أقرأ أيضاً
التاريخ: 31-8-2016
6938
التاريخ: 16-10-2016
1854
التاريخ: 29-8-2016
2114
التاريخ: 9-6-2020
1406
|
ولا بدّ أوّلا من البحث عن أحكام القطع لشدّة مناسبته بالمقام، وعلى هذا فتقسيم المكلّف إلى حالات تطرأ عليه وتكون مرتبطة بمطالب الاصولي على وجه لم يتداخل الأقسام يكون على نحو ما ذكره شيخنا المرتضى في حاشية الرسائل.
فنقول في توضيحه: اعلم أنّ المكلّف يعني من وضع عليه قلم التكليف،- كما يقال: فلان صار مكلّفا، لا خصوص من تنجّز عليه التكليف فعلا حتّى يرد أنّ المقسم لا ينطبق على الأقسام؛ فإنّ فيها من لا يكون له تكليف فعلي كما في مورد البراءة مثلا- إذ التفت إلى حكم شرعي، وهذا قيد احترازي؛ فإنّ المكلّف بالمعنى الذي ذكرنا يشمل الغافل، ووجه التقييد عدم جريان الحالات الثلاث من القطع وما بعده في الغافل، مضافا إلى أنّ الغافل لا يتعلّق بالبحث عن تكليفه في حال الغفلة غرض؛ إذ لا يرجع فائدته لا إلى نفس الغافل في حال غفلته ولا إلى غيره، وأمّا هو بعد الالتفات فيصير داخلا في موضوع الملتفت.
وبالجملة فهذا المقسم لا يخلو من قسمين؛ لأنّه إمّا يكون قاطعا بالحكم الواقعي أولا، فالأوّل هو المقصود بالبحث في مبحث حجيّة القطع، وعلى الثاني إمّا يكون عنده طريق معتبر وأمارة معتبرة على الواقع أولا، والأوّل هو المقصود في مبحث حجيّة الأمارات، وعلى الثاني- ولا محالة يكون شاكا في الحكم الواقعي- إمّا يكون لشكّه حالة سابقة ملحوظة، يعني اعتبرها الشارع وراعاها أولا، أعمّ من أن لا يكون لشكّه حالة سابقة أصلا أو كان ولم يعتبرها الشارع كما في الشكّ في المقتضي بناء على عدم جريان الاستصحاب فيه.
فالأوّل مجرى الاستصحاب، وعلى الثاني إمّا يكون عالما بحقيقة التكليف أعمّ من أن يكون عالما بجنسه دون نوعه كما لو علم بوجوب هذا أو حرمة ذاك، أو علم بأنّ هذا إمّا واجب وإمّا حرام، ومن أن يكون عالما بالجنس والنوع معا كما لو علم بأنّ الواجب إمّا هذا وإمّا ذاك، أو لا يكون عالما بحقيقة التكليف الذي هو الإلزام فضلا عن نوعه، فالثاني مجرى البراءة، والأوّل إمّا يمكن فيه الاحتياط أولا، فالأوّل مجرى الاحتياط كما لو علم بوجوب شيء أو حرمة شيء آخر، أو علم بوجوب الظهر أو الجمعة مثلا وكان الوقت واسعا لهما، والثاني مجرى التخيير كما لو علم بالوجوب أو الحرمة في شيء واحد أو علم بوجوب الظهر أو الجمعة مثلا ولم يسع الوقت إلّا لأحدهما.
فإن قلت: إنّ المقسم وهو المكلّف الملتفت أعمّ من المجتهد والمقلّد والحال أنّ بعض الأقسام مختصّ بالمجتهد كما في الأمارات والاصول؛ فإنّ الأمارات حجيّتها مختصّة بالمجتهد لوضوح عدم قدرة المقلّد على الاستنباط، وما سوى الاستصحاب من الاصول أيضا واضح اختصاصها بالمجتهد؛ لتوقّف إجرائها في مواردها على الفحص عن البيان والدليل وعدم الظفر به، وليس الفحص من شأن المقلّد.
وكذا الكلام في الاستصحاب في الكليّات؛ فإنّ إجرائه أيضا يتوقّف على اليأس عن الدليل بعد الفحص عنه، وأمّا في الجزئيّات وإن كان المجتهد والمقلّد فيها على السواء إلّا أنّ المقصود بالبحث في هذا الفن هو القسم الأوّل ولا يبحث عن الاستصحاب في الجزئيّات إلّا استطرادا.
لا يقال: كيف يختصّ مثل ذلك بالمجتهد والحال أنّ نظره فيها حجّة على المقلّد، ولو كان العمل بمقتضاها من الشئون الخاصّة به لم يكن للمقلّد فيها حظّ وإن كان بتقليد المجتهد، كما هو الحال في سائر المختصّات به كالقضاء والإفتاء وحفظ مال الغائب؛ فإنّها وظيفة المجتهد وهو المخاطب بها خاصّة وليس للمقلّد تصدّي هذه الامور وإن كان بالتقليد عن المجتهد.
لأنّا نقول: الطرق والقواعد متعرّضة للحكم المعلّق على عنوان يشترك فيه المقلّد والمجتهد، مثلا لسان الأمارة تحقّق حكمها في حقّ جميع المكلّفين من العالم والجاهل وكذا الاصول، ففي الاستصحاب مثلا الحالة السابقة المعلومة شاملة للجميع من دون اختصاص حكمها بأحد، ومفاد الاستصحاب ليس إلّا إبقاء عين هذا الحكم الثابت في السابق في حقّ الجميع في اللاحق، والمخاطب بهذا الإبقاء وإن كان ليس إلّا طائفة واحدة، إلّا أنّ ما يستصحبه هذه الطائفة الواحدة حكم الجميع.
وبعبارة اخرى: إذا استنبط المجتهد من الأدلة وجوب صلاة الجمعة مثلا فهو بحسب نظره يعتقد مشروعيّة هذا الحكم في حقّه وحقّ جميع من عداه من المكلّفين حتى المجتهدين، ويرى أنّ التكليف الواقعي الأوّلي في حقّ الجميع وجوب الجمعة، غاية الأمر أنّ نظره هذا ليس متّبعا لغيره من المجتهدين؛ لعدم كونه طريقا لهم إلى الواقع، واللازم بالنسبة إلى من يجب عليه اتّباع نظره من المقلّدين متابعته والعمل على طبق نظره، فعلم أنّه لا منافاة بين اختصاص الخطاب بالعمل على طبق الاصول والأمارات بالمجتهد ووجوب متابعة المقلّد إيّاه لعموم مداليلها للمقلّد أيضا، وهذا بخلاف مثل منصب القضاء والإفتاء وحفظ مال الغائب؛ فإنّ دليلها غير متعرّض لحكم شخص آخر وراء المجتهد، بل مفاده جعل ذلك وظيفة لشخص المجتهد من دون شركة الغير له.
قلت: ليس مفاد أدلّة حجيّة الأمارات والاصول إلّا العمل على طبق مداليلها، فمفاد «صدّق العادل» لزوم العمل على طبق مقول قوله، وكذا «ابن على الحالة السابقة» مفاده البناء في مقام العمل على السابق، ومن الواضح أنّ العمل غير مختصّ ببعض دون بعض والكلّ قادر عليه، فالعمل على طبق قول الزرارة مثلا في قوله:
قال الصادق: صلّ الجمعة كما هو مطلوب من المجتهد كذلك يكون مطلوبا من المقلّد أيضا بلا فرق، وكذا «لا تنقض اليقين بالشكّ» كما أنّه خطاب إلى المجتهد يكون خطابا إلى المقلّد أيضا.
حتّى أنّ الرجوع إلى الأعدل عند التعارض أيضا خطاب عامّ؛ إذ مرجعه إلى لزوم الأخذ بما قاله الأعدل والعمل على طبقه، إلّا أنّ تشخيص ما قاله العدل أو الأعدل عند التعارض وكذا تعيين موارد البناء على الحالة السابقة صار بواسطة طول الزمان متوقّفا على مقدّمة مفقودة في حقّ المقلّد وهي ملكة الاستنباط والاقتدار على فهم معنى الآية والخبر؛ فلهذا لا بدّ من رجوع المقلّد إلى المجتهد لا بمعنى أنّ طريقه إلى الواقع بلا واسطة هو قوله، بل قول المجتهد طريق للمقلّد إلى ما هو طريقه إلى الواقع من خبر العدل ونحوه، فهو في الحقيقة عامل على طبق ما قاله العدل، غاية الأمر أنّ طريقه إلى ما قاله العدل قول المجتهد، كما أنّ طريق المجتهد إليه فهمه ونظره.
فعلم أنّ الخطاب بالأمارات والاصول عامّ للمقلّد أيضا غاية الأمر يجب رجوعه في تشخيص الأمارات والاصول إلى المجتهد، فوظيفة الاستنباط وأخذ الأحكام من مآخذها من مختصّات المجتهد وليس للمقلّد حظّ في ذلك، ولكن العمل على طبق ما استنبطه عامّ له ولمقلّديه لما عرفت من أنّ مفاد أدلة التنزيل وجعل الأصل في حقّ الشاكّ ليس إلّا العمل على طبق مؤدّي الأمارة والجري على وفق مقتضي الاصول، ويدلّك على ذلك أنّ أدلّة الأحكام مثل «أَقِيمُوا الصَّلاةَ»* و«آتُوا الزَّكاةَ»* وغيرهما خطابات عامّة يندرج تحتها العالم والجاهل.
وأمّا الظن في حال الانسداد فإن قلنا بأنّه يستكشف من مقدّمات الانسداد أنّ الشارع جعله طريقا إلى الواقع وكاشفا عنه في تلك الحال فيكون داخلا في الطرق المعتبرة شرعا، وإن قلنا بالحكومة بمعنى أنّ العقل حاكم بعد عدم إمكان الاحتياط أو عسره بترك الموهومات وأخذ المظنونات والمقطوعات وفي الحقيقة يكون حكمه راجعا إلى تبعيض الاحتياط فيكون الظنّ داخلا في قاعدة الاحتياط؛ فإنّ معناه أنّه بعد عدم إمكان الأخذ بجميع المحتملات ودوران الأمر بين الأخذ بطائفة خاصّة منها، فالعقل حاكم بتقديم الأقرب منها إلى الواقع فالأقرب، يعني يجب الأخذ بالاحتياط مهما أمكن وليس للعقل سبيل إلى أن يجعل الظن في تلك الحال كاشفا عن الحكم الشرعي الواقعي.
بقي الكلام في أنّ المناسب بمقصد الاصولي هو تثليث الأقسام كما فعلنا وفاقا لشيخنا المرتضى، أو تثنيتها كما اختارها صاحب الكفاية فجعل المكلّف الملتفت على قسمين؛ لأنّه إمّا قاطع بالحكم الفعلي الظاهري أو الواقعي وإمّا شاكّ، وأمّا الظن فإن كان من طريق معتبر فداخل في القطع وإلّا فداخل في الشكّ، والشكّ الذي يكون مجرى للأصل الشرعي أيضا داخل في القطع؛ فإنّ هذا الشاكّ أيضا قاطع بالحكم الفعلي الظاهري، فالشاكّ المقابل للقاطع عبارة عمّن ليس له يقين بالواقع ولا ظن معتبر به ولا أصل من الاصول الشرعيّة، ومرجعه إلى الظنّ لو تمّت المقدّمات وقلنا بالحكومة، وإلّا فإلى الاصول العقليّة من البراءة والاحتياط والتخيير.
أقول: لا إشكال في إمكان تقسيم المكلّف إلى أقسام كثيرة بحسب الحالات الطارئة عليه من القيام والقعود ونحوهما، ويمكن جعله قسما واحدا بأن يقال إنّه قاطع بوظيفته العمليّة أبدا وليس متحيّرا فيها في وقت من الأوقات ولكن لا بدّ من مراعاة المناسبة للمقاصد المندرجة في الكتاب حتى يكون التقسيم بمنزلة الفهرست لها، وحيث إنّ المطالب المجموعة في الكتاب الاصولي مطالب تفيد المستنبط فصار المناسب هو التثليث؛ فإنّ المستنبط يرجع أوّلا إلى القطع ومع عدمه إلى الظنون المعتبرة، ومع عدمها إلى الاستصحاب مقدّما له على سائر الاصول لبرزخيّته بين الأماريّة والأصليّة وتمحّضها للثانية، ومع عدمه إلى سائر الاصول العمليّة الشرعيّة، ومع عدمها إلى الظنّ لو حصل له وقد تمّت المقدّمات على تقدير الحكومة ومع عدمه إلى الاصول العقليّة من البراءة والاحتياط والتخيير.
فعلم أنّه مع تثنية الأقسام أيضا لا بدّ من تقسيم القاطع إلى ثلاثة أقسام بأن يقال:
إنّ قطعه بالحكم الفعلي إمّا حاصل من القطع بالحكم الواقعي وإمّا حاصل من الطريق المعتبر وإمّا من الأصل العملي، فصار الأولى هو التثليث.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|