بحيث «لا يغضّ النظر عن أيّ الكمالات العلمية والعملية. كما عليه أن لا يتوهّم بأنّه يكفيه تهذيب الخلق وحده، أو تحكيم العقائد وحده، أو موافقة ظاهر الشريعة فقط» (8) وإنّما هو يحتاج إلى المراتب الثلاث بأجمعها.

على سبيل المثال يلوح من بعض نصوص شيخ الإشراق السهروردي في كتابه «حكمة الإشراق» بحسب فهم الإمام واستنتاجه، تفضيل مرتبة بعينها على البقية، كما يذهب إلى ذلك أيضا بعض علماء الأخلاق وأهل المعرفة، وفئة من الفقهاء، الأمر الذي يخلّ بالتوازن القائم بين نشآت الإنسان الوجودية وتنوّع المعارف، على النحو الذي يتسق فيه كلّ لون من المعرفة مع المرتبة الوجودية الموائمة له. وبتعبير الإمام نفسه : «على سبيل المثال لشيخ الإشراق في أوّل (حكمة الإشراق) تقسيمات تعود إلى الكامل في العلم والعمل، والكامل في العمل، والكامل في العلم، على النحو الذي يستفاد من ذلك أنّ الكمال العلمي مع النقص بالعمل وبالعكس [أي الكمال في العمل مع النقص في العلم‏] هو ممّا يمكن أن يتحقّق، إذ عدّ أهل الكمال العلمي من ذوي السعادة والمرتبطين بعالم الغيب والتجرّد، وظنّ أنّ مآلهم الاندراج في سلك العليين والروحانيين. كما ذهب بعض علماء الأخلاق وتهذيب الباطن إلى أنّ تعديل الخلق وتهذيب القلب والأعمال القلبية هي منشأ الكمالات كلّها، وأنّه لا قيمة إطلاقا للحقائق العقلية والأحكام‏ الظاهرية، بل هي معوّقات في طريق السلوك. كما زعم بعض علماء الظاهر أنّ العلوم العقلية والباطنية والمعارف الإلهية، هي كفر وزندقة، حتّى ناءوا علماء هذه العلوم وطلابها» (9).

يتضمّن هذا النص نقدا صريحا وواضحا للاتجاهات الآحادية التي تكتفي بنسق دون آخر، فتعلي مثلا من قيمة البرهان والعلوم العقلية على حساب العرفان والفقه، أو تعلي من قيمة الجانب المعنوي والعرفاني على حساب البرهان والفقه؛ أو تعلي من قيمة الفقه لجهة إسقاط قيمة العلوم العقلية والخفض من الجانب العرفاني.

فكل هذه تعدّ اتجاهات متطرفة ونزعات آحادية شاذّة تضرب بالتكوين الوجودي للإنسان الذي تملي عوالمه وحاجات تلك العوالم، تعدّد الأنساق وتنوّع العلوم والمعارف، بشرط أن يشتغل كلّ علم داخل حقله ويبقى فاعلا حيويا في داخل حدوده ومنطقته.

يسجّل الإمام في نص نقدي عنيف لهذا المنحى الإلغائي : «هذه الطوائف الثلاث التي تحمل هذه العقائد الباطلة، محجوبة بأجمعها عن المقامات الروحية والنشآت الإنسانية، ولم تتدبّر في علوم الأنبياء والأولياء على نحو صحيح» (10).

على أساس هذه الخلفية نشأت أجواء التوتر والتنافر والقطيعة، وبرزت دعوات التجهيل والرمي بالتفسيق والتكفير، فيما بين هذه الفئات الثلاث : «لهذا السبب برزت بين هذه الطوائف الثلاث أجواء العداء دائما، وكان أحدهم يطعن بالآخر ويرميه بالباطل». يعتقد الإمام أنّ هذه الاتجاهات الآحادية خاطئة بأجمعها، من زاوية أنّ «تحديداتهم للمراتب الإنسانية بهذا المستوى، وجعلهم العلوم والكمالات مقتصرة على المجال أو التخصّص الذي هم فيه، هو أمر خلاف الواقع» (11).

إذ الصحيح عند الإمام، هو أنّ هذه الحقول صحيحة بأجمعها كلّ في مجاله، وأنّ التكوين الوجودي للإنسان لا يستغني بأحدها دون البقية. وهنا بالذات يكمن الأساس الذي يسوّغ للإمام الانطلاق في مشروعه للتوفيق بين الفلسفة والعرفان والفقه (الشريعة والظواهر النقلية) والمصالحة بين الفلاسفة والعرفاء والفقهاء.

لما ذا؟ لأنّ «علوم الشريعة- كما اتضح- منحصرة بهذه الأقسام الثلاثة المتوائمة مع احتياجات البشر والمتّسقة مع المقامات الإنسانية الثلاثة» (12).

إذا كان التكوين الوجودي للإنسان هو بذاته الذي يملي تنوّع حقول المعرفة والحاجة إليها بأجمعها دون التفريط بأي واحد منها، ومن ثمّ يسوّغ على نحو عام تصحيح معطيات الفلسفة والعرفان والفقه لحاجة الإنسان إليها في سيره الكمالي؛ إذا كان ذلك كذلك، وأصبح الأساس المنطقي للتوفيق بين الفلاسفة والعرفاء والفقهاء واضحا أمامنا، فهل يصح أن تبقى العلاقة بين هذه الفئات محكومة للمنابذة والقطيعة والشحناء؟

يمكث الإمام طويلا أمام حالة التوتر، بل العداء والقطيعة التي لا تزال قائمة بين هذه الفئات، ويجمع في تحليلها بين أدوات العقل التي تمنع الإنكار عن جهل، ومعايير الشريعة التي تضع الإنسان الذي يتهم الآخر جزافا في موقف عسير، وهو يسجّل بنبرة حادّة ولغة حاسمة : «لا يحقّ لأحد من علماء هذه العلوم الاعتراض على الآخر، ولا ينبغي للإنسان إذا جهل علما أن يكذّبه ويتطاول على صاحبه.

وكما يعدّ العقل السليم التصديق من دون تصوّر من الأغلاط والقبائح الأخلاقية، فكذلك حال التكذيب من دون تصوّر، بل حال الأخير أسوأ وقبحه أكثر.

إذا سألنا اللّه تبارك وتعالى يوم القيامة، وقال مثلا إنّكم لم تكونوا تعرفون معنى (وحدة الوجود) بحسب مسلك الحكماء، ولم تتعلّموه من متخصّص في ذلك العلم وصاحب ذلك الفن، ولم تدرسوا ذلك العلم ومقدّماته، فلما ذا أقدمتم على إهانة المؤمنين بها وتكفيرهم عن جهل؟ هل نملك جوابا في محضر الحقّ المقدّس غير أن نطأطئ الرأس حياء وخجلا؟ وليس مقبولا الاعتذار بالقول : هكذا كنت أظنّ الأمر في نفسي! فلكلّ علم مبادئ ومقدّمات لا يتيسّر فهم ذلك العلم من دون استيعاب تلك المقدّمات، خاصّة في مثل هذه المسألة الدقيقة [وحدة الوجود] التي استنفدت جهود أجيال، ولم يتضح بعد فهم حقيقتها ومغزاها على نحو دقيق» (13).

ثمّ أضاف سماحته بعد استطراد يدور حول إنكار الفلسفة والعلوم العقلية :

«و ما ذا إذا سأل- اللّه سبحانه- حكيما متفلسفا أو عارفا متصنّعا، لما ذا وصفت العالم الفقيه بأنّه قشري وظاهري، ولما ذا طعنت به؟ بل ما هو المبرّر الشرعي في قدحك بمجموعة من العلوم الشرعية التي جاء بها الأنبياء عليهم السّلام من قبل ربّ الأرباب لتكميل النفوس البشرية، وما هو المسوّغ الديني الذي استندت إليه في تكذيبها والاستخفاف بها؟ وما هو الدليل الشرعي أو العقلي الذي استندت إليه في جواز التطاول على مجموعة من العلماء والفقهاء؟ فما ذا سيكون جوابه في محضر الحقّ‏ تبارك وتعالى غير أن يطأطئ رأسه حياء؟» (14).

خلاصة التفسير الأوّل الذي يوفّر للإمام الأساس المنطقي لمشروع التوفيق والمصالحة، يتمثّل بالتصوّر الوجودي الذي يقول بتعدّد مراتب الواقع ونشآته وعوالمه، بما في ذلك الإنسان الذي ينطوي على ثلاث نشآت تملي وجود ثلاثة حقول من المعرفة تلبي حاجاتها. وقد جاءت الشريعة بهذه العلوم الثلاثة، على حسب الحديث النبوي الشريف : «إنّما العلم ثلاثة : آية محكمة، أو فريضة عادلة، أو سنّة قائمة، وما خلاهنّ فهو فضل»، إذ قارب الإمام الخميني «الآية المحكمة» بالعلوم العقلية، و«الفريضة العادلة» بعلم الأخلاق وتصفية القلوب، و« السنّة القائمة» بعلم الظاهر أو الفقه وما يتصل بالسلوك والعمران وتدبير الاجتماع الإنساني‏ (15).

و إذا كانت هذه العلوم متوائمة مع المراتب الوجودية للإنسان وملبّية لحاجاته فيها، فهي بأجمعها ضرورة وجودية حقيقية لا مناص منها، ولا مجال للاستغناء عن بعضها أو الاكتفاء ببعضها قط، ومن ثمّ لا معنى لرفض بعضها ونعت أصحابها بالكذب ورميه بالجهالة والسفه فضلا عن تكفيره، بل هي صحيحة بأجمعها- مع فرض تمامية اللوازم والشروط الاخرى- كلا بحسب مرتبته ومجاله ومنطقته ووظيفته. وهذا الضبط ما سوّغ للإمام الإعلان عن مشروعه للمصالحة بين الفلاسفة والعرفاء والفقهاء.

________________
(1)- الكافي 1 : 32/ 1.

(2)- راجع مثلا : شرح چهل حديث : 5 و12، شرح دعاء السحر : 25- 26 و129.

(3)- شرح چهل حديث : 386.

(4)- نفس المصدر : 387.

(5)- نفس المصدر.

(6)- نفس المصدر.

(7)- نفس المصدر.

(8)- نفس المصدر : 388.

(9)- نفس المصدر.

(10)- نفس المصدر.

(11)- نفس المصدر.

(12)- نفس المصدر : 389.

(13)- نفس المصدر : 389- 390.

(14)- نفس المصدر : 390.

(15)- نفس المصدر : 391.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .