أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015
3746
التاريخ: 3-03-2015
1774
التاريخ: 3-03-2015
18269
التاريخ: 3-03-2015
23496
|
اتبع نحاة بغداد في القرن الرابع الهجري نهجا جديدا في دراساتهم ومصنفاتهم النحوية يقوم على الانتخاب من آراء المدرستين البصرية والكوفية جميعا، وكان من أهم ما هيأ لهذا الاتجاه الجديد أن أوائل هؤلاء النحاة تتلمذوا للمبرد وثعلب، وبذلك نشأ جيل من النحاة يحمل آراء مدرستيهما ويعنى بالتعمق في مصنفات أصحابهما والنفوذ من خلال ذلك إلى كثير من الآراء النحوية الجديدة.
وكان من هذا الجيل من يغلب عليه الميل إلى الآراء الكوفية ومن يغلب عليه الميل إلى الآراء البصرية، فاضطرب كُتَّاب التراجم والطبقات إزاءه، فمنهم من حاول تصنيف أفراده في المدرستين الكوفية والبصرية على نحو ما صنع الزبيدي في طبقاته, ومنهم من أفردهم بمدرسة مستقلة كما صنع ابن النديم في الفهرست، وإن كان قد أدخل فيهم نفرا ليس لهم نشاط نحوي مذكور مثل ابن قتيبة، وأبي حنيفة الدينوري.
وحاول بعض الباحثين المعاصرين أن ينفي وجود المدرسة البغدادية، معتمدا على من ينظمون أفرادها في البصريين والكوفيين, وأن علمين من أعلام جيلها الثاني ينسبان أنفسهما في البصريين، وهما أبو علي الفارسي وتلميذه ابن جني، إذ يعبران في تصانيفهما عنهم كثيرا بكلمة أصحابنا(1) ، وينتصران في أغلب الأمر للآراء البصرية وكثيرا ما يطلق ابن جني على الكوفيين اسم البغداديين(2) وكأنهم مدرسة واحدة.
ص245
ولا يكفي أن ينسب ابن جني وأبو علي الفارسي أنفسهما في البصريين، لنعدهما حقا منهم، فإنهما اتبعا في مصنفاتهما المذهب البغدادي الانتخابي، وإن كانت قد غلبت عليهما النزعة البصرية، وهي لا تخرجهما عن دوائر الاتجاه البغدادي القائم على الانتخاب من آراء البصريين والكوفيين. وعلى غرارهما الزجاجي آخر الجيل الأول من البغداديين.
أما إطلاق ابن جني اسم البغداديين على الكوفيين أحيانا, فيرجع إلى أن جمهور الجيل الأول من البغداديين كانت تغلب عليه النزعة الكوفية، فسماهم الكوفيين تارة، وتارة سماهم البغداديين، وأهمهم ثلاثة: ابن كيسان المتوفى سنة 299 للهجرة, وابن شُقَيْر(3) المتوفى سنة 315، وابن الخياط(4) المتوفى سنة 320 , وفيهم يقول الزجاجي: "من علماء الكوفيين الذين أخذت عنهم: أبو الحسن بن كيسان وأبو بكر بن شقير وأبو بكر بن الخياط؛ لأن هؤلاء قدوة أعلام في علم الكوفيين، وكان أول اعتمادهم عليه، ثم درسوا علم البصريين بعد ذلك فجمعوا بين العلمين"(5) ويصرح الزجاجي في موضع آخر بأن هؤلاء الأعلام ومعهم ابن الأنباري الكوفي الخالص, هم الذين ينقل عنهم احتجاجات الكوفيين لآرائهم، فهم الذين ضبطوا هذه الاحتجاجات ووثقوها وأحكموها، يقول في كتابه الإيضاح بعد أن أورد جملة وجوه الاحتجاج لآراء الكوفيين التي سردها في الكتاب سردا: "وإنما نذكر هذه الأجوبة عن الكوفيين على حسب ما سمعنا مما يحتج به عنهم من ينصر مذهبهم من المتأخرين وعلى حسب ما في كتبهم إلا أن العبارة عن ذلك بغير ألفاظهم والمعنى واحد؛ لأنا لو تكلفنا حكاية ألفاظهم بأعيانها لكان في نقل ذلك مشقة علينا من غير زيادة في الفائدة، بل لعل أكثر ألفاظهم لا يفهمها من لم ينظر في كتبهم، وكثير من ألفاظهم قد هذبها من نحكي
ص246
عنه مذهب الكوفيين مثل ابن كيسان وابن شقير وابن الخياط وابن الأنباري، فنحن إنما نحكي علل الكوفيين على ألفاظ هؤلاء ومن جرى مجراهم، مع أنه لا زيادة في المعنى عليهم ولا بخس حظ يجب لهم" (6).
ومعنى ذلك أن ابن كيسان وابن شقير وابن الخياط الذين جمعوا بين علمي البصرة والكوفة كما يقول الزجاجي, هم الذين اشتقوا احتجاجات الكوفيين في جملتها، وهم الذين انتزعوا مقاييسها وعللها، مع ما أمدهم به الكوفيون من الكسائي إلى ابن الأنباري.
وكان تثقفهم بالنحو البصري وما بُسط فيه من العلل والمقاييس ووجوه الاحتجاج مادة صاغوا منها عملهم. وبذلك تتضح لنا صحة ما رواه صاحب الإنصاف من احتجاجات الكوفيين بإزاء احتجاجات البصريين, فإن من يبحث عن هذه الاحتجاجات فيما وصلنا من كتابات الفراء وثعلب قلما يجد لها أصلا عندهما، مما قد يدعو إلى الشك في صحتها وأنها قد تكون من عمل بصريين متأخرين كما ظن ذلك فايل في مقدمته للإنصاف، وهو ظن واهم، إنما هي من عمل أوائل البغداديين ممن سميناهم وأمثالهم، ممن حاولوا -كما لاحظ الزجاجي- الاحتجاج للآراء الكوفية والاحتيال لها والتلطف في بيانها. وهم أنفسهم الذين يطلق عليهم ابن جني تارة اسم الكوفيين مدمجا فيهم سابقيهم من أمثال الكسائي والفراء، وتارة يطلق عليهم اسم البغداديين، يقصدهم وحدهم دون من تقدموهم من الكوفيين، وهو الاسم الصحيح الذي يتطابق مع ما أكدته كتب التراجم من خلطهم بين آراء المدرستين الكوفية والبصرية.
وكان يعاصرهم من يخلط بين آراء المدرستين نازعا نزعة بصرية قوية، على نحو ما يلقانا عند الزجاجي، وخلفه أبو علي الفارسي وتلميذه ابن جني، وكانا أشد منه نزوعا إلى آراء المدرسة البصرية، ولعلهما من أجل ذلك كانا ينسبان أنفسهما إلى تلك المدرسة، مما جعل الأمر يغم على بعض المعاصرين، فيضيفهما إلى البصريين(7) ، وهما -كما سنرى عما قليل- بغداديان، يقفان غالبا مع
ص247
البصريين وقد يقفان مع الكوفيين حسب ما يقتضيه اجتهادهما، وقد يخالفانهما جميعا حسب ما صح عندهما من الرأي الصائب.
وتلك هي المنازِع العامة للمدرسة البغدادية، وكأنما اتجهت اتجاهين: اتجاها مبكرا عند ابن كيسان وابن شقير وابن الخياط نزع فيه أصحابه إلى آراء المدرسة الكوفية وأكثروا من الاحتجاج لها، مع فتح الأبواب لكثير من آراء المدرسة البصرية، وأيضا مع فتح باب الاجتهاد لبعض الآراء الجديدة، واتجاها مقابلا عند الزجاجي ثم عند أبي علي الفارسي وابن جني، نزع فيه أصحابه إلى آراء المدرسة البصرية وهو الاتجاه الذي ساد فيما بعد لا في مدرسة بغداد وحدها، بل في جميع البيئات التي عُنيت بدراسة النحو. ولعل من الخير أن نقف وقفة قصيرة عند أهم من مثلوا المنزعين في نشأة تلك المدرسة، وهما: ابن كيسان والزجاجي، ثم نتلوهما بالحديث عن أبي علي الفارسي وابن جني ومن جاء في إثرهما من نحاة إيران والعراق والشام ممن استضاءوا بمنهجهما النحوي في نشاطهم العلمي.
ص248
_________________
(1) انظر: أبو علي الفارسي لعبد الفتاح شلبي "طبع مطبعة نهضة مصر" ص106 والخصائص لابن جني "طبعة دار الكتب المصرية سنة 1952" 1/ 137, وسر صناعة الإعراب "طبعة الحلبي" 1/ 267.
(2) الخصائص 1/ 18 وقارن بـ 1/ 199.
(3) راجع في ترجمة ابن شقير: السيرافي ص109حيث سلكه في البصريين, وكذلك الزبيدي ص128, وانظر تاريخ بغداد 4/ 89, ونزهة الألباء ص251, ومعجم الأدباء لياقوت 3/ 11, وإنباه الرواة 1/ 34, وبغية الوعاة ص130 .
(4) انظر في ترجمته: طبقات الزبيدي ص128, ونزهة الألباء ص247, ومعجم الأدباء 17/ 141, وإنباه الرواة 3/ 54, وبغية الوعاة ص19.
(5) الإيضاح في علل النحو للزجاجي ص79.
(6) الزجاجي ص131.
(7) انظر مقدمة الشيخ محمد علي النجار لكتاب الخصائص ص44.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|